ملخص: يقرر الناس تفضيل العديد من الاختيارات كل يوم، وفي حين أن بعض الاختيارات قد يكون جيداً فإن البعض الآخر منها قد يكون خاطئاً. ومع مرور الأيام، نلتفت إلى الوراء ونسأل أنفسنا عن سبب القيام بتلك الخيارات الخاطئة، وبخاصة تلك التي كانت نتائجها مدمرة وكارثية وأدت إلى شعورنا بالندم. وعلى الرغم من أننا قد لا نتوقف عن القيام بالاختيارات المدمرة والخاطئة، فإننا يمكن أن نفهم على الأقل أسباب تفضيلنا لتلك الاختيارات وكيفية تجنبها، وهذا ما سنعرفكم إليه في مقالنا.
محتويات المقال
نقرر في حيواتنا اليومية تفضيل اختيارات بعينها، وهذه الاختيارات بمعظمها تكون تلقائية وغريزية، ونقوم بها دون تفكير مطوَّل؛ مثل انتقاء الملابس التي نرتديها في الصباح، والطعام الذي نتناوله على الغذاء، وما إلى ذلك. لكن هناك بعض الاختيارات التي تتطلب تفكيراً مطوّلاً لأن لها آثاراً ممتدة، ويمكن القول إن القيام بالاختيارات الجيدة باستمرار هو أهم عادة علينا تطويرها.
وعلى الرغم من أننا جميعاً نرغب بالقيام بالاختيارات الجيدة فإننا لسنا مثاليين؛ ولهذا قد نختار خطأً في بعض الأحيان اختيارات كنا نظن أنها صحيحة لكنها لم تجلب لنا سوى خيبة الأمل والندم، فلماذا اتجهنا نحو تلك الاختيارات الخاطئة التي يمكن أن تدمر حيواتنا؟ وكيف يمكننا تجنب ذلك؟ إليكم الإجابة في هذا المقال.
ما الذي يجعلنا نفضل الاختيارات الخاطئة التي قد تدمر حيواتنا؟
لا يعني تفضيل الاختيارات الخاطئة بالضرورة أن حيواتنا سوف يصيبها الدمار، فالخطأ هو جزء من رحلتنا على هذه الأرض؛ لكن الاختيارات الخاطئة المستمرة هي التي يمكن أن تدمر حيواتنا بالفعل، وعادة ما نقوم بتلك الأخطاء للأسباب التالية:
- الاستسلام للسياق الاجتماعي: أحياناً نختار الاختيارات الخاطئة لأننا نرغب في إرضاء الجميع ونستسلم للسياق الاجتماعي، فعندما يختار كل مَن حولك شيئاً ما ويكون لديك شيء مختلف لتختاره قد يكون من الصعب عليك القيام بالاختيار الصحيح.
يُطلق أستاذ علم الاجتماع في جامعة ستانفورد، مارك غرانوفيتر (Mark Granovetter)، على هذا السلوك اسم "النموذج العتبي للسلوك الجماعي" الذي ينص على أن سلوكيات الأفراد تعتمد على أعداد الأفراد الآخرين المنخرطين في هذه السلوكيات بالفعل، والعتبة هي عدد (أو نسبة) الأشخاص الآخرين الذين يجب عليهم القيام باختيار واحد قبل أن يقرر الجميع الموافقة على اختيارهم؛ أما الأشخاص الذين لا يستسلمون للسياق الاجتماعي فهم الذين لا يحتاجون إلى موافقة الآخرين.
- التحيز التأكيدي: يخبرنا علم الاقتصاد السلوكي أنه بمجرد القيام باختيار ما، حتى لو كان غير منطقي، فإننا نميل إلى التشبث به وتصفية المعلومات المخالفة جميعها في أثناء البحث عن المعلومات التي تؤكد وجهة نظرنا الأصلية.
ويطلق علم النفس على هذه الظاهرة اسم "التحيز التأكيدي"، وهذا التحيز عادة ما يكون متجذراً بعمق في تفكيرنا اللاواعي، حتى أن تفكيرنا غير المنطقي يبدو عقلانياً تماماً بالنسبة إلينا فنحن نعمل وفق رؤية متحيزة ومفلترة تفتقد أجزاء مهمة من المعلومات ونختمها بـ "الاستدلال القائم على المنطق".
- التصرف بدافع العاطفة وليس العقل: إن تجربة الإحباط والإثارة والغضب والفرح هي جزء أساسي من التجربة الإنسانية اليومية، وعلى الرغم من أن العواطف والمشاعر مهمة فإنها من الممكن أن تعوق قدراتنا على اتخاذ قرارات واختيارات جيدة، وبخاصة خلال ذروة لحظات الغضب والسعادة.
وحتى حين نشعر بالتعب والإرهاق فإننا نميل إلى القيام ببعض الاختيارات السيئة حقاً؛ مثل ترك وظيفة على عجل، أو الموافقة على اقتراح مبالغ فيه، أو رفض فكرة جيدة محتملة، أو الصراخ في زميل العمل، وينتهي بنا الأمر إلى قول أشياء لم نكن لنقولها أو فعل أخرى لم نكن لنفعلها لولا ذلك.
- البحث عن الراحة والسعادة على المدى القصير: في الكثير من الأحيان، يكون من المغري الاستسلام لنتائج جيدة ذات جوانب إيجابية صغيرة يمكن الوصول إليها بسهولة دون التفكير في الجانب السلبي الكبير المحتمل لهذه القرارات في المستقبل، ناهيك بأن تجاربنا ومعتقداتنا قد تمنعنا من الشك فيما قد يبدو اختياراً واضحاً.
وفي هذا السياق، يؤكد رجل الأعمال الأميركي راي داليو (Ray Dalio) في كتابه "المبادئ" (Principles)، أهمية التفكير من الدرجة الثانية؛ حيث كتب قائلاً "الفشل في النظر إلى العواقب من الدرجة الثانية والثالثة هو سبب الكثير من الاختيارات السيئة المؤلمة، ويكون الأمر مدمراً بصفة خاصة عندما يؤكد الخيار الأول تحيزاتك؛ ولهذا لا تقم أبداً بالخيار الأول المتاح، مهما بدا جيداً، قبل أن تطرح الأسئلة وتستكشفه".
- رفض إعادة التفكير في الاختيارات الخاطئة السابقة: يوضح الكاتب الأميركي آدم غرانت (Adam Grant) في كتابه "فكّر مرة أخرى" (Think Again)، إننا عندما نكرس أنفسنا لخطة ما ونقوم بالاختيارات وفقاً لها ثم لا تسير كما كنا نأمل، فإن غريزتنا الأولى ليست إعادة التفكير في الخطة، وبدلاً من ذلك، فإننا نميل إلى مضاعفة الجهود واتخاذ المزيد من الاختيارات الخاطئة! ويطلق علماء النفس على هذه الظاهرة اسم "تصعيد الالتزام"، وعادة ما تحدث هذه الظاهرة لأننا نبحث باستمرار عن المبررات الذاتية لمعتقداتنا، ونفشل في بعض الأحيان في فصل هوياتنا الذاتية عن الاختيارات الخاطئة التي نقوم بها.
اقرأ أيضاً: متى تستسلم وتتخلى عن طموحك المهني الخاطئ؟
كيف تدمر الاختيارات الخاطئة حيواتنا؟
يمكن أن تنتج من الاختيارات الخاطئة تأثيرات قوية وطويلة الأمد في حياة الفرد، وهذه التأثيرات قد تتمثل في:
- العلاقات الشخصية: الاختيارات الخاطئة في العلاقات الشخصية أمر وارد؛ ولكن الانخراط في تلك الاختيارات يمكن أن يدمر حياة الفرد. فعلى سبيل المثال؛ اختيار الاستمرار في علاقة مسيئة يؤدي إلى تدمير احترام الذات، هذا بالإضافة إلى بعض المشاعر السلبية الأخرى مثل الشعور بخيبة الأمل والندم ولوم الذات.
- الحياة المهنية: إذا قمت بقرار مهني خاطئ يمكنك العدول عنه والبدء من جديد؛ ولكن إصرارك على الاختيار الخاطئ قد يجعلك تشعر وكأنك تقضي عقوبة السجن لمدة 8 ساعات كل يوم، هذا بالإضافة إلى الشعور بالاستنزاف والإحباط والقلق والاكتئاب. وبالإضافة إلى هذه المشاعر اليومية كلها، سوف يعوق ذلك الاختيار الخاطئ نموك المهني ويحد من آفاقك المستقبلية.
- الصحة النفسية: يعتقد استشاري الطب النفسي علي الحرجان إن الاختيارات الخاطئة تؤدي إلى العديد من الآثار السلبية النفسية مثل الإصابة بالاكتئاب وبعض الاضطرابات النفسية الأخرى.
اقرأ أيضاً: هل أنتِ مع شريك الحياة الخاطئ؟ علامات تحذيرية تجيبك
10 إرشادات تجنبك الوقوع في فخ الاختيارات الخاطئة
تحدد الاختيارات التي نقوم بها واقع كل منا، وترسم طرق مستقبلنا؛ ولهذا علينا أن نحاول قدر الإمكان تجنب الوقوع في فخ القرارات الخاطئة باتباع الطرائق التالية:
- ضع نفسك أولاً: في بعض الأحيان، القيام بالاختيارات الجيدة يعني أنه عليك أن تضع نفسك أولاً، ليس بطريقة أنانية ولكن بطريقة الرعاية الذاتية، فإذا كانت عقليتك هي أنه عليك دائماً إرضاء المحيطين والحصول على موافقة الجميع، فغالباً ما ستقوم باختيارات ليست في مصلحتك.
- استشِر الأهل والأصدقاء وأصحاب الخبرة: يؤكد استشاري الطب النفسي علي الحرجان ضرورة استشارة الأهل والأصدقاء وأصحاب الخبرة قبل القيام بالاختيارات المهمة وذلك تجنباً للندم في المستقبل.
- خصّص وقتاً للتفكير: نحن نتعرض لطوفان من عناصر الإلهاء بصفة بومية، وبالطبع لن تستطيع معالجة المعلومات والقيام باختيار جيد في أثناء تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، أو تفقد البريد الإلكتروني! ولذلك؛ عليك تخصيص ما لا يقل عن 30 دقيقة يومياً للتفكير فقط.
- تعلَّم الدرس من الاختيارات السابقة: كل اختيار خاطئ قمت به يمكن أن يصبح درساً تتعلم منه. ربما من المؤلم أن تعيد التفكير في اختياراتك الخاطئة؛ ولكن هل تعرف ما الأكثر إيلاماً؟ ارتكاب الخطأ نفسه مرة أخرى!
- تحمَّل المسؤولية: يتيح لك تحمل المسؤولية الاحتفاظ بالسيطرة على الموقف، لقد أحدثت الفوضى، وكنت جزءاً من المشكلة لذا يمكنك إصلاحها.
- سامح نفسك: الجميع يرتكب أكثر من بضعة أخطاء؛ ولهذا تقبَّل عواقب اختيارك وامضِ قدماً، فمن المستحيل القيام باختيارات مثالية طوال الوقت.
- أنت لست اختياراتك: أنت منفصل عن الاختيارات التي تقوم بها، والاختيارات السيئة لا تجعلك سيئاً مثلما أن الاختيارات الجيدة لا تجعلك جيداً، وتذكر جيداً أن اختياراتك لا تحدد هويتك.
- اعتنِ بنفسك: لا تقم باختيار مهم وأنت منهك أو متعب أو جائع، فإذا فكرت في القيام باختيار مهم احصل على قسطٍ من الراحة ونم جيداً وتأكد من تناول وجباتك، وعليك أيضاً أن تكون هادئاً لأن الاختيارات المهمة تتطلب وضوح الفكر.
- توقف عن تجنب الاختيارات: إن رفض الاختيار ليس هو الحل لأنك سوف تظل عالقاً في مكانك إلى الأبد وهذا اختيار في حد ذاته! الاختيارات المهمة ليست سهلة أبداً؛ يتطلب الأمر شجاعة لاتخاذ الخيارات، والمزيد من الشجاعة لاتخاذ الخيارات الصحيحة؛ لكن عدم اتخاذ أي خيار على الإطلاق يُبقيك عموماً في مكان لا تريد أن تكون فيه.
- لا تقم بالاختيارات التي تتعارض مع قيمك: إذا كنت تريد أن تكون بصحة جيدة ولكنك تتناول الوجبات السريعة بإفراط ولا تمارس الرياضة أبداً، فإن اختياراتك لا تتماشى مع قيمك. وبالمثل؛ لا يمكنك أن تقدّر الحياة الأسرية ولكن تعمل طوال الوقت، أو تقدّر الانسجام ولكنك تستمر في جلب الأشخاص السلبيين إلى حياتك. ماذا تريد؟ أي نوع من الحياة؟ صحة؟ الأمن المالي؟ الوظيفة؟ العلاقات؟ حدد اختياراتك مع وضع قيمك ومعتقداتك في المقدمة، وبنهاية الأمر ستعكس اختياراتك بعد ذلك من أنت حقاً.
في النهاية، علينا أن نعلم أننا لن نتوقف عن القيام بالاختيارات الخاطئة. الجميع يقوم بالأخطاء، والحل هو تحقيق أقصى استفادة منها. اقضِ بضع دقائق كل أسبوع في مراجعة اختياراتك السيئة والتعلم منها، والأهم من ذلك، تجنب تكرارها.