لماذا تطاردنا الأفكار المزعجة قبل النوم؟ 5 نصائح للتخلص منها

5 دقائق
الأفكار المزعجة قبل النوم
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: هل تجد نفسك تكافح حتى تغفو بسبب تزاحم الأفكار المزعجة قبل النوم؟ أنت لست وحدك. يعاني الكثير من الناس من هذه المشكلة؛ لكن الخبر السار هو أن ثمة طرائقَ تساعدك في الحصول على نوم ليلة سعيدة.

عندما تطفئ الأنوار، وتضع رأسك على وسادتك، تسأل نفسك: لماذا لم يثنِ المدير على أدائي اليوم؟ هل لاحظ ارتباكي الذي تسبَّب به طفلي في الصباح عندما أضاع مفتاح المنزل؟ ولماذا كان طفلي غير سعيد بذهابه إلى المدرسة؟ هل يتعرض للتنمر من قِبل زملائه؟ وهكذا يدخل دماغك في دوامة من الأسئلة والأفكار المزعجة قبل النوم، والتي قد تنتهي بك في بعض الأحيان باجترار بعض المواقف المحرجة التي مررت بها في طفولتك.

يبدو الأمر كما لو أن ثمة ضجيجاً صاخباً في دماغك، وأنك غير قادر على إسكاته لفترة كافية لتغفو. قد تكون هذه الأفكار المتسارعة علامة على الإصابة باضطراب نفسي كالقلق، وكلما زاد قلقك زادت صعوبة النوم؛ ما يسبب مزيداً من الإرهاق والقلق. فلماذا تطاردنا الأفكار المزعجة قبل النوم؟ وكيف يمكننا التخلص منها؟ إليك ما يقترحه الخبراء.

لماذا تغزو المخاوف والأفكار المزعجة عقولنا قبل النوم؟

على الرغم من أن ظاهرة "دوامة اجترار" الأفكار السلبية قبل النوم معروفة منذ زمن طويل؛ لكن لم يحقَّق في أسبابها حتى وقت قريب؛ ويمكن إيجازها بما يلي:

1. الأفكار المزعجة قبل النوم وسيلة دفاعية نحمي بها أنفسنا

بينما نعتقد بأن أدمغتتنا تعذبنا بالتركيز على ما هو مزعج ومؤرق بالنسبة إلينا، فإنها وفقاً لعالمة النفس ديبوراه فيرتيسي (Deborah Vertessy) تعمل بدافع الحاجة البدائية لحمايتنا.

يعمل الدماغ بغريزة فطرية على استشعار الخطر المحدق بنا، والذي قد يتسبب بإصابتنا بألم أو حتى ينهي وجودنا. وبشكل مشابه، فإن كل ما يؤثر في قبولنا الاجتماعي وراحتنا النفسية يُعد مصدر تهديد بالنسبة إلى الدماغ؛ حيث يعالَج النبذ الاجتماعي في المنطقة نفسها من الدماغ التي تعالج الألم الجسدي. 

فإذا وجدت نفسك تفكر في أخطائك في العمل أو حماقتك خلال إحدى الحفلات، فإن دماغك يقيم أداءك ويبحث عن "التهديدات" بعدم قبولك، وهذا يمكن أن يؤدي إلى اجترار الأخطاء والقلق بشأن القبول الاجتماعي. ومع ذلك ، فإن طريقة التفكير هذه متجذرة في حاجتك البدائية إلى الحماية الذاتية.

تُعرف هذه الطريقة التي يعمل بها الدماغ بـ "الانحياز للسلبية"؛ أي تمتلك أدمغتنا تحيزاً سلبياً يدفعنا إلى التركيز على التجارب السلبية والتهديدات والضغوط المجتمعية، أكثر من الإيجابية.

ولكن لماذا تراودنا الأفكار المزعجة قبل النوم تحديداً؟ وفقاً لفيرتيسي؛ لا يجتر الدماغ الأفكار المزعجة قبل النوم فقط إلا أن الذكريات اللاإرادية تحدث مثل الذكريات الطوعية، فنلاحظها عندما يكون الدماغ خاملاً؛ وهو ما يتلاءم مع فترة ما قبل النوم، بينما قد يلهي ضجيج النهار وأشغاله عن التركيز في هذه المشاعر السلبية.

اقرأ أيضاً: ما الذي يجعلنا ننام في ساعة متأخرة وكيف نتعامل مع هذه المشكلة؟

2. الأفكار السلبية سببها الاستثارة الشرطية

حدد أستاذ علم الأعصاب السريري، ومدير برنامج النوم والإيقاعات اليومية في جامعة موناش، شون دروموند (Shawn Drummond)، سبب ما يحدث من غزو عقولنا بالأفكار المزعجة قبل النوم بما يُعرف بـ "الاستثارة الشرطية".

وفقاً لدروموند؛ يواجه الناس نوعين من الأرق وهما:

  • الأرق الحاد: وهو النوع الذي يواجهه معظم الناس في مرحلة بتأثير ضغوط الحياة؛ بحيث يعانون من صعوبة النوم لفترة قصيرة. وبمجرد زوال الضغوط، يعود النوم إلى طبيعته ويصبح السرير ملاذاً للراحة.
  • الأرق المزمن: يحدث عندما يستمر الأرق لمدة تزيد عن 3 شهور بسبب الاستيقاظ المشروط؛ كالعمل في نظام المناوبات الليلية،أو بكاء الطفل في الليل. بالنتيجة؛ تقترن الأفكار المزعجة قبل النوم بتأثير ما يُعرف بـ "الاستثارة الشرطية".

عندما يرقد المصابون بالأرق إلى الفراش وهم يشعرون بالتوتر والإجهاد، فإنهم يفكرون في ما يؤرقهم؛ ما يؤدي إلى القلق والاكتئاب. ومع إيقانهم بعدم قدرتهم على النوم، يزداد شعورهم بالإحباط والانزعاج.

وحين تستمر هذه الحالة لفترة طويلة، يحدث نوع من التعلم التلقائي يسمَّى "التكييف الكلاسيكي"؛ حيث ترِد إلى الدماغ إشارات قائلة: "السرير هو مكان للاستيقاظ والقلق، عوضاً عن كونه مكاناً للاسترخاء والنوم"! 

بعبارة اخرى: يصبح السرير أو وقت النوم محفزاً شرطياً ليقظة الدماغ، والتفكير بأسباب التوتر والإجهاد التي تجر معها الأفكار السلبية الأخرى جميعها.

يقول دروموند: "حتى عندما تكون مسترخياً وتنام أمام تلفازك، إذا نهضت وذهبت إلى غرفة نومك وأغمضت عينيك، فسينشط دماغك لأنه يعتقد أن هذا هو الغرض من السرير".

اقرأ أيضاً: ما العلاقة بين النوم والصحة النفسية؟

3. قلة النوم تزيد تركيزنا على الأفكار السلبية

تساعد مشاغل الحياة اليومية من عمل ودراسة ونشاطات اجتماعية، على إبقاء دماغ الكثير من الناس بعيداً عن الأفكار المزعجة؛ بحيث يصبح الوقت الذي يسبق النوم هو الأنسب للتفكير بها. بالنتيجة؛ تتسارع الأفكار وقد تتفاقم بحيث لا نحصل على القسط الكافي من النوم.

ووفقاً لدروموند؛ يسبب الحرمان من النوم زيادة استجابة المراكز العاطفية في الدماغ للمحفزات السلبية؛ كما أنه يقلل الاتصال بين المراكز العاطفية والجزء المسؤول عن إيقاف المشاعر، وبذلك يزداد تركيزنا على المشاعر السلبية.

4. ارتفاع الكورتيزول قد يسبب الأفكار المزعجة قبل النوم

يتبع هرمون التوتر (الكروتيزول) الذي تفرزه الغدد الكظرية، مع هرمون النوم (الميلاتونين)، إيقاعاً طبيعياً لتنظيم النوم. فبينما ترتفع نسبة الميلاتونين في الليل للمساعدة على الاستغراق في النوم العميق، تنخفض في الصباح وبعد الظهر وتعود للارتفاع مرة أخرى في الليل. في المقابل، ترتفع نسبة الكورتيزول في الصباح، وتنخفض تدريجياً حتى الليل.

لكن قد يختل هذا التوازن ويتسبب بارتفاع مستويات الكورتيزول في الليل، إما بسبب الضغوط القصيرة المدى، أو التعرض للضوء لفترة طويلة أو لضوء الأجهزة الإلكترونية الأزرق، أو العمل بنظام الورديات، فيتسبب الإجهاد المزمن بالإصابة بالأرق وصعوبة النوم.

اقرأ أيضاً: كيف ترتبط جودة النوم بمواقف حياتنا اليومية؟

كيف يمكن التخلص من الأفكار المزعجة قبل النوم؟

إن أفضل طريقة للتخلص من الأفكار المزعجة قبل النوم هي عدم الانغماس فيها. تساعد تقنيات العلاج السلوكي المعرفي للأرق  (Cognitive behavioral therapy for insomnia)، أو اختصاراً (CBTi)، على الاسترخاء وتحسين النوم؛ ومنها:

1. تجنُّب الاستلقاء مستيقظاً على السرير

لكسر الحلقة المفرغة من قلة النوم والقلق بشأن عدم النوم؛ يوصى بتجنُّب الاستلقاء مستيقظاً في السرير، فإذا لم تغفُ خلال 20 دقيقة من الاستلقاء في السرير، انهض منه ومارس نشاطاً آخر مهدئاً للأعصاب؛ مثل القراءة أو كتابة اليوميات. 

تُعرف هذه التقنية بـ "التحكم بوجود المنبه" (Stimulus control)، فهي تساعد في تركيز الدماغ على الأشياء الإيجابية؛ ما يؤدي إلى كسر الارتباط السلبي بين السرير والنوم.

2. تهدئة العقل: التفكير بإيجابية

حرر أفكارك من التفكير في المهام المتراكمة عليك، أو في تصرف أخرق قمت بها، وسلط الضوء على الجوانب الإيجابية في حياتك عوضاً عن ذلك. قد يساعد بعض العادات اليومية قبل النوم؛ كالتأمل أو القراءة أو الخياطة، على استعادة توازنك واستقرارك النفسي؛ إذ تساعد هذه التمارين بإيقاف عمل الجهاز العصبي الودي اللاإرادي المسؤول عن استجابة الكر أو الفر.

اقرأ أيضاً: ما يجب عليك فهمه عن جودة النوم وأثرها في صحتك

3. التركيز على الحواس: طقوس ما قبل النوم

يساعد بعض التمارين ما قبل النوم على التهدئة والاسترخاء من خلال التركيز على الحواس وتحفيزها. على سبيل المثال:

  • البصر: مشاهدة صورة إرشادية، أو مراقبة مكان هادئ، أو تلوين الماندالا.
  • الرائحة: استخدام شموع معطَّرة بروائح مرخية للأعصاب، أو ممارسة التنفس العميق الذي يساعد في التركيز على التنفس وإبطاء الأفكار المتسارعة.
  • اللمس: الاستحمام بماء دافئ، أو التدليك الذاتي، أو ممارسة اليوغا الخفيفة.
  • الذوق: تناوُل وجبة خفيفة قبل النوم، أو شرب شاي البابونج المهدئ للأعصاب وتجنُّب الكافيين.
  • السمع: الاستماع إلى موسيقا هادئة.

اقرأ أيضاً: الأكل والنوم والصحة النفسية، تعرف إلى العلاقة بينهم

4. تهيئة الغرفة للنوم

لكسر الارتباط السلبي ما بين النوم وفراشك؛ لا بد من تهيئة ظروف محفزة للاسترخاء والنوم في غرفة النوم، وهذا يتضمن على سبيل المثال:

  • استخدام أثاث بألوان وأنسجة مريحة ومهدئة بالنسبة إليك.
  • الحفاظ على نظافة الغرفة.
  • استخدام الستائر لجعلها مظلمة.
  • الاحتفاظ بأجهزة الكمبيوتر والشاشات خارج غرفة النوم، وتجنُّب التعرض لها قبل ساعتين من النوم على الأقل.

5. استرخاء العضلات

تساعد تمارين الاسترخاء التدريجي للعضلات، أو ما يُعرف بـ "تمارين التمدد"، على إزالة التوتر والشد العضلي الذي يصيب مَن يشعر بالقلق. يمكن البدء من عضلات الوجه حتى الانتهاء بأصابع القدمين.

اقرأ أيضاً: 3 تمارين تأمّل لتحسين جودة نومك

ختاماً، قد تكون الأفكار المزعجة قبل النوم تجربة محبطة ومزعجة. ومع ذلك، من خلال فهم سبب حدوثها وتنفيذ بعض الاستراتيجيات البسيطة؛ يمكننا أن نتعلم إدارتها والحصول على النوم المريح الذي نحتاجه. لكن إذا وجدت أن أفكارك المتطفلة تتداخل مع قدرتك على النوم وتؤثر في حياتك اليومية، فقد يكون الوقت قد حان للبحث عن استشارة اختصاصي.

المحتوى محمي