ما الذي قد يدفعك إلى جلد ذاتك؟ وكيف تتوقف عن ذلك؟

6 دقائق
جلد الذات
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: ماذا تفعل حين ترتكب خطأً في عملك أو حين تفشل في اختبار دراسي؟ هل تشعر ببعض الأحاسيس السلبية ثم تمضي قدماً؟ أم أنك تجلد ذاتك بشدة وتشعر بأنك لست جيداً بما فيه الكفاية وأنك لا تستحق الحب أو الاحترام أو النجاح في الحياة؟ إذا كنت تفعل ذلك، فاقرأ المقال التالي.

هل ترى نفسك مخطئاً على الدوام؟ هل دائماً ما تضخم إحساسك بالتقصير، سواء كان حقيقياً أو متخيلاً؟ الحقيقة إن الجميع يتعامل مع مواقف الحياة على نحو مختلف، وتلعب الطريقة التي نشأنا بها دوراً محورياً في نظرتنا إلى أنفسنا والكيفية التي نختارها للتعامل مع المشاعر السلبية أو التجارب المجهدة؛ حيث يختار العديد من الأشخاص جلد الذات؛ بمعنى المبالغة في لوم النفس باستمرار مهما كان الحدث خارجاً عن نطاق السيطرة، فما الذي يدفعنا إلى جلد الذات؟ وكيف نتوقف عن ذلك؟ الإجابة في هذا المقال.

ما المقصود بجلد الذات؟

جلد الذات هو انتقاد شديد للنفس يجعلك تشعر أنك لا تفعل أي شيء على نحو مقبول أو أنك لا تستحق الأشياء الجيدة في الحياة، وعادة ما يتحمل الشخص الذي يجلد ذاته المسؤولية الكاملة بغض النظر عن الأشخاص الآخرين المشاركين في الموقف والظروف التي لا تُمكن السيطرة عليها، ويمكن القول إن جلد الذات هو استراتيجية سلبية يتكيف معها المرء بوصفها وسيلة للتعامل مع تحديات الحياة.

وعادة ما ينطوي جلد الذات على مشاعر مستمرة ومفرطة بالذنب، وقد تتطور تلك المشاعر حتى تصل إلى كراهية النفس والحط من شأنها وإهانتها وتخريب النجاح الشخصي. وفي الكثير من الأحيان، يرفض هؤلاء الأشخاص قبول المديح والمجاملات.

9 علامات تخبرك بأنك تجلد ذاتك

من الصعب تحديد العلامات الدقيقة لجلد الذات لأنه ليس حالة طبية مشخَّصة؛ لكن هناك بعض العلامات العامة التي تشير إلى أن الشخص يجلد ذاته ومنها:

  1. التفكير بطريقة "كل شيء أو لا شيء": ترى نفسك وحياتك إما جيدة وإما سيئة، دون أي ظلال رمادية بين الحالتين، وإذا قمت بخطأ ما فإنك تشعر بأن كل شيء في حياتك قد انهار أو أنك فاشل.
  2. التركيز على السلبيات: حتى لو كان يومك جيداً، فإنك تميل إلى التركيز على الأشياء السيئة التي حدثت أو الأخطاء التي قمت بها خلال اليوم.
  3. المنطق العاطفي: أنت تأخذ مشاعرك بوصفها حقائق، فإذا لاحظت أنك تشعر بالسوء أو أنك فاشل، فإنك تفترض أن مشاعرك لا بد أن تعكس حقيقة الموقف وأنك في الحقيقة سيئ.
  4. احتقار الذات: في الكثير من الأحيان، تحس باحتقار الذات ولا تشعر بأنك في مستوىً جيد عند مقارنة نفسك بالآخرين في الحياة اليومية.
  5. البحث عن الموافقة: أنت تسعى باستمرار إلى الحصول على موافقة خارجية من الآخرين للتحقق من قيمتك الذاتية، ويتغير رأيك في نفسك اعتماداً على كيفية تقييم الآخرين لك أو رأيهم فيك.
  6. أخذ النقد على محمل شخصي: غالباً ما تتعامل مع النقد على أنه هجوم شخصي أو تميل إلى التفكير فيه لفترة طويلة بعد وقوعه.
  7. الخوف من الأحلام الكبرى: أنت خائف من أن تكون لديك أحلام وتطلعات، وتشعر كما لو أنك بحاجة إلى الاستمرار في عيش حياتك على نحو آمن. قد تكون خائفاً من الفشل، أو خائفاً من النجاح، أو تنظر باستخفاف إلى نفسك بغض النظر عما تحققه.
  8. القسوة المفرطة على نفسك: إذا ارتكبت خطأ ما، فستجد صعوبة بالغة في مسامحة نفسك، وقد تشعر أيضاً بالندم على أشياء قمت بها في الماضي أو فشلت في القيام بها؛ كما قد تجد صعوبة في تجاوز أخطاء الماضي والتغلب عليها.
  9. لديك نظرة قاتمة إلى الحياة: في أغلب الأوقات، ترى الأشياء بطريقة سوداوية للغاية وتكره العالم الذي تعيش فيه، وتشعر أن الأشخاص ذوي النظرة الإيجابية ساذجون بشأن رؤيتهم للحياة، ولا تعتقد أن الأمور ستتحسن على المدى البعيد.

اقرأ أيضاً: تشعر بالذنب دون سبب؟ تعرف إلى الأسباب والعلاج

ما أسباب جلد الذات؟ 

إذا بدت العلامات السابقة مألوفة بالنسبة إليك، فمن المحتمل أنك تتساءل لماذا تجلد ذاتك وكيف انتهى بك الأمر هنا، وفيما يلي بعض الأسباب المحتملة:

  1. صدمات الطفولة: قد يميل الأفراد الذين عانوا الصدمة أو سوء المعاملة في الطفولة، إلى إلقاء اللوم على أنفسهم بسبب التجارب السلبية، فإذا كان والداك ينتقدانك بشدة، قد يكون جلد الذات بسبب تجربتك، ويمكن أن ينبع جلد الذات من اعتقاد الأفراد بأنهم مسؤولون عن سوء المعاملة أو الصدمة التي تعرضوا إليها.
  2. السعي إلى الكمال: الشخص الذي يسعى إلى الكمال لا يسمح لنفسه أبداً بارتكاب الأخطاء؛ إنه يتوقع المثالية من نفسه ومن الآخرين في الأوقات والمواقف كافةً؛ ولهذا حين يحدث أي خطأ غير متوقع يبدأ في جلد ذاته.
  3. الحاجة إلى السيطرة: تؤكد الطبيبة النفسية أنكيتا جوشي (Ankita Joshi)، إن الأشخاص الذين لديهم حاجة قوية إلى السيطرة يشعرون أن كل ما يحدث هو نتيجة مباشرة لأفعالهم أو قراراتهم، وقد يعتقدون أن لديهم القدرة على التحكم في بيئتهم والأحداث التي تجري فيها؛ ولهذا عندما يواجهون  نتيجة سلبية فقد يعزون ذلك تلقائياً إلى فشلهم في السيطرة على الموقف.
  4. الإصابة بالاكتئاب: نظراً لأن الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب يجدون صعوبة في العثور على الدافع أو الاهتمام للمشاركة على نحو كامل في حياتهم؛ فقد تتزايد بداخل كل منهم أفكار النقد الذاتي الداخلية ومشاعر عدم القيمة، وهذه الأفكار لديها القدرة على التطور إلى جلد الذات ومن ثم كراهية النفس.
  5. الأحداث المؤلمة: هل واجهت أي أحداث حياتية مؤلمة مثل حادث سيارة أو اعتداء جسدي أو خسارة كبيرة؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد تجعلك الخسارة تتساءل "لماذا أنا؟"، ويمكن أن يتطور ذلك إلى مشاعر الخجل أو الندم وجلد الذات، وبخاصة إذا شعرت أنك كنت مخطئاً بطريقة أو بأخرى.
  6. الضغوط الاجتماعية والثقافية: يمكن أن تؤثر الضغوط الاجتماعية والثقافية في شعور الأفراد بجلد الذات وذلك من خلال الترويج لفكرة أن الأفراد هم وحدهم المسؤولون عن نجاحهم أو فشلهم، وأن أفعالهم وقراراتهم تحدد نتائج حياتهم؛ وهذا يمكن أن يؤدي إلى تفاقم مشاعر الإحباط وخيبة الأمل والشعور بالعجز، ويمكن أن يسهم في التصور السلبي للنفس ومن ثَمّ جلد الذات.
  7. الناقد الداخلي السلبي: إذا كنت تجلد ذاتك، فمن المحتمل أن يكون لديك ناقد داخلي سلبي يحبطك باستمرار من خلال مقارنتك بالآخرين أو إخبارك بأنك لست جيداً بما فيه الكفاية. والناقد الداخلي يشبه العدو الذي ينوي تقويض نجاحك؛ لذا فهو سيحبطك عندما تنجز شيئاً جيداً، وفيما يلي بعض الأشياء التي يقولها ناقدك الداخلي السلبي:
  • مَن تظن نفسك لتفعل ذلك؟
  • لن تنجح أبداً مهما حاولت.
  • سوف تفسد هذا الأمر تماماً كما تفسد كل شيء آخر.

إذا كان لديك صوت مثل هذا في رأسك، فقد تعتقد أن هذا النوع من الأفكار السلبية هو الحقيقة. إذا أخبرك الصوت بأنك عديم القيمة، أو غبي، أو فاشل، فقد تصدق هذه الأشياء في النهاية، ومع هذه الأفكار، يأتي الاعتقاد بأنك لا تستحق الحب أو النجاح أو الثقة، أو حتى فرصة ارتكاب الأخطاء، وكلما استمعت أكثر إلى ذلك الصوت الداخلي الناقد، زادت القوة التي تمنحها له.

اقرأ أيضاً: لماذا أقلل من قدر نفسي دائماً؟

كيف تدور دائرة جلد الذات؟ 

غالباً ما تبدأ دائرة جلد الذات بحدث سلبي مثل الفشل أو الخطأ، ثم نبدأ في التشكيك في قدراتنا والحكم على أنفسنا بقسوة. هذا يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالخجل والذنب؛ ما يزيد حديثنا السلبي عن أنفسنا، وبينما نستمر في توبيخ ذواتنا، نجد صعوبة كبرى في المضي قدماً.

ومع مرور الوقت، يتطور التوبيخ والشعور بالذنب إلى جلد الذات ليصل بنا الأمر إلى كراهية النفس؛ ويمكن أن تؤدي إلى مشاعر مثل القلق والاكتئاب. هذه الدائرة المدمرة لا تنتهي؛ لأننا حين ننخرط في جلد الذات، نهاجم أنفسنا وقيمنا كأفراد ما يؤدي إلى تدني احترام الذات والإحساس بالفشل ومن ثم الحكم على أنفسنا، وتستمر الدائرة.

8 إرشادات تساعدك على التوقف عن جلد ذاتك

إذا وجدت أنك تجلد ذاتك، فإليك بعض الخطوات من أجل مساعدتك على إيقاف هذه الأفكار المدمرة والمضي قدماً:

  1. حدد محفزاتك: إن فهم الأسباب التي تجعلك تجلد ذاتك هو أول شيء يمكنك القيام به؛ وذلك لأن الخطوة الأولى للتغلب على المشكلة هي الاعتراف بوجود مشكلة في المقام الأول. انتبه إلى ما قد يزعجك: ماذا كنت تفعل؟ كيف كان شعورك؟ مع من كنت؟ هذه الأمور كلها يمكن أن تساعدك على التركيز على محاولة تجنب المحفزات التي لها تأثير سلبي في حياتك، أو على الأقل تقليلها.
  2. جرّب أسلوب الثناء والبناء: يعتقد مختص الإرشاد الأسري ياسر الحزيمي أننا يمكن أن نتوقف عن جلد ذواتنا وكراهية أنفسنا من خلال الثناء والبناء، فالثناء هو النظر في الإنجازات السابقة ومن ثم البناء عليها وتطويرها، ويضيف الحزيمي إننا يجب أن نركز على الأمور الإيجابية ونبتعد عن التدقيق في جانب الحياة السيئ.
  3. غيّر طريقة حديثك مع نفسك: في كثير من الأحيان، قد تتحدث إلى نفسك بطريقة سلبية، وتطرح أفكاراً من قبيل أنك لست جيداً بما فيه الكفاية. بدلاً من ذلك، حاول أن تتخيل أنك تتحدث إلى صديق قديم يمر بالأشياء التي تمر بها نفسها.
  4. خفّض سقف توقعاتك: أحد الأسباب الكبرى لجلد الذات هو أنك تضع توقعات وأهدافاً غير واقعية؛ عادةً بسبب مقارنات غير عادلة مع الآخرين. ولهذا؛ يجب تحديد أهداف واقعية يمكن تحقيقها بسهولة من أجل تعزيز احترامك لنفسك والتوقف عن جلد الذات.
  5. قل شيئاً إيجابياً لنفسك: ثمة طريقة جيدة لتعزيز احترامك لذاتك والتوقف عن جلدها وهي قول شيء لطيف لنفسك يومياً. على سبيل المثال؛ هنّئ نفسك على غسل الأطباق أو ربّت على ظهرك لإكمال هذا الواجب المنزلي الممل.
  6. مارِس الرعاية الذاتية: يمكنك التركيز على الاعتناء بنفسك من خلال الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم وتناول الطعام الصحي والانتباه إلى الوقت الذي تقضيه على مواقع التواصل الاجتماعي يومياً.
  7. افهم أن جلد الذات لن يفيدك: لن يجعلك جلد الذات تشعر بالتحسن، وبالتأكيد لن يمنعك من الوقوع في الخطأ مستقبلاً. إنه فقط صورة من صور رفضك لنفسك؛ ولذلك توقف عن هذا السلوك، وبدلاً من ذلك ركز على عملية شفائك.
  8. امنح نفسك الوقت: من المهم أن تتذكر أن تغيير الطريقة التي تنظر بها إلى نفسك لن يحدث بين عشية وضحاها؛ ولذلك امنح نفسك الوقت الكافي لتغيير نظرتك إلى ذاتك.

في النهاية، عليك أن تدرك أن عملية تقبل الذات والتوقف عن جلدها تستغرق وقتاً وتحتاج إلى بذل الجهود المتواصلة. ستعود إليك الأفكار السلبية مرة أخرى، ولن يتخلى عنك الناقد الداخلي بسهولة؛ ولكن سوف تتعرف إليهما وتتمكن بالتدريج من التخلص منهما، وحتى لو فشلت في البداية، فأنت لست مثالياً، وإن الوقوع في الخطأ هو شيء إنساني مشترك بيننا جميعاً.

المحتوى محمي