كيف تتعامل مع الغضب بدلاً من تفريغه في الآخرين؟

5 دقيقة
الإزاحة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

تخيل معي المشهد التالي: أنت تستيقظ من نومك متأخراً، تذهب إلى العمل وأنت في مزاج سيئ فلا تؤدي مهامك على نحو صحيح، تدخل في نقاش حاد مع مديرك في العمل فتشعر بالغضب الشديد، وفي أثناء ذلك الوقت يتصل بك صديقك ثم يسألك بكل هدوء لماذا لا تسأل عنه فتقرر أن تصب عليه جام غضبك، وذلك على الرغم من أنه ليس السبب الحقيقي لمشاعرك السلبية، لكنك تقرر أن تفعل ذلك لأنه لا يشكل تهديداً حقيقياً عليك، ما يعني أن تفريغ مشاعرك سوف يمر دون عواقب وخيمة، ما فعلته للتو يمكن أن نُطلق عليه الإزاحة (Displacement) أو تحويل الغضب تجاه أهداف وهمية، فكيف تتعامل مع هذه الحالة؟ الإجابة عبر هذا المقال.

ما هي الإزاحة؟

هي آلية دفاع نفسية ترتكز على إعادة توجيه المشاعر السلبية مثل الغضب من مصدرها الأصلي إلى بديل أكثر أماناً أو قبولاً، وعادة ما يحدث هذا الأمر دون وعي، حيث يسعى العقل إلى حماية نفسه من الانزعاج العاطفي أو الدخول في صراع، على سبيل المثال، بدلاً من التعبير عن الغضب مباشرة لرئيسك في العمل، قد تعود إلى المنزل وتنفّس عن غضبك على أحد أفراد أسرتك أو أطفالك.

على الجانب الآخر، فإن الغضب المرتكز على الإزاحة (Displaced Anger) هو استجابة عاطفية موجهة على نحو خاطئ، حيث لا تتوافق شدة مشاعرك مع المحفز الفعلي. وفي جوهره، ينشأ الغضب المرتكز على الإزاحة عندما تكون غير قادر على التعبير عن مصدر إحباطك أو مواجهته، وبدلاً من ذلك، تقرر نقل هذه المشاعر إلى شيء أو شخص أكثر سهولة في الوصول إليه والتعامل معه، ما يؤدي إلى ردود فعل غير متناسبة.

وفي هذا السياق، أكدت دراسة علمية حديثة نشرتها مجلة بي إم سي لعلم النفس (BMC Psychology) في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 أن بعض الأفراد حين يتعرضون إلى موقف مستفز وموقف محفّز لاحق، يظهرون غضباً أقوى وسلوكاً أكثر عدوانية تجاه المحفز، فيما يعرف باسم تأثير ركل الكلب النابح (kicking the barking dog effect) الذي يفترض أن موظفاً عاد من عمله بعد أن تعرض للتوبيخ الشديد من المدير ولكنه لم يرد خوفاً من فقدان وظيفته، وحين عاد إلى المنزل وسمع صوت نباح الكلب حوّل كل إحباطه تجاه الكلب وركله، وأوضحت الدراسة أن هذا التأثير يتجسد في الكثير من المواقف مثل حالات العنف المنزلي وإساءة معاملة الحيوانات، وإساءة معاملة الأطفال.

اقرأ أيضاً: من السخرية إلى إسقاط عيوبك على الآخرين: تعرف إلى الآليات الدفاعية النفسية

6 علامات تخبرك أنك تحول غضبك بالإزاحة إلى أهداف وهمية

يمكن أن يتجلى الغضب المرتكز على الإزاحة في علامات مختلفة، ما يشير إلى أن مشاعرك موجهة نحو مواقف أو أفراد لا علاقة لهم بتلك المشاعر، ويعد التعرف إلى هذه العلامات أمراً بالغ الأهمية لفهم غضبك ومعالجته على نحو فعال:

  1. الشعور بالانزعاج المستمر، والذي غالباً ما يكون غير متناسب مع الموقف.
  2. السلوك العدواني السلبي ويُقصد به التعبير غير المباشر عن الغضب من خلال أفعال خفية غير المواجهة، ما يجعل من الصعب معالجة المشكلة الأساسية.
  3. السلوك الهارب عبر محاولة الانخراط في أنشطة لتجنب مواجهة المصدر الحقيقي للغضب، مثل الإفراط في العمل، أو تعاطي المخدرات، أو العزلة عن الآخرين.
  4. استيعاب الغضب وتوجيهه إلى الداخل، ما يؤدي إلى الشعور بالذنب أو اللوم الذاتي.
  5. التمسك بالضغائن أو عدم القدرة على التسامح، حتى في القضايا البسيطة.
  6. الانحراف عن الموضوع في أثناء المحادثات المشحونة عاطفياً، والتعبير عن المشاعر تجاه جوانب صغيرة أو تافهة من الموقف بدلاً من التركيز على المصدر الفعلي.

ما هي الأسباب التي قد تدفعك إلى إزاحة غضبك وتحويله صوب أهداف وهمية؟

تشرح المختصة النفسية، ميشيل بيوبري (Michelle Beaupre)، أن بعض الأشخاص قد يحوّلون غضبهم تجاه الآخرين بسبب تراكم مشاعر التوتر والإحباط، وتضيف أن التعرض للضغط النفسي والتعامل مع أحداث الحياة الصعبة قد يدفع الكثير من الأفراد إلى التعبير عن غضبهم تعبيراً غير مباشر، وهناك أيضاً بعض الأسباب الأخرى، منها على سبيل المثال:

1. الخوف من المواجهة

تؤكد بيوبري أن الخوف من المواجهة يمكن أن يجعل الشخص يبحث عن هدف وهمي. على سبيل المثال، قد تغضب من شخص ما ولكنك تتجنب مواجهته خوفاً من رد فعله، في هذه الحالة، ستزيح غضبك أو تحولّه تجاه أشخاص أخرى لا تخشى رد فعلهم.

2. صدمات الطفولة

غالباً ما يرتبط السبب الجذري للغضب المرتكز على الإزاحة بأحداث الطفولة الصادمة التي تعطل النمو الصحي والتنظيم العاطفي، وتشمل تلك الأحداث الإيذاء البدني أو العاطفي، والاعتداء الجنسي، والتنمر، وانفصال الوالدين، ومشاهدة العنف المنزلي، ففي هذه الحالات ومن أجل التكيف، يتعلم الأطفال تقليل مشاعرهم لتجنب التعامل معها.

3. الاحتياجات غير الملباة

عدم تلبية الاحتياجات العاطفية أو النفسية الأساسية قد يدفعك إلى الشعور بالغضب، ومن ثم تعيد أنت توجيه غضبك من أجل محاولة التعامل مع الإحباط أو خيبة الأمل أو العجز.

4. الحزن أو الخسارة

يمكن أن تؤدي عملية الحزن، وخاصة عندما لا تتعامل معها معاملة مناسبة، إلى غضب شديد حيث تكافح بشدة للتنقل بين المشاعر المعقدة المرتبطة بالخسارة.

5. انخفاض احترام الذات

إذا كنت تعاني انخفاض احترام الذات ستواجه صعوبة في التعبير عن احتياجاتك وعواطفك على نحو مباشر، ما يؤدي إلى تحول الغضب إلى وسيلة غير مباشرة للتواصل مع الآخرين.

اقرأ أيضاً: ما هي أفضل طرق التنفيس عن الغضب؟

6. الافتقار إلى مهارات تنظيم المشاعر

يمكن أن تؤدي صعوبة تنظيم المشاعر والتعبير عنها على نحو مناسب إلى تحول الغضب إلى حالة من عدم الاستقرار، وخاصة أنك تكون غير قادر على التعامل مع المشاعر الشديدة أو تنظيمها.

7. الإصابة بأحد اضطرابات الصحة النفسية

قد تؤدي حالات مثل الاكتئاب أو القلق أو اضطرابات الشخصية إلى تفاقم الغضب الموجه إلى الآخرين، وذلك لأن التعامل معه صعب للغاية فضلاً عن محاولة إدارته. على سبيل المثال، الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية النرجسية يتسمون بنقص التعاطف وهذا يجعلهم غير قادرين على فهم كيفية تأثير الغضب في الآخرين.

كيف تتعامل مع غضبك بدلاً من إزاحته صوب الآخرين؟

لا يمكنك إزاحة غضبك صوب الآخرين طوال الوقت لأن ذلك الأمر سوف يدمر علاقاتك الاجتماعية خاصة عندما يكون الأطفال هم الطرف المتلقي للغضب غير المبرر، وإليك بعض النصائح والإرشادات التي يمكن أن تساعدك على التعامل مع السبب الحقيقي للغضب والتوقف عن إزاحة غضبك صوب الآخرين:

1. تراجع خطوة للوراء

إذا كنت تود التوقف عن إزاحة غضبك صوب الآخرين عليك أن ترجع خطوة إلى الوراء من أجل فهم محفزات الغضب وعلاماته، راقب سلوكك وأفعالك، وفكر جيداً في استجابتك العاطفية من أجل تعزيز الوعي الذاتي، وفي هذا السياق، يؤكد استشاري الطب النفسي، محمد اليوسف، على ضرورة معرفة سبب الغضب، على سبيل المثال، قد يكون خوفاً، أو شعوراً بالظلم والاضطهاد من أحد، أو حدثاً لم تكن تتوقع حدوثه وأفسد خططك، حاول فهم رسالة الغضب لك بدل أن تستجيب له مباشرة دون وعي.

2. واجه المشكلة الحقيقية

في الكثير من الأحيان قد تزيح غضبك تجاه الآخرين لأنك تتجنب التعامل مع السبب الحقيقي للمشكلة، وفي هذا السياق توضح الطبيبة النفسية، جيسيكا جودنايت (Jessica Goodnight)، أن تجنب المشكلة لن يحلها، وإذا كنت تتجنب مشكلتك لأنها تخيفك أكثر من اللازم، فلن تتعلم أبداً التغلب على خوفك، لذلك عليك أن تستكشف طريقة من أجل التعامل مع السبب الحقيقي للغضب. على سبيل المثال، إذا كنت تعاني التوتر والضغط النفسي بسبب زميلك في العمل، دوّن أسباب ذلك التوتر وجذوره، ثم اكتب الخطوات التي يمكن أن تساعدك على التعامل دون إزاحة غضب، وتأكد من كتابة خطواتك حتى تتمكن من إعادة تركيز أفكارك عندما تخبرك غريزتك بتجنبها.

3. امنح نفسك الوقت قبل التنفيس عن غضبك

بدلاً من التنفيس عن الغضب على الفور أو إزاحته في أي اتجاه، حاول أخذ لحظة للاعتراف بالشعور وسبب وجوده، لا تتصرف بناء على غضبك على الفور. على سبيل المثال، إذا شعرت بالغضب في أثناء وجودك في البيت، اذهب إلى غرفة أخرى وتنفس بعمق، أو انخرط في أحد الأعمال المنزلية، كما يمكنك أيضاً الكتابة في يومياتك.

4. تخلّص من مسببات التوتر

إذا كنت تعاني التوتر أو الضغط النفسي يمكن أن يساعدك التخلص من مسببات التوتر في حياتك على الشعور بأنك أقل إرهاقاً، وإذا لم تتمكن من التخلص من مسببات توترك حاول أن تحمي نفسك ببناء بعض العادات الإيجابية، مثل الحصول على قسط كافٍ من النوم، وممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي.

5. اطلب الدعم والمساعدة

إذا كنت تواجه صعوبة في التعامل مع غضبك وترغب في التنفيس عن مشاعرك، فامنح نفسك بعض المساحة واطلب الدعم من صديق أو أحد أفراد الأسرة، حيث يساعد التحدث عن المشكلة إلى شخص آخر على إعطاء منظور مختلف، ويمكن أن يساعدك على التعامل مع الموقف بطريقة أخرى.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: كتابة مشاعرك في ورقة وتمزيقها يساعدانك على تجاوزها!

6. تحدث إلى الطبيب النفسي

في حال لم تتمكن من التعامل مع إزاحة غضبك عبر النصائح السابقة، يمكنك طلب المساعدة من الطبيب النفسي المتخصص، وقد يلجأ المعالج إلى العلاج المعرفي السلوكي (CBT) الذي سيساعدك على تحديد أنماط التفكير السلبية التي تسهم في الغضب وتحديها، مع توفير أدوات عملية لتغيير السلوكيات المدمرة وتعزيز آليات التأقلم.

علاوة على ذلك، سيسمح لك العلاج النفسي باستكشاف الأسباب الجذرية للغضب، بما في ذلك صدمات الطفولة أو أحداث الحياة المجهدة، إذ يعد فهم هذه العوامل الأساسية أمراً بالغ الأهمية لإدارة الغضب على المدى الطويل.

المحتوى محمي