هل يؤدي داء السكري إلى الإصابة بالاكتئاب؟ أم أن الاكتئاب والأدوية المضادة له يؤديان إلى الإصابة بالسكري؟
في كثير من الأحيان تتبادل الأمراض النفسية والجسدية الأدوار في كونها السبب أو النتيجة لأمراض أخرى، وليست الأمراض وحسب هي من تؤدي هذا الدور؛ بل والأدوية الموصوفة لعلاجها كذلك.
وفي مرض مزمن واسع الانتشار كالسكري، بلغ عدد المصابين به في عام 2021 حول العالم، 537 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 20-79 سنة وفقاً للاتحاد الدولي لداء السكري (International Diabetes Federation)، ويوجد ارتباط واضح بين الإصابة به واعتلال الصحة النفسية؛ بما في ذلك الإصابة بالاكتئاب وتقلبات المزاج والقلق وغيرها من الأعراض النفسية والسلوكية.
وبينما توصف لمريض الاكتئاب مضادات الاكتئاب كإحدى وسائل العلاج، قد يختلف الأمر بعض الشيء بالنسبة إلى مريض الاكتئاب المصاب بالسكري أيضاً، لأن بعض هذه الأدوية يتعارض مع حالة المريض وقد يؤثر سلباً في صحته.
كيف يؤثر داء السكري في الصحة النفسية؟
وفقاً للرابطة الكندية لداء السكري؛ قد يكون التعايش مع داء السكري أمراً مرهقاً جسدياً ونفسياً لما يتطلبه المرض من نمط حياة معين والالتزام بالعلاج والتعامل الجيد مع تقلبات مستويات السكر في الدم. نتيجةً لذلك؛ قد تصاحب الإصابة بداء السكري من النوعين الأول والثاني مستويات مرتفعة من القلق والضغط العصبي وسوء الحالة المزاجية، بالإضافة إلى الاكتئاب.
وبشكل عام؛ ترتبط الإصابة بداء السكري بالمعاناة من طيف واسع من الاضطرابات وأمراض الصحة النفسية. على سبيل المثال؛ عندما يتم تشخيص المريض بداء السكري لأول مرة، من المحتمل أن يشعر بمجموعة من المشاعر مثل الصدمة والغضب والحزن والخوف؛ كما يلي:
● الصدمة أو الرفض
عند تشخيص المرض لأول مرة، قد يشعر المريض بالإرهاق والارتباك، وحتى أنه قد ينكر حقيقة الإصابة بالمرض، ويرفض اتخاذ أي خطوات للتعامل معه.
● القلق
قد ينشأ القلق نتيجة عدم معرفة الكثير عن داء السكري، وعدم اليقين حول مستقبل ومضاعفات المرض. ويمكن أن تختلف أعراض القلق من شخص لآخر؛ لكنها تتمثل بشكل عام في الأرق والشعور بالتوتر ومواجهة صعوبة في التركيز وتشتت الانتباه، بالإضافة إلى نفاد الصبر.
● الغضب
قد ينتج الغضب من التغيرات السلوكية التي تحدث للتكيف مع هذا المرض المزمن، وعدم القدرة على التعامل معه. كما يمكن أن يكون الغضب نتيجة لانخفاض مستويات السكر في الدم الذي يؤثر بدوره في الحالة المزاجية.
● الحزن
يلازم داء السكري العديد من التغيرات في حياة الفرد، وقد يكون الحزن نتيجة الشعور بأن حياته قد تغيرت إلى الأبد، مع فقدان نمط الحياة الذي كان معتاداً عليه من قبل. قد يصاحب هذا المرض أيضاً الشعور بالضعف، خاصة في حالة تدهور الحالة الصحية وحدوث بعض من مضاعفاته.
اقرأ أيضاً:
ما العلاقة بين داء السكري والاكتئاب؟
بالإضافة إلى المشاعر السابقة، فهناك علاقة وثيقة بين داء السكري والاكتئاب. وفقاً لاختصاصية الغدد الصماء ريجينا كاسترو (Regina Castro)؛ يكون مرضى السكري من النوعين الأول والثاني أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب. وعلى الجانب الآخر؛ قد يكون مريض الاكتئاب أيضاً معرضاً بشكل كبير للإصابة بداء السكري من النوع الثاني.
على الرغم من أن العلاقة بين داء السكري والاكتئاب ليست مفهومة تماماً؛ إلا أن هذه العلاقة قد تنشأ من:
- إدارة داء السكري مرهقة وقد تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب.
- يمكن أن يتسبب داء السكري في حدوث مضاعفات ومشكلات صحية قد تؤدي إلى تفاقم أعراض الاكتئاب.
- يمكن أن يؤدي الاكتئاب إلى قرارات حياتية ضارة؛ مثل الأكل غير الصحي والتوقف عن ممارسة التمارين الرياضية والتدخين وزيادة الوزن، وهي عوامل خطر للإصابة بداء السكري.
- يمكن أن يسبب الاكتئاب صعوبة في أداء المهام والتواصل والتفكير بوضوح؛ ما يصعّب إدارة داء السكري بنجاح.
أسباب تفاقم الاكتئاب لدى مريض السكري
لا تقف العلاقة بين مرض الاكتئاب والسكري على أي منهما يمكن أن يكون سبباً للآخر، فهنالك أيضاً بعض الأسباب التي تساعد على تفاقم أعراض الاكتئاب لدى مريض السكري وفقاً للرابطة البريطانية لمرضى السكري؛ ومنها:
- الشعور بالذنب لعدم التعامل الجيد أو التحكم في داء السكري بشكل صحيح.
- عدم الرغبة في الحقن أو إجراء اختبار مستوى الغلوكوز في الدم في الأماكن العامة.
- سوء الحالة المزاجية الناتج عن انخفاض نسبة السكر في الدم في الليل؛ ما يؤثر سلباً في جودة الحياة والقدرة على ممارسة الأنشطة في اليوم التالي.
- القلق بشأن تنظيم مستويات الغلوكوز في الدم في معظم الأوقات.
تقلب المزاج لدى مريض السكري
تصاحب تقلبات مستوى الغلوكوز في الدم تقلبات مزاجية حادة لدى مريض السكري نظراً لدور السكر المهم في وظيفة الدماغ. في هذا السياق؛ أشارت نتائج دراسة بقيادة الباحث في جامعة لويولا في شيكاغو (Loyola University Chicago)، سو بينكوفر (Sue Penckofer) إلى أن النساء المصابات بداء السكري والاكتئاب المرضي المصاحب له يعانين من معدلات قلق أعلى، وغضب أكثر، وجودة حياة أقل من غير المصابات بالاكتئاب.
كما تترافق تقلبات مستويات السكر في الدم مع سوء الحالة المزاجية، ويمكن أن يسبب سوء التحكم في مستويات السكر في الدم إلى تقلبات مزاجية حادة وسلوك غير متوقع أو حتى عدواني فيما يسمى أحياناً بـ "الغضب السكري"؛ والذي يمكن أن يكون خطيراً لأنه قد يتضمن سلوكيات غير واعية تكون خارجة عن سيطرة الفرد.
اقرأ أيضاً:
مضادات الاكتئاب وداء السكري
في جميع الأحوال؛ يجب توخي الحذر عند استخدام مضادات الاكتئاب على المدى الطويل، لما قد ينجر عنها من نتائج سلبية تؤثر في صحة المريض؛ حيث تشير نتائج دراسة من المركز الوطني لطب الأعصاب والطب النفسي بطوكيو عن وجود ارتباط بين مدة استخدام وجرعة مضادات الاكتئاب وخطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، وهذا يعني زيادة احتمالية الإصابة بداء السكري عند استخدام مضادات الاكتئاب على المدى الطويل.
وبينما قد يتناسب بعض مضادات الاكتئاب مع بعض الحالات، يجب الانتباه أيضاً في حالة مريض الاكتئاب الذي يعاني من داء السكري، لأن طبيعة عمل بعض هذه الأدوية قد تؤثر سلباً في حالة المريض.
أشارت دراسة من مستشفى ماساتشوستس العام التابعة لكلية الطب بجامعة هارفارد (Massachusetts General Hospital/Harvard Medical School)، بقيادة الباحثة سارة ماركويتز (Sarah Markowitz)، إلى فعالية بعض مضادات الاكتئاب دوناً عن غيره عند علاج الاكتئاب لدى مرضى السكري.
على سبيل المثال؛ من أكثر مضادات الاكتئاب أماناً وفعالية في علاج الاكتئاب لدى مرضى السكري هي مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) التي تساعد على تخفيف أعراض الاكتئاب المتوسط إلى الحاد، وهي تعمل على زيادة مستويات السيروتونين في الدماغ، بالإضافة إلى مثبطات استرداد النوربينفرين أو الدوبامين.
ومع ذلك، فقد تم ربط أدوية أخرى فعالة مضادة للاكتئاب بآثار جانبية غير مرغوب فيها خاصة في حالة مرضى السكري. على سبيل المثال؛ يمكن أن تسبب مثبطات الأوكسيداز أحادي الأمين (MAOIs) -تعمل على تخفيف الاكتئاب عن طريق التأثير في الناقلات العصبية المستخدَمة للتواصل بين خلايا الدماغ- زيادة الوزن، وتؤثر أيضاً في الجهاز الهضمي؛ ما يسبب آثاراً جانبية غير مرغوب فيها.
ويمكن أن تسبب مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات -المستخدَمة أيضاً لإحداث تغيرات في كيمياء الدماغ- ارتفاع السكر في الدم؛ ما يؤثر سلباً في مرضى السكري.
علاج الاكتئاب المرتبط بداء السكري
الاكتئاب مثل أي مرض آخر يمكن علاجه؛ لكن علاج الاكتئاب مع مرض مزمن مثل السكري يؤثر في حياة الفرد في عدة مجالات هو أمر شديد الخصوصية يحتاج خطةَ علاج محكَمة.
من المهم الإشارة إلى أن الاعتناء بداء السكري يساعد بدرجة كبيرة على تقليل خطر الإصابة بالاكتئاب، وإذا كان الفرد مصاباً بالاكتئاب بالفعل، فإن الإدارة الجيدة لداء السكري تساعد على تقليل الآثار السلبية التي يمكن أن تحدث.
يتضمن علاج الاكتئاب والسكري نهجاً منسقاً يهدف إلى السيطرة على داء السكري وأعراض الاكتئاب. تشمل الطرق التي تساعد على تخفيف حدة هذه الأعراض ما يلي:
- الانخراط في الأنشطة الاجتماعية.
- الانخراط في نشاط بدني معتدل بانتظام.
- اتباع نظام أكل صحي.
- الحفاظ على وزن صحي.
- الحصول على المساعدة والدعم والتشجيع من العائلة والأصدقاء.
- قياس ضغط الدم بانتظام وفحص مستويات الكولسترول والغلوكوز في الدم.
اقرأ أيضا:
كيف يمكن علاج أعراض الاكتئاب والسكري معاً؟
تشير كاسترو إلى بعض طرق علاج أعراض الاكتئاب والسكري معاً كما يلي:
- برامج الإدارة الذاتية لداء السكري: تركز على سلوك الأشخاص في التحكم في التمثيل الغذائي لديهم، وتحسين مستويات اللياقة البدنية، وإدارة فقدان الوزن وعوامل خطر الإصابة بأمراض القلب. يمكن أن تساعد هذه البرامج أيضاً على تحسين الإحساس بالعافية النفسية وجودة الحياة.
- العلاج النفسي: تساعد طرق العلاج النفسي المختلفة ومنها العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، الأشخاص على التعامل مع أعراض الاكتئاب بفعالية؛ وبالتالي إدارة داء السكري بطريقة أفضل.
- تغيير نمط الحياة: يمكن لتغييرات نمط الحياة أن تحسن الاكتئاب والسكري. وتشمل الخيارات أنواعاً مختلفة من العلاج، جنباً إلى جنب مع ممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
كذلك تنصح كاسترو بضرورة انتباه مريض السكري إلى أعراض الاكتئاب التي قد تتسلل إليه؛ بداية من فقدان الاهتمام بالأنشطة المفضلة لديه، وليس انتهاءً بمشاعر الحزن أو اليأس، والمشكلات أو الآلام الجسدية غير المبررة مثل آلام الظهر أو الصداع.
كما يجب طلب المساعدة على الفور إذا شعر بفقدانه السيطرة على هذه الأعراض، حتى يتمكن اختصاصي الصحة النفسية من إرشاده إلى طرق العلاج التي تناسب حالته.
اقرأ أيضا: