قائد عطوف أم حازم؟ اكتشف نقطة التوازن الذكية

5 دقيقة
التوازن النفسي بين الحزم والتعاطف
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

عندما أفكر في القيادة، يتبادر إلى ذهني مديري المباشر. من ناحية، هو من نوع القادة الذي يمنحني شعوراً بأن صوتي مسموع ومقدر، إنه شخص أستطيع اللجوء إليه في أي مشكلة، مدركة أنه سيقدم لي النصح والإرشاد. ومع ذلك، وللمفارقة، لملاحظاته وقع ثقيل في نفسي يثير شعوراً بالقلق والتقصير، على الرغم من إدراكي تماماً بأن توقعاته عالية ومعاييره ثابتة.

دفعني هذا التوازن الفريد لديه، بين الدعم والحزم، إلى التساؤل: هل يجب أن يكون القائد الجيد صارماً؟ في الحقيقة إن أكثر القادة فعالية هم أولئك الذين يستطيعون الموازنة بين الحزم والتعاطف، ومحاسبة فرقهم مع فهم احتياجاتهم ودعمها في الوقت نفسه، فكيف يمكن تحقيق هذه الموازنة؟

بين الصرامة والتعاطف: كيف تجد نقطة التوازن؟

عقوداً من الزمن، هيمن نموذج القائد الصارم الذي لا يلين على مجالس الإدارة والأعمال. كان هذا القائد حازماً، وفي بعض الأحيان مخيفاً، إذ كان يعتقد أنه ضروري للحفاظ على الانضباط وتحقيق أهداف المؤسسة. في المقابل، كان التعاطف يعد نقطة ضعف في القائد، تعوقه عن فرض القواعد واتخاذ القرارات الصعبة. لكن على الرغم من أن التعاطف والحزم مفهومان متعارضان، فإنهما في علم الإدارة مكملان بعضهما لبعض.

وفقاً لاستشاري الطب النفسي محمد اليوسف: "التعاطف قوة وليس ضعفاً فهو ينقلك من التركيز الكامل على نفسك (أفكارك ومشاعرك) إلى التفكير بالآخرين ومحاولة معايشة الواقع بمنظورهم. لذلك هو يخفف الغضب، وهو أحد الأدوات المهمة للتفاوض فعندما تعرف ماذا يريد الطرف الآخر فإنك تقدم له ما يريد مقابل الحصول على ما ترغب فيه وتريده أنت". فالقائد المتعاطف هو الذي يفهم مشاعر الموظفين ووجهات نظرهم، ويمنحها الأولوية. من ناحية أخرى، يتعلق الحزم بقدرة القائد على تحليل المواقف وتقييم الخيارات المتاحة بسرعة، لاتخاذ قرارات واضحة وحاسمة، وضبط أداء المرؤوسين لتحقيق الأهداف بكفاءة عالية.

في الواقع يتشابك التعاطف والحزم على المستوى العصبي، حيث أشارت دراسة منشورة في دورية تقارير العلوم الصحية إلى أنه يمكن للفرد أن يكون حازماً ومتعاطفاً في الوقت نفسه، وهو ما يطلق عليه بالتعاطف الحازم، ويتضمن اتخاذ قرارات عاطفية ومنطقية، وذلك عند إشراك كل من القشرة الجبهية الأمامية (مركز اتخاذ القرار في الدماغ) مع الجهاز الحوفي الذي يتحكم في العواطف، وهو ما يتيح للقائد الحزم في قراراته مع الحفاظ على انسجامها مع احتياجات الفريق.

إليك هذا المثال، في إحدى الشركات، فوت أحد الموظفين موعد تسليم المهام الموكلة إليه عدة مرات، لكن بدلاً من أن يوبخه المدير أمام الفريق أو يهدده بإجراءات تأديبية، طلبه في اجتماع خاص بهما، وبدأ المدير الحديث بالقول: "لقد لاحظت أنك تواجه بعض الصعوبات في الالتزام بالمواعيد مؤخراً، وأنا أرغب أن أفهم إن كان ثمة ما يعوقك".

شعر الموظف هنا بأنه مسموع وذو أهمية، فاعترف بأنه يواجه مشكلات شخصية أثرت على تركيزه، فكان رد المدير: "أقدر صراحتك، وأريد مساعدتك في الوقت نفسه، لكن علينا التأكد أن العمل يسير بسلاسة، ولهذا سأمنحك جدولاً أكثر تنظيماً وأدعمك في إيجاد حلول، والأهم أيضاً أني سأحتاج إلى التزامك الكامل خلال الأسابيع المقبلة". بهذا الأسلوب، أظهر المدير التعاطف عبر الاستماع لمشكلة موظفه، لكنه كان واضحاً في ضرورة تحسين الأداء.

اقرأ أيضاً: كيف تنجح في تحقيق التوازن النفسي بين الولاء للشركة والولاء لنفسك؟

سلبيات التعاطف: ما الذي يحدث إذا كنت تميل للتعاطف أكثر من الحزم؟

يتضمن التعاطف في جوهره رؤية الأمور من وجهة نظر الآخرين، وهي مهارة أساسية للقائد، لأنها تساعده على فهم أفكار موظفيه وسلوكياتهم. ومع ذلك، قد يميل بعض القادة إلى التعاطف على حساب الحزم والصرامة لأسباب عديدة، منها الخوف من المواجهة والصراع، والقلق من أن ينظر إليهم على أنهم وقحون أو عدوانيون، وصعوبة التعبير عن مشاعرهم الحقيقية.

بالإضافة إلى ذلك، قد تؤثر المعايير الثقافية أو الجندرية (الجنس) على كيفية إدراك الحزم، فالإناث، على سبيل المثال، قد يجدن في الحزم سلوكاً قاسياً، ويفضلن تبني سلوك التعاطف، بينما يراه الذكور علامة على القوة والثقة.

ومع ذلك، قد يواجه القادة الذين يفرطون في التعاطف المشكلات التالية:

  1. ينظر الآخرون إليهم على أنهم ضعفاء: غالباً ما يرتبط التعاطف بالحساسية المفرطة أو الضعف، ما قد يقلل احترام الفريق لهم ويؤثر في قدرتهم على القيادة بفعالية.
  2. الإرهاق العاطفي: يمكن أن يكون التعاطف الزائد مرهقاً عاطفياً للقائد، فيسبب شعوراً بالإجهاد أو الاحتراق النفسي نتيجة لتحمل مشاعر الآخرين، وما يرافقه من أعراض نفسية مثل القلق والاكتئاب، وجسدية مثل الصداع والمشكلات الهضمية وارتفاع ضغط الدم.
  3. صعوبة اتخاذ القرارات: قد يعاني القادة صعوبة وتردداً في اتخاذ قرارات حاسمة عندما يكون لديهم تعاطف زائد مع مشاعر الآخرين.
  4. صعوبة وضع الحدود: قد يجد القادة المتعاطفون صعوبة في وضع حدود واضحة، ما يمكن أن يؤدي إلى استغلال من قبل أعضاء الفريق، حيث قد يعتقد بعضهم أنه يستطيع تجنب المسؤوليات أو الالتزامات.
  5. الحد من التنوع: أحياناً يفضل القادة المتعاطفون، دون وعي، من يتشاركون تجارب أو خلفيات أو وجهات نظر متشابهة، ما يعرض الموظفين الآخرين، أصحاب وجهات النظر المختلفة، للإقصاء دون قصد. ينبع هذا السلوك من تحيز معرفي يدعى تحيز التقارب، الذي يسمح بإعطاء الأولوية للألفة على حساب التنوع، ما يعوق الابتكار والشمول.

اقرأ أيضاً: هل تعرف الفرق بين المشاركة الوجدانية والتعاطف؟

ما هي سلبيات الحزم المفرط في الإدارة؟

في حين أن الحزم يسفر عن قرارات سريعة وتوجيهات واضحة، فإن الحزم المفرط دون مساحة للتعاطف أو التعاون أو مساهمة الموظفين يمكن أن يؤدي إلى بيئة عمل سامة، ويقوض أداء المؤسسة كما يلي:

  • انخفاض مشاركة الموظفين ومعنوياتهم: عندما يكون القادة مفرطين في الحزم ويتخذون قرارات دون مشاركة، غالباً ما يشعر الموظفون بالتقليل من شأنهم والانفصال عن المؤسسة وعدم الثقة، ما يؤدي إلى انخفاض حماسهم للعمل والمشاركة، وعدم الرضا، وزيادة معدلات دوران الموظفين.
  • قمع الإبداع والابتكار: تثني القيادة الصارمة الموظفين عن مشاركة الأفكار أو اتخاذ المبادرات، ما يؤدي إلى بيئة خانقة تقيد الإبداع والابتكار.
  • ضعف التواصل: يسبب الحزم المفرط نوعية تواصل أحادي الاتجاه من القادة، ما يؤدي لارتباك وسوء فهم بين الموظفين، فلا يدركون أسباب القرارات أو أهدافها. يمكن لمثل هذا السلوك أن يبطئ إنجاز المشاريع ويقلل الإنتاجية الإجمالية.
  • مقاومة التغيير: الموظفون المستبعدون من عمليات صنع القرار أكثر عرضة لمقاومة الاستراتيجيات الجديدة أو التغييرات التنظيمية، ما يؤدي إلى الركود وفشل المبادرات.
  • زيادة التوتر والإرهاق: انعدام استقلالية الموظف وخوفه من ارتكاب الأخطاء في بيئة صارمة يمكن أن يزيد التوتر والإجهاد، ما يؤثر سلباً في صحته وإنتاجيته.
  • الاعتماد على القائد: عندما تقع القرارات والسلطات جميعها في يد قائد واحد، تصبح المؤسسة معتمدة بدرجة مفرطة على هذا الفرد، ما يخلق مخاطر في حال غياب القائد أو مغادرته المؤسسة.

اقرأ أيضاً: 4 نصائح لتنجح في الفصل بين حياتك العملية والشخصية

8 خطوات لتحقيق التوازن بين الحزم والتعاطف في القيادة

يتطلب تحقيق التوازن بين الحزم والتعاطف، بصفتك قائداً، ممارسات مدروسة تراعي الحالة النفسية لفريقك والاحتياجات المستمرة لمؤسستك. إليك الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك:

  1. حدد أسلوبك القيادي: وضح نقاط قوتك وقيمك ومعتقداتك بصفتك قائداً، وشاركها بصراحة مع فريقك ليفهموا الأساس الذي تبني عليه قراراتك وأفعالك. تساعد هذه الشفافية على تحديد التوقعات حول حزمك وتعاطفك.
  2. مارس الاستماع الفعال والدعم الشخصي: استمع باهتمام لأعضاء فريقك لفهم احتياجاتهم وتحدياتهم ووجهات نظرهم الفريدة. ادعمهم شخصياً وفقاً للظروف الفردية لكل منهم؛ سواء بالموارد أو عبر منحهم خيارات مرنة أو بالتوجيه.
  3. ضع توقعات وحدوداً واضحة: عبر عن توقعاتك وأهدافك ومعاييرك بوضوح واحترام؛ فالحزم يعني أن تكون مباشراً ومتسقاً، لا عدوانياً أو مسيطراً. تساعد هذه الحدود الواضحة على منع سوء الفهم وتعزيز المساءلة.
  4. قدم الملاحظات بتعاطف: أنشئ نظاماً منتظماً للتغذية الراجعة داخل الفريق، بحيث يكون التركيز على التطوير والتعلم بدلاً من التوبيخ أو العقاب. الفكرة الأساسية هي أن تقديم الملاحظات يجب أن يكون بطريقة بناءة، أي أن توضح للموظفين ما يمكنهم تحسينه وكيف، بدلاً من مجرد الإشارة إلى الأخطاء.
  5. شجع عقلية النمو: عزز ثقافة الفريق، أي رؤية الأخطاء ليس على أنها عقبات أو إخفاقات، بل فرص للتعلم والتطوير. فالنجاح لا يعتمد فقط على تحقيق النتائج، بل على الاستمرار في تحسين المهارات والأساليب، بحيث يصبح الفريق أكثر انفتاحاً على التجربة والابتكار. وفي الوقت ذاته، عزز "المساءلة"، أي يتحمل الأفراد مسؤولية أفعالهم، وبذلك يشعر الجميع بأنهم قادرون على التعلم من أخطائهم دون خوف من العقاب أو النقد السلبي.
  6. كن قدوة: القائد الناجح لا يكتفي بتوجيه فريقه، بل يجب أن يكون قدوة حقيقية في السلوك والمسؤولية، فعندما يتحمل القائد مسؤولية أفعاله، سواء كانت قرارات صحيحة أم خاطئة، فإنه يرسخ ثقافة الشفافية والمساءلة داخل الفريق.
  7. اطلب الملاحظات واعمل بناءً عليها: لا يعتمد القائد فقط على خبرته أو أسلوبه الحالي في القيادة، بل يحتاج إلى التقييم المستمر لنهجه وإجراء تعديلات بناءً على آراء فريقه، فعندما تطلب الملاحظات من الموظفين تظهر لهم تواضعك وانفتاحك، وفي الوقت ذاته تحافظ على صرامتك في السعي نحو تحقيق الأهداف.
  8. أعطِ الأولوية للعناية الذاتية: قد تكون القيادة التي توازن بين الحزم والتعاطف مرهقة، لذا خصص وقتاً للعناية الذاتية، وإعادة شحن طاقتك، وإدارة التوتر؛ حتى تتمكن من الحفاظ على التوازن العاطفي اللازم للقيادة الفعالة.

المحتوى محمي