يمكننا أن نقول "عفواً" عندما نخطئ بحق أحد ما لكن ذلك قد لا يكون كافياً دائماً للاعتذار، فطلب المغفرة من الآخرين هو أمر أكثر دقة مما تعتقد لكنه ضروري جداً في الوقت ذاته. كيف يمكنك الاعتذار بطريقة جيدة؟
من الكلمات المؤذية إلى التجاوزات المزعجة والأخطاء ذات العواقب الوخيمة؛ قد نرتكب الكثير من الأخطاء بحق الآخرين خلال مواقف الحياة اليومية سواء كان ذلك سهواً أو عمداً. ولكن إذا كنا جميعاً نقدر على الاعتذار عن هذه الأخطاء كحد أدنى فإن "الاعتذار بطريقة جيدة" يتطلب معرفة معينة. إذا لا يكفي أن ينطوي الاعتذار على قول بضع كلمات نقول بضع كلمات بل من الضروري اتباع الخطوات المناسبة لإصلاح الخطأ أو الضرر الذي لحق بالآخرين نتيجة تصرفنا. وفقاً للأميركي جون كيم الذي سمى نفسه "المعالج الغاضب"؛ يعتقد الكثيرون أن تقديم التفسيرات هو أمر كافٍ للاعتذار، بينما يجسد ذلك في الحقيقة محاولة المرء لتبرير تصرفه والدفاع عن نفسه، ويحول اتخاذ الوضع الدفاعي دون قدرته على التعبير عما يشعر به بطريقة صحيحة. وفي الخلاصة يشير المعالج إلى أنه لا اعتذار حقيقياً دون أن يعترف المخطئ بالألم الذي ألحقه بالآخر. في عام 2016 أجرى روي لويكي الأستاذ الفخري في قسم الإدارة والموارد البشرية بجامعة كولومبوس (أوهايو)، تجربةً على 755 شخصاً كانت تتمحور حول اكتشاف ماهية الاعتذار الذي يمكن اعتباره اعتذاراً تصالحياً بالفعل، وخلصت التجربة إلى تحديد 6 عناصر أساسية "للاعتذار بطريقة صحيحة"، ومنذ ذلك الحين اعتُبرت الدراسة التي انتشرت على نحو واسع جداً بمثابة مرجع لهذا الموضوع.
أعرب عن ندمك
"أنا آسف حقاً"، "أنا آسف جداً". إن التعبير عن ندمك بوضوح وصدق إن أمكن هو نقطة البداية الأساسية. عندما نريد الاعتذار إلى الآخرين فإننا نميل بصورة عامة إلى الدخول مباشرةً في محاولة تفسير تصرفنا وهي محاولة سيئة لنغفر لأنفسنا. وغني عن القول إن مثل هذا التصرف لن يؤدي لاتخاذ الشخص الآخر موقفاً إيجابياً تجاهنا، كما أنه لن يؤدي لإصلاح شيء في علاقتنا معه. يتطلب الاعتذار جرعةً صغيرةً من التواضع لأنه يتعلق بأن نقول -ويفضل أن نفكر بذلك أيضاً- لمحاورنا أننا نعي الأذية التي سببناها له أو الأمر الذي أفسدناه في العلاقة، فالتعبير بوعي كهذا هو ما سيخلق على الأرجح مناخاً من الاستماع والقبول.
اشرح ما حدث
إن مجرد قول "آسف" لن يكون كافياً لتعويض الشخص الذي أخطأنا بحقه، فمن الضروري أخذ الوقت الكافي لشرح ما دفعنا إلى إيذائه سواء كان ذلك عن قصد أو عن غير قصد. نحن نعبر بذلك عن القيمة التي تتضمنها مقاربتنا ومن ثم العلاقة التي تربطنا بالآخر. الأمر الجوهري هو أن يفهم محاورنا كيف أخطأنا بحقه، ما السياق الذي حكم تصرفنا وكيف كانت حالتنا الذهنية في أثناء ذلك، وإن كان هناك احتمال لوجود سوء فهم. ستساعده هذه المعلومات في الحصول على فكرة أكثر دقةً عن الظروف التي أحاطت بنا وسبب التجاوز الذي أقدمنا عليه، ومن ثم فإن ذلك سيساعده على أن يحدد بطريقة مستنيرة ما إذا كان سيقبل اعتذارنا أو يرفضه.
اعترِف بمسؤوليتك
غالباً ما نميل إلى محاولة البحث عن الأعذار لأنفسنا خلال محاولتنا الاعتذار إلى الآخرين، وهو أسلوب لا ينطوي على الصدق ولا يؤدي إلى حل المشكلة. إن اعتراف المرء بمسؤوليته عن خطئه دون محاولة تبرئة نفسه هو أقل ما يمكنه القيام به عندما يؤذي الآخرين. يمكن للمرء أن يؤذي الآخرين دون قصد لكن الأذى يأتي دائماً من سبب حقيقي. على سبيل المثال من الواضح أن نسيان حدث ما ليس فعلاً مقصوداً، فمن الأفضل التعرف إلى أخطائك والتعبير عن ندمك بدلاً عن البقاء في الخطوة رقم 2؛ أي الاستمرار بمحاولة تفسير ما قمت به بتعرضك لأمور طارئة أو الحالة الذهنية السيئة التي كنت عليها.
قُل ما تشعر به
بعد الإعراب عن الأسف واسترجاع الحقائق والاعتراف بمسؤوليتنا يأتي الآن وقت التعبير عن ما نشعر به. من الضروري أن نخبر الآخر بما نشعر به من مشاعر الذنب والإحراج والندم والخزي، فالتعبير عن هذه المشاعر بالكلام يُعتبر بمثابة التعاطف الذي ربما كنا نفتقر إليه عندما آذينا الآخر. إن التعبير عن ندمنا يسمح لمحاورنا أن يفهم أننا نقدر الأذى الذي سببناه له وأن ذلك يؤثر فينا، وهو الأمر الذي قد يكون ذا تأثير تصالحي في حد ذاته بالنسبة له.
اقترح تعويضاً
تنطبق هذه الخطوة قبل كل شيء على الكم والمادة ولكن ليس ذلك فقط، فمن الممكن أن نسأل الشخص الآخر عن كيفية تعويضه عن الضرر الذي سببناه له أو تخفيفه أو القيام بأي تصرف بغية التكفير عن الذنب الذي اقترفناه بحقه. إنها بالطبع ليست مسألة شراء "السلام" مع الشخص الذي آذيناه أو محاولة تبرير الخطأ؛ بل محاولة لتعويضه عن الضرر الذي لحق به بالطريقة التي تناسبه.
اعتذر
وصلنا الآن إلى المرحلة الأخيرة من عملية "حسن الاعتذار"، وهي طلب المغفرة بتواضع وصدق. إن طلب الغفران هو عرض يهدف إلى استعادة التوازن الذي اختل والثقة التي اهتزت. لكن الموافقة على ذلك متروكة للشخص الذي تعرض للظلم وعليك أن تقبل قراره، فنحن غالباً ما نميل إلى الاعتقاد بأن مجرد التعبير عن طلب المغفرة سيؤدي إلى موافقة الطرف الذي تأذى وننسى أحياناً أن رفضه مسامحتنا هو سبيله لرأب الجرح الذي تعرض له، وفي كل الأحوال يجب أن يكون طلبك للغفران نابعاً من القلب وصادقاً وأن تعيش بُعَده التحرري والتصالحي بالكامل.