هل تريد ضبط سقف توقعاتك؟ الحل في التفكير الواقعي

1 دقيقة
الحل في التفكير الواقعي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

"المتشائم يشكو من الرياح؛ والمتفائل يتوقع تغييرها؛ والواقعي يعدل مساره".

 الكاتب الأميركي ويليام آرثر وارد                                                            

كم مرة بدأت بإنجاز مهمة، أو جربت أن تخوض تجربة جديدة ثم قلت لنفسك: "كنت أتوقع أن النتيجة ستكون أفضل بكثير؟". كم مرة ذهبت إلى العمل ووضعت قائمة طويلة بالمهام التي يجب عليك الالتزام بها وحين لم تتمكن من ذلك شعرت بالإحباط؟

الحقيقة أن الإحباط شعور مؤلم، وغالباً ما يأتي نتيجة حدوث فجوة بين ما تتوقعه، وما يحدث في الواقع، أحياناً قد تضع خططاً مثالية، أو تحلم بتحقيق نتائج باهرة، وعندما لا تسير الأمور وفق ما توقعت، تحس بخيبة الأمل، لكن دعني أخبرك أن هناك طريقة لتجنب هذا الإحساس بالإحباط، وهي التفكير الواقعي، فكيف تتمرس على هذا النوع من التفكير وتبني عقلية واقعية تمنحك صلابة نفسية وتساعدك على رؤية الاحتمالات الحقيقية لأي موقف؟ الإجابة عبر هذا المقال.

ما هو التفكير الواقعي؟

هو القدرة على تقييم المواقف بدقة، مع مراعاة الجوانب الإيجابية والسلبية دون الاستسلام لمخاوف غير منطقية، أو توقعات مفرطة في التفاؤل، وينطوي هذا النمط من التفكير على فهم واضح للواقع يرتكز على الحقائق والأدلة والتفكير المنطقي، ما يساعدك على اتخاذ قرارات أكثر فعالية، ووضع أهداف قابلة للتحقيق، وحل المشكلات التي تواجهك من خلال معطيات الواقع، إذ يساعدك التفكير الواقعي على رؤية الأشياء والأمور كما هي، لا كما تريد أنت أن تراها، وغالباً ما يرتكز على: 

  1. التقييم القائم على الحقائق والأدلة الموثوقة.
  2. المنظور المتوازن بين الإيجابية والسلبية، بمعنى إدراك التحديات المحتملة والفرص المتوفرة.
  3. الانفتاح الذهني والاستعداد لتحدي الافتراضات الخاصة، وبناء منظور أوسع وأشمل.
  4. القدرة على التكيف وتعديل الاستراتيجيات وفقاً لتوفر المعلومات الجديدة أو تغير الظروف.
  5. التركيز على الهدف عبر وضع خطط ملموسة وقابلة للقياس والتعديل المستمر.

اقرأ أيضاً: ما هي أسباب العصابية والتفكير السلبي؟ وكيف يمكن التعافي منهما؟

5 استراتيجيات فعالة تعلمك ممارسة التفكير الواقعي كيلا تصاب بالإحباط

نمر جميعاً بلحظات تتجه فيها أفكارنا إما نحو الإيجابية المفرطة وإما نحو السلبية، في بعض الأوقات نعلق هناك، وتملي علينا تلك الأفكار مشاعرنا وأفعالنا، والحقيقة أنك تستطيع تغيير عقليتك، ويمكنك التمرس على التفكير الواقعي من خلال تعلم استراتيجيات بسيطة وفعالة مثل: 

1- جرب التفكير النقدي 

يمكنك ممارسة التفكير النقدي من خلال التشكيك في افتراضاتك، والنظر إلى التحديات والمشكلات من زوايا مختلفة، وعدم التسرع في الوصول إلى الاستنتاجات، ويمكنك تعزيز تفكيرك النقدي من خلال القراءة، وخوض النقاشات مع الآخرين، والانفتاح الدائم على المعلومات والتجارب الجديدة.

2- مارس اليقظة الذهنية 

تساعد اليقظة الذهنية على تنمية الوعي باللحظة الراهنة، ما يسمح لك بمراقبة أفكارك ومشاعرك دون إصدار أحكام، ومن خلال تطوير اليقظة الذهنية، يمكنك أن تصبح أكثر وعياً بالتحيزات المعرفية والمعتقدات غير العقلانية التي تؤثر في سلوكك اليومي، وحتى تمارس اليقظة الذهنية، خصص من 5 إلى 10 دقائق يومياً للتأمل الذهني، مع التركيز على تنفسك ومراقبة أفكارك فور ظهورها.

3- اطلب الملاحظات من الآخرين وتعرف إلى وجهات النظر المختلفة

أحس في الكثير من الأوقات بالتقصير، وأظن أني فاشلة لأني غير قادرة على إدارة مهامي اليومية، ولكن بعد أن أتحدث إلى أحد أصدقائي، تهدأ مشاعري قليلاً، وأتمكن من النظر للأمور بواقعية، ولهذا إذا رغبت في ممارسة التفكير الواقعي؛ تواصل مع الآخرين لاكتساب رؤى وتعليقات بناءة حول أفكارك وخططك، وذلك لأن هذا التواصل يساعدك على كشف مواطن الخلل ويقدم وجهات نظر بديلة تحسن تفكيرك، ولكن حين تطلب الملاحظات من الآخرين كن منفتحاً على النقد ومستعداً لإعادة النظر في نهجك بناءً على التعليقات التي تتلقاها.

4- راقب أفكارك بانتظام 

خصص وقتاً يومياً للتأمل المنتظم وراقب أفكارك. على سبيل المثال، يمكن أن يساعدك تدوين اليوميات على توضيح أفكارك وتتبع تقدمك في تطوير التفكير الواقعي، وعلى الجانب الآخر، دون معتقداتك حول مواضيع معينة وأعد النظر فيها على نحو دوري، وذلك حتى تطور نفسك باستمرار وتظل منفحتاً على الأفكار والمعتقدات والمعلومات الجديدة التي يفرضها الواقع.

5- تقبل النقص وعدم اليقين 

قبل أن تبدأ في تمرس التفكير الواقعي، سوف تجلس مع نفسك وتتعرف عليها جيداً. وبصورة واقعية، سوف ترى نقاط ضعفك وتضع خطة من أجل تحسينها، ولهذا عليك أن تتقبل حالة النقص الموجودة فيك، سوف تضع خطة من أجل سير يومك، ثم ستواجه عقبات، ولهذا تقبل حالة عدم اليقين، وكن مستعداً دوماً للطوارئ.

اقرأ أيضاً: تقنية بسيطة لتهدئة دماغك من الأفكار الصاخبة

كيف يحميك التفكير الواقعي من الشعور بالإحباط ويعزز صحتك النفسية؟

حين كلفت بإنجاز هذا المقال، سألت نفسي قبل بداية كتابته؛ ما هي المشكلة في التفكير الإيجابي؟ إنه يجعلنا نرى الواقع بطريقة جيدة، لكن المعالج النفسي، أسامة الجامع، يشرح أن التفكير الإيجابي في بعض الأحيان يكون بمثابة تزييف للواقع وتزييف لمشاعرك، كما أنه لا يضع في الحسبان الجانب الآخر من الحياة، وهو الفشل والحزن والألم، ويضيف الجامع، أن هناك جانباً مظلماً للتفكير الإيجابي عندما يخاطبك لتتقمص شخصية سعيدة بدلاً من أن تكون كما أنت، وعلى الجانب الآخر يؤدي التفكير الواقعي إلى:

1- تحسين مهارة حل المشكلات 

يساعدك تبني التفكير الواقعي على تحليل المواقف المعقدة وتقسيمها إلى أجزاء يسهل التعامل معها؛ فبدلاً من الانشغال بالصورة العامة، يمكنك تحديد المشكلة الأصغر مع محاولة تطوير حلول عملية، وتجدر الإشارة إلى أن هذا النهج المنظم يخفف إحساسك بالإحباط والقلق والتوتر، ويعزز أيضاً الشعور بالتمكين في أثناء تعاملك مع مشاكلك خطوة بخطوة.

2- تعزيز القدرة على التنظيم العاطفي 

من أهم فوائد التفكير الواقعي قدرته على تعزيز التنظيم العاطفي؛ فحين تفهم الموقف جيداً وتركز على معطيات الأمر الواقع، سوف تقل احتمالية انخراطك في ردود فعل عاطفية حادة. على سبيل المثال، حين يخبرك مديرك في العمل بضرورة إجراء بعض التعديلات، لن تحس بمشاعر الإحباط أو الخزي، لأنك تدرك جيداً أن التعديلات لا تعني أنك فاشل، ومن ثم، يسمح لك التفكير الواقعي باستجابة بناءة بدلاً من الاستجابة العاطفية، وهو الأمر الذي سيقلل مع مرور الوقت مشاعر الإحباط.

3- القدرة على اتخاذ القرارات العقلانية 

غالباً ما تكون القرارات التي تتخذ وفقاً للتفكير الإيجابي المفرط أو السلبي قرارات متسرعة لأنها ترتكز على المواقف العاطفية، وعلى الجانب الآخر، يشجع التفكير الواقعي على تقييم الحقائق بهدوء، ما يؤدي إلى خيارات أكثر تعمقاً من خلال موازنة الإيجابيات والسلبيات ومراعاة النتائج المحتملة. علاوة على ذلك، يسمح لك التفكير الواقعي باتخاذ قرارات أكثر انسجاماً مع أهدافك وقيمك، وهو الأمر الذي يقلل مشاعر الندم والإحباط والقلق المصاحبة للخيارات الاندفاعية أو الانفعالية.

4- تحسن مهارات التكيف والتأقلم 

حين تفكر بإيجابية مفرطة أو سلبية، فأنت تتعامل مع الواقع وفقاً لمشاعرك، أما التفكير الواقعي فإنه يمدك بالأدوات اللازمة للتعامل مع الواقع، وذلك من خلال الاعتراف بالتحديات دون المبالغة في شدتها، وحين تعترف بوجود التحديات والمشاكل، سوف تفكر في طرق وأدوات من أجل التعامل معها؛ على سبيل المثال، يمكنك وضع خطط للطوارئ، وطلب الدعم عند الحاجة، وبناء آليات تكيف صحية.

اقرأ أيضاً: 6 إرشادات فعالة تخلصك من التفكير بطريقة "كل شيء أو لا شيء"

5- تقبل عملية التغيير 

دعني أخبرك أمراً تعلمته بالطريقة الصعبة، الحياة غير متوقعة، وأحياناً يمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة، لذلك عليك تقبل تلك الحقيقة، وحين تتمرس على التفكير الواقعي، سوف تتعلم تقبل التغيير عوضاً عن مقاومته، وسوف تدرك أن عدم اليقين جزء من لعبة الحياة، وحين تتقبل ذلك، سوف تتمكن من التكيف مع الظروف المتغيرة، وتنظر إلى التحديات بصفتها فرصاً للنمو.

6- تعزيز التواصل الحقيقي وتحسين العلاقات 

يشجع التفكير الواقعي على الصدق، سواءً مع نفسك أو مع الآخرين، وعندما تظهر ذاتك الحقيقية وتتقبل تحدياتك وعيوبك، سوف ترسي أساساً متيناً للتواصل الحقيقي والصادق مع الآخرين، علاوة على ذلك، سوف تتمكن من التعبير عن أفكارك ومشاعرك بوضوح، وستنجح في وضع الحدود الصحية ما يعزز علاقاتك الاجتماعية مع الآخرين.

7- تحسين الوعي الذاتي 

هل سبق أن وضعت لنفسك خطة محكمة وغير واقعية، وحين أخفقت شعرت بالذنب والحزن؟ الحقيقة أنه حان وقت التفكير بواقعية في قدراتك وإمكاناتك وظروف حياتك المختلفة، ويمكن القول إن التفكير الواقعي يساعدك على إدراك ذاتك بطريقة متوازنة، ويجعلك تتعرف على نقاط قوتك وضعفك، بدلاً من إضفاء المثالية على نفسك، ومن ثم الوقوع في فخ الحديث السلبي مع الذات، فمن خلال التفكير الواقعي سوف تحتفل بإنجازاتك الصغيرة وتحاول تطوير نقاط ضعفك وتعمل على تحسينها.

المحتوى محمي