عمري 35 عاماً: هل أريد حقاً إنجاب طفل؟

تأخير إنجاب الأطفال
shutterstock.com/sindlera
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

غالباً ما تعتقد النساء اللواتي يسعون إلى تأخير إنجاب الأطفال أن لديهن متسعاً من الوقت، ولا تزال الحياة بطولها وعرضها أمامهم. ثم لا يلبثن أن يجدوا أنفسهن فجأة على أبواب مرحلة منتصف العمر، ويبدأ ذلك بالتأثير عليهم ويشعرن بأن الوقت ينفد وتبدأ الشكوك والأسئلة حول ما إذا كان بإمكانهن إنجاب طفل الآن.

كانت النساء في السابق يتزوجن في عشرينيات عمرهن، ويصبحن أمهاتٍ بسرعة، وهذا ما حصل مع “مي” عام 1968. بالنسبة للكثيرين، لم يعد إنجاب طفل اليوم خياراً يمكن اتخاذه بسهولة! لقد أصبحت الأمومة قراراً يجب دراسته بعناية مسبقاً. تقول المحللة النفسية كاثرين بن سعيد في هذا الصدد: “إنجاب طفل هو تجربة تأسيس غير عادية، ولكن هناك “أمومات” أخرى محتملة للمرأة، وإبداعات أخرى مثيرة وإنسانية يمكن أن تعبّر عنها”. ومن هنا يصل التردد إلى ذروته مع اقتراب المرأة من سن الأربعين.

الساعة البيولوجية تدق جرس الإنذار

لورانس، مصممة أزياء مفعمة بالحيوية وتبلغ من العمر 38 عاماً، إحدى النسوة التي تأخرن بالإنجاب ويسعين للحصول على المساعدة الطبية لذلك. تقول: “كنت أقول لنفسي دائماً أن لدي وقتاً لذلك! إلا أن طبيب النسائية أعادني إلى الواقع عندما قال لي: “تبلغين من العمر الآن 40 عاماً تقريباً! ماذا تنتظرين كي تنجبي طفلاً؟ حتى فوات الأوان؟”. قد يبدو هذا النوع من التذكير فظاً، لكن مسألة إنجاب طفل تلاحق دائماً أولئك الذين يؤجلون إنجاب الأطفال إلى أجل غير مسمى. هذا ما تلاحظه شارلوت دودكيويتش سيبوني، المحللة النفسية والمختصة النفسية السريرية في جناح الولادة في مستشفى تينون في باريس يومياً، حيث تقول: “الساعة البيولوجية هي حقيقة فيزيولوجية لا مفر منها تخلق إلحاحاً خاصاً. تعرف كل امرأة أنها لن تعود قادرةً يوماً ما على إنجاب طفل، لتتساءل حينها عن معنى حياتها. جميعنا هنا لأن رجل وامرأة التقيا. إنها مسألة الأصل والموت والانتقال هي ما تثير هذه الرغبة في الإنجاب في منتصف العمر”.

تذكر ماريون أنها انتظرت حتى بلوغها سن الخامسة والثلاثين للشروع في “مغامرة الأمومة العظيمة”، لأنها تحب حريتها. تقول ماريون: “لقد كنت أعمل بين الولايات المتحدة وأوروبا منذ اثني عشر عاماً. لم أرغب أبداً في تحمل مسؤوليات العائلة، كان الواقع الحزين الذي تعاني منه صديقاتي العالقات بين مشاكل رياض الأطفال ومرض جدري الماء أحد الأسباب التي دفعتني لتأخير الإنجاب، لأن إنجاب طفل يتطلب التفرغ له مدى الحياة. هناك سببٌ لتأخير موعد الإنجاب! ولكن هناك شيء وحيد متأكدةٌ منه؛ وهو أني لا أريد أن أندم على ضياع سعادة إنجاب طفلٍ وأنا في الخمسين من عمري بسبب جُبني. لقد اجتزت العديد من المصاعب في حياتي، ويمكنني النجاة من الولادة! عبارةٌ لم يكن من الممكن تصورها قبل بضعة عقود”.

العمل والتعليم أولاً!

توضح أريان، مديرة قسم الإبداع في وكالة تصميم كبيرة، كيف تطوّر المجتمع من هذه الناحية: “ليس سراً أن غالبية النساء اليوم يعملن ويزدهرن مهنياً. يردن الحصول على التعليم، والنجاح في حياتهن المهنية، والاستقرار والاستمتاع بالحياة قبل إنجاب طفل. عندما كان سني 20 عاماً، أردت أن أثبت للعالم كله أنني الأكثر موهبة! لقد واجهت صعوبة في تأكيد نفسي طبعاً. الرجال مقتنعون بأن الإبداع حكرٌ عليهم، وقد طغى هذا التحدي على حياتي العاطفية. الآن أفتقد شخصاً أشاركه ثمار نجاحي، وأشعر أخيراً أنني مستعدة من الناحية المادية والعاطفية لإنجاب طفلٍ. أعلم أنني تأخرت، لكن هذا هو الحال”.

بالطبع، تحقيق النجاح المهني يتطلب التفرغ، والحرية مهمةٌ أيضاً. لكن هذا المنطق وهذه التبريرات، غالباً ما تخفي وراءها خوفاً في اللاوعي من إنجاب طفل كما تؤكد كاثرين بن سعيد: “نشعر بشكل بديهي أنها مسؤولية هائلة، وصدمةٌ ستغير حياتنا. في الحقيقة، الرغبة في إنجاب طفل متناقضة للغاية بطبيعتها، ولا يوجد سبب يدعونا للشعور بالذنب حيالها. وهذا التناقض مفيدٌ للطفل القادم، لأنه سيحميه من حب الأم الحصري والساحق. أولئك الذين يريدون بالمطلق إنجاب طفلٍ لتبرير الغاية من حياتهم، دون أن يكون لديهم أي تناقضٍ على الإطلاق، يحملون الطفل دوراً يصعب عليه القيام به”.

انسدادات اللاوعي

تشرح المحللة النفسية كاثرين ماثيلين: “كل الرغبة بإنجاب طفلٍ تتعلق باللاوعي، وليس بالإرادة. لكن من خلال الرغبة، لا نرى سوى جزء صغير ينشأ في الوعي. يمكن للمرء أن يرغب بإنجاب طفلٍ في وعيه، ولكنه قد لا يرغب بذلك في لا وعيه. والعكس صحيح”. على سبيل المثال، كانت “سيلفي” مقتنعة بأنها لا تريد إنجاب طفل حتى الأشهر القليلة الماضية، تقول سيلفي: “كنت حاملاً عندما كان عمري 20 عاماً، لقد كان ذلك “عرضياً” وقد أجريت عملية إجهاض. لم أندم على هذا القرار مطلقاً، إلى أن رأيت حلماً بعد 19 عاماً تخيلت فيه نفسي حاملاً لأني نسيت تناول حبة منع الحمل. شعرت بسعادةٍ غامرة، ولم أعد خائفة. عندما استيقظت، شعرت في داخلي أن هذا ما أريده. أبلغ من العمر 39 عاماً وسأفعل أي شيء من أجل إنجاب طفل. بدءاً من إيجاد أبٍ له…”. موقف متناقض؟ بالتأكيد، ولكن أليست المفارقات ملح الحياة؟

تخشى العديد من النساء من احتمال رؤية أجسادهن مشوهة، ولكن ذلك ليس “نرجسية” مرضية. تشرح كاثرين ماثيلين أن هذا الهاجس الجمالي، الذي يتماشى إلى حد كبير مع العصر الحالي، “لا علاقة له برهاب الحمل”. وتضيف: “تشعر بعض الشخصيات النرجسية، في أعماقها، أن الطفل قد يعرضهم لخطر نفسي، فالولادة ستضر بسلامة صورة أجسادهم، وهنّ يحمين أنفسهن من خلال تجنّب الإنجاب”. هذه هي حالة الممثلة إيزابيل التي تبلغ من العمر 40 عاماً، حيث تقول: “الجانب الحيواني من الحمل والرضاعة الطبيعية يثير اشمئزازي. أخاف من الولادة، أتخيل أني لن أنجو من ألم التمزّق! ستبقى على جسدي آثار ما بعد الولادة، وسيبدو جسمي مترهلاً وسأصاب باكتئاب ما بعد الولادة. كيف ستحافظين على جمالك بعد الولادة؟”. بالنسبة للنساء الأخريات، ترتبط صعوبة اتخاذ قرار بشأن إنجاب طفل أو رفضه بعلاقة صعبة مع والدتهم. أجرت أجاثا تحليلاً نفسياً في سن 34 لأنها كانت تشعر بأنها غير قادرة على العيش مع رجلٍ أو بناء شراكةٍ دائمة معه، تقول: “لقد ساعدني التحليل النفسي على تحرير نفسي من حظر الأم. لقد أنجبتني والدتي حتى لا أكون وحدي أبداً. لقد ضحت بطموحها في سبيل عائلتها مع فكرة أننا على الأقل لن نتخلى عنها. دون وعي، كان عليّ أن أبقى ابنتها الصغيرة إلى الأبد. لقد أصبحت الآن أتقبل فكرة أن أصبح أمّاً. لولا مساعدة طبيبي النفسي، لكان فاتني قطار إنجاب طفل”.

البحث عن أب

تصل العديد من النساء إلى الأربعينيات من العمر دون أن يقابلن الرجل الذي كان من الممكن أن يكون والداً لطفلهن مطلقاً. يمكنك دائماً القول لنفسك أن لديك وقتاً لمقابلة حبك الحقيقي، لكن إنجاب طفلٍ لا ينتظر، والخوف من عدم العثور على شريك يعزز القلق المرتبط بمرور الوقت. تقول بولين، البالغة من العمر 43 عاماً: “كان الرجال الأربعة الذين قابلتهم غير ناضجين وأنانيين. كنت أريد أن أصبح أماً، ولكني لم أتمكن من رؤية الأب فيهم. عندما قابلت ديمتري، تغير كل شيء. إنه صلب ومتفهّم ومتوازن ويريد إسعادي. هذا الشعور بالقدرة على الاعتماد عليه جعلني أرغب في إنجاب طفل منه، ولأول مرة، كنت واثقةً من ذلك”. تقول كاثرين بن سعيد: “كان إنجاب طفل بنفسك دون أن تقلق بشأن وجود أبٍ له من عدمه الموضة الرائجة في الثمانينات. ولكن النساء يدركن اليوم الصعوبة البالغة لهذا الأمر، فالطفل يولد نتيجة رغبةٍ مشتركة في إنجابه”.

بولين محظوظة لأنها قابلت رجلاً مستعداً لأن يصبح أباً. لكن في مجتمعنا، مثل الأمومة، لم تعد الأبوة مسألة بديهية. بينما كارولين، على سبيل المثال، لم يحالفها الحظ. فهي لم تحب إلا الرجال الذين لا يرغبون بإنجاب الأطفال؛ تقول: “الأول كان متزوجاً وأباً بالفعل. وانتقدني الثاني لأنني رأيت فيه “والداً” محتملاً فقط، مثل “النساء” اللواتي تجاوزن الثلاثين من العمر، واللواتي يجدن صعوبةً في الحمل. صديقي الحالي، تيبوليت، يبلغ من العمر 50 عاماً، مطلّق وأبٌ لابنة تبلغ من العمر 15 عاماً. عندما أخبرته عن رغبتي في إنجاب طفل، أجاب بأنه كبير في السن، وأنه لا يستطيع تصور نفسه في عمر السبعين ولديه طفلٌ بعمر عشرين عاماً. عمري الآن 37 عاماً، ولم أكن سعيدةً في حياتي مع أي رجل كما كنت مع تيبوليت. من ناحية أخرى، أعلم أنني سأخسر حياتي كامرأة إذا لم أنجب. هل ينبغي أن أترك تيبوليت؟ أواجه معضلةً حقيقية”. يثير هذا الانجذاب المنهجي للرجال الذين يرفضون الأبوة الحيرة حقاً. ربما تكون طريقة غير واعية للتعبير عن “عدم رغبتهن” في إنجاب طفل وعدم مواجهة تناقضاتهن الخاصة؟ تؤكد كاثرين ماتيلين: “ما هو مؤكد هو أن الرجال لا يستطيعون تحمل إجبارهم على أن يصبحوا آباء، أو أن يُستغلوا أو يكذب أحدٌ عليهم. في الواقع، تعرّض النسوة اللواتي يوقفن حبوب منع الحمل دون استشارة الزوج، معتقدين أنهم يفرضون أمراً واقعاً عليه وأنه سيتأقلم، يعرّضون جودة علاقة الأب بطفله للخطر بشكل كبير”.

الزوجان في خطر؟

ينبغي ألا نصدق أن الأزواج الذين يعيشون حياةً هادئة لا يواجهون مشاكل عدم اليقين. تتطلب الأمومة والأبوة رحلة داخلية وإحداث تغيير في وضع الزوجين. نكون اثنين، ثم يأتي طفل ونصبح ثلاثة. ومن هنا تبدأ الأسئلة.. هل سنخسر الرغبة التي يشعر بها الشريك تجاهنا؟ هل سيقربنا الطفل من بعضنا البعض أم العكس؟ من سيتولى المسؤوليات؟ كلما تأخر قدوم الطفل، ازداد استقلال الزوجين. عندما تعيشان معاً، يمكنكما الارتجال. لكن الطفل هو التزام طويل الأمد يختبر الرابطة الراسخة بين الشريكين. فضلت إليز، 35 عاماً، وفرانسوا، 37 عاماً، اختبار قوة علاقتهما قبل التفكير في إنجاب طفل. تقول ليز: “لقد سافرنا كثيراً، كبرنا معاً، عشنا تاريخنا كما نريد لمدة اثني عشر عاماً، ومن الطبيعي أن يزيد الطفل قوة الرابطة بيننا. كنت أنا من فتح الحديث معه حول هذا الأمر، في عيد الحب، واعترف لي فرانسوا أنه كان يفكر في الأمر أيضاً. نحن نطلق على ذلك “الانسجام””.

تقول ليديا، والتي شُغفت بتربية المهرات الأنجلو-عربية (الأحصنة المولودة حديثاً): “أشعر بالرضا عن نفسي نظراً لأني امرأة تبلغ من العمر 38 عاماً، لكن والديّ يشعران بالإحباط مني. أنا البنت الأكبر سناً لهما، وأخواتي الصغيرات أصبحن جميعاً أمهات. يسألونني في كل عيد ميلاد “متى سنصبح أجداداً مرةً أخرى؟” أشعر بالذنب نتيجة هذه الضغوط المستمرة، وبأنني لست طبيعية. أنا لست ضد فكرة تكوين أسرة، لكن الحياة اختارت لي طريقاً آخر. أعيش حياةً ملؤها النشاط، لدي الكثير من الأصدقاء، أحب أبناء وبنات إخوتي، وأنا أقوم بحملة نشطة لإنقاذ البيئة لتوفير مستقبلٍ أفضل لجميع أطفال العالم. أين المشكلة؟”.

رأي الطبيبة النفسية كاثرين ماثيلين

توضح كاثرين ماثيلين، المحللة النفسية: “إنجاب طفل أمر عصري للغاية، ومجتمعنا يقدّر الأمومة، والنجوم من الممثلات وغيرهن يتباهون ببطونهم المستديرة في جميع المجلات. تقول بعض النساء لأنفسهن في الأربعينيات من العمر؛ الجميع لديه طفل إلا أنا، يجب أن يكون لدي طفل! إنهن يريدون طفلاً مثلما يريدون وظيفة رائعة، ومنزلاً جميلاً، ولياقة بدنية مثالية.. ثم نجد أنفسنا في مشكلة “رجولية” كما يصفها فرويد: الطفل هو المعادل الرمزي للرجولة المفقودة، وهو آخر شيء يجب أن تمتلكه امرأة تبلغ من العمر 40 عاماً لإشباع رغبتها في القدرة المطلقة. لذلك تأخير إنجاب الأطفال ليس خياراً، فنحن نعيش في مجتمع يمكن فيه للمرأة العازبة التي تريد أن تصبح أماً بمفردها أن تحقق رغبتها هذه، لكن حقيقة أن العلم قد جعل ذلك ممكناً لا ينبغي أن يجعلنا نغفل عن هذه الحقيقة الأساسية: الطفل مخلوق من شخصين، ويجسد رغبة الرجل والمرأة، وهو أولاً وقبل كل شيء ثمرة قصة حب”.

المحتوى محمي !!