ملخص: يختبر الكثيرون تقلبات مزاجية حادة خلال نهار رمضان، وذلك لسبب بيولوجي وهو حرمان الجسم من الطعام لفترة طويلة ما يؤدي إلى انخفاض نسبة السكر في الدم، وأسباب سلوكية كالامتناع عن بعض العادات كالتدخين، وكذلك ساعات النوم المتقطعة. إلا أنه يمكن التغلب على تقلبات المزاج تلك من خلال إجراء بعض التغييرات على نوعية الطعام في وجبات الإفطار والسحور، وذلك نظراً للارتباط الوثيق بين الطعام والحالة المزاجية.
محتويات المقال
يأتي شهر رمضان الكريم حاملاً حفنة من التغييرات على مستوى العادات اليومية مثل النوم وأوقات تناول الطعام، بالإضافة إلى اختلاف القدرة على ممارسة الأنشطة اليومية مقارنةً بالأيام الأخرى من العام. ومن أشهر المشكلات الناتجة من سوء تنظيم مواعيد النوم ونوعية الطعام هي تقلبات المزاج؛ حيث يصبح البعض شديدَ التوتر ويغضب لأبسط الأشياء.
أسباب تغير الحالة المزاجية خلال الصيام
تشير الطبيبة النفسية فاتن أمدوني إلى أن تأثير الصيام في المزاج يعود إلى سببَين رئيسَين:
- سبب بيولوجي: يعيش الجسم خلال فترة الصيام حالة حرمان من الأكل تمتد لفترات طويلة؛ ما يؤدي إلى انخفاض نسبة السكر في الدم مؤثراً في قدرات الفرد الذهنية ومسبباً ضعف التركيز وتشتت الانتباه مع الشعور المستمر بالتعب والإرهاق. لذلك يصعب على الصائم عند شعوره بالغضب، ضبط نفسه والسيطرة على مشاعره كما في الحال العادية.
- سبب سلوكي: ترافق شهر رمضان والصيام تغييرات متعددة سواء على مستوى الأنشطة اليومية أو النوم أو التغذية، فتتغير مواقيت العمل وتناول الوجبات وكذلك ساعات النوم. وخلال شهر رمضان، قد يعمل أفراد كُثُر ليلاً وينام الكثيرون في وقت متأخر ثم يستيقظون بعد وقت قصير للسحور، فيتجاوزون ساعات النوم الطبيعية وينامون نوماً متقطعاً. لذلك يحتاج الفرد بعض الوقت للتأقلم مع هذا التغيير، وقد يشعر الفرد بالقلق في أثناء عملية التأقلم. بالإضافة إلى ذلك، يستهلك بعض الأفراد مواد تسبب الإدمان كالقهوة والسجائر وحتى السكريات وغيرها من المواد التي تؤثر في الدماغ، وبالتالي فإن حرمان الجسم من هذه المواد خلال فترة الصيام يضاعف الضغط ويجعل الصيام أصعب.
اقرأ ايضاً: ما العلاقة بين النوم والصحة النفسية؟
وتضيف أمدوني إن تأثير الصيام في المزاج والحالة النفسية يمتد إلى نحو أسبوع من بداية الصيام ثم يبدأ في الاختفاء تدريجياً.
كيف يؤثر الصيام في الصحة النفسية والوظائف المعرفية إيجاباً؟
في حين تتأثر الحالة المزاجية بالصوم لدى الكثيرين؛ إلا أن هناك فوائد عديدة للصوم تعود على الصحة النفسية والوظائف المعرفية للفرد وفقاً لتحليل تلوي من كلية الطب بجامعة إيكس مرسيليا الفرنسية (Aix-Marseille University)؛ والذي أظهر فعالية الصيام في تخفيف التوتر والقلق وأعراض الاكتئاب، بالإضافة إلى انخفاض مؤشر كتلة الجسم دون زيادة الشعور بالتعب.
وأشارت النتائج إلى وجود تأثير إضافي للصيام خلال شهر رمضان عن الصيام المتقطع خلال الأوقات الأخرى من العام؛ وهو أن صيام رمضان يتضمن بُعداً روحانياً واجتماعياً قد يكون مفقوداً في أنواع الصيام الأخرى. لذلك قد لا يكون تخفيف الاكتئاب بسبب الصيام فقط؛ ولكن أيضاً بسبب تعديلات نمط الحياة الأخرى.
ويشير أستاذ علم الأعصاب بجامعة جونز هوبكنز، مارك ماتسون (Mark Mattson) إلى دور الصيام وممارسة التمارين الرياضية في تحفيز إنتاج بروتين في الخلايا العصبية يسمَّى "عامل التغذية العصبية المستمَد من الدماغ" (BDNF) والذي يؤدي أدواراً مهمة في التعلم والذاكرة وتوليد خلايا عصبية جديدة في الحُصين؛ كما يجعل هذا البروتين الخلايا العصبية أكثر مقاومة للإجهاد.
كذلك، يحفز الصيام عملية تسمَّى "الالتهام الذاتي للخلايا" (Autophagy)؛ حيث تزيل الخلايا الجزيئات التالفة والميتوكوندريا المختلة وظيفياً -عضيات صغيرة داخل الخلايا توفر الطاقة للخلية عن طريق تحويل السكر والأكسجين إلى جزيئات طاقة- وتوقِف نمو الخلايا.
لذا فإن الخلايا العصبية تكون في حالة من "الحفاظ على الموارد ومقاومة الإجهاد" خلال الصيام، ثم تتحوّل بعد الإفطار إلى وضع "النمو" لتصنع الكثير من البروتينات وتنمو وتشكل وصلات عصبية جديدة؛ ما يعزز المرونة العصبية والتعلم والذاكرة ومقاومة الدماغ للإجهاد.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الصوم في الصحة النفسية؟
مكونات وجبة الإفطار والسحور التي تساعد في التغلب على التقلبات المزاجية
تؤثر طبيعة الطعام الذي نتناوله كثيراً في ضبط حالتنا المزاجية، فهناك أطعمة تجعلنا هادئين وأخرى تزيد توترنا؛ ما يشير إلى الارتباط الواضح بين نوع الطعام الذي تتناوله وحالتنا المزاجية خلال فترة الصيام.
على سبيل المثال؛ من المرجح أن نمتلك قدرة أكبر على ضبط حالتنا المزاجية إذا احتوت وجبة السحور على أطعمة ذات كربوهيدرات معقدة كالبقوليات، وأطعمة غنية بالألياف مثل الفواكه والخضروات الورقية التي تحافظ على رطوبة الجسم طوال اليوم.
ويعود سبب ذلك إلى أنه بتناول هذه الأطعمة، يطلَق كلٌّ من السكر والمواد المغذية الأخرى ببطء في الدم؛ ما يحافظ على ثبات الهرمونات وسكر الدم ولا يسبب أي تغييرات فورية في مستوى الطاقة، فيمنح إمداداً ثابتاً بالطاقة طوال اليوم وفقاً لاستشاري طب الأسرة والصحة المهنية، منصور علم.
على الجانب الآخر، يؤدي تناول الأطعمة الغنية بالسكر كالحلويات والمشروبات الغازية والعصائر، أو الأطعمة المقلية أو الأطعمة المصنَّعة كالبيتزا والكعك، إلى الشعور بالضيق خلال فترة الصوم لأنها تطلق السكر بمعدل سريع في الجسم فيشتهي الجسم المزيد منه ليبقى في حالة النشاط والإثارة، وعندما لا يُمَدّ الجسم بالسكر سيشعر الفرد بالاكتئاب والإحباط؛ ما يؤدي إلى أسوأ أنواع التقلبات المزاجية خلال ساعات الصيام.
ما خيارات الطعام الجيدة للسحور والإفطار؟
تُعد أهم وظيفتَين تؤديهما الأطعمة الجيدة هما الحفاظ على رطوبة الجسم باستمرار، وإطلاق الطاقة ببطء للبقاء في حالة توازن عقلياً وجسدياً.
ويوضح استشاري التغذية ميتون دي ساركار (Mitun De Sarkar)، إن الأشخاص الذين يصومون دون الالتفات إلى نوع الطعام الذي يتناولونه خلال وجبتيّ الإفطار والسحور يعانون من الصداع النصفي والحموضة والجفاف وتقلبات المزاج.
وقد يتخذ البعض خيارات غذائية خاطئة عند الإفطار أيضاً؛ مثل تناول الأطعمة الحارة والدهنية والمقلية والسكرية التي تؤدي إلى عسر الهضم والحموضة. لذلك يوصي المختص بتجنُّب الأطعمة التالية في وجبة السحور:
- الخبز الأبيض.
- الأطعمة المقلية.
- الحلويات.
- المقبلات.
وبدلاً من ذلك يوصي بتناول:
- الخبز البني.
- الفواكه والخضراوات.
- الشوفان.
كذلك، من المهم الإفطار على التمر والماء لأنهما يوفران السكر الأساسي والتغذية، ثم تناول أطعمة غنية بالبروتين مثل حساء العدس الذي يوفر الطاقة بالتدريج ويحافظ على رطوبة الجسم. ويجب أن يحتوي الطعام على كربوهيدرات معقدة وبروتين، ويمكن تناول الحلوى والطعام المقلي بنسبٍ بسيطة.
وأخيراً، يمكن التغلب على تقلبات المزاج خلال شهر رمضان بإجراء تعديلات بسيطة على نظام الغذاء سواء خلال وجبة الإفطار أو السحور، لتجنُّب الشعور بالتهيج والارتباك والغضب وضمان أن يكون الصيام تجربة هادئة نستمد منها طاقة روحانية دون الشعور بتقلبات مزاجية حادة.