ما الذي قد يجعلك تخاف العزوبة؟ وكيف تعيد تشكيل نظرتك إليها؟

الخوف من العزوبية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: كيف يمكن التعايش مع العزوبية من دون الشعور بالعار أو التعاسة؟ شغل هذا السؤال بال مجموعة من الباحثين في علم النفس ودفعهم إلى إعداد استقصاء يساعد العزّاب على فهم حالة العزوبية وأبعادها الاجتماعية والنفسية. إليك التفاصيل.

سواء كنت أعزب أو متزوجاً تبدو مسألة الحالة العائلية “معقدة” ومثيرة للكثير من التساؤلات. إذا كانت العزوبية أكثر شيوعاً في أيامنا هذه لا سيّما في المدن الكبرى حيث يعاني الكثيرون الوحدة، فإنها تظلّ حالة مؤقتة في منظور اللّاوعي الجماعي. يمكن أن يكون الأعزب سعيداً، لكن الأمر ليس بالبساطة التي نتصوّرها وقد يتحول إلى مشكلة إذا كانت العزوبية اضطراراً لا اختياراً، لأن العواطف التي تثيرها معقدة إلى حدّ ما.

هناك عناصر عدّة تؤثر في هذه المسألة مثل معتقداتنا الشخصية وتوقعات العائلة والأصدقاء من جهة والمعايير المجتمعية والحقائق البيولوجية من جهة أخرى. تؤدي هذه العوامل المختلفة دوراً معقداً ومتناقضاً في رسم طبيعة علاقة الفرد بحالة العزوبية. لذا يخشى الكثيرون في الوقت الحالي “قضاء بقية العمر في عزلة”، ويكتفي آخرون بعلاقات عاطفية محدودة أو يقبلون التعرّض لسلوكيات شركائهم السامة لأنهم يخشون الوحدة أكثر من أي شيء آخر. لا يمكن أيضاً تجاهل ضغط المجتمع ودوره في إثارة هذا الخوف المبرّر.

يقبل المجتمع العزوبية إذا كانت حالة مؤقتة ومحدودة، ولكن عندما تستمر فترة طويلة فإنه ينتقدها. استناداً إلى دراسة علمية يدعونا الطبيب النفسي الأميركي مارك ترافيرز (Mark Travers) إلى تحليل مخاوفنا المشروعة من العزوبية ويقدم لنا مفاتيح التغلب عليها.

فهم الخوف من العزوبية

للمخاوف دور في كشف بعض الجوانب من شخصياتنا مثل معتقداتنا وحدودنا وقيمنا. يجب ألّا نعتبر هذه المخاوف معوّقات بل إرشادات تقودنا إلى الخيارات الأنسب لنا في الحياة. يقول الطبيب النفسي مارك ترافيرز: “الخوف من العزوبية ردّ فعل طبيعي لدى البالغين فهو ينبع من حاجة فطرية إلى الدعم والحبّ والمساندة والعلاقات الشخصية”.

الخطوة الأولى التي يتعين اتخاذها في نظر ترافيرز هي تحليل هذه المخاوف. لهذا الغرض أعدّ باحثون مشاركون في الدراسة العلمية التي أشرفت عليها ستيفاني سبيلمان (Stéphanie Spielmann) بجامعة تورنتو الكندية استقصاءً يسمح بفهم أفضل لظاهرة الخوف من العزوبية. يتكون هذا الاستقصاء من 6 عبارات:

  • أشعر أن أوان إيجاد شريك حياتي قد فات.
  • أنا قلق من فكرة العزوبية الدائمة.
  • يجب أن أجد شريكاً قبل أن أكبُر كي أنجب أطفالاً وأربّيهم.
  • إذا قضيتُ ما تبقّى من حياتي وحيداً فلن أكون على ما يرام.
  • كلّما تقدّمتُ في السن سيصير إيجاد شريك أصعب عليّ.
  • أشعر بالخوف عندما أفكر في احتمال عدم إيجاد الشريك المناسب أبداً.

يقول ترافيرز: “إذا وجدت نفسك متفقاً مع مضمون 3 عبارات على الأقل فمن المرجّح جداً أن تكون العزوبية مصدر قلق بل يأس بالنسبة إليك”.

تعاملٌ مختلف مع العزوبية

لبناء تصور أكثر توازناً حول العزوبية والتعايش معها بهدوء وطمأنينة، ينصحنا الطبيب النفسي بتبديد معتقَدين شائعين كثيراً مع أنهما خاطئان.

لن أكون سعيداً إلا إذا تزوجت

هذا اعتقاد مشترك بين عدد كبير من الناس للأسف علماً أن الأبحاث أظهرت أن المتزوجين لا يشعرون بسعادة ورضا أكبر. يشعر الزوجان بسعادة أكبر مباشرة بعد تعرّف كل منهما إلى الآخر وخلال العام الأول من العلاقة، لكن هذا الشعور سرعان ما يخبو تدريجياً ويعود إلى مستواه الذي كان قبلها.

لذلك يشدد الخبراء على ضرورة اكتشاف الفرد ذاته أولاً وتحقيق الرضا عن نفسه وحياته بمفرده قبل البحث عن شريك. سلّطت الدراسة الضوء أيضاً على عامل حاسم في الشعور بالسعادة أكثر من الزواج: إنه العمل، لا سيّما عندما يكون ذا معنى ويدفع الإنسان إلى الشعور بأنه مفيد للمجتمع ويشغل المكان المناسب له. يوضّح الطبيب النفسي: “يجب ألّا نعتبر أبداً العلاقة العاطفية مصدر السعادة والرضا الوحيد”.

الاعتقاد بأن رغبات الآخرين تعبر عن رغباتك الحقيقية

خذ وقتاً كافياً للتفكير في اهتماماتك الفعلية بغض النظر عمّا يفرضه عليك المجتمع. من المهم أن تميّز بين “واجباتك” وبين تمنياتك ورغباتك الحقيقية. حلّل بناءً على ذلك أفكارك ومعتقداتك. ماذا تريد على وجه التحديد؟ ما الذي ينتظره المقرّبون منك؟ لا داعي للتذكير هنا بأولوية رغباتك الشخصية واحتياجاتك.

لمساعدتك وإرشادك في عملية التأمل هذه ينصحك الطبيب ترافيرز بالإجابة عن أسئلة هذا الاستقصاء الذي أعدّه باحثون في علم النفس. فكّر في أهدافك بشأن العلاقات العاطفية وقيّمْ مدى أهمية كلّ سؤال من أسئلة الاستقصاء في تحقيقها.

  • هل هناك شخص آخر يرغب في أن أصل إلى هذا الهدف (الزواج وبناء أسرة) أو هل سأحصل على مقابل من شخص معين إذا حققته؟
  • هل سأشعر بالعار إذا لم أحقق هذا الهدف؟
  • هل أعتقد حقاً أنه هدف مهم؟
  • هل سيمنحني هذا الهدف المتعة والسعادة؟
  • هل يمثّل حقيقة شخصيتي؟
  • هل يعكس الأمور التي أقدرها أكثر في الحياة؟

إذا كانت الأسئلة الأربعة الأخيرة تصف أهدافك في مجال العلاقات فأنت على الطريق الصحيح. تمثّل الأهداف المحدّدة ما تريده فعلاً وتتوافق مع رغباتك العميقة. أمّا إذا انطبق عليك مضمون السؤالين الأول والثاني فقد حان الوقت كي تعيد تقييم موقفك من العزوبية والحبّ والعلاقات العاطفية. فهذان السؤالان يعكسان في الواقع رأي الآخر وتوقعاته أكثر مما يعكسان رأيك الشخصي.

يخلُص الطبيب النفسي إلى ما يلي: “من الضروري الحفاظ على نظرة متوازنة إلى حياتك لأن العلاقات العاطفية تمثل مظهراً فقط من مظاهر السعادة المتعددة ولا تساعد على تلبية احتياجاتك كلها”.