لماذا نكره أصواتنا في التسجيلات الصوتية؟

3 دقائق
أصواتنا
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: عندما نسمع أصواتنا في صندوق البريد أو الرسالة الصوتية، فغالباً ما نشعر بالرعب لأنها تبدو مختلفةً تماماً عن توقعاتنا، فما السبب في هذه الظاهرة؟

هل حدث أن سجلت مقطع فيديو لك وأعدت مشاهدته فلاحظت أن صوتك يبدو غريباً كما لو أنه صوت شخص آخر؟ ربما الميكروفون الخاص بك لا يسجل على نحو صحيح! إن كل من يستمع إلى رسائله الصوتية على هاتفه الخلوي، أو من يتحدث لأول مرة على الراديو أو في البودكاست، قد مرّ بذلك؛ بل إن توماس إديسون عندما اخترع جهاز الفونوغراف عام 1877، كان مذهولاً وغير سعيد بسماع صوته لأول مرة يخرج من الجهاز!

حسناً إن هذا ليس عطلاً في جهاز التسجيل؛ وإنما هو صوتك الحقيقي، وتُعرف هذه الظاهرة بـ "مواجهة الصوت". قبل أن تصاب بالإحباط، تعال لنتعرف إلى سبب اختلاف أصواتنا في التسجيلات الصوتية، ولماذا نكرهها.

لماذا تختلف أصواتنا في التسجيلات الصوتية؟

يدرك البشر الصوت بطريقتين:

التوصيل الهوائي: كيف نسمع التسجل الصوتي؟

عندما تسمع صوتاً آخر، سواء كان صوت التسجيل الصوتي لك أو صوت صديقك وهو يتحدث أو حتى أغنيتك المفضلة، فإنك تتلقى الصوت عبر عملية تُعرف بـ "التوصيل الهوائي". تنتشر الموجات الصوتية عبر الهواء، وعدما تصل إلى الأذن يحدث السمع. إن ما يُعرف بـ "الأذن الخارجية" أو "الصيوان" الذي يأخذ شكل القمع ويسمح بالتقاط الموجات الصوتية، ليس سوى الجزء الخارجي فقط من جهاز معقد يُعرف بـ "الجهاز السمعي المحيطي للأذنين".

تنتقل الموجات الصوتية عبر قناة الأذن وصولاً إلى غشاء مرن بيضاوي في الأذن الوسطى يُسمَّى "طبلة الأذن" أو "الغشاء الطبلي"؛ حيث تسبب الموجات الصوتية اهتزازه وفقاً لترددها. ينقل الغشاء الطبلي هذه الموجات إلى 3 عظام صغيرة متصلة بها هي المطرقة والسندان والركاب، ومهمتها تضخيم الصوت ونقله عبر النافذة البيضاوية إلى السائل الذي يملأ القوقعة في الأذن الداخلية، وتبطنه آلاف الخلايا الشعرانية.

تنقل الخلايا الشعرانية الاهتزازات إلى النهايات العصبية؛ حيث تتحول إلى إشارات كهربائية. وتنتقل الإشارات على طول العصب القحفي الثامن (العصب السمعي) إلى الدماغ الذي يفسر هذه الإشارات، وهكذا نسمع.

اقرأ أيضاً: هل العلاج بالغناء مفيد؟

التوصيل العظمي: كيف نسمع أصواتنا الحقيقية؟

إننا نسمع أصواتنا عبر عملية تُعرف بـ "التوصيل العظمي". ووفقاً للدراسة المنشورة في دورية تقارير عن التقدم في الفيزياء (Reports on Progress in Physics)؛ ينتقل الصوت على شكل اهتزازات عبر الجمجمة إلى العظم الصدغي على جانبيّ قاعدة الجمجمة. بعد ذلك، ينقل العظم الصدغي الاهتزازات إلى الغشاء القاعدي في الأذن الداخلية حيث توجد أهداب الخلايا الشعرانية، فتكشف الأهداب الاهتزازات وتحولها إلى إشارات كهربائية تنقلها إلى الدماغ لتحليل الصوت.

بالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسة إلى أن العظام أكثر فعالية في نقل الترددات المنخفضة للصوت إلى الدماغ؛ لذا تكون أصواتنا أكثر عمقاً. في المقابل، يكون الصوت المسجل أرق وأكثر حدة؛ وهذا ما يفسر سبب اختلاف أصواتنا الداخلية عن أصواتنا المسجلة.

ومع ذلك، فإننا ندرك أصواتنا جزئياً من خلال التوصيل الهوائي أيضا؛ ما يعني أننا نسمع أنفسنا نتحدث داخلياَ وخارجياً في وقت التسجيل نفسه.

بالإضافة إلى ذلك، كشفت الدراسة المنشورة في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS) أن القشرة السمعية التي تساعدنا على معالجة الأصوات، تأخذ وضع السبات عندما نتحدث. لذا؛ عندما نتحدث فإننا لا نكون في إدراك ووعي كاملَين لأصواتنا مثلما يحدث عندما نسمعها من مصادر خارجية ومن ثَمّ نشعر بالاختلاف بينها ويبن أصواتنا المسجلة.

ولكن لماذا نشعر بعدم الراحة ولا نحب أصواتنا في التسجيلات؟

اقرأ أيضاً: 7 طرق تساعدك على خلق الانطباع الإيجابي عند تواصلك مع الآخرين

لماذا نكره أصواتنا المسجلة؟

السبب الرئيس في أننا لا نحب أصواتنا هو "مواجهة الصوت"؛ وهو مصطلح ابتكره عالما النفس الروسيان فيل هولزمات (Phil Holzemann) وكلايد روسي (Clyde Rousey).

إذ أشارا في بحثهما الذي نُشر عام 1966 في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي (Journal of Personality and Social Psychology)، إلى أن المواجهة الصوتية لا تحدث فقط لاختلاف التردد بين الصوت المسجل والصوت الحقيقي؛ وإنما بسبب زيادة إدراكنا ووعينا بما تنقله أصواتنا المسجلة ولا نلحظه في أصواتنا الطبيعية الداخلية مثل مستوى القلق والحزن والغضب وما إلى ذلك، في ما يُعرف بـ "الإشارات اللغوية الإضافية".

وفي دراسة أخرى للباحثَين، نُشرت في دورية الجمعية الأميركية لعلم النفس (American Psychological Association)، وضحا إن الأفراد الذين يتحدثون لغة ثانية بعد سن الـ 16، أظهروا انزعاجاً أكثر لدى سماعهم تسجيلات صوتية بلغتهم الأولى. ويعتقد الباحثان أن سبب ذلك هو أننا لا نستطيع السيطرة على أحاديثنا كما نفعل عادة؛ يبدو الأمر كما لو أن أصواتنا جامحة!

يؤيّد عالم الأعصاب مارك بيل (Marc Pel) النتائج التي توصل إليها الباحثان الروسيان في دراستيهما؛ إذ يعتقد أننا نقيم أصواتنا عندما نسمعها في التسجيلات الصوتية على نحو روتيني ومشابه لما يحدث مع أصوات الآخرين. وكذلك، فإن انطباعاتنا عن الصوت لا تتناسب مع السمات الاجتماعية التي نرغب في إبرازها؛ ما يخلق ارتباكاً باعتبار أن الصوت يؤدي جزءاً كبيراً في تحديد هوية كل منا، ولا أحد على الأغلب يفضل أن يدرك أنه ليس كما يعتقد.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن لذكرياتنا أن تشكل هوياتنا وشخصياتنا؟ وهل يمكن أن تخدعنا الذاكرة؟

ومع ذلك، أظهرت دراسة نُشرت في دورية بيرسيبشن (Perception) أن المشاركين في الدراسة قد أعطوا درجات تقييم عالية لأصواتهم عندما خُلطت مع أصوات عينات أخرى بحيث لم يتعرفوا إلى أصواتهم.

إذاً عندما تسمع تسجيلاً مزعجاً لصوتك، فمن المحتمل أن ناقدك الداخلي يبالغ في ردة فعله؛ لذا حاول قبول صوتك بفرديته لأنه جزء مهم من هويتك.

المحتوى محمي