ملخص: أصبح التواصل النصي الوسيلة الأساسية للاتصال الإنساني في المدينة الرقمية الصاخبة في القرن الحادي والعشرين. وعلى الرغم من مزاياه اللامتناهية في تسهيل التواصل وجعل البعيد قريباً، فإن تأثيراته السلبية عديدة فيما يخص الإضرار بالعلاقات الشخصية والروابط الاجتماعية.
محتويات المقال
ربّما أصبحنا نستهين بأهميّة الاتصال والتواصل في حياتنا، ونارداً ما نفكّر بتحسين المهارات المرتبطة به. يوضّح وكيل كلية الاتصال والإعلام للتطوير والمختص في التواصل الجماهيري والتواصل الثقافي الدولـي، أنمار مطاوع إنّ الاتصال مهارة دائمة التطوّر، فالتواصل الصحيح كفيل بتحقيق النجاح لمن يتقنه في أيّ مجالٍ كان، ويضيف إنّه يتّفق إلى حدٍّ كبير مع فكرة أن المشكلات كلّها سببها سوء الفهم.
وهذا ما سيوضحه مقالنا من خلال تسليط الضوء على التواصل النصي وعلاقته بتدهور العلاقات الشخصية والاجتماعية.
كيف يؤثّر التواصل النصي سلباً في العلاقات؟
تسهّل المراسلات النصية التواصل اليومي بالتأكيد؛ لكنّها لا توفّر مزايا الحوار الحقيقي، ويمكن أن تشجّع سلوكيات الكسل والكذب لتفادي المواجهة الشخصية والسلوك العدواني السلبي. وتوضّح المختصة النفسية الأميركية ماغي مولكوين (Maggie Mulqueen) الأسباب التي تجعل من التواصل النصي ضارّاً بالعلاقات ويخفّض جودتها كما يلي:
- يخفّض جودة المحادثات: حيث يؤدّي غياب نبرة الصّوت وإشارات الوجه ولغة الجسد إلى صعوبة فهم المقاصد الحقيقية وراء الرسائل.
- يشجّع السلوك العدواني السلبي: إذ تسهّل على الأشخاص إرسال ردود متهوّرة وسلبية وعدوانية دون الاضطرار إلى مواجهة عواقب كلماتهم؛ ما يمكن أن يؤدي إلى سوء الفهم وإيذاء المشاعر.
- يسهّل الكذب: فالرسائل النصية تتيح للأشخاص الكذب بسهولة أكبر لأن الكلمات المكتوبة يمكن أن تخفي المشاعر الحقيقية وراءَها، ما يصعّب اكتشاف الكذب.
- يقصّر المحادثات: فقد يلجأ الأشخاص لاستخدام الرسائل النصية لتجنُّب المحادثات المعمّقة وحلّ النزاعات؛ ما يُضعف العلاقات، فالاعتذار عبر رسالة نصيّة على سبيل المثال يمنع الطرفين من التعبير عن مشاعرهما على نحوٍ صحيح.
- ينقص التواصل الهادف: يمكن أن تجعل الرسائل النصية من التواصل الإنساني سطحياً؛ حيث تتحوّل الرسائل المهمة مثل التعازي أو الاعتذار إلى رموز تعبيرية ورسائل موجزة، تاركاً المتلقين أمام القليل فقط من التقدير، والكثير من خيبة الأمل.
- يسبب تَدهور مهارات المحادثة: ينخفض مستوى الذكاء العاطفي وتتدهور مهارات المحادثة عند الأشخاص الذين يعتمدون بشكل أكبر على الرسائل النصية وغيرها من وسائل الاتصال الافتراضية في تواصلهم؛ ما يصعّب عليهم بناء علاقات قوية والحفاظ عليها.
اقرأ أيضاً: ما أسلوب التواصل اللاعنفي؟ وكيف تستفيد منه؟
5 أخطاء قاتلة في الرسائل النصية
يقيّم الأفراد باستمرار سلوك بعضهم بعضاً، وتعمل الرسائل النصية كواحدة من الطرائق الأساسية لتكوين انطباعات أولية عن العلاقة. فعندما يبدأ شخص في مواعدة شخص آخر على سبيل المثال، يمكن لأنماط الرسائل النصية الخاصة به أن تعزز فرص تطوير العلاقة أو تهدمها. وفيما يلي بعض الأخطاء المتكرّرة التي يقوم بها الأفراد في أثناء إرسال الرسائل النصية في العلاقات الشخصية:
- الاعتماد على التواصل النصي للتعامل مع النزاعات: محاولة معالجة المشكلات وحلّ النزاعات في العلاقات وطرح موضوعات حساسة من خلال الرسائل النصية، كلها أمور تزيد احتمالية سوء التفسير وسوء الفهم.
- طرح العديد من الأسئلة: يدّل طرح سؤال أو اثنين إلى الاهتمام بالطرف الآخر؛ لكن طرح عددٍ كبير من الأسئلة يمكن أن يصبح أقرب إلى الاستجواب ما قد يجعل المتلقي دفاعياً.
- إرسال نصوص طويلة: يمكن أن تكون النصوص الطويلة مزعجة لمستلميها، وبخاصة إذا كانوا مشغولين بالعمل أو يركزّون على مهمة ما.
- الجدال من خلال الرسائل النصية: استخدام التواصل النصي للتعبير عن الغضب أو الانزعاج.
- إيقاظ الطرف الآخر: إرسال الرسائل في وقت مبكّر جداً من الصباح أو في وقت متأخر من الليل.
كيف تحافظ على نمط تواصل نصي صحي في العلاقات؟
لقد توصّل الباحثون إلى أن الرضا عن العلاقة لا يتحدّد بمحتوى الرسائل النصية أو أسلوبها؛ بل من خلال ما يسمَّى بـ "توافق التراسل النصي" (Texting Compatibility). أي عندما تكون لدى الشركاء عادات مماثلة في كتابة الرسائل النصية، فإن ذلك يسهم في بناء علاقة مُرضية للطرفين؛ حيث يمكن أن يتحقّق ذلك من خلال إرسال الرسائل النصية بالمقدار نفسه، بغض النظر عما إذا كانت نصوصها طويلة أو قصيرة.
وذلك بالإضافة إلى التساوي في المبادرة نحو التواصل، فلا يتواصل طرف أكثر من الآخر؛ حيث يمكن أن يشير ذلك إلى وجود اختلالات في العلاقة.
كما يُنصح باستخدام الرسائل النصية للدردشة فقط؛ التي تتضمّن المحادثات القصيرة أو مشاركة الميمات المضحكة أو المقالات الشيقة والمهمة؛ إذ تُعتبر هذه الرسائل النصية غير الرسمية علامة إيجابية ومؤشّراً قوّياً إلى الرضا العام عن العلاقة.
يمكن أن تؤثّر الرسائل النصية إيجاباً وسلباً في العلاقات، اعتماداً على الدوافع الكامنة وراء استخدامها والتشابه في أنماط التراسل النصي بين الأشخاص، فقد وجدت الأبحاث المقدَّمة في المؤتمر السنوي للجمعية الأميركية لعلم النفس (APA) أن الأزواج الذين لديهم أنماط تراسل نصي متماثلة أبلغوا عن رضا أكبر عن العلاقة؛ لكن الاعتماد على التواصل النصي يمكن أن يخلق أيضاً مسافة بينهم إذا استُخدمت الرسائل كمهرب من موقف ما أو إذا أصبحت حاجزاً أمام التفاعلات ذات المغزى.
اقرأ أيضاً: 5 نصائح للتواصل مع الآخرين بطريقة أفضل
يتميّز التواصل النصي بقدرته على مساعدتنا في تعزيز علاقاتنا أو إعاقة تطوّرها. وفي خضمّ التنبيهات النصية ورغبتنا النهمة في الاستجابة الفورية، نجد أنفسنا نبتعد تدريجيّاً عن التواصل الإنساني الحقيقي ونفقد شيئاً فشيئاً مهارات التواصل الأصيل.
يذكّرنا هذا المقال بأهمية الانخراط في محادثات حقيقية تتضمن الاستماع إلى الآخر ورؤية تعابير وجهه، ودعم الحوار الحقيقي لتعزيز العلاقات الشخصية القوية والصحية.