ملخص: تتعدد قراراتنا بين قرارات مهمة نتخذها بين حين وآخر وأخرى صغيرة نتخذها يومياً. وبينما يكون البعض حاسمين إزاء هذه المهمة، يتردد آخرون في اتخاذ قراراتهم ويماطلون لفترات طويلة. لمعرفة أي الفريقين يمتلك أفضل القرارات وأصوبها؛ أجرى باحثون من جامعة إس دابليو بي إس للعلوم الاجتماعية والإنسانية البولندية دراسة لبحث علاقة الحذر بشأن اتخاذ القرار بالإضافة إلى عوامل أخرى بمدى صوابه القرار وأفضليته، وأظهرت النتائج أن الحسم في اتخاذ القرارات لا يؤدي إلى قرارات أفضل، وكذلك تعيق مماطلة الأفراد غير الحاسمين وصولهم إلى أهدافهم وترهقهم ذهنياً.
ما آخر قرار مهم اتخذته؟ وكم استغرقت من الوقت لاتخاذه؟ هل شعرت أن قرارك واختيارك هما الأصوب من بين الاختيارات الأخرى التي كانت متاحة؟ هل كنت حازماً أم متردداً بشأن قرارك؟
إن حياتنا هي نتاج قراراتنا واختياراتنا اليومية التي تصل نحو 35,000 خيار يومياً للشخص العادي، وتتراوح في أهميتها بين قرارات بسيطة متعلقة بالطعام والشراب والملبس وما شابه، وأخرى مهمة سواء بشأن العمل أو الحياة الشخصية والاجتماعية.
إذاً، فاتخاذ القرار هو أمر حيوي ليس له بديل؛ كما أن التقاعس عنه هو قرار بحد ذاته ولكنه سلبي.
لكن ماذا عن التردد في اتخاذ القرارات؟ ولماذا يتخذ البعض قراراتهم بثقة أكثر من الآخرين؟ وهل تضمن تلك الثقة قرارات أفضل دائماً؟
الحسم مقابل التردد في اتخاذ القرارات
أوضحت دراسة من جامعة إس دابليو بي إس للعلوم الاجتماعية والإنسانية (SWPS University of Social Sciences and Humanities) بوارسو في بولندا، بحثت ارتباط أن يكون الفرد حاسماً أو متردداً في اتخاذ قراراته بجودة تلك القرارات، أن الحسم في اتخاذ القرارات لا يضمن اتخاذ قرارات صائبة على الرغم من ثقة الفرد في قراره.
استخدم الفريق البحثي في الدراسة استبياناً حول الخيارات والسلوكيات اليومية للتمييز بين الأشخاص الحازمين وغير الحازمين في قراراتهم. وصُمِّم هذا الاستبيان لكشف ما إذا كان الفرد "عملي التوجّه" (Action-oriented) أو أنه شخص "عاطفي التوجه" (State-oriented) لمعرفة أي الفريقين تكون قراراته أكثر صواباً.
بحسب دراسة سابقة من جامعة نورث ويست أيه آند إف (Northwest A&F University) الصينية، يتميز الأفراد عمليو التوجّه بأنهم أكثر حسماً في قراراتهم ومن المرجح أن ينفِّذوا نواياهم مهما كان الأمر صعباً. بينما يركز الأشخاص عاطفيو التوجه على حالتهم العاطفية؛ كما أنهم مترددون وغالباً يكافحون للالتزام بخياراتهم، وقد يتخلون عن التزاماتهم وقراراتهم بشكل متكرر.
شملت الدراسة البولندية 723 مشاركاً خضعوا لمجموعة من المهام المعرفية، مع خيارات بسيطة مثل الاختيار بين وجبتين خفيفتين لتناولها.
تمثّلت العمليات المعرفية المستخدمة في التجربة في:
- سرعة معالجة الأدلة (السرعة التي يمكنك من خلالها الحصول على معلومات جديدة).
- الحذر بشأن اتخاذ القرار (إلى أي مدى تحتاج إلى معرفة الخيارات قبل الالتزام بأحدها).
- الانحياز الأولي (مدى تأثر الاختيار ببعض المعارف السابقة).
- حساسية ما وراء المعرفة (دقة الحكم على صواب اختيارك).
- الانحياز (مدى ثقتك في قرارك).
اقرأ أيضاً: لماذا نخاف من اتخاذ القرارات؟
الأشخاص الحازمون أكثر ثقة في قراراتهم
على الرغم من أن الأشخاص الحازمين يكونون أكثر ثقة في قراراتهم؛ إلا أن هذا لا يعني أنهم الأفضل في اتخاذ القرارات أو أن قراراتهم صائبة، وذلك وفقاً للدراسة.
كذلك، اختلفت المجموعتان (مجموعة الحازمين ومجموعة المترددين) في نقطة واحدة فقط عبر جميع التجارب، وهي أن الأشخاص عمليي التوجه كانوا أكثر ثقة في خياراتهم، بينما لم تظهر اختلافات أو فروق واضحة في الدقة أو سرعة معالجة الأدلة أو الحذر أو الانحياز.
لكن على الرغم من ذلك، أشار الباحثون إلى أن التردد في اتخاذ القرار قد يكون في بعض الأحيان منهكاً ويعيق قدرة الفرد على متابعة أهدافه؛ لكنه لا يعني اتخاذ قرارات سيئة بأي حال من الأحوال؛ حيث إن الأفراد المترددين يمكنهم معالجة الأدلة بشكل جيد وتسخير المعرفة السابقة بفعالية مثل الأشخاص الحازمين. أما على المدى الطويل والسعي وراء أهداف مهمة، فقد يشكِّل الأمر تحدياً للمترددين.
اقرأ أيضاً: كيف يصبح الندم على قرارات الماضي وسيلة لاتخاذ قرارات مستقبلية أفضل؟
كيف يمكنك اتخاذ القرارات بثقة؟
لما كان للتردد في اتخاذ القرارات تأثير سلبي على المدى الطويل في تحقيق أهدافنا؛ تقدم الطبيبة النفسية جينيفر غوتمان (Jennifer Guttman) بعض النصائح التي تساعد على اتخاذ قرارات جيدة بثقة كما يلي:
1. افهم المشكلة
إذا كانت المشكلة التي تريد اتخاذ قرار بشأنها كبيرة ولا تستطيع التفكير فيها جيداً، قسّمها إلى أجزاء أصغر حتى يكون اتخاذ كل قرار أقل صعوبة؛ يسهِّل ذلك من فهم المشكلة وكذلك حلّها.
2. فكّر في المستقبل
يُعد التعلَّم من تجاربنا السابقة أمراً ضرورياً، ويساعد التقييم الذي يتبع كل قرار على اتخاذ القرار الذي يليه؛ ما يعني أنه يوجِّه تفكيرنا نحو ما يمكن أن ينجح وما لن يؤتي ثماره، ويبرز لنا إيجابيات كل خيار وسلبياته، لذلك يجب تقييم كل قرار بعد اتخاذه للاستفاده من تلك التجربة لاحقاً.
3. كن مرناً
حاول تجنّب تفكير "الكل أو اللا شيء" والنظر إلى الأمور كما لو أنها لا تحتمل مزيداً من الخيارات والحلول. عوضاً عن ذلك، ابحث عن الحلول التي تقع في الخط "الرمادي" وفكّر خارج الصندوق.
4. تدرَّب على اتخاذ القرارات
كل شيء يتحسَّن بالممارسة، لذلك درّب نفسك على اتخاذ قرارات صغيرة في 10 دقائق وقرارات أكبر في 20 دقيقة؛ حيث يساعد ذلك على بناء ثقتك بنفسك ويعزز إيمانك بقدرتك الفطرية على حل المشكلات.
5. نفِّذ الخطة والقرار الذي توصّلت إليه
نفّذ القرار الذي أخذت وقتاً كافياً للتفكير فيه وتحقّق من كل خطوة لازمة تخطوها لتنفيذ خطتك. كذلك لا يجب أن تتقاعس عن ذلك بحجة إمكانية وجود خيار أفضل لم تتوصل له بعد.
وأخيراً، لم يعد الحسم بشأن القرارات وسرعة اتخاذها هو المؤشر على جودتها، وعلى الجانب الآخر، فالمماطلة والتردد الزائد قد يحرماننا من الوصول إلى أهدافنا ويوقعاننا في شرك انتظار الفرصة الثانية التي لا تأتي دائماً. لذلك علينا التفكير جيداً بشأن ما نريد، واتخاذ قرارات تتوافق مع تلك الرؤية حول ذواتنا وأهدافنا لأن النتيجة السلبية الناتجة من الاستسلام للخوف وعدم اتخاذ القرارات أسوأ بكثير من التعامل مع خيار خاطئ ومحاولة تغيير المسار.