كيف تزيد انضباطك وقدرتك على الالتزام؟

5 دقائق
الانضباط
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: ما الذي يجعل بعض الناس أكثر نجاحاً من غيرهم؟ الحقيقة أن هناك عنصرين رئيسين شائعين في أي وصفة للنجاح؛ هما الانضباط والإصرار. الانضباط هو القدرة على التحكم في الانتباه على الرغم من وجود عوامل تشتيت الانتباه، والإصرار هو السعي الدؤوب إلى تحقيق الأهداف بغض النظر عن النكسات والإخفاقات؛ لكن كيف يمكن أن تزيد درجة انضباطك؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

حين نضع لأنفسنا أهدفاً كبرى أملاً في تحقيقها، يبدو كل شيء في البداية ممكناً ومثيراً للمتعة. نشمّر عن سواعدنا ونكتب السطر الأول من حكايتنا بماء من ذهب؛ لكن بمجرد أن تبدأ مرحلة العمل الشاق، تتلاشى الإثارة ببطء سواء كان ذلك بعد شهر أو 3 أشهر أو 6 أشهر. فيما بعد، ندخل في مرحلة الجمود الذي يطل برأسه القبيح؛ ما يجعل الاستمرار في المسار الصحيح صعباً، وهذا هو الوقت الذي نحتاج فيه إلى التعمق في التزامنا من أجل الوصول إلى أعلى إمكاناتنا.

إن تحقيق الأهداف يتطلب الانضباط والالتزام؛ لكن هذا الالتزام ليس فطرياً حيث يمكننا تطويره، وذلك من خلال تحديات الحياة وفرصها، وهنا يظل السؤال قائماً: كيف نزيد درجة الانضباط الذاتي والقدرة على الالتزام؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

ما هو الانضباط الذاتي؟

الانضباط الذاتي هو القدرة على دفع نفسك إلى الأمام، والبقاء متحفزاً، والقيام بالخطوات اللازمة لتحقيق أهدافك بغض النظر عما تشعر به جسدياً أو عاطفياً. إنك تختار عمداً السعي وراء شيء أفضل لنفسك، وأنت تفعل ذلك على الرغم من عوامل التشتيت واحتمالات الحياة غير النهائية، وفي كثير من الأحيان، أنت تختار أيضاً تأجيل راحتك من أجل تحقيق النجاح على المدى الطويل.

ويتطلب تعلُّم كيفية الانضباط والالتزام ممارسة متعمّدة تماماً مثل حب الذات أو مواجهة مخاوفنا، وتجدر الإشارة إلى أن تعلم كيفية بناء الانضباط لا يعني تدمير نفسك، وتأديب نفسك لا يعني عدم وجود أي تعاطف مع الذات؛ ولكنه يعني التدرب على العمل الشاق من أجل جني ثمار النجاح. الأمر يشبه ممارسة التمارين الرياضية إلى حد كبير، ففي البداية تكون عضلات الجسم مترهلة؛ ولكن بعد مرور الوقت تصبح قوية وقادرة على التحمل.

اقرأ أيضاً: 6 ممارسات تعزز تركيزك على أهدافك

ما أهمية الانضباط الذاتي والالتزام؟

يمكن أن تعزز ممارسة الانضباط الذاتي والالتزام رفاهيتك وإنتاجيتك في مجالات مختلفة من حياتك؛ بداية من العلاقات ومروراً بالصحة النفسية والجسدية إلى حياتك المهنية. حيث يساعدك الانضباط الذاتي على:

  1. تحقيق الأهداف الطويلة المدى: الأشخاص الذين يتمتعون بالانضباط الذاتي هم الذين يحققون أهداف الحياة الطويلة المدى. وفي هذا السياق، يوضح الناقد والأديب رجاء النقاش في كتابه "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ" إن الكاتب العالمي نجيب محفوظ كان شديد الانضباط والالتزام في الكتابة؛ حيث كان يفرض على نفسه نظاماً صارماً ويتبع أقصى درجات الالتزام، ولم يتخلَّ محفوظ عن انضباطه أبداً، وطوال رحلته الأدبية كتب أكثر من 50 رواية وحاز جائزة نوبل في الأدب.
  2. تحسين صحتك النفسية: يشعر الأشخاص الذين يمارسون الانضباط الذاتي بمستويات أعلى من الثقة بالنفس والسعادة والاستقلال، ناهيك بأن الالتزام يعمل على تخفيف حدة القلق لأنك تركز على ما يتعين عليك القيام به بدلاً من القلق بشأن الأخطاء التي قد تحدث.
  3. الحفاظ على صحتك الجسدية: غالباً ما ينخرط الأشخاص الذين يُظهرون انضباطاً ذاتياً منتظماً في عادات صحية مثل ممارسة التمارين الرياضية ويقاومون العادات غير الصحية.
  4. تعزيز شعورك بالسعادة: كلما كنت أكثر إنتاجية كنت أكثر إبداعاً؛ وقتها سوف تشعر بالتحكم في أصل سلوكك وسينمو بداخلك شعور أفضل بالإنجاز والنجاح والتقدم وهذا سيجعلك سعيداً.
  5. رفع مستوى مرونتك: هل ترتد بسهولة بعد الشدائد؟ الانضباط الذاتي يمكن أن يعزز لديك صفة المرونة، وكلما كنت أكثر مرونة، كنت أكثر قدرة على مقاومة صعاب الحياة؛ لأنك دائماً ما تمتلك حيلاً واستراتيجيات مختلفة للتعامل مع تلك الصعاب.

اقرأ أيضاً: 12 قاعدة لحياة ناجحة يقدمها لك مختص نفسي

كيف تزيد درجة انضباطك وقدرتك على الالتزام؟

هل تتساءل من أين تبدأ؟ دعنا نفكر كيف تصبح أكثر انضباطاً والتزاماً خطوة بخطوة، فمن المهم عدم البدء بأهداف طموحة جداً. وبدلاً من ذلك، حدد أهدافاً صغيرة، وزِد مستوى التحدي ببطء مع مرور الوقت، وكلما تدربت أكثر، أصبحت أفضل. وأنصحك باتباع هذه الخطوات لبدء تطوير الانضباط الذاتي لديك:

  1. اعرف ما يناسبك أولاً: إن معرفة ما يناسبك وما لا يناسبك هي المفتاح الأول لفهم كيفية الانضباط والالتزام. يحب البعض يحب العمل مع الآخرين والبعض الآخر يفضل العمل بمفرده؛ البعض تحفزه المفاجآت بينما يفضل البعض الآخر العقاب. وحتى تعرف ما تحتاج إليه للنجاح في الانضباط الذاتي والالتزام أجب عن الأسئلة التالية:
  • هل يساعدك وجود مع أشخاص آخرين على التركيز؟
  • هل تشعر بمزيد من الإنتاجية في أداء المهام في الداخل أم الخارج؟
  • هل تحفزك فكرة المكافأة على العمل الجيد؟
  • هل تحفزك فكرة الحرمان من امتياز أو معاملة مميزة لعدم متابعة العمل؟
  • هل تحب التفكير في الأهداف الكبرى أم تفضل الخطوات الصغيرة؟
  • ما الذي تعتبره أكبر العوائق التي تمنعك من أن تكون أكثر انضباطاً؟

بمجرد إجابتك عن هذه الأسئلة، ستتكون لديك فكرة أوضح عن النهج الصحيح لك ولاحتياجاتك.

  1. تعرَّف إلى سبب رغبتك في تحقيق الانضباط الذاتي: لدينا جميعاً أحلام كبرى تحفزنا وأهداف نرغب بتحقيقها؛ ولكن في بعض الأحيان نفقد اتصالنا بهم. لهذا؛ علينا التواصل مرة أخرى مع أحلامنا وأهدافنا حتى نبدأ عملية الانضباط الذاتي. لماذا نرغب بالالتزام؛ هل نريد كسب المزيد من المال، أم لدينا دوافعنا الإنسانية، أم نرغب ياستكشاف أهداف حياتنا الكبرى؟
  2. اكتب أهدافك: الآن بعد أن فهمت سبب أهمية الانضباط الذاتي بالنسبة إليك، وما الذي تريد تحقيقه بالضبط، اكتب أهدافك الكبيرة والصغيرة، فالأشخاص الذين يكتبون أهدافهم أكثر قدرة على تحقيقها، ناهيك بأن عملية تدوين أهدافك يمكن أن تساعدك على أن تكون متحمساً لها.
  3. حدد العوائق: أنت الآن بحاجة إلى تحديد العقبات التي يمكن أن تواجهك عند العمل على تحقيق هدفك، ووضع استراتيجية للتغلب على كل منها. على سبيل المثال؛ إذا كنت ترغب بقراءة كتاب واحد أسبوعياً ولكن ليس لديك الوقت الكافي، يمكنك حينها الاستماع إلى الكتب الصوتية في أثناء الذهاب إلى العمل أو في طريق العودة، كما يمكنك تخصيص وقت للقراءة قبل الخلود إلى النوم مع إغلاق إشعارات وسائل التواصل الاجتماعي منعاً للتشتت.
  4. استبدل العادات القديمة: عندما نقوم بتطوير عملية الانضباط الذاتي والالتزام يجب أن نستبدل بالعادات القديمة أخرى جديدة تجعلنا أكثر انتاجية.
  5. سامح نفسك إذا توقفت وأعد الكرة: لأننا جميعاً بشر فالكمال غير ممكن؛ كلنا نرتكب الأخطاء وهذا جيد! عندما تتصرف بطريقة لا تتماشى مع سعيك إلى أن تصبح أكثر انضباطاً، سامح نفسك، راجع لماذا وأين سارت الأمور على نحو خاطئ، وإذا أمكن، وقم بتغيير بيئتك حتى لا يحدث ذلك مرة أخرى.
  6. آمِن بقدرتك على الوصول إلى النجاح: يؤكد الطبيب آدم بطاينة إن الانضباط والالتزام ينبع من إيمانك بأنك قادر فعلاً على الوصول إلى النتيجة النهائية، وقلة الانضباط تأتي من عدم الإيمان بأنك قادر على الوصول إلى النجاح.
  7. اضبط بيئتك: قبل أن تبدأ، أجرِ تغييرات على بيئتك لزيادة فرص نجاحك؛ حيث إن بيئتك تُحدث فرقاً كبيراً في عملية تقدمك أو إخفاقك. على سبيل المثال؛ إذا كنت تنوي خسارة الوزن عبر اتباع نظام غذائي صحي، تخلّص من الوجبات السريعة والمشروبات الغازية في منزلك.
  8. راقب تقدمك: في أثناء العمل على الانضباط الذاتي، انتبه إلى ما تشعر به وراقب تطورك. فكر أيضاً في تسجيل تطورك وتتبع الإنجاز الذي تقوم به؛ حيث يؤدي هذا الأمر إلى تعزيز التغييرات الإيجابية التي تقوم بها ويمنحك سجلاً يمكنك الرجوع إليه من أجل الشعور بالفخر والسعادة والنشاط.
  9. لا تتوقف عن المحاولة: لا يمكنك النجاح إلا إذا لم تستسلم. يمكن أن يستغرق إتقان الانضباط الذاتي والالتزام بعض الوقت؛ لذا لا تحبط نفسك إذا كان الأمر بطيئاً في البداية، وحاول مرة أخرى إذا أخفقت. استمر في عملية الانضباط الذاتي، وكلما مارسته سوف يصبح الأمر أسهل، وفي النهاية لن تضطر إلى دفع نفسك إلى المحاولة لأن الانضباط سوف يصبح عادة طبيعية.

ختاماً، تذكّر أن الانضباط الذاتي والالتزام هما ممارسات؛ ولذلك لن تكون مثالياً من اليوم الأول. المهم هو ألا تتوقف عن المحاولة، وألا تنسى أن الانضباط الذاتي لا يعني التضحية بالذات، فملاحقة الأهداف لا يجب أن تأتي على حساب صحتك النفسية. اعتنِ بنفسك جيداً، واحصل على فترات راحة، ولا ترهق نفسك.