دراسة حديثة: عمر المصاب بالوسواس القهري قد يكون أقل من غيره بـ 9 سنوات!

4 دقيقة
الوسواس القهري
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: كشفت دراسة علمية جديدة أن المصابين باضطراب الوسواس القهري يواجهون احتمالاً كبيراً للوفاة المبكرة مقارنة بغيرهم، وحددت الدراسة الأسباب العديدة وراء ذلك التي سنتعرض إليها بالتفصيل في مقالنا.

توصلت دراسة جديدة منشورة في دورية بي إم جيه (BMJ) في يناير/كانون الثاني عام 2024، إلى أن المصابين باضطراب الوسواس القهري أكثر عرضة إلى الوفاة المبكرة بنسبة 82% تقريباً مقارنة بغيرهم، وذلك سواءٌ لأسباب وفاة طبيعية أو غير طبيعية. فما تفاصيل ما جاء في الدراسة؟ الإجابة في هذا المقال.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: الوساوس والمخاوف المتعلقة بالصحة تزيد احتمالية الوفاة المبكرة

المصاب بالوسواس القهري عمره أقل من غيره بـ 9 سنوات!

بدايةً، يوضح استشاري الطب النفسي، أسامة النعيمي، إن المصاب بالوسواس القهري يعاني أفكاراً ومخاوفَ لا يستطيع السيطرة عليها حتى لو كانت مستهجنة أو سخيفة أو مزعجة، يتبعها تكرار سلوك معين على نحو قهري ومستمر بغية التخفيف من القلق الناجم عن تلك الوساوس، وهو في الوقت نفسه لا يستطيع التوقف عن هذه الأفعال القهرية حتى لو أدرك أن أفكاره غير منطقية؛ ما يؤدي إلى استهلاك وقته، وتقليل جودة الحياة، وإعاقة مسؤولياته اليومية والروتينية.

وقد شملت الدراسة العلمية التي نتحدث عنها مجموعة تتألف من 61 ألف فرد مشخَّص بالوسواس القهري مع مجموعة مقارنة تتألف من 780 ألف شخصٍ لا يعانون هذه الاضطراب. وقد جُمعت هذه البيانات من السجلات الوطنية السويدية على مدى 48 عاماً، تحديداً من عام 1973 حتى عام 2020. ومثلما ذُكر في المقدمة؛ فالمصابون بهذا الاضطراب أكثر عرضة إلى الوفاة المبكرة بنسبة 82% مقارنة بالأشخاص الأصحاء.

وتوضِّح الباحثة الرئيسية في الدراسة، لورينا دي لا كروز (Lorena de la Cruz)، إن المصابين بالوسواس القهري يتوفَّون في سن 69 عاماً؛ في حين يعيش الأصحاء حتى 78 عاماً على نحو متوسط.

وتعزى الوفاة المبكرة إلى أسباب غير طبيعية مثل الانتحار والحوادث؛ إذ يرتفع خطر الوفاة المبكرة نتيجة الانتحار والحوادث بنسبة 230% عند المصابين بالاضطراب مقارنة بغيرهم؛ أما الوفاة لأسباب طبيعية مثل الأمراض غير المعدية، فتزيد بينهم بنسبة 31%.

ويُذكر إن الانتحار هو المسهم الرئيس في ارتفاع خطر الوفاة المبكرة للمصابين بالوسواس القهري؛ إذ يفاقم خطر الموت بنسبة 5 أضعاف مقارنة بالأشخاص غير المصابين؛ أما عن خطر الإصابة بالأمراض المختلفة عند المصابين بالوسواس القهري، فكانت النسب كالتالي:

  • خطر الإصابة بالأمراض التنفسية أعلى بنسبة 69%.
  • خطر الإصابة بالاضطرابات النفسية والسلوكية أعلى بنسبة 63%.
  • خطر الإصابة بأمراض الغدد الصم والتغذية والتمثيل الغذائي أعلى بنسبة 54%.
  • خطر الإصابة بأمراض الجهاز البولي والتناسلي أعلى بنسبة 52%.
  • خطر الإصابة بأمراض جهاز الدوران أعلى بنسبة 36%.
  • خطر الإصابة بأمراض الجهاز العصبي أعلى بنسبة 20%.
  • خطر الإصابة بأمراض الجهاز الهضمي أعلى بنسبة 20%.

ومن المثير للاهتمام أن خطر الوفاة بسبب السرطان كان أقل بنسبة 13% عند المصابين بالوسواس القهري مقارنة بالأشخاص غير المصابين، ولم يُفهم سبب هذا التحول العكسي!

اقرأ أيضاً: كيف تتخلص من وسواس النظافة؟ 5 طرق علاجية ستنقذك

لماذا يكون مرضى الوسواس القهري أكثر عرضة إلى الوفاة المبكرة؟

تشير مراجعة علمية منشورة في دورية مراجعات علم الأعصاب والسلوك الحيوي (Neuroscience and Biobehavioral) عام 2022، إلى أن العلاقة بين الوسواس القهري والحالات الطبية معقدة ومن المحتمل أن تتأثر بعوامل متعددة. على سبيل المثال؛ قد توجد عوامل وراثية مشتركة تسهم في الإصابة بالوسواس القهري إلى جانب بعض الحالات الطبية الأخرى مثل الالتهاب أو اختلال توازن الناقلات العصبية.

وذكرت الدراسة أيضاً أن الأشخاص الذين يعانون الوسواس القهري قد يكونون أقل احتمالاً لطلب المساعدة الطبية وإجراء الفحوصات وتلقي العلاج والأدوية الموصوفة؛ ما قد يؤدي إلى تأخر اكتشاف أمراضهم الجسدية المصاحبة وعلاجها.

بالإضافة إلى أن اضطراب الوسواس القهري قد يرتبط بمستويات عالية من القلق والتوتر المتعلقة بالأفكار والسلوكيات القهرية، ومن المعلوم أن التوتر المزمن يسبب ارتفاعاً مستمراً في مستويات بعض الهرمونات مثل الكورتيزول والإبينفرين والنورإبينفرين؛ ما يؤثر في مستويات السكر في الدم، ويؤدي أيضاً إلى زيادة الالتهابات، وإطلاق العديد من التفاعلات البيولوجية الأخرى التي تؤثر سلباً في الصحة.

علاوة على ذلك، قد ينخرط المصابون بالوسواس القهري في سلوكيات يمكنها الإضرار بصحتهم البدنية. على سبيل المثال؛ يمكن أن يؤدي غسل اليدين القهري أو طقوس التنظيف الأخرى إلى تلف الجلد وزيادة التعرض إلى المواد الكيميائية المستخدمة في التنظيف.

بالإضافة إلى ذلك، قد يعاني بعض الأفراد المصابين بالاضطراب قيوداً غذائية أو أنماطَ تمارين قهرية يمكن أن تسهم في نقص التغذية أو إصابتهم باضطرابات الأكل أو تعرضهم إلى الإصابات.

باختصار، يمكن بمزيج من الأسباب السابقة أن يتفاقم خطر الوفاة المبكرة عند مرضى الوسواس القهري. لذلك؛ فإن التدخل المبكر والرعاية الصحية الشاملة والدعم المستهدف لكل من الأعراض النفسية والمخاوف الصحية الأوسع أمر بالغ الأهمية لتحسين حالاتهم على المدى الطويل ونوعية حيواتهم.

اقرأ أيضاً: علاج الوسواس القهري دون أدوية

ما الحلول التي يمكن اتباعها لتقليل خطر الوفاة المبكرة عند مرضى الوسواس القهري؟

يمكن، بناء على المراجعة السابقة، استخلاص مجموعة من النصائح التي قد تساعد مرضى الوسواس القهري على إدارة حالتهم إدارةً أفضل، وتلبية احتياجاتهم الصحية الأوسع، وتحسين نوعية حيواتهم عموماً؛ ما يقلل خطر الوفاة المبكرة؛ ومنها:

  • نشر الوعي: على الأشخاص الذين يعانون الوسواس القهري أن يكونوا على دراية بالمخاطر الآنفة الذكر؛ وهو ما قد يحفِّزهم على إجراء التغيرات السلوكية التي من الممكن أن تؤدي دوراً في الوقاية من اعتلال الصحة والوفاة المبكرة.
  • مراقبة الصحة البدنية: يُوصى مرضى الوسواس القهري بمراقبة مؤشرات الصحة البدنية بانتظام وطلب الرعاية الطبية لأي أعراض أو حالات مثيرة للقلق؛ إذ يمكن أن تساعد الإدارة الاستباقية للمشكلات الطبية على منع المضاعفات وتحسين النتائج على المدى الطويل.
  • تأكيد أهمية طلب العلاج: ينبغي تشجيع مرضى الوسواس القهري على طلب العلاج؛ قد يشمل ذلك العلاج النفسي والدوائي وتعديلات نمط الحياة المصممة خصيصاً لتلبية الاحتياجات الفردية.
  • اتباع استراتيجيات إدارة التوتر: يمكن لهذه الاستراتيجيات؛ مثل اليقظة الذهنية وتمارين الاسترخاء والتأمل، أن تساعد الأفراد الذين يعانون الوسواس القهري على تقليل تأثير التوتر المزمن في صحتهم البدنية والنفسية.
  • ممارسة السلوكيات الصحية: يُوصى مرضى الوسواس القهري بتبني سلوكيات صحية؛ مثل التغذية المتوازنة وممارسة التمارين الرياضية بانتظام والنوم الكافي، من أجل دعم الصحة العامة والتخفيف من الآثار السلبية المحتملة للسلوكيات المرتبطة بالوسواس القهري.
  • التشجيع على طلب الدعم الاجتماعي: يُنصح مرضى الوسواس القهري بأن يستفيدوا من خدمات الدعم والموارد المتاحة لهم؛ بما فيها مجموعات الدعم الاجتماعي والمواد التعليمية والبرامج المجتمعية؛ إذ إن التواصل مع الآخرين الذين يفهمون تجاربهم يمكن أن يوفر دعماً وتشجيعاً قيّماً.
  • ممارسة الرعاية الذاتية: من المهم لمرضى الاضطراب الوسواس القهري أن يشاركوا في أنشطة ممتعة، ويمارسوا التعاطف مع الذات؛ حيث سيساعد ذلك على إدارة التوتر على نحو أفضل والحفاظ على الصحة عموماً.

اقرأ أيضاً: هل يتحكم الوسواس القهري في علاقتك العاطفية؟ إليك الحل!