قررت أن أذهب برفقة أصدقائي المقربين إلى حفل كسارة البندق بدار الأوبرا المصرية، وهو عرض باليه يعد من أكثر الأعمال الموسيقية الكلاسيكية المرتبطة باحتفالات العام الجديد، جهزت ملابسي الرسمية وعلقتها في غرفتي، ولكن فكرة الحفلة أخافتني للغاية، وكلما اقترب موعدها، أحس بالقلق والتوتر، هل ألغي الذهاب، وأخلد إلى النوم مبكراً بعد قراءة كتابي المفضل؟ هل أعتذر لأصدقائي عن الذهاب وأخبرهم أني أكره الاحتفالات؟ تُرى لماذا يكره بعض الناس الاحتفالات والمناسبات بينما يفضلها آخرون؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
ما هي الأسباب التي قد تدفعك إلى كراهية الاحتفالات والمناسبات؟
هل تثير الحفلات والمناسبات الاجتماعية قلقك وتوترك وتُشعرك بعدم الراحة قبل قدوم موعدها؟ هل تكره الحفلات والتجمعات العائلية؟ في الحقيقة هناك الكثير من الأسباب التي قد تدفعك إلى الإحساس بتلك المشاعر، منها على سبيل المثال:
1. الضغط المجتمعي للاحتفال بطريقة معينة
قد تشعر في الكثير من الأحيان بالضغط الشديد لأن المجتمع يفرض عليك الاحتفال وفق طريقة معينة، على سبيل المثال، يجب أن تشتري كعكة وتحتفل بعيد ميلادك وسط أفراد عائلتك جميعهم وأصدقائك، لكنك في نفس الوقت تفضّل الاحتفال الصغير وسط أصدقائك المقربين فقط وأفراد أسرتك، ولهذا تكره الاحتفالات والمناسبات.
2. الخوف من خيبة الأمل
عادة ما تأتي الاحتفالات والمناسبات مع التوقعات العالية، إذ نفترض دوماً أنها يجب أن تكون مبهجة ومليئة بالسعادة والفرحة والتفاف الأصدقاء والمعارف، وبسبب هذه التوقعات المرتفعة جداً قد تخاف من الشعور بخيبة الأمل، ولذلك تكره الحفلات حتى تحمي نفسك مقدماً من الإحساس بخيبة الأمل.
3. الذكريات السلبية للحفلات والمناسبات في الطفولة
في أثناء طفولتي البعيدة، وفي كل مرة كنا نتجمع بها في بيت جدتي، كانت الخلافات تقع وتدب مشاجرة كبرى بين أفراد العائلة، فتقرر أمي أن تشدنا من أيدينا وتغادر على الفور، ولهذا أصبحت أخشى التجمعات بشدة وأحس أن ثمة مكروهاً سيقع لا محالة، وأكره الحفلات لأنها تذكّرني أيضاً بأوقات لا أحبها أبداً في طفولتي، وبالمثل، إذا كنت قد واجهت ذكريات سلبية ارتبطت في ذهنك بالحفلات والمناسبات، فقد تكبر وأنت تكره تلك الحفلات والتجمعات.
4. الإصابة باضطراب القلق الاجتماعي (Social Anxiety Disorder)
اضطراب القلق الاجتماعي هو اضطراب نفسي يتسم بخوف ساحق ومستمر من المواقف الاجتماعية والتجمعات والمناسبات العائلية، وعادة ما ينبثق هذا الخوف من الحكم عليك أو من الشعور بالحرج في أثناء تلك المواقف، وتوضح الطبيبة النفسية، لورين كوك (Lauren Cook)، أن الأشخاص المصابين باضطراب القلق الاجتماعي يعانون خوفاً شديداً في أثناء المناسبات الاجتماعية جميعها.
5. تأثير الضوء الساطع (the spotlight effect)
تأثير الضوء الساطع ظاهرة نفسية تجعلك تشعر وكأن الجميع ينتبهون إليك ويهتمون بمظهرك وحضورك، سواء كان ذلك اهتماماً جيداً أم سيئاً، وفي كلتا الحالتين، غالباً ما يؤدي هذا الاهتمام إلى زيادة الوعي الذاتي والقلق الاجتماعي. بعبارة أخرى، يمكن القول إن تأثير الضوء الساطع هو تحيز إدراكي أو خطأ في التفكير يجعلك تبالغ في تقدير مدى ملاحظة الآخرين لك، حيث تظن أنهم يركزون عليك طوال الوقت، ومن ثم يمكنهم رؤية عيوبك وأخطائك.
اقرأ أيضاً: لم يكره البعض حضور حفلات الزفاف؟
6. الانطوائية والإحساس بالإرهاق في التجمعات الكبيرة
إذا كنت شخصاً انطوائياً فهذا حتماً يعني أنك لا تحب التجمعات الكبرى، ولهذا فإن الحفلات أو المناسبات قد تجعلك تحس بالإرهاق والتوتر والقلق، علاوة على ذلك، إذا كنت شخصاً انطوائياً فهذا يعني أنك لا تحب الضوضاء والصخب والاختلاط الاجتماعي، ولهذا فأنت لا تحب الاحتفالات أو المناسبات.
7. الإحساس بكآبة ما بعد الحفلة (The Post-Party Blues)
تخيل أنك تحب الحفلات والتجمعات العائلية؛ تجهّز نفسك مسبقاً، وتشعر بالبهجة والسعادة في أثناء فقرات الحفل، لكن شعوراً بالحزن والكآبة والوحدة وخيبة الأمل يداهمك فور العودة إلى البيت، ولذلك تُقرر أنك لن تذهب مرة أخرى إلى الحفلات تجنباً لإحساس كآبة ما بعد الحفل.
وفي هذا السياق، تشرح المعالجة النفسية، ديان بارث (Diane Barth)، أن حضور الحفلات قد يمنحك دفقة من الهرمونات والمواد الكيميائية التي يفرزها جسمك ويعزز شعورك بالسعادة، وفور أن ينتهي الحفل يتوقف الإندورفين والمواد الكيميائية الأخرى التي تمنح الشعور بالسعادة عن التدفق، ويزول الشعور بالنشوة، وتبدأ في الشعور بخيبة أمل جسدية وكذلك نفسية.
8. القلق التوقعي (Anticipatory anxiety)
ينطوي القلق التوقعي على الشعور بمستويات عالية من القلق بشأن حدث أو موقف مستقبلي، وعلى الرغم من أن القلق بشأن المستقبل أمر شائع، فإن القلق التوقعي ينطوي على مستوى مفرط أو منهك من القلق الذي يميل إلى التركيز على النتائج السلبية، وقد يشعر الأشخاص الذين يعانون القلق التوقعي بالتوتر ساعات أو أياماً أو أسابيع أو أشهراً قبل الحدث، وعادة ما يداهمك هذا القلق قبل اجتماعات العمل، وقبل الحفلات والمناسبات الاجتماعية والعروض الموسيقية.
كيف تتعامل مع كراهيتك للاحتفالات والمناسبات؟
يمكن القول إن الحفلات والمناسبات عادة ما تكون فرصة من أجل تعميق الروابط الاجتماعية والإحساس بالبهجة والسعادة، وإليك أهم النصائح التي تساعدك على تخفيف كراهيتك لها، وحضورها إذا أردت، دون الشعور بضغط نفسي:
1. لا ترفع سقف توقعاتك
عادة ما نشعر بالحزن وخيبة الأمل بعد الحفلات بسبب رفع سقف التوقعات، لذلك قبل أن تذهب إلى الحفل، لا تضع أي توقعات، أو حاول قدر الإمكان عدم رفع سقف توقعاتك، بدلاً من ذلك، ابذل قصارى جهدك للعيش في اللحظة الحالية وتقديرها كما هي، وتذكّر أن الحفلات لا يجب أن تكون مثالية تماماً حتى تستمتع بها.
2. استعدّ للحفل مبكراً
إذا كنت تحس بالقلق الاجتماعي، ابدأ بالتفكير مبكراً في كيفية قضاء وقتك بالاسترخاء قبل الحفل، إذا أمكن. تأكد من أن لديك بضع ساعات على الأقل من الوقت للاستعداد، وحاول قضاء بعض الوقت مع نفسك. يمكنك على سبيل المثال، أخذ حمام دافئ، أو قراءة كتابك المفضل أو التلوين، بعد ذلك، خطط جيداً لما سترتديه في الحفل، واختر الملابس التي تبدو جيدة عليك ومريحة.
3. جهّز بعض الأفكار من أجل إجراء المحادثات
قد يكون التحدث إلى الأشخاص أمراً مرهقاً للأعصاب، خاصة إذا كنت لا تعرفهم، لذلك قبل الذهاب إلى الاحتفال أو المناسبة الاجتماعية، فكّر في بعض الطرائق المختلفة لبدء محادثة، على سبيل المثال، يمكنك تقديم مجاملة لشخص ما على ملابسه، أو جهّز بعض الأفكار أو الموضوعات من أجل التحدث عنها، مثل الأحداث الرياضية أو الأفلام المفضلة أو الموسيقا.
4. اطلب المساعدة عند الحاجة
هناك عدد قليل من الأشخاص المختارين في حياتي أستطيع إرسال رسائل نصية إليهم في الأوقات جميعها، خاصة إذا كنت أحس بالخوف أو القلق أو التوتر، على سبيل المثال، أذكر أنني كنت في إحدى حفلات توقيع كاتبي المفضل، وأرسلت رسالة نصية إلى صديقتي قائلة "أنا في حفلة وأنا في حالة من الذعر، أخبريني بثلاثة أشياء رائعة عن نفسي" وبالمثل، إذا كنت تكره الحفلات وذهبت إلى هناك، اُخرج إلى مكان فيه هواء طلق، وتواصل مع أفضل أصدقائك، وسيساعدك ذلك على أن تتحسن نفسياً.
اقرأ أيضاً: اكتئاب عيد الميلاد: ما الذي يجعلك حزيناً في عيد ميلادك؟
5. كن لطيفاً مع نفسك
بغض النظر عما تشعر به تجاه الحفلات والتجمعات العائلية والمناسبات السعيدة، لا تنتقد نفسك أو تحكم عليها، تقبّل مشاعرك، وكن لطيفاً مع ذاتك، وتأكد أنها تستحق كل الدعم الذي تناله من الآخرين.
6. لا تخف من ارتكاب الأخطاء
يؤكد المعالج النفسي، أسامة الجامع، أن هناك بعض الأشخاص الذين يتجنبون الاجتماعيات والمناسبات العائلية والاحتفالات خوفاً من ارتكاب الأخطاء، وينصحك الجامع بأن تكن على سجيتك، وتتقبّل الخطأ وتستمتع بالتجمع كيفما كان دون شروط.
7. احتفل بالطريقة التي تناسبك
إذا كانت الحفلات والتجمعات الكبرى تجعلك تشعر بالقلق المفرط الذي يصعب السيطرة عليه، حيث تتسارع دقات قلبك وتحس بضيق التنفس واضطرابات الجهاز الهضمي مثل الغثيان، فلا تذهب إلى هناك. هل تذكرون حفل كسارة البندق الذي سأذهب إليه قريباً، في الحقيقة أنا خائفة جداً من الذهاب، ولكني سأحاول قدر استطاعتي، وإذا لم أتمكن من السيطرة على قلقي، سأستمتع بليلة هادئة في المنزل بصحبة مسلسلي المفضل وكوب من القهوة الساخن، في كل الأحوال لن أفوّت على نفسي المتعة، وأنت يمكنك أن تفعل الأمر نفسه.