هناك بعض الاضطرابات النفسية لا تحظى بنصيبها الكافي من المناقشة والتوعية، وأحدها هو البطء الوسواسي (Obsessive Slowness) الذي يُعرّفه المعالج النفسي أسامة الجامع بأنه أحد أنواع الوسواس القهري، ويظهر عندما يعاني الشخص بطئاً شديداً في تأدية مهامه اليومية مثل غسيل أسنانه أو ارتداء ملابسه، ما ينتج عنه مشكلات في علاقاته مع الآخرين الذين يرونه يتعمد التأخر عليهم، بينما في حقيقة الأمر هو يعاني أفكاراً وسواسية قهرية تجعله يدقق بشدة في أداء كل حركة ليتأكد من أنها تحدث على أتم وجه، لكن ما الذي يجعل المصاب بالبطء الوسواسي محصوراً في هذا المأزق؟ وكيف يمكنه الخروج منه بسلام؟ هذا ما سنتعرف إليه بالتفصيل في مقالنا.
محتويات المقال
كيف يبدو إيقاع حياة المصاب بهذا الاضطراب؟
ينبغي التوضيح من البداية أن البطء الذي نتحدث عنه ليس اختيارياً، فالمصاب بالبطء الوسواسي حتى وإن أراد تسريع إيقاع حياته فهو غالباً ما يعجز عن ذلك؛ نتيجة تسلط الأفكار الوسواسية على دماغه وتحكمها في سلوكياته، وحسب دراسة علمية أجرتها جامعة كيوتو اليابانية (Kyoto University) فإن تأثير البطء الوسواسي في حياة المصاب به قد يصل إلى حد الانسحاب من التعليم أو العمل، وفي مراحل متقدمة يصبح من الضروري حجزه في مستشفى نفسي لتلقي العلاج اللازم.
وهذا يرتبط بأن كل فعل مهما كان بسيطاً في حياته اليومية يمكن أن يستغرق ساعات، مثل دخول المرحاض وتناول الطعام وغير ذلك، وهو في الوقت نفسه لا ينتقل إلى فعل جديد دون أن ينتهي من الذي يسبقه، لذلك تنخفض إنتاجيته اليومية إلى حد كبير جداً.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: عمر المصاب بالوسواس القهري قد يكون أقل من غيره بـ 9 سنوات!
ما هي الأسباب المؤدية إلى الإصابة بالبطء الوسواسي؟
هناك العديد من الأسباب التي تجعل المصابين بالبطء الوسواسي يتصرفون في حياتهم اليومية بهذا الإيقاع الشديد البطء، أهمها وفقاً للطبيب النفسي فريد بينزل (Fred Penzel):
- سيطرة الشك عليهم فهم يفعلون الأشياء ببطء حتى يتمكنوا من ملاحظة أدق تفاصيلها، ويعتقدون أنهم بذلك سيصبحون أكثر يقيناً في مواجهة الشك الذي يلاحقهم باستمرار، لكنهم في حقيقة الأمر لا يصلون إلى هذا اليقين، فالتساؤلات التي تنتج عن شكوكهم غالباً تكون لا نهائية، ما يعني دخولهم في دوائر مغلقة متكررة من محاولة الإبطاء لطرد الشك ومن ثم الوقوع في فخه فالإبطاء مجدداً، وتلك عملية مؤلمة نفسياً للغاية.
- الرغبة في الشعور بالراحة التامة، إذ يشعر المصاب بهذا النوع من الوسواس القهري بالقلق وعدم الراحة إذا لم يأخذ كل فعل في يومه حقه من الوقت لتأديته ببطء شديد، وأحياناً يتجاوز مسألة البطء إلى تكرار الفعل مرات عديدة للتأكد من أنه قام به مثلما ينبغي ولا مجال لمزيد من التحسين، وهذا يفقده فعاليته في مجتمعه، وقد يقوده مثلما ذكرنا من قبل إلى التوقف عن دراسته أو ترك وظيفته.
- الاتسام بالكمالية وهي صفة تنتشر بين المصابين باضطراب الوسواس القهري الذي يتفرع البطء الوسواسي منه، فالشخص الذي يعانيه لا يرضى عن نفسه إلا إذا كانت الأشياء التي يؤديها تظهر بمنتهى التنميق، ويظن أنه إذا لم يصل إلى هذه المرحلة من المثالية فهذا يعكس عيباً فادحاً عليه تلافيه، وعلى عكس ظنون المحيطين به فالمصاب بالبطء الوسواسي عقله لا يهدأ أبداً وتتلاحق فيه الأفكار القهرية المُلحة التي توجّه إلى الإبطاء في أنشطته والتحقق منها عدداً لا نهائياً من المرات.
اقرأ أيضاً: حارب الكمالية بالرضا وتحرر من شقاء المُثل العليا
كيف يمكن علاج البطء الوسواسي؟
ما زالت حالة البطء الوسواسي حتى يومنا هذا محل نقاش بين خبراء الصحة النفسية، لذا فإن طرق علاجها غير محددة بوضوح، وهي تمثل تحدياً للأطباء النفسيين الذي يتبعون طرائق مختلفة في مقدمتها العلاج الدوائي الذي غالباً ما يتضمن وصف مزيج بين مضادات الاكتئاب ومضادات الذهان للشخص المصاب.
وأحد الأساليب التي قد تجدي نفعاً توعية المريض عن طريق جعله يشاهد مقاطع فيديو لأشخاص يؤدون المهام اليومية نفسها التي يؤديها في وقت طويل خلال مدة زمنية طبيعية، فهذا قد يجعله يعيد النظر في سلوكه القهري وتغيير وجهة نظره تجاه التفاصيل الضرورية التي تعوقه.
أيضاً تسهم جلسات العلاج المعرفي السلوكي في تحفيز المريض تجاه تغيير نمط سلوكياته اليومية، ومن الضروري أيضاً تثقيف أسرته بكيفية التعامل معه بأسلوب صحي، إذ من غير المفيد أن يجري التعامل معه بعنف، إنما الأفضل مساعدته في أداء بعض مهامه إلى حين تحسن حالته مع العلاج المستمر.
اقرأ أيضاً: هل يعود الوسواس القهري بعد العلاج؟