كيف تجعل حديثك مقنعاً للآخرين؟

6 دقائق
الإقناع
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

ملخص: الإقناع فن ومهارة، ويمكنك عبر اتباع بعض الاستراتيجيات الفعالة أن تقنع الآخرين بما تريده.

قبل أن تفشل في إقناع شركة الأحلام في توظيفك، أو التأثير في الأشخاص المحيطين بك مرة أُخرى، عليك أن تعلم أنّ النجاح في جعل الناس يغيّرون أفكارهم ويتبنّون أفكارك، أو يلبّون طلباتك واقتراحاتك، أو ينفّذون ما تريده بكامل قواهم العقلية دون إكراه أو تلاعب أو تهديد، ليس سحراً؛ بل فن في الإقناع. وهذه مهارة أصبحت أساسية اليوم في عالم تستطيع فيه عبر الكلمات والأفكار فقط أن تبدع وتنجح في حياتك اليومية والمهنية، وإليك بعض الاستراتيجيات الفعالة التي تستطيع من خلالها أن تنجح في إقناع الآخرين كما فعل العديد من العظماء عبر التاريخ.

10 استراتيجيات فعالة في إقناع الآخرين

يقول الحاصل على الدكتوراة في العلوم السلوكية والاجتماعية، محمد الحاجي إن إضافة بعض العبارات إلى أي طلَب قد تعزز استجابة الطرف الآخر لما طلبت. على سبيل المثال: "افعل ما يريحك، بإمكانك أن توافق أو ترفض طبعاً"، وتأثير مثل هذه العبارات يكون أقوى في الطلبات التي ينبغي تنفيذها مباشرة؛ مثل تعبئة استمارة في مكان عام.

وبالفعل، ثمة عبارات واستراتيجيات فعالة قد تساعدك على صقل مهارات الإقناع لديك؛ مثل:

1. اتبع نصائح أرسطو في الإقناع

وضع الفيلسوف اليوناني أرسطو منذ أكثر من 2,000 عام، 3 أساليب أساسية في الإقناع من شأنها أن تساعد طلابه على إقناع الجمهور بأي معتقد أو مفهوم؛ وهي:

  • الروح أو الشخصية (Ethos): يقصد أرسطو هنا أنه حتى تنجح في إقناع الآخرين، لا بد أن تتمتع بالمصداقية الكافية عبر إثبات تعليمك أو خبرتك أو مؤهلاتك. على سبيل المثال؛ إذا كتبَ طبيب نفسي متمرس مقالة عن الاكتئاب، فلا بد أنه سيحظى بمصداقية أكبر مما لو كتبها عالم فيزياء، فالمصداقية تبني إحساساً بالثقة يزيد قوة الإقناع. وبالطبع، يمكن إثبات المصداقية عبر الاستشهاد بالمصادر الموثوقة وعرضها على الآخرين؛ فإن أردت عرض حجة طبية، فائتِ بمرجع طبي، وإذا كانت حجتك اجتماعية، فائتِ بمرجع من علم الاجتماع.
  • الخطاب أو المنطق (Logos): ويقصد هنا أن تُقنع الآخرين عبر مناشدة الجانب المنطقي فيهم؛ إذ وبمجرد إثبات مصداقيتك، ابدأ بعرض المعلومات والبيانات والأرقام والحقائق اللازمة لبناء حجة عقلانية، وتذكّر أنه كلما بدا طلبك أكثر قيمة وفائدة للطرف الآخر كان أكثر إقناعاً.
  • الرثاء أو مناشدة العاطفة (Pathos): وفقاً لأرسطو؛ فإن التأثير في مشاعر الناس وسيلة أساسية في الإقناع، فالناس يشعرون بعواطف معقدة غالباً ما تتغلب على الحس السليم والمنطق في سلوكاتهم وأفعالهم. وجدير بالذكر هنا إن سرد القصص من أفضل الطرائق الفعالة في بناء الروابط العاطفية العميقة مع الناس، خصوصاً عند مشاركة تجربتك الشخصية أو قصص عن أشخاص مقربين منك.

بالإضافة إلى ذلك، ذكر أرسطو طريقة أخرى في الإقناع لم يجمعها مع التعاليم الثلاث الأخرى، وهي ما يُعرف بـ "استغلال اللحظة المناسبة" (Kairos)؛ أي أن يستغل الشخص اللحظة المثالية لإيصال حجته أو رسالته، أو يخلقها بنفسه. على سبيل المثال؛ إن أردت أن تقنع أفراد أسرتك برحلة إلى شاطئ البحر، فإن أسبوع الصيف الأشد حرّاً هو الوقت المناسب لعرض اقتراحك. وثمة نقطة أخيرة هنا ذكرها أرسطو ألا وهي الإيجاز؛ أي أن تعبّر عن حجتك بأقل قدر ممكن من الكلمات، وأن تبدأ بأقوى نقطة لديك.

اقرأ أيضاً: كيف تزيد جاذبية شخصيتك وهيبتها؟

2. العب على وتر الحاجة والنُّدرة

يمكن القول إن الحاجة هي القاعدة الأولى عندما يتعلق الأمر بالإقناع، فإذا لم تكن ثمة حاجة عند الآخرين إلى ما تحاول تقديمه أو عرضه أو بيعه، فلن يقتنعوا في الحصول عليه أو القيام به. ووفقاً للنظرية النفسية التي قدمها عالم النفس أبراهام ماسلو (Abraham Maslow)؛ فإن احتياجات الإنسان والدوافع وراء تلبيتها تتدرج حسب أهميتها وفق تسلسل هرمي؛ من أسفل الهرم إلى أعلاه: الاحتياجات الفيزيولوجية (طعام وملابس)، واحتياجات السلامة والأمان الجسدي والأسري والصحي والوظيفي، والاحتياجات الاجتماعية من حب وانتماء وصداقة، والحاجة إلى التقدير، والحاجة إلى تحقيق الذات.

والآن، إن أردت أن تقنع صديقك أو مديرك أو أخاك بأمر ما، فعليك أن تفكر جيداً في هرم ماسلو وأن تكتشف أي حاجة يفتقدها. ركِّز على المشكلة التي يعانيها أو الرغبة التي يحتاج إليها؛ تلك التي تستطيع أنت فقط تلبيتها، وضع في اعتبارك أيضاً أنه وفي كثير من الأحيان، فإن الشخص قد يريد الحصول على شيء ليس لأنه بحاجته؛ وإنما لأن الآخرين يريدون هذا الشيء أو يمتلكونه.

في الأحوال جميعها، إذا أردت أن تزيد رغبة شخص ما في أمر تعرضه أنت، فاجعل هذا الأمر نادراً، حتى لو كان هذا الأمر هو أنت نفسك. والآن، هل باتت عبارات "المقاعد محدودة"، "الكمية محدودة"، "العرض لفترة قصيرة"؛ واضحة الهدف؟

وبالإضافة إلى الحاجة والندرة، اخلق أيضاً شعوراً بالإلحاح والاستعجال حتى تجعل الناس يتصرفون في الوقت الحالي؛ لأنهم إن لم يمتلكوا الحافز الكافي للحصول على ما لديك الآن، فغالباً لن يغيّروا آراءَهم لاحقاً.

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع الأشخاص كثيري الشكوى؟

3. تحدَّث عن الخسارة وليس عن المكسب

وُجد أن السلوك البشري يتأثر بالدافع إلى تجنُّب الخسائر أكثر من السعي إلى تحقيق المكاسب. بكلمات أخرى؛ يكون الشخص عند اتخاذ القرارات على استعداد لبذل المزيد من الجهود المعرفية لتجنُّب الخسائر مقارنةً بالحصول على المكاسب، وغالباً ما سيغير سلوكه إذا اقتنع أنه سيخسر أو يفقد إمكانية الوصول إلى شيء ما. على سبيل المثال؛ إن فكرة خسارة الشخص للحذاء الذي ينوي شراءه بسبب محدودية الكمية تحفّزه للشراء أكثر من فكرة شراء حذاء جديد أساساً.

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع شخص يقلل من قيمتك؟

4. سخِّر قوة الجماعة لصالحك

المقصود هنا هو أن تستغل تأثير ضغط المجموعة والأقران في السلوك الفردي؛ فقد بيّنت التجارب أن الفرد يميل في معظم الأحيان إلى الامتثال لمعايير المجموعة حتى لو كانت هذه المعايير غير صحيحة على نحوٍ جليّ، ومن الواضح أن الأعراف الاجتماعية وديناميكيات المجموعة تسهم في تشكيل معتقداتنا وسلوكاتنا.

أما سبب توافق الفرد وامتثاله مع المجموعة؛ فقد يكون إما نتيجة التأثير الاجتماعي المعياري الذي يدفع الشخص إلى الانسجام مع المجموعة والشعور بالرضا والقبول، وإما نتيجة التأثير الاجتماعي المعلوماتي؛ وهو اعتقاد الفرد أن المجموعة تملك معلومات أكثر صحة وتخصصاً من معلوماته، خصوصاً في المواقف والمهمات الغامضة.

وأياً يكن السبب الذي يدفع الفرد إلى التوافق مع المجموعة، فقط أخبره أن العديد من الأشخاص الآخرين امتثلوا لطلبك فعلاً، وسترى أنه سيكون أكثر عرضة لفعله أيضاً، خصوصاً في حال كان الآخرون أصدقاءه أو مقربين منه أو أقرانه.

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع الإهانة؟ 5 نصائح تساعدك

5. قدِّم الحافز

حافز صغير من شأنه أن يقطع شوطاً كبيراً في إقناع الآخرين، وثمة 3 أنواع أساسية من الحوافز؛ اقتصادية واجتماعية وأخلاقية. والآن، عليك أن تفهم جيداً ما يحفّز الشخص الذي تحاول إقناعه. على سبيل المثال؛ قدّم حافزاً اقتصادياً عندما يكون الشخص مهتماً في الحصول على المال ويجد صعوبة في ذلك، وأخبره إنه قد يخسر فرصة كبيرة لكسب المال أو إنه قد يجني الكثير إذا امتثل لرغبتك.

أما إذا كان الشخص يتوق إلى النفوذ الاجتماعي، فأخبره بأسماء الأشخاص الذي فعلوا ما تحاول إقناعه به، خصوصاً إذا كان بإمكانك تضمين أسماء أصدقائه أو الأشخاص الذين يحبهم، أو إنه سيكتسب شعبية أكبر في حال لبى طلبك. أما في حال كان حافز الشخص أخلاقياً، فأخبره بطريقة أو بأخرى إن مساعدتك أمر جيد وطيب وقد يفيد الآخرين.

اقرأ أيضاً: 10 ممارسات يومية للتغلب على التعب واسترجاع الحيوية

6. عامِل بالمثل

هل تذكر ذلك المثل الشعبي الذي يقول: "أطعِم التسعة لتأكل العشرة"؟ حسناً، ربما سينجح هنا أيضاً؛ لأن البشر يميلون إلى ردّ الجميل عندما نقدم من أجلهم معروفاً في المقابل. على سبيل المثال؛ سيكون إقناع صديقك في فعل خدمة ما سهلاً في حال قدمت له معروفاً سابقاً. وفي سياق الأعمال، قد يقتنع العميل بسهولة بتقديم بريده الإلكتروني في حال حصل على خصم ما أو شيء في المقابل.

7. استغل فكرة التزام الناس بسلوكاتهم السابقة

يميل الناس غالباً إلى مواصلة سلوكاتهم السابقة والالتزام بقرارات اتّخذوها سابقاً، ويمكنك أن تستفيد من هذه النقطة عند محاولة إقناعهم بشيء ما؛ إذ يكون من السهل إقناع شخص ما بالتصرف وفقاً لطريقة معينة تتوافق مع سلوكه المعتاد. في المقابل، تجنَّب إقناع شخص ما بفعل أمر يتعارض مع قيمه أو عاداته أو تقييمه لنفسه.

8. ادفع الشخص الآخر إلى الاعتقاد بأن الفكرة فكرته

حسناً، يمكنك بدلاً من أن تفصح مباشرة عما تريده من الشخص الآخر، أن تجعله يعتقد بأنه هو مَن توصّل إلى الفكرة؛ إذ سيكون إقناعه أسهل بكثير في حال اعتقد أنه العقل المدبر. بكلمات أخرى؛ لا تعبّر بأسلوب مباشر وصريح عما تريد؛ بل لمّح وراوغ حول الفكرة حتى يستنتجها الشخص المقابل. وعليك أن تعلم أن غرس الأفكار في رأس شخص ما من أصعب الخطوات في الإقناع؛ لكنه أكثرها فعالية.

9. اطلب أكثر مما تريد فعلاً

ربما لن تنجح في إقناع الآخرين بإعطائك الكثير؛ لكنك ستنجح غالباً في الحصول على ما تريد، فكيف ذلك؟ حسناً، لنفرض أنك تريد أن تقنع صديقك المقرب افي الخروج لتناول العشاء على الرغم من أنك تعلم أنه قد يرفض الفكرة لكثرة انشغاله. حاول إقناعه أن يأخذ إجازة لمدة أسبوع لتقضياها معاً، ثم وبعد أن يرفض، قصّر مدة الإجازة إلى يومين، ثم وبعد أن يرفض، اعرض طلبك بتناول العشاء على الأقل! غالباً ما سيشعر صديقك بأنك تراجعت وتنازلت وسيصبح أكثر عرضة لقبول طلبك.

10. انتبه إلى أسلوبك وطريقة كلامك

تذكّر أنك كلما بدوت واثقاً في نفسك أكثر كنت أكثر إقناعاً؛ حتى لو لم تكن تشعر بالثقة، فإن نبرة صوتك والتظاهر بالثقة سيزيدان نجاحك. وبالإضافة إلى نبرة الصوت، أتقِن لغة الجسد، فإذا بدوت منغلقاً على نفسك وغير راغب في التنازل، فلن يستمع الناس إليك حتى لو كنت تقول الحقائق. لذلك؛ أبقِ ذراعيك مفتوحتين وجسمك مائلاً نحو الشخص الآخر، وابتسم وحافظ على التواصل بالعيون.

علاوة على ذلك، حاول أن تجعل الشخص الآخر يضحك، فالقدرة على إضحاك الآخرين من المهارات الاجتماعية التي ستجعلهم يحبونك؛ لأنهم سيربطون وجودك بالسعادة وسيسهل عليك إقناعهم حينها. وأيضاً، اجعلهم يتفقون معك، فالاتفاق على القضايا الصغيرة سيجعلهم أكثر عرضة للموافقة على القضايا الأكبر. لذلك؛ وعندما تريد إقناعهم بأمر ما، واظب على التحدث بإيجابية، وتحدث عن الأشياء المشتركة التي يحبونها والموضوعات التي تتفقون عليها وكل ما يجعلهم يُبدون موافقتهم ويقولون "نعم"، وبعد ذلك، اعرض حجتك التي تريد إقناعهم بها.

اقرأ أيضاً: 6 طرق فعالة تساعدك على زيادة ثقتك بنفسك

ختاماً، قبل أن تحدد وسيلة الإقناع التي تريد اتباعها، عليك أن تفهم الشخص الذي تحاول إقناعه جيداً، فإن أردت إقناع صديقك بمطعم ما، افهم دافعه الأساسي للاختيار؛ أخبره إن الكثيرين من الناس قيّموا المطعم تقييماً إيجابياً (دليل اجتماعي في حال كان يتأثر بآراء المجتمع)، أو أنه هو من اختار المطعم في المرة السابقة (المعاملة بالمثل)، أو أن المطعم يقدم طبقاً مميزاً لأول 10 أشخاص فقط (الندرة في حال كان لا يتأثر بالآخرين لكنه لا يحب تفويت الفرص النادرة).