ملخص: إذا أرسلت رسالة نصية إلى أحد أصدقائك المقربين أو شريكك العاطفي ولم يرد على الفور؟ ماذا ستفعل؟ هل ستتفهم أنه ربما يكون مشغول أو لم يشاهد رسالتك، أم ستشعر بالخوف والذعر والتهديد من أن صديقك أو شريكك قد يتركك أو يتخلى عنك؟ إذا انتابتك هذه المشاعر فمن المرجح أنك تعاني من التعلق القلق، فما هو هذا التعلق وكيف يمكن التغلب عليه؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
محتويات المقال
بصفتنا كائنات اجتماعية بالأساس فإن الحاجة إلى التقدير والاهتمام والحب متجذرة لدينا بقوة، جميعنا نريد أن نكون محبوبين ونريد أن نشعر بالأمان والانتماء في العلاقات، ولذلك من الطبيعي أن نطلب المساعدة والدعم من العائلة والأصدقاء والشريك العاطفي، ومن الطبيعي أيضاً أن نشعر بالخوف من فقدان حب أحد المقربين، ولكن ماذا لو أصبحت هذه الاحتياجات والمخاوف قوية للغاية؟ هل يمكن أن تكون الحاجة إلى الأمان والخوف من الهجر قوية لدرجة أنها تسيطر على علاقاتك؟ الحقيقة إن هذا قد يحدث في حالة التعلق القلق؟ فماذا يُقصد بهذا التعلق؟ وكيف يمكن التغلب عليه؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
ما التعلق القلق؟
التعلق القلق هو أسلوب تعلق يشعر فيه الفرد بالقلق الشديد فيما يخص علاقاته مع الأشخاص الآخرين المهمين في حياته، وينبع من نظرية التعلق التي تقول بأن تجارب الطفولة يمكن أن تؤثر على علاقاتنا في وقت لاحق من الحياة، وفي هذا السياق يوضح المختص النفسي خالد دارج إن نظرية التعلق تشير إلى أن روابطنا الأولى مع الوالدين تلعب دوراً حيوياً في تشكيل العلاقات التي سنقيمها لاحقاً بصفتنا بالغين، وقد وُضعت نظرية التعلق من قبل أستاذ علم النفس البريطاني جون بولبي (John Bowlby) في الخمسينيات، ويعتقد بولبي أن التجارب خلال مرحلة الطفولة وجودة الرعاية المقدمة من الوالدين يمكن أن تؤثر على أسلوب الارتباط لديك كشخص بالغ، وهناك أربعة أنماط أساسية للتعلق وضعها لوبي في نظريته وهي:
- التعلق الآمن: يمكن للأشخاص ذوي التعلق الآمن إلى التنقل في العلاقات بثقة وسهولة دون خوف من الهجر، ويمكن القول أن هؤلاء الأشخاص مروا بتجارب طفولة سوية حيث تم تلبية عواطفهم واحتياجاتهم ورغباتهم باستمرار، ولهذا فقد أضحوا قادرين على التعبير عن مشاعرهم بسهولة.
- التعلق القلق: يميل الأشخاص الذين لديهم ارتباطات قلقة إلى التضحية بسعادتهم من أجل شركائهم، ويحتاجون إلى طمأنينة مستمرة، ولديهم خوف عام من الهجر، وهؤلاء الأشخاص مروا بتجارب قلق في الطفولة حيث كانت تتم تلبية رغباتهم واحتياجاتهم بشكل غير متوقع ومتقطع من قبل الوالدين، ولهذا فإنهم لا يثقون في فكرة استمرار الحب وتدفقه ويخافون من فقدانه في أي وقت.
- التعلق التجنبي: يدافع الأشخاص ذوو الارتباطات المتجنبة بشكل مفرط عن الاستقلال، ويرفضون العلاقات العاطفية أو الحميمة، ويحرصون دوماً على وجود مسافة عاطفية مع الشركاء، والحقيقة أن هؤلاء الأشخاص لم يتلقوا الحب أو الرعاية من الوالدين في مرحلة الطفولة.
- التعلق الخوفي المتجنب أو الغير منظم: وهؤلاء الأفراد يواجهون صراعاً داخلياً قوياُ بين رغبتهم في العلاقات العاطفية وخوفهم الدائم من الاقتراب صوب الآخرين أكثر من اللازم، وبالنسبة لتجارب الطفولة لدى هذا النمط فقد كانت مؤلمة ومضطربة ومخيفة.
تعرف إلى علامات التعلق القلق
التعلق القلق ليس تشخيصاً رسمياً في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) ويمكن القول أنه يأتي مصحوباً بعدد كبير من العلامات مثل:
- تدني احترام الذات.
- الحاجة الدائمة إلى القرب والشعور بالحميمية.
- الاعتماد بشكل مفرط على العلاقات.
- الخوف الدائم من الرفض والهجر.
- الحاجة الدائمة إلى إرضاء الناس وكسب استحسانهم.
- فرط الحساسية تجاه تصرفات الأشخاص المقربين وحالتهم المزاجية.
- الحاجة المستمرة إلى الطمأنة من الآخرين.
- الشعور بالتهديد والذعر والقلق عند اختفاء الأشخاص المقربين أو رغبتهم في قضاء بعض الوقت بعيداً.
- ربط قيمة الذات بالعلاقات.
- المبالغة في رد الفعل تجاه الأشياء التي يعتبرها الشخص تهديداً للعلاقة.
- التركيز بشكل مفرط على العلاقة إلى درجة أنها تستهلك الكثير من الوقت.
- إيجاد صعوبة بالغة في وضع الحدود واحترامها.
- التلاعب النفسي بالآخرين حتى يظلوا بالقرب منهم.
اقرأ أيضاً: ما هو التعلق العاطفي المرضي؟ وكيف تتحرر من العلاقات السامة؟
ما أسباب الشعور بالتعلق القلق؟
عندما تكون طفلاً، فإنك تعتمد بشكل كلي على والديك من أجل البقاء؛ وهذا يشمل احتياجاتك البيولوجية مثل الطعام والمأوى والدفء والاحتياجات العاطفية، ويمكن القول إن مدى تلبية احتياجاتك في هذه اللحظات يشكل الطريقة التي تنظر بها إلى نفسك وإلى الآخرين، إذا تمت تلبية تلك الاحتياجات بشكل صحيح سوف تطور تعاملاً صحياً في علاقاتك بالمستقبل، وإذا لم تتم تلبية تلك الاحتياجات سوف تقوم بتطوير أنماط غير صحية للتعلق من بينها التعلق القلق، والحقيقة إن هناك بعض العوامل الإضافية التي يمكن أن تؤدي إلى الشعور بالتعلق القلق تجاه الآخرين مثل:
- العوامل الوراثية؛ فإذا كان أحد الوالدين يعاني من التعلق القلق فيمكن أن ينقل هذا النمط إلى الأطفال.
- فقدان أحد الوالدين في مرحلة الطفولة.
- إساءة المعاملة في الطفولة.
- أحداث الحياة المجهدة.
- ضغوط الحياة الاقتصادية التي يمكن أن تجعل أحد الوالدين غير موجود أغلب الوقت.
كيف يؤثر التعلق القلق في صحتك النفسية؟
يمكن أن يكون لنمط التعلق القلق تأثيرات كبرى على الصحة النفسية، فإذا كنت تتبع هذا النمط فقد تجد نفسك تعاني من عدم الأمان وتدني احترام الذات، مما قد يؤثر على جوانب مختلفة من حياتك ويؤدي إلى:
- الاضطراب العاطفي: قد يعاني الأفراد أصحاب التعلق القلق من تقلبات عاطفية وذلك لأنهم يبحثون باستمرار عن الطمأنينة والحب والاهتمام من الآخرين، وهذا يمكن أن يؤدي إلى الإرهاق النفسي والاضطراب العاطفي والذي بدوره يساعد على زيادة القلق أو الاكتئاب أو تقلب المزاج.
- التأثير على النمو الشخصي: إن الحاجة المستمرة إلى المصادقة والطمأنينة الخارجية يمكن أن تعيق النمو الشخصي واكتشاف الذات، وذلك لأن أصحاب التعلق القلق يميلون بشدة إلى إرضاء الآخرين ويعتمدون عليهم في الحياة الاجتماعية بشكل كبير مما ينعكس بالسلب على هويتهم الشخصية.
- صعوبة تقدير الذات: إن انعدام الأمن النفسي المرتبط بنمط التعلق القلق يجعل من الصعب على الأفراد تطوير شعور صحي بقيمة الذات، ويمكن أن يؤدي هذا إلى الشك في الذات إلى انعدام الثقة بالنفس وصعوبة الظهور بالشخصية الحقيقية في البيئات الاجتماعية.
- تطوير آليات التكيف غير الصحية: نتيجة لهذه التحديات، قد يتبنى الأفراد الذين يعانون من التعلق القلق آليات تكيف غير صحية للتعامل مع آلامهم العاطفية أو ضغوطهم النفسية، ويمكن أن يشمل ذلك تعاطي المخدرات، أو سلوكيات إيذاء النفس، أو احتمال الانخراط في أنشطة عالية الخطورة للحصول على الرضا النفسي ولفت انتباه الأشخاص المقربين.
لماذا يمكن أن يدمر التعلق القلق العلاقات؟
يمكن أن يؤثر التعلق القلق بشكل كبير على ديناميكيات العلاقات الرومانسية، فالحاجة المستمرة إلى الطمأنة من الآخرين يخل بالتوازن المطلوب في العلاقات الصحية، ويمكن أن يدمر العلاقة للأسباب التالية:
- التحقق المستمر: يقوم الأفراد الذين لديهم نمط التعلق القلق بالتحقق بشكل متكرر مع شركائهم، حيث يقومون طوال الوقت بإرسال الرسائل والاتصال المستمر، وإذا لم يرد الشريك يبدأون في القلق والذعر من فكرة الهجر، ويمكن أن يصبح هذا السلوك ساحقاً وقد يؤدي إلى شعور الشريك بالاختناق أو السيطرة.
- الغيرة المفرطة: قد يعاني هؤلاء الأشخاص من الغيرة المفرطة في علاقاتهم، وإذا انشغل الشريك قليلاً عنهم يشعرون بالتهديد الشديد وهذا مع مرور الوقت يؤدي إلى حدوث الكثير من الخلافات وسوء الفهم.
- الخوف من الهجر: الخوف المستمر من الهجر يمكن أن يؤدي إلى سلوك متشبث أو مسيطر، وغالباً ما يدفع هذا الخوف أصحاب التعلق القلق إلى طلب الطمأنينة من شركائهم، الأمر الذي قد يرهق شركائهم ويحبطهم مع مرور الوقت.
- صعوبة وضع الحدود: قد يواجه الأفراد صعوبة في وضع حدود صحية والحفاظ عليها في علاقاتهم. ويؤدي ذلك إلى إعطاء الأولوية لاحتياجات شريكهم على احتياجاتهم الخاصة، مما قد يؤدي إلى الاستياء والغضب.
- التقلبات العاطفية: نظراً لأن الأفراد الذين يتمتعون بهذا النمط من التعلق يكونون عرضة للشعور بعدم الأمان العاطفي، فقد تتميز علاقاتهم بالتقلبات العاطفية، ويمكن أن يخلق هذا التقلب جواً متوتراً وغير مستقر، مما يجعل من الصعب على كلا الشريكين الشعور بالأمان والدعم.
- ضعف التواصل الصحي: قد ينخرط الأفراد في أساليب تواصل سلبية أو غير مباشرة وذلك في محاولة منهم لتجنب الرفض أو الهجر المحتمل، ومن أهم أساليب التواصل السلبي التفتيش في هاتف الشريك بحثاً عن المكالمات والرسائل النصية.
اقرأ أيضاً: ما علامات التعلق المفرط بالآخرين؟ وكيف يمكن التخلص منه؟
5 إرشادات فعالة للتغلب على التعلق القلق
إذا لاحظت علامات التعلق القلق في سلوكك، فهناك عدة طرق وإرشادات يمكنك القيام بها لإدارة هذه العلامات، من أجل التعافي، وأهمها:
- حاول فهم قلقك: إن الاعتراف بأسلوب التعلق القلق لديك ومدى ارتباطه بتجارب طفولتك يمكن أن يساعد في تقليل لوم الذات في العلاقات، ولذلك عندما يتسلل القلق بشأن علاقتك، ذكّر نفسك أن هذا قد يكون جرحاً قديماً يعاود الظهور، حاول أن تظل منتبهاً لمحفزاتك وتدرب على التحقق من شكوكك قبل أن يكون لديك رد فعل.
- ابحث عن طرق لتنظيم عواطفك ذاتياً: تعتبر معالجة وتنظيم مشاعرك وعواطفك مع الشريك عنصراً أساسياً في العلاقات، ولكن بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من أنماط التعلق القلق فيجب عليهم إيجاد طرق لتنظيم المشاعر ذاتياً، قد يبدو هذا بمثابة إعطاء نفسك بعض المساحة وممارسة بعض الأنشطة بمفردك مثل الاستماع إلى الموسيقى، أو أخذ حمام بارد، أو ممارسة تقنيات التنفس العميق، أو المشي.
- قم بإثراء حياتك خارج علاقاتك: قد يكون من السهل التركيز على علاقاتك الاجتماعية عندما يكون لديك أسلوب ارتباط قلق، ولكن لا تنس الحفاظ على هواياتك أيضاً، يمكنك تجربة الكتابة أو السفر أو قضاء الوقت مع العائلة والتعرف إلى أشخاص جدد.
- ضع الحدود الصحية: تعلم كيفية وضع حدود صحية مع نفسك ومع الآخرين في حياتك، وتشمل الحدود الصحية قول "لا" عندما تكون غير قادر أو لا ترغب في القيام بشيء ما، وتذكر دائماً أن فكرة الحدود الصحية لا تركز على ما يفعله الآخرون من أجلك ولكنها تنطوي على التركيز على احتياجاتك الخاصة، بما في ذلك الاحتياجات الجسدية والعاطفية.
- حاول اللجوء للعلاج النفسي: إذا لم تنجح الطرق السابقة في التغلب على نمط التعلق القلق يمكنك اللجوء إلى المعالج النفسي الذي سيتبع معك أساليب، مثل:
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT): الذي يهدف بالأساس إلى مساعدتك على تحديد وتحدي الأفكار والعواطف والسلوكيات السلبية، ويمكن أن يكون هذا مفيداً لشخص لديه مشاعر غير آمنة وسلوكيات غير صحية تنبع من ارتباطه بالقلق.
- العلاج النفسي الديناميكي (Psychodynamic Therapy): وهو علاج قائم على الحديث يستكشف القوى اللاواعية وتجارب الطفولة التي تؤثر على عواطفك وسلوكياتك.
- العلاج النفسي البيني (IPT): وهو نوع من العلاج النفسي بالحديث يركز على تحسين العلاقات من خلال العمل على رصد ردود الفعل الصعبة، وأنماط التفكير والسلوكيات التي حدثت في العلاقات الحالية أو السابقة.