هل يمكن اكتساب مهارة التعاطف أم إنها فطرية؟ العلم يجيب

3 دقيقة
مهارة التعاطف
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: مهارة التعاطف؛ هذه القدرة النفسية على تفهّم ظروف الآخرين والإحساس بمعاناتهم، ليست متاحة للجميع. ثمّة أشخاص يتمتّعون بهذه المهارة ويستفيدون من ثمارها وانعكاساتها على علاقاتهم الاجتماعية؛ بينما يفتقر إليها آخرون. فهل مهارة التعاطف فطرية أم مكتسبة؟ وإذا كانت مكتسبة، فهل يمكن تعلّم التعاطف مع الآخرين؟ هذا المقال يقدم إجابة علمية وعملية وفقاً لدراسات وتجارب ميدانية، وإليك التفاصيل.

أصبح التعاطف مهارة من مهارات التعايش الضرورية لعلاقاتنا سواء في العمل أو المستشفى أو المدرسة أو الأسرة. يرتكز هذا النمط من أنماط التعرّف البديهي إلى الآخر على تقمّص دوره وتفهّم ظروفه (مع الحفاظ على الأصالة)؛ لذا أضحى التعاطف ضرورياً لبقائنا. بفضل التعاطف، يهتمّ البشر بصغارهم وينتبهون إلى احتياجاتهم، ويتعاونون فيما بينهم لتطوير مشروعات مشتركة وبناء المجتمعات وتحقيق الكثير من الأهداف؛ لكن يبدو أن بعض الأشخاص يتمتّع بهذه الصفة أكثر من غيره. لماذا لسنا متساويين إذاً في القدرة على التعاطف؟ وهل هي قدرة فطرية أم مهارة قابلة للتطوير؟

دور العصبونات المرآتية والاستعداد الوراثي

ترتكز هذه المهارة النفسية على آليات عصبية تحظى باهتمام متزايد من العلماء؛ إذ ترتبط قدرتنا على فهم عواطف الآخرين بشبكة العصبونات المرآتية التي نتمتّع بها. اكتشف فريق العالِم المختصّ في الفيزيولوجيا العصبية بجامعة بارما الإيطالية، جياكومو ريزولاتي (Giacomo Rizzolatti)، هذه الشبكة سنة 1992 في أدمغة القردة.

تنشط العصبونات المرآتية عندما نفعل شيئاً ما أو نلاحظ شخصاً آخر يفعله. إذا شاهدنا مثلاً ملامح وجه تعبّر عن الاشمئزاز أو الحزن فسنشعر نحن أيضاً بهذه العواطف، لأن باحات الدماغ المخصّصة لها تنشط بتناغم مع ما نراه. كما يرتبط التعاطف بالاستعداد الوراثي وهذا ما يفسّر احتمال تميّز بعض الأشخاص بهذه القدرة أكثر من غيرهم. وفقاً لتحليل متعدّد الاختصاصات أجرته جامعة كامبريدج سنة 2017 وشمل 90,000 مشارك، فإن المورّث إل آر آر إن 1 (LRRN1) الذي يحمله الصبغي الثالث قد يمثّل تفسيراً وراثياً لتمتّع بعض الناس بقدرة أفضل على اكتشاف مشاعر الآخرين.

التعاطف العاطفي أم المعرفي؟

يميّز الباحث المختصّ في علوم الأعصاب بجامعة سافوا مون بلان الفرنسية، أرنو كاري (Arnaud Carré)، بين نوعين من التعاطف: العاطفي والمعرفي. يقول كاري: “يزيد بعض المورّثات احتمال التمتّع بقدرة التعاطف لكن من حسن الحظ أن بإمكاننا تطوير هذه القدرة لدى الجميع”. نستطيع ابتداء من الشهور الأولى في حيواتنا أن نعبّر عن التعاطف العاطفي الذي ينتابنا مثلاً عندما نرى شخصاً يتألّم. أظهر الباحث في جامعة أونتاريو الكندية، مارفن سيمنر (Marvin Simner)، سنة 1970 أن المواليد الجدد الذين لم تتجاوز سنّهم 5 أيام يرفعون أصواتهم بالبكاء أكثر كلّما سمعوا بكاء رضّع آخرين في سنّهم.

لاحقاً أثبتت دراسات أخرى (أبحاث غريس مارتن (Grace Martin) وراسل كلارك (Russell Clark) من جامعة فلوريدا) سنة 1987 أن هذه “العدوى العاطفية” تنتقل إلى الآخرين لا سيّما إذا كانوا يشبهوننا؛ حيث اتّضح على سبيل المثال أنّ تفاعل الرضّع يكون مختلفاً إذا سمعوا بكاء رضّع أكبر سنّاً منهم أو بكاء صغير الشمبانزي مثلاً (على الرغم من التشابه بين نبرات صوته ونبرات أصوات الرضّع). ابتداء من سن الرابعة أو الخامسة، نشرع أيضاً في تطوير تعاطفنا المعرفي؛ الذي يعني القدرة على فهم أسباب شعور الآخر بهذه العاطفة أو تلك وتكييف سلوكياتنا وفقاً لذلك. يضيف كاري: “التعاطف العاطفي الذي ينشّط اللوزة الدماغية في الجهاز الحوفي قدرة فطرية وتلقائية؛ بينما يُعدّ التعاطف المعرفي الذي يؤثر في القشرة المخية الحديثة ثمرة تعلّم”.

تعليم التعاطف في المدارس الفرنسية سنة 2024

لمكافحة التنمّر في المدارس الفرنسية، ستعمّم وزارة التربية والتعليم ابتداء من الموسم المقبل دروساً في التعاطف مستوحاة من برنامج محاربة التنمّر في الدانمارك المعروف باسم “فري فور موبيري” (Fri For Mobberi)، وهي عبارة تعني: “التحرّر من التنمّر”. يمثّل هذا البرنامج دليلاً على إمكانية تعلّم التعاطف؛ حيث يشير 70% من مهنيي التعليم إلى أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 0 و9 سنوات يُظهرون لطفاً أكثر في التعامل مع الآخرين بعد اتّباع هذا البرنامج الذي يساعدهم على تحسين معرفتهم بالعواطف والتدرّب على إعلان الرفض أو التصرّف باعتبارهم “أصدقاء طيبين” إلى غير ذلك.

وترى أستاذة علم نفس النمو بجامعة لوميير ليون 2 الفرنسية، ريبيكا شانكلاند (Rébecca Shankland)، أن التعاطف قدرة يمكن تطويرها في أيّ سنّ بممارسة تأمّل اليقظة الذهنية على سبيل المثال. توضّح شانكلاند ذلك قائلة: “تركيز الإنسان على ما يحدث في نفسه دون إصدار أحكام أو انتقادات يسمح له بتعزيز اهتمامه بذاته وبالآخرين أيضاً، لذا؛ تساعدنا اليقظة الذهنية على النظر إلى مواقف الحياة من زوايا مختلفة ومن ثمّ التقليل من انتقادنا لأفكار الآخرين وتصرّفاتهم إذا كانت مختلفة عن أفكارنا وتصرّفاتنا”.

اقرأ أيضاً:

المحتوى محمي !!