دراسة حديثة: كتابة مشاعرك في ورقة وتمزيقها يساعدانك على تجاوزها!

6 دقيقة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: توصلت دراسة علمية حديثة نشرتها دورية نيتشر العلمية في أبريل/نيسان 2024 إلى نتيجة مفادها أن كتابة مشاعرك في ورقة ثم تمزيقها يساعدانك على تجاوزها. وخلال هذه الدراسة، قيست الحالة العاطفية للمشاركين على 3 مراحل؛ وهي: خط الأساس، وما بعد الغضب، وما بعد الكتابة، فماذا وجدت هذه الدراسة؟ الإجابة من خلال المقال.

توصلت دراسة بحثية نشرتها دورية نيتشر (Nature) العلمية في أبريل/نيسان 2024 إلى نتيجة مفادها أنك إذا كنت تحس بالغضب وكتبت مشاعرك في ورقة ثم مزقتها، فإن ذلك الفعل سيساعدك على تجاوز تلك المشاعر. وأضافت الدراسة أن انفجار مشاعر الغضب يمكن أن يؤدي إلى الكثير من المشكلات مثل انهيار العلاقات الأسرية؛ ولهذا علينا دوماً أن نبحث عن الطرائق المختلفة للتنفيس عن ذلك الغضب، فهل تساعد كتابة المشاعر على تجاوزها حقاً؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

دراسة حديثة: كتابة مشاعرك  الغاضبة في ورقة ثم تمزيقها يساعدانك على تجاوزها

أظهرت الدراسة البحثية السابق ذكرها أن الفشل في التنفيس عن مشاعر الغضب له عواقب نفسية واجتماعية وخيمة، خاصة على الأطفال؛ حيث إن الكثيرين منهم يتعرضون إلى صور متعددة من العنف تُضعف قدراتهم على التحكم في غضبهم. وقد أوضحت هذه الدراسة أن محاولات قمع الغضب في الكثير من الأحيان لا تكون فعالة، فمحاولة الإلهاء؛ أي التفكير في شيء آخر مختلف عن سبب الغضب، يمكن أن تقلل الغضب وتقمعه فترةً قصيرة من الزمن.

وثمة طريقة أخرى يستخدمها بعض الأفراد لقمع غضبهم؛ وهي إعادة التقييم المعرفي التي تعني إعادة تفسير أو تعديل الموقف الذي أدى إلى انفجار مشاعر الغضب. وعلى الرغم من أن إعادة التقييم تعد وسيلة فعالة للحد من الغضب، فإنها تتطلب جهداً معرفياً كبيراً. هناك أيضاً طريقة النأي بالنفس وتجنب الموقف الاستفزازي؛ وهي أيضاً يمكن أن تكون فعالة ولكن ليس دائماً، خاصة في مواقف الغضب الكبرى التي يستحيل فيها النأي بالنفس.

ولهذا؛ فقد توصلت هذه الدراسة إلى نتيجة مهمة مفادها أن كتابة المشاعر في ورقة ثم تمزيقها سلوك فعال في التنفيس عن مشاعر الغضب. وقد طورت هذه الدراسة استراتيجية جديدة للحد من الغضب مستوحاة من نهج الإدراك الموجود لتنظيم العاطفة، ويَفترض هذا النهج أن الوظائف العقلية ترتكز على تجارب الفرد وتفاعلاته مع الواقع المادي. على سبيل المثال؛ قد يرغب أحد الأفراد في الانتقام من الشريك السابق عبر التخلص من كل ما يذكره به؛ وهذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى تجاوز المشاعر السلبية.

وعلى هذا الأساس، تناولت الدراسة هذا النهج المعرفي وطبقته على موضوعها؛ حيث طلب الباحثون القائمون على الدراسة من المشاركين كتابة مشاعرهم القائمة على الغضب في ورقة، ثم التخلص من هذه الورقة عبر تمزيقها وإلقائها في سلة المهملات، وقد كان هذا الأمر فعالاً في تقليل مشاعر الغضب.

شارك في هذه الدراسة العديد من الطلاب، وقيست الحالات العاطفية لهم على 3 مراحل؛ وهي: خط الأساس، وما بعد الغضب، وما بعد الكتابة. وفي النهاية، خلصت الدراسة إلى أن التخلص من الورقة التي تحتوي مشاعر الغضب  في سلة المهملات يمكن أن ينفس عن تلك المشاعر. وتفسّر الدراسة هذا الأمر بأن رمي مشاعر الغضب يُنتج شعوراً يمكن أن يكون مشابهاً لرمي متعلقات الشريك السابق؛ حيث أحس المشاركون أنهم لا يتلخصون من الأوراق بصفتها شيئاً مادياً ولكنهم يتخلصون من الغضب والمشاعر السلبية المتجسدة في تلك الورقة. 

ما فوائد كتابة المشاعر في تحسين الصحة النفسية؟

إحدى أهم الطرائق للتعامل مع مشاعرك هي محاولة إيجاد طريقة صحية للتعبير عن تلك المشاعر، ويمكن عَد الكتابة واحدة من أهم تلك الطرائق التي تساعدك على تحسين صحتك النفسية بفعالية؛ وذلك لأنها تعمل على:

  • تخفيف الشعور بالتوتر والقلق: عندما نشعر بالتوتر أو تستهلكنا الأفكار السلبية وأحداث الحياة اليومية، فمن الصعب أن ننظر إلى المواقف بموضوعية. وفي هذه الحالة، يمكن أن تساعدنا الكتابة في إيجاد المساحة والمسافة اللازمتين للتفكير في كل ما يحدث لنا. ومن خلال عملية الكتابة، سنفكك المشاعر وننقلها إلى الورق من أجل خلق الانفصال اللازم لقبول مشاعرنا والالتزام بالتغييرات التي نحتاج إلى إجرائها.
  • التنفيس عن المشاعر السلبية: يمكن عَد الكتابة مثل التحدث إلى صديقك المفضل بعد يوم سيئ؛ حيث إنها وسيلة فعالة للتنفيس؛ إذ يمكنك أن تدون مشاعرك السلبية كلها وتعبّر عن إحباطاتك على الورق، ويمكن أن تسجل غضبك أيضاً،  وستساعدك الكتابة على توضيح أفكارك ومشاعرك، علاوة على أنها تعد أداة جيدة لحل المشكلات، فحين ندون المشكلات والمشاعر التي تواجهنا، يسهل حلها لأنها تكون متجسدة أمامنا وتُمكن معالجتها ومحاولة تغييرها.
  • تنظيم المشاعر والأفكار: إن كتابة ما يدور في ذهنك وسيلة هادفة وفعالة لتنظيم مشاعرك وأفكارك؛ وذلك لأن الحياة معقدة، وفي الكثير من الأحيان، نواجه أحداثاً معقدة؛ ولهذا فإن عملية الكتابة قد تساعدك على تنظيم ذلك التعقيد وتبسيطه في أفضل صورة ممكنة، فكلما داومت على الكتابة ستتعمق في مشاعرك وأفكارك لتصبح أكثر وضوحاً.
  • تسجيل عملية التطور الخاصة بك: إذا اخترت الاحتفاظ بكتاباتك في مكان ما، فيمكن أن يكون ذلك مثل سجل لتطورك الشخصي مع مرور الوقت؛ حيث يمكنك الرجوع إليه من أجل تذكير نفسك بالمشاعر السابقة التي دونتها في المواقف الصعبة وكيف ساعدك ذلك.
  • الشعور بالإنجاز: إن تدوين أفكارك ومشاعرك يومياً سيذكرك بالإنجازات التي حققتها، وبالأيام الصعبة التي نجحت في تجاوزها؛ إنه طريقة يمكنك من خلالها إلقاء نظرة على نموك الشخصي؛ ولهذا سجّل الأيام العصيبة والأيام الجميلة، واكتب عن درجتك في الاختبار، وعن مقابلة العمل التي سارت على نحو سيئ، وعن العشاء الذي أعددته في الليلة الماضية؛ وذلك لأن الكتابة في بعض الأحيان لا تقتصر فقط على تدوين المشاعر السلبية والإيجابية لكنها تمتد لتصبح مساحة رائعة للاعتراف بإنجازاتك وكيفية تجاوز الأيام العصيبة. 
  • تحسين الذكاء العاطفي: يواجه بعض الأفراد في الكثير من الأوقات صعوبة في العثور على الكلمات التي تشرح مشاعرهم أو أفكارهم. وفي هذه الحالة، فإن استمرار الكتابة يساعدك في العثور على الكلمات المناسبة،  ومع مرور الوقت، قد تصبح أكثر قدرة على التعبير عن نفسك ومشاعرك؛ ومن ثَمّ سيتحسن ذكاؤك العاطفي لأنك أصبحت تدرك عواطفك على نحو أفضل. 
  • التعامل مع الأحداث المرهقة: نشعر بالإرهاق أحياناً عند التفكير في الكثير من المهام والمشكلات، وقد يكون من الصعب استيعابها بالكامل؛ ولهذا فإن تدوينها على الورق يساعدك على التعامل معها؛ حيث إن رؤية مخاوفك وأسئلتك ومشكلاتك على الورق تمنحك صورة أوضح لها تمهيداً لحلها.
  • تعمق الاكتشاف الذاتي: هل فكرت من قبل أن تتعامل مع نفسك مثل لغز؟ الحقيقة أن الكتابة يمكن أن تساعدك في هذا الأمر جيداً لأنها تعد وسيلة رائعة تمكّنك من اكتشاف نفسك يوماً بعد يوم وتساعدك على إعادة التواصل مع ذاتك.
  • التحرر من المخاوف النفسية: يوضح مختص الإرشاد النفسي عبد الله سافر الغامدي إن الكتابة تساعد على الاستشفاء الذاتي، والتحرر من المخاوف النفسية، والتخلص من المشاعر السلبية، وينصح الغامدي بضرورة كتابة ما تشعر به وليس فقط ما تفعله على مدار اليوم.

كيف تبدأ تدوين يومياتك؟

يعد تدوين اليوميات أداة رائعة يمكن لأي شخص استخدامها من أجل التعبير عن المشاعر والأفكار وتحسين الصحة النفسية والجسدية، وحتى تبدأ كتابة يومياتك، يمكنك اتباع النصائح التالية: 

  • ابحث عن نوعك المفضل للكتابة: يمكنك الغوص في كتابة اليوميات بعدة طرائق ولكن عليك أن تعلم أولاً أن هناك أنواعاً مختلفة من الكتابة، وحتى تبدأ عليك أن تختار الهدف من كتابتها. وتتجسد أنواع الكتابة في: 
    • الكتابة التأملية: وهذا نوع شائع من اليوميات يرتكز على الكتابة عن يومك بصفة عامة، وحياتك ومشاعرك تجاه ما يحدث معك.
    • كتابة الأهداف: ويركز هذا النوع من الكتابة على تسجيل الأهداف التي تود تحقيقها وتتبُّع الخطوات التي تتخذها من أجل تحقيق تلك الأهداف.
  • يوميات الامتنان: التي ترتكز على تسجيل الأحداث الإيجابية اليومية التي تحدث معك. وإذا قررت اتباع هذا النهج، يمكنك أن تبدأ تدوين 3 أشياء يومية تشعر نحوها بالامتنان.
  • تسجيل المشاعر: هناك الكثير من الأشخاص الذين يختارون هذا الهدف الذي يرتكز على تسجيل المشاعر والأفكار السلبية والإيجابية من أجل معالجتها. وبالنسبة إلى الأفراد الذين يعانون القلق أو الاكتئاب، فإنهم يختارون تسجيل مشاعرهم حتى يتتبعوا الأعراض المصاحبة للقلق والاكتئاب؛ ومن ثم تسهل عملية قياس التحسن في صحتهم النفسية.
  • حاول أن تكتب على نحو متكرر: يتطلب البدء بتدوين يومياتك أن تكتبها على نحو متكرر؛ ولكن الأمر متروك لك لتحديد عدد المرات التي تريد الكتابة فيها، سواء كان ذلك مرة واحدة يومياً، أو مرة في الأسبوع. أنشئ جدولاً يمكنك الالتزام به، وكلما كانت الكتابة جزءاً من روتينك اليومي أصبحت أكثر فائدة وفعالية.
  • اجعلها سهلة: حتى تلتزم بعادة جديدة عليك أن تحاول جعلها سهلة قدر الإمكان حتى تتمكن من الالتزام بها. على سبيل المثال؛ إذا أردت الالتزام بتدوين اليوميات، احتفظ بالقلم والورقة في متناول يدك في الأوقات كافة، وإذا كنت تفضل الكتابة الإلكترونية احتفظ بمذكرة على هاتفك الذكي.
  • لا ترفع سقف توقعاتك: إذا بدأت تدوين اليوميات، لا تتوقع أن تتدفق الكتابة من اليوم الأول، أو تنتظر من نفسك أن تكتب جملاً واضحة ومنسقة ومرتبة خالية من الأخطاء. بالطبع سيكون هناك بعض الأخطاء في البداية ويمكن أن تشعر بالتشتت؛ ولكن هذا كله لا يهم؛ المهم أن تبدأ وأن تكون الكلمات المكتوبة منطقية بالنسبة إليك، وإذا واجهت صعوبة تخص البدء بالكتابة، تُمكنك الاستعانة ببعض الأفكار مثل الإجابة عن هذه الأسئلة في:
    • ما الذي تشعر بالامتنان له في هذه اللحظة؟
    • ما ذكريات طفولتك المفضلة؟
    • ما أكبر شيء تندم عليه؟ وماذا يمكنك أن تتعلم منه؟
    • ما أهم إنجاز لك في حياتك المهنية؟
    • ما أعظم مخاوفك؟ ولماذا؟
  • اكتب كل ما في داخلك: عندما تمسك الورقة والقلم وتبدأ التدوين، اكتب كل ما في داخلك، واترك المشاعر والأفكار السلبية تتدفق، ولا تكن رقيباً على نفسك؛ فقط كن صادقاً واسمح لآرائك وأفكارك ومخاوفك أن تخرج على الورق، وتذكر أن يومياتك قد تكون تافهة أو كئيبة أو عبثية، افعل الأمر كما يحلو لك!