ملخص: يمكن من خلال التعرف إلى التفاعلات المعقدة بين حالات الصحة النفسية وسلوكيات الأكل والإشارات الجسدية ومعالجتها، وضع التدخلات الشخصية لتخفيف العبء الذي يفرضه كل من اضطراب الاكتئاب الشديد واضطراب القلق العام؛ ومن ثَمَّ تعزيز الرفاهية والأداء عموماً.
محتويات المقال
ثمة فجوة كبيرة في فهم كيفية تفاعل بعض الحالات النفسية مع عوامل الصحة الجسدية؛ ولا سيّما فيما يتعلق بالهرمونات الأيضية وسلوكيات نمط الحياة؛ مثل عادات تناول الأكل. ومن أجل فهم هذه العلاقة، أجرى فريق من الباحثين من جامعة تولسا الأميركية (The University of Tulsa) دراسة علمية تناولت تأثير اضطرابَي الاكتئاب الشديد والقلق العام في إحداث خلل بنظام التغذية، وإليك ما توصلت إليه النتائج.
اقرأ أيضاً: 5 أطعمة هي الأسوأ لصحتك النفسية: تعرّف إليها لتتجنبها
ما الصلة بين الاكتئاب والقلق واضطراب النظام الغذائي؟
توصلت دراسة منشورة في مجلة البحوث النفسية (Journal of Psychiatric Research) في ديسمبر/كانون الثاني 2023، إلى أن الأشخاص الذين يعانون اضطراب الاكتئاب الشديد أو الذين يعانون كلّاً من اضطراب الاكتئاب الشديد واضطراب القلق العام في الآن نفسه، غالباً ما يواجهون صعوبات في تنظيم سلوكيات الأكل وضبط النفس عند تناول الطعام. ويمكن أن تؤثر هذه الصعوبات تأثيراً بالغاً في صحتهم العامة وتؤدي إلى تفاقم مشكلاتهم الصحية.
واستنتج فريق البحث بقيادة الطبيبة المتخصصة في أبحاث الدماغ بجامعة تولسا الأميركية، جينيفر ستيوارت (Jennifer Stewart)، إن الأشخاص الذين يعانون اضطراب الاكتئاب الرئيس وأولئك الذين يعانون كلّاً من اضطراب الاكتئاب الشديد واضطراب القلق العام، يواجهون تحديات في تفسير الإشارات الجسدية الداخلية بدقة، وغالباً ما يسيئون فهم الإشارات العاطفية على أنها جوع. يمكن أن يؤدي هذا التفسير الخاطئ إلى الإفراط في تناول الطعام وذلك بوصفه آلية للتكيف؛ ما يسهم في دورة الضيق.
اقرأ أيضاً: ما لا تعرفه عن مقاومة الاكتئاب بالغذاء الصحي
وتقول ستيوارت إنه: "سبق وأن أشارت أبحاث أخرى إلى أن معالجة الأحاسيس الجسدية الداخلية؛ المعروفة بـ "الحسّ الداخلي"(Interoception)، تتعطل عند الأشخاص المصابين باضطراب الاكتئاب الشديد؛ لكن ما زال غير مفهوم في الوقت الحالي كيف يحدث ذلك ومتى".
من الجدير بالذكر إنه على الرغم من نقاط قوة الدراسة؛ مثل منهجيتها الشاملة وقاعدة المشاركين الكبيرة التي تزيد على 1,000 مشترك، فإن عليها بعض المآخذ؛ أهمها هي أن نسبة كبيرة من الأفراد المشاركين في الدراسة كانوا يتناولون الأدوية النفسية المستخدمة في علاج الاكتئاب، ومن المحتمل أن يكون لهذه الأدوية تأثير في النتائج. بالإضافة إلى ذلك، ركزت الدراسة أساساً على الاكتئاب الشديد الدائم بدلاً من نوبات الاكتئاب.
اقرأ أيضاً: "تأثير اليويو": كيف يمكن للحمية الغذائية أن تتسبب في زيادة دهونك؟
كيف يؤثر الاكتئاب والعادات الغذائية كلٌّ منهما في الآخر؟
إذاً وبناء على ما سبق؛ يمكن القول إن اضطراب الاكتئاب الشديد يؤثِّر تأثيراً كبيراً في شهية الفرد، وكثيراً ما يسبب تغيّرات في أنماط تناول الطعام، بدءاً من زيادة الشهية والإفراط في تناول الطعام عند بعض الأفراد، وصولاً إلى فقدان الشهية وفقدان الوزن.
فقد وجدت دراسة منشورة في المجلة الأميركية للطب النفسي (The American Journal of Psychiatry) عام 2016، أن ثمة علاقة بين الاكتئاب وبين شذوذ يحصل في بعض مناطق الدماغ على نحو يؤثر في الشهية؛ حيث وُجد أن زيادة الشهية المرافقة للاكتئاب ترتبط بفرط النشاط الحاصل في الدوائر العصبية المسؤولة عن الشعور بالمكافأة في المسار الوسطي الطرفي في الدماغ. في حين أن فقدان الشهية المرافق للاكتئاب ارتبط بانخفاض النشاط في مناطق القشرة الجزيرية المشاركة في مراقبة الحالة الفيزيولوجية للجسم.
علاوة على ذلك، يمكن أن يلجأ الأفراد المصابون بالاكتئاب واضطرابات المزاج إلى اختيارات غذائية غير صحية كوسيلة للتعامل مع المشاعر الصعبة؛ أي قد يأكلون من أجل تحسين المشاعر السلبية أو غير المريحة؛ مثل الحزن والعار وكراهية الذات. أما سبب تفضيل هذه الأطعمة عالية المحتوى بالسكريات والدهون هو أنها تزيد مستوى السيروتونين في الدماغ؛ ما يساعد على تحسين الحالة المزاجية على المدى القصير.
اقرأ أيضاً: هل ترغب في رفع مستوى السيروتونين وتعزيز سعادتك؟ إليك هذه الأطعمة
لكن وكما تؤثر الحالة النفسية للشخص في تفضيلاته الغذائية؛ كذلك تؤثّر تفضيلات الطعام في الحالة النفسية، فالأنظمة الغذائية الغنية بالأطعمة المصنعة والسكريات والدهون غير الصحية تسهم في حدوث تقلبات سريعة في مستوى السكر في الدم، وزيادة الالتهابات والإجهاد التأكسدي في الجسم؛ ما يؤثر في عمل الدماغ، ويسبب انخفاض الحالة المزاجية، ويفاقم خطر الإصابة بالاكتئاب أو يزيد حدة أعراضه.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي نقص العناصر الغذائية الأساسية مثل أحماض أوميغا 3 الدهنية والفيتامينات والمعادن إلى تفاقم أعراض الاكتئاب والقلق. علاوة على أن نقص الشهية وعدم تناول ما يكفي من الطعام قد يجعل الشخص أكثر عصبية وحساسية؛ ما قد يؤدي إلى تفاقم أعراض كل من الاكتئاب والقلق.
ما سبق يعني أن العادات الغذائية ترتبط بمشكلات الصحة النفسية؛ مثل الاكتئاب والقلق والأرق، وهذا ما توصلت إليه دراسة منشورة في مجلة ميدل إيست كرنت سيكايتري (Middle East Current Psychiatry) عام 2021، نفذها فريق من الباحثين المصريين بقيادة الطبيبة النفسية رؤى العمرواي (Roa Alamrawy).
اقرأ أيضاً: لماذا نأكل على الرغم من شعورنا بالشبع؟ إليك التفسير النفسي
5 نصائح عملية لبناء علاقة صحية بين غذائك ومزاجك
يمكن أن يدعم اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن صحة الدماغ ويخفف أعراض الاكتئاب والقلق؛ إذ وجدت مراجعة علمية منشورة في دورية علم الشيخوخة التجريبي (Experimental Gerontology) عام 2023، أن ثمة العديد من الأدلة التي تدعم استخدام التدخلات الغذائية بوصفه علاجاً مساعداً للاضطرابات النفسية. وإليك أهم النصائح الغذائية بناء على النتائج التي توصلت إليها المراجعة التي فحصت العلاقة بين الاكتئاب والغذاء:
- نوع نظامك الغذائي: من المهم الحرص على اتباع نظام غذائي متنوع يحتوي المغذيات التي تدعم الصحة النفسية؛ مثل أحماض أوميغا 3، وفيتامين د، وفيتامين ب 6، وحمض الفوليك. يُذكر إن كلاً من فيتامين د وفيتامين ب 6 يشاركان في إنتاج السيروتونين؛ ما يؤثر إيجابياً في الحالة المزاجية.
- اشرب القهوة والشاي باعتدال: يحتوي كل من القهوة والشاي مكونات نشطة بيولوجياً قد تساعد على تقليل خطر الإصابة بالاكتئاب.
- تناوُل ما يكفي البروبيوتيك: قد تؤدي مكملات البروبيوتيك دوراً في الوقاية من الاكتئاب. بالإضافة إلى ذلك، فإن تناول كمية كافية من فيتامين ب 12 والسيلينيوم والمغنيزيوم والزنك والنحاس من المصادر الغذائية الغنية بها، قد يكون له آثار وقائية ضد الاكتئاب.
- ركز على الأطعمة الكاملة: من المهم إعطاء الأولوية إلى الأطعمة الكاملة غير المصنعة باعتبارها أساساً للنظام الغذائي المُتبع؛ إذ تدعم هذه الأطعمة الصحتين النفسية والبدنية.
اقرأ أيضاً: هل تحتفظ الأغذية الطبيعية بخصائصها الصحية بعد مُعالجتها؟
- استشر المختص النفسي عند الحاجة: إذا كنت تعاني أعراض الاكتئاب، فاطلب المساعدة المتخصصة. يمكن أن تكون التعديلات الغذائية مكملة للعلاج؛ ولكنها ليست بديلاً عن التوجيه المهني أو الدوائي عند الحاجة.
يُشار إلى أن الاحتياجات الغذائية الفردية قد تختلف من شخص إلى آخر. لذلك؛ قد تساعدك استشارة متخصص الرعاية الصحية أو متخصص التغذية على تصميم خطة غذائية تدعم الصحة النفسية على نحو أفضل.
ختاماً، يُذكر إن الاستراتيجيات العلاجية التي تركز على تقنيات تنظيم المشاعر قد تساعد الأفراد المصابين بالاكتئاب أو اضطراب القلق على تنظيم استجاباتهم العاطفية على نحو أكثر فعالية. كما يمكن للتدخلات التي تعزز الوعي الداخلي؛ أي تعزز فهم الإشارات الجسدية الداخلية، أن تساعد على التمييز بين الجوع الحقيقي والإشارات العاطفية؛ ما يحسِّن سلوكيات تناول الطعام.