هل توقعت أن يأتي عليك يوم لا يتحدد فيه مصيرك الوظيفي وفق المهارات التي تمتلكها أو الدورات التدريبية التي حصلت عليها أو الخبرات المتميزة التي تزين سيرتك الذاتية، لكن وفق عدة أسئلة لاستكشاف نمط الشخصية؟
محتويات المقال
حسناً، هذه ليست مبالغة، لكنها إلى حد كبير واقع أصبح يفرض وجوده اليوم، إذ إن العديد من مدراء الموارد البشرية عندما يحتارون بين أكثر من مرشح متقدم لشغل وظيفة، يلجأ بعضهم إلى إجابات اختبارات الشخصية ويتخذون قرارهم وفقاً لها.
لكن بالعودة خطوة إلى الوراء نجد أن هناك سؤالاً شديد الأهمية؛ ألا وهو: هل تلك الاختبارات وسيلة فعالة لتحديد الموظف الأفضل من بين المرشحين؟ وكيف يمكن لمدراء التوظيف أن يستفيدوا منها دون أن يصدروا أحكاماً ظالمة على المتقدمين للوظائف الشاغرة؟ هذا ما سنجيب عنه في مقالنا.
5 إرشادات فعالة تجعل اختبارات الشخصية أداة مفيدة في التوظيف
إذا كنت مدير موارد بشرية وتود الاستعانة باختبارات الشخصية في عملية التوظيف فهناك العديد من الإرشادات العملية التي عليك اتباعها حتى تحقق أفضل النتائج، ألا وهي:
- تجنب الاعتماد على اختبارات شخصية غير موثوقة أو معتمدة، واحرص قدر الإمكان على اختيار تلك التي وضعها علماء النفس حتى تضمن دقة نتائجها.
- حدد بوضوح متطلبات الوظيفة المعلن عنها من ناحية السمات الشخصية الرئيسية اللازمة، حتى تستطيع تفسير نتائج التقييم في سياق احتياجات الوظيفة، ولا يكون تفسير النتائج في اتجاه الحكم على الشخص.
- درب العاملين معك على كيفية تفسير نتائج تلك الاختبارات بموضوعية، وضع لهم آلية محددة وواضحة للاستعانة بها في عملية التوظيف لجعل عملية التقييم عادلة وأخلاقية.
- تواصل مع المرشحين بشفافية، وأخبرهم سبب استخدامك لهذه الاختبارات والكيفية التي وفقاً لها تستخدم نتائجها، إذ ستعزز هذه الخطوة الثقة بينك وبينهم وتضمن لك شعورهم بالراحة وتقديرهم لك.
- حاول في الاختبارات تضمين أسئلة ذات صلة بقيم الشركة وأولوياتها؛ حتى تتمكن من تحديد المرشحين الذين توجد لديهم القيم نفسها.
اقرأ أيضاً: كيف تنجح في التعامل مع الشخصيات الصعبة؟
هل يمكنك الاعتماد على اختبارات الشخصية في اختيار الموظف الأفضل؟
تتزايد يوماً بعد يوم هيمنة الذكاء الاصطناعي على الحياة المهنية وقد أدى ذلك إلى انتشار أدوات ذكاء اصطناعي يستخدمها المرشحون في كتابة السير الذاتية وخطابات التقديم، هذا التحول دفع الشركات إلى البحث عن وسائل إضافية لفهم المتقدمين بصورة أعمق، وقد وجدت في التقييمات المعيارية وسيلة لتجاوز المظهر الخارجي لطلبات التوظيف، واستكشاف السمات السلوكية والمعرفية للمرشح على نحو أكثر مباشرة.
وحسب تقرير نشرته منصة تيست جوريلا للتوظيف في يونيو/حزيران 2025، فإن 76% من الشركات استخدمت هذه التقييمات في عام 2024، في محاولة لتسريع عملية التوظيف وتقليل الاعتماد على المقابلات التقليدية والانطباعات الشخصية.
لكن على الرغم من هذا الانتشار، يحذر بعض المتخصصين من الإفراط في الثقة بهذه الاختبارات، ففي حوار أجرته الجمعية الأميركية لعلم النفس مع أستاذ علم النفس التنظيمي في جامعة رايس الأميركية فريد أوزوالد أوضح أن كثيراً من اختبارات الشخصية الشائعة تفتقر إلى أساس علمي قوي، ولا يمكن الاعتماد عليها للتنبؤ الفعلي بالأداء الوظيفي، كما أن بعض هذه التقييمات قد تعطي نتائج متباينة للمرشح نفسه عند إعادتها في أوقات مختلفة، ما يثير تساؤلات حول موثوقيتها.
من جانب آخر، تبرز مشكلة التحيز أو إقصاء المرشحين بسبب نتائج للاختبارات قد لا تعكس قدراتهم الفعلية، وهذا يعني أن الاعتماد الزائد على هذه الأدوات، خاصة عندما تستخدم باعتبارها عاملاً حاسماً في قرارات التوظيف، قد يؤدي إلى استبعاد مرشحين مؤهلين تماماً لمجرد أنهم لم ينجحوا في اختبار معين، وهو ما قد يكون غير عادل أو غير دقيق. كما أن بعض المرشحين قد يتلاعبون بإجاباتهم ليتوافقوا مع الصورة المثالية التي تفضلها الشركات، ما يحيد بالتقييم عن هدفه الأساسي.
بناءً عليه، الأفضل أن يجري التعامل مع اختبارات الشخصية باعتبارها أدوات مساعدة مفيدة تستخدم ضمن نظام متكامل يشمل المقابلات وجهاً لوجه وفحص السير الذاتية وإجراء التقييمات الفنية، لكنها لا تكفي وحدها لاتخاذ قرارات توظيف حاسمة.
اقرأ أيضاً: سمة شخصية يفتقدها كثيرون في العمل وتجعلك في المقدمة
لماذا يشكك علماء النفس في اختبارات الشخصية الشائعة؟
يعد السؤال السابق بمثابة العودة للجذور، للتمييز بين ما هو موثوق وعلمي ويمكن الاعتماد عليه، وما هو زائف ولا يقدم أي فائدة حقيقية، والبداية من المختص النفسي ريان الجهني الذي يشير إلى أن اختبارات الشخصية الرائجة على شبكة الإنترنت والتي تتوعد الشخص بتحديد دوره في الحياة، لا تعدو أن تكون أكثر من مضيعة للوقت، فهي غير علمية أو مدعومة بالأدلة التي تثبت جدواها.
حسناً، ما هو السر الذي يدفع الكثير من الأشخاص إلى تضييع أوقاتهم فيما لا فائدة من ورائه، بل والاعتماد عليه أحياناً في قراراتهم الشخصية؟ تفسر المختصة النفسية ميلا تيتوفا ذلك بأن الأغلبية لا يبحثون عن أدلة علمية تبرهن أن هذا الاختبار يمكن الاعتماد عليه، إذ لمجرد أنه شائع فهذا بالنسبة لهم يعد دليلاً على جودته، مؤكدة أن هذا الحديث لا ينال الإعجاب غالباً عند طرحه، والمشكلة من وجهة نظرها تصبح معقدة عندما تعتمد بعض المؤسسات التعليمية والمهنية على تلك الاختبارات غير العلمية.
وحتى نصل إلى إجابة واضحة حول إذا ما كانت اختبارات الشخصية علمية أم لا، علينا أن نعود إلى الهدف الأول منها فعند ظهورها أول مرة كانت عبارة عن استبيانات تهدف إلى دراسة مشكلات الشخصية ورصد اضطرابات الصحة النفسية، بالإضافة إلى ذلك استعان الجيش الأميركي ببعض الاستبيانات لمساعدته على استبعاد الجنود غير المؤهلين لقيادة الطائرات العسكرية.
ثم بمرور السنين توسعت تلك الاستبيانات فلم تعد تقتصر على تشخيصات الصحة النفسية، إنما امتدت لتشمل السمات الشخصية المختلفة، لكن الإشكال الواضح هو أن معظم تلك التقييمات لم تخل من تحيز واضعيها تجاه الشخصية، ما جعل نتائجها غير موثوقة إلى حد كبير، ولا يمكن تجاوز هذه النقطة دون الإشارة إلى أن أشهر اختبارات الشخصية، وهو اختبار مايرز بريغز الذي يصنف الأشخاص إلى 16 فئة، كل فئة منها مكونة من أربعة أحرف، جرى تطويره على يد كاثرين بريجز وابنتها إيزابيل مايرز وهما لم يتلقيا أي شهادة معتمدة في علم النفس، وعلى الرغم من ذلك فالاختبار ما زال منتشراً على نطاق واسع ويستخدمه الكثير من الشركات لأغراض التوظيف.
لكن هل يعني ذلك أن اختبارات الشخصية جميعها عبارة عن علم زائف؟ في الحقيقة لا، فهناك اختبار واحد فقط يمكن الاعتماد عليه، وهو اختبار السمات الخمس الكبرى للشخصية، وقد وضعه العديد من علماء النفس المؤهلين الذين تجنبوا الوقوع في الأخطاء الشائعة لاختبارات الشخصية غير الموثوقة، فقد اعتمدوا على أساليب إحصائية في تجميع السمات الشخصية التي تجتمع معاً، مثل أن يكون الشخص ثرثاراً واجتماعياً في الوقت نفسه، ومن أهم الأسباب التي تجعل هذا الاختبار يمكن الاعتماد عليه بساطته، فهو لا يقدم سوى مساعدة للشخص على تنظيم ما يقوله عن نفسه، فهو لا يخبره بشيء مفاجئ أو غامض.
وتوافق على الرأي السابق استشارية علم نفس العمل هاجر القايدي، إذ تؤكد أن اختبار الشخصية القائم على السمات الخمس، هو وحده الذي يمكن أن يعتد به بصفته اختباراً قائماً على أدلة علمية.
بينما على الناحية الأخرى، غالباً ما تعتمد اختبارات الشخصية الرائجة في عالم التوظيف على كشف ما يمكن تسميته بالحقائق الخفية عن الشخص المتقدم، فيعتقدون أن هناك صلة ما يجب إيجادها بين جوهرك وجوهر الوظيفة التي تقدمت لشغلها، وتلك مسألة لا يمكن التوصل إليها باختبارات الشخصية.
اقرأ أيضاً: اسمك يؤثر في مسار حياتك ويشكل ملامحك: إليك الأدلة العلمية