لماذا يرحب البعض بالزواج لكن يرفض الإنجاب؟

6 دقيقة
رفض الإنجاب
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يختار بعض الأزواج، أو المقبلين على الزواج، تأجيل الإنجاب، أو يرفضونه تماماً على الرغم من رغبتهم في الزواج؛ ما قد يعرضهم إلى الضغوط المجتمعية، والمشكلات في العلاقة الزوجية عند تغير رأي أحد الشريكين، أو الشعور بالتوتر والضغط النفسي أو الوحدة أو الندم على هذا القرار. وقد ترجع أسباب رفض الإنجاب إلى الخوف من المسؤولية وعدم التيقّن بشأن المستقبل، أو الرغبة في الحفاظ على الحرية والاستقلالية، أو وجود بعض الاضطرابات النفسية، أو المرور بالتجارب السلبية السيئة في الطفولة. لكن في النهاية، يعتمد اختيار الإنجاب أو رفضه  على ظروف الفرد وتفضيلاته، ومن المهم التشارك مع شريك الحياة في أخذ القرار، ومناقشة الأمر معاً، واستشارة مختص في حال وجود أي مشكلات نفسية كامنة، والتخطيط للحياة معاً والتكيف مع تغيراتها، سواء قرر الشريكان الإنجاب أو لا.

"هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد".

يُنسب بيت الشعر السابق إلى الشاعر العربي، أبي العلاء المعري؛ الذي لم يتزوج أبداً، وكان يرفض الإنجاب. وفي الواقع، يعد الزواج والإنجاب من ركائز الحياة الاجتماعية في الحضارات والثقافات المختلفة منذ القدم وحتى عصرنا الحالي. فمثلاً؛ تشجع العادات والتقاليد العشائرية في الأسر الريفية زيادة عدد المواليد؛ فهذا يمثل قوة للأسرة أمام المجتمع، عوضاً عن دور هؤلاء الأبناء بوصفهم قوة عاملة في الجانب الزراعي؛ بينما تأتي الرغبة في إكثار عدد الأبناء في الأسر الحضرية بغرض توزيع الميراث على عدد أكبر من أفراد الأسرة.

إلا أننا نشهد في الآونة الأخيرة تحولات في أنماط الحياة والعلاقات؛ حيث يختار بعض الأزواج أو المقبلين على الزواج تأجيل الإنجاب، أو يرفضونه تماماً على الرغم من رغبتهم في الزواج، ويُعرف ذلك بـ "عدم الإنجاب الإرادي أو الطوعي" (Voluntary childlessness) أو (Childfreeness). يثير هذا التوجه تساؤلات عديدة حول الدوافع وراء هذا القرار، وكيف يؤثر في الحياة الزوجية والمجتمع ككل. وفي هذا المقال، نتناول أبرز الأسباب النفسية خلف رفض الإنجاب، وآثاره المحتملة، ونصائح للشركاء.

بالأرقام: كيف تزايد عدد الأشخاص الرافضين للإنجاب؟

كشف استطلاع نشره مركز بيو للأبحاث الأميركي (Pew Research Center) مؤخراً عن تزايد عدد الأميركيين الرافضين للإنجاب، فقد كشفت النتائج أن 57% من الأميركيين تحت سن الـ 50 ممن لم ينجبوا مسبقاً يرون أنهم من المحتمل ألا ينجبوا أبداً؛ بينما ذكر أغلب المشاركين في الدراسة الذين تخطوا الـ 50 عاماً إن أسباب عدم الإنجاب كانت إما لأنهم لم يريدوا الإنجاب، وإما لأنهم يرغبون في التركيز على أمور أخرى، وإما لأنهم لم يعثروا على الشريك المناسب، وإما أن الأمر لم يحدث فحسب دون وجود سبب محدد.

وقد أوضح الاستطلاع أن العديد من الأميركيين يختارون عدم إنجاب أطفال لأسباب متنوعة؛ منها التركيز على المسيرة المهنية، وارتفاع تكاليف إعالة الأطفال، والمخاوف حول مستقبل الوضع السياسي والبيئي في العالم.

تُشير الدراسة إلى أن أغلب الأشخاص الذين ليس لديهم أطفال يشعرون باستقلالية وحرية تصرف أكبر؛ لكنهم أكثر عرضة إلى القلق حول مستقبلهم، ووجود شخص يعتني بهم مع تقدمهم في العمر. وتؤكد أيضاً وجود ضغوط اجتماعية على الأفراد الذين يختارون عدم إنجاب أطفال؛ حيث قد يوصم الأزواج الرافضون الإنجاب بالأنانية.

وفي استطلاع رأي أجرته منصة نفسيتي على منصة التواصل الاجتماعي إكس (X)، أيّد نحو 57.6% من المشاركين قرار الأزواج بعدم الإنجاب؛ إذ كان هذا اختيارهم الشخصي؛ بينما لم يؤيد 42.6% من المشاركين في التصويت هذا القرار.

لماذا يرفض البعض الإنجاب بعد الزواج؟

تختلف أسباب رفض الأشخاص الإنجاب بعد الزواج؛ إما بسبب مخاوف اقتصادية أو مناخية، وإما خشية حدوث مضاعفات صحية، أو انتقال أمراض وراثية أو غيرها. وقد يرجع الأمر إلى دوافع نفسية وراء اتخاذ أولئك الأشخاص هذا القرار، تتباين من شخص لآخر؛ وأهمها:

  1. الخوف من المسؤولية: قد يشعر بعض الأشخاص بضغط كبير من فكرة تربية طفل ورعايته؛ فيتجنبون هذه المسؤولية، خاصة مع تفاقم شعورهم بالقلق حول المستقبل وعدم اليقين بشأن تأثير التغيرات السياسية والاجتماعية في حيوات أطفالهم.
  2. الرغبة في الحفاظ على أسلوب الحياة الحالي: قد يرفض البعض فكرة الإنجاب من أجل الحفاظ على نمط الحياة الحالي والاستقلالية، فهم يرون أن الإنجاب قد يحد من الحرية.
  3. الاضطرابات النفسية: تؤدي الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية؛ مثل الاكتئاب والقلق، إلى تدني الحالة المزاجية للشخص؛ ما يُشعره بعدم الرغبة في الإنجاب.
  4. التجارب السلبية في الطفولة: أحياناً، تؤثر التجارب السلبية التي مر بها الفرد في أثناء طفولته؛ مثل العنف الأسري أو الإهمال، في رغبته في الإنجاب. فقد يخشى هؤلاء الأفراد الفشل في تربية الطفل بطريقة صحيحة، أو  تكرارَ الأخطاء التي ارتكبها والدوهم.

وفي أحد اللقاءات المتلفَزَة، كشف الإعلامي شريف مدكور سبب رفضه الإنجاب خوفاً من تعرض أطفاله إلى التنمر مثلما تعرض إليه، وأنه لا يضمن اتسامهم بالقوة مثله، خاصة بعد إصابته بالسرطان، وأنه لو أنجب فسيكون أباً "صعباً"، مشيراً إلى أنه لا يستطيع الجلوس مع أطفال أكثر من نصف ساعة.

اقرأ أيضاً: عمري 35 عاماً: هل أريد حقاً إنجاب طفل؟

ما هي العواقب النفسية المحتملة لرفض الإنجاب؟

يؤثر قرار عدم الإنجاب في مختلف جوانب الحياة، سواء على مستوى الفرد أو الزوجين أو المجتمع. ومن أبرز هذه العواقب:

  1. الضغط المجتمعي: إذ قد تمارس المجتمعات التي تركز على الإنجاب ضغطاً كبيراً على الأزواج الذين يرفضون الإنجاب؛ فقد يعدُّهم البعض غير مسؤولين أو لا يقدرون قيمة الحياة. وقد يصعب على الأزواج الذين يرفضون الإنجاب العثور على الدعم الاجتماعي الضروري، خاصة في الأوساط التي تقدر قيمة العائلة الكبيرة والتقاليد المتعلقة بالإنجاب.

وقد يشعر الأزواج الذين يختارون عدم إنجاب الأطفال أنهم منفردون في قرارهم، وأنهم لا يجدون من يشاركهم هذا الأمر أو يفهم دوافعه وأسبابه؛ وذلك بسبب التوقعات المجتمعية السلبية حول قرارهم؛ ما يُشعرهم بالوحدة والقلق وأنهم مجبرون على التكيف مع التوقعات والعادات المجتمعية.

  1. المشكلات في العلاقة الزوجية: قد يؤدي اختلاف رغبة الشريكين في الإنجاب إلى تباعدهما، وتفاقم المشكلات القائمة التي تؤثر سلباً في العلاقة الحميمية بينهما.
  2. الشعور بالوحدة: قد يشعر الأفراد الذي اختاروا عدم الإنجاب بالوحدة في المستقبل، خاصة في سن الشيخوخة، إذا لم يكن لديهم أطفال، خصوصاً إذا كانوا يفتقرون إلى الدعم الاجتماعي.
  3. الندم: قد يندم بعض الأفراد مستقبلاً على قرارهم بعدم الإنجاب، خاصة إذا تغيرت ظروفهم أو أولوياتهم؛ وقد يرجع ذلك إلى عدم وجود من يكمل مسيراتهم، ويخلد ذكرهم.
  4. تأثر المجتمع: يغير انخفاض معدلات المواليد التركيبة السكانية، ويزيد أعباء رعاية كبار السن.

اقرأ أيضاً: لماذا يندم البعض على الإنجاب؟ وكيف لهم أن يتجاوزوه؟

هل الذين اختاروا عدم الإنجاب أكثر سعادة؟

يمكن أن يشعر النساء اللاتي اخترن عدم إنجاب الأطفال بهوية مستقلة، وحرية أكبر، واستقرار مالي أفضل، ويشعر الرجال والنساء دون أطفال بتوتر أقل، ورضا أكبر في حيواتهم الزوجية. في المقابل، يمكن للأبوة أن تؤدي إلى الشعور بالرضا عن الحياة؛ لكن تعاني أُسر عديدة، ولا سيّما النساء فيها، انخفاضاً مؤقتاً في الرفاهية بعد إنجاب طفل؛ إلا أن بعض الدراسات تشير إلى أن دعم الأسرة والشريك، والسياسات الصديقة للأسرة يمكن أن تخفف ضغوط الأبوة. علاوة على ذلك، يمكن للأبوة أو الأمومة أن تعزز الشعور بدرجة عميقة من الرفاهية الإيجابية، بفضل  إيجاد معنىً أعمق في الحياة. يعتمد تعزيز هذا الشعور بالرفاهية لدى النساء على مدى توازن مسؤوليات الأبوة والأمومة مع الشريك.

وفي السياق ذاته، توضح دراسة عالمة الاجتماع جينيفر غلاس (Jennifer Glass) وزملائها؛ التي شملت 22 دولة، ونشرتها المجلة الأميركية لعلم الاجتماع (American Journal of Sociology)، أن الصراع بين العمل والأسرة هو السبب الرئيس لعدم الشعور بالسعادة لدى الآباء، وليس الطفولة بحد ذاتها. وقد تسهم السياسات الداعمة للأبوة والأمومة؛ مثل إجازة الأبوة المدفوعة الأجر، وإجازات الأمومة، ومرونة مكان العمل، في تقليل الصراع بين العمل والأسرة وزيادة الرضا عن الحياة.

تقول الكاتبة الأميركية، غلوريا ستاينم (Gloria Steinem): "أنا سعيدة للغاية بقرار عدم إنجاب الأطفال. أعتقد أن لكل فرد الحق في اختيار نمط الحياة الذي يناسبه. وكما قيل: 'ليست كل من لديها رحم مضطرة إلى أن تكون أماً، وبالمثل؛ ليس كل من لديه أحبال صوتية يجب أن يكون مغني أوبرا'.".

ففي الحقيقة، لا يوجد قرار "أفضل" حول إنجاب الأطفال، فكل اختيار يعتمد على ظروف الفرد وتفضيلاته. ويتباين شعور الأزواج والشركاء بالرضا، بحسب عوامل عديدة؛ مثل الشعور بالتوازن بين الواجبات والمسؤوليات، ودعم الأسرة والمجتمع.

اقرأ أيضاً: إنجاب طفل: اختيار العمر

3 نصائح للشركاء والأزواج قبل حسم قرار الإنجاب

يمكن للنصائح التالية أن تساعدك على التحدث إلى شريكك أو زوجك بشأن الإنجاب واتخاذ قرار، أو وضع خطط للمستقبل، واتخاذ تدابير للتعامل مع الضغوط المختلفة:

  1. تحدث إلى شريكك: يجب على الزوجين إجراء حوار صريح ومفتوح حول رغبتهما في الإنجاب، واستعراض أسباب الاختلاف إن وجد. تشير الطبيبة النفسية، فاطمة نبيل، في حديثها إلى منصة نفسيتي، إلى أهمية مناقشة هذا القرار مع الشريك المحتمل قبل الزواج، على نحو مفصل وواضح.

وفي حال اختلاف آراء الطرفين حول هذه المسألة، فمن المهم أن يتقبل الشخص احتمال عدم تغير رأي شريكه في حالة المضي في الارتباط، فالاستمرار في العلاقة على أمل أن يغير الطرف الآخر رأيه مستقبلاً، قد يؤدي إلى اضطرار الشخص إلى بدء رحلة طويلة من العلاج النفسي، دون أن يكون شريكه مسؤولاً عن ذلك.

  1. استشر مختصاً: توضح فاطمة نبيل إن قرار عدم الإنجاب غالباً ما يكون نتيجة عوامل نفسية معقدة؛ من بينها الخوف الشديد الناتج من علاقة غير آمنة مع مقدم الرعاية، سواء كان أباً أو أماً أو دار رعاية أو غير ذلك، تعرض خلالها الشخص إلى الأذى في الطفولة. قد يؤدي هذا الخوف إلى رؤية الحياة بصفة عامة بوصفها مكاناً غير آمن؛ ما يجعل الزواج والإنجاب يبدوان أمرَين مرعبَين ومخيفَين، بدلاً من النظر إليهما على أنهما مراحل طبيعية ومهمة في حياة الإنسان. لذلك؛ يمكن للاستعانة بمرشد نفسي أن تساعد الزوجين على فهم مشاعرهما وتجاوز الصعوبات.
  2. خطط للمستقبل وتكيف مع تغيرات الحياة: خطط مع شريكك لمستقبلكما معاً، سواء قررتما الإنجاب أو لا. قد تتغير أولويات الأزواج واحتياجاتهم مع مرور الوقت؛ لذلك كن مستعداً للتكيف مع هذه التغيرات.

اقرأ أيضاً: كيف تتعاملين مع زوجك الرافض لفكرة الإنجاب؟

المحتوى محمي