هل يمكن أن تمتد أسباب عدم الثقة بالآخرين لمرحلة الطفولة؟

5 دقائق
الثقة بالآخرين

تُبنى وتستمر كل علاقة في حياتنا بناء على عدد من الأسس التي تجعلها راسخة ضد أي تيار من خصومات عابرة أو سوء فهم وغيره. من تلك الأسس التي بغيابها ينهار بناء العلاقات سريعاً "الثقة بالآخرين".

إن الثقة هي إيمان راسخ بمصداقية شخص أو شيء ما، فنحن نثق في الأشخاص الذين يعاملوننا بلطف، والذين تتسق أفعالهم مع أقوالهم، فتكون علاقاتنا معهم خالية من الخوف أو الشك. كذلك، فالثقة هي عنصر أساسي في العلاقات الاجتماعية برمّتها، وأساس للتعاون المشترك بين الأفراد، سواء كانت تلك العلاقة صداقة أو علاقة عاطفية أو تفاعلاً مع أصدقاء العمل.

تشير إحدى الدراسات حول آليات الثقة إلى أن أدمغة الإنسان تميل بشكل طبيعي إلى الثقة بالآخرين، وأن المشاعر التي تتولّد من تلك الثقة تحفّز مراكز المكافأة الاجتماعية في الدماغ.

إذاً، فماذا قد يُسبب غياب الثقة في العلاقات ما دامت أنها مهمة وذات منافع عدّة على الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية؟ في هذا المقال ستتعرّف إلى أسباب مهمة تجعل بعض الأفراد غير قادرين على الثقة في الآخرين، وكيف يمكن معالجة ذلك الأمر.

أهمية الثقة في العلاقات

إن شعور الفرد بأنه يمكن أن يعتمد على شخص آخر في علاقته به، يحمل عدداً من الفوائد؛ مثل المودة والشعور بالأمان، وعندما تغيب الثقة، تتضاءل احتمالية استمرار تلك العلاقة بنجاح.

يمكن للأشخاص الذين يثقون ببعضهم البعض العمل معاً بشكل أكثر فعالية في المنزل أو في العمل أو في أي مكان آخر، ويكونون أيضاً أكثر استعداداً لمشاركة المعلومات الدقيقة؛ الأمر الذي يمكن أن يساعد في بناء شعور أقوى بالذات ويقلل من خطر القلق والاكتئاب.

كذلك، فالثقة هي مفتاح الانسجام الاجتماعي والتعاون وتبادل الأفكار وبناء ثقافة مكان عمل قوية، وغياب تلك الثقة في بعض بيئات العمل يقلل من فرص التعاون ومساعدة الآخرين عند الحاجة؛ ما قد يضعف الروح المعنوية، ويمكن أن يؤدي إلى تفاقم الشعور بالوحدة أو الاكتئاب أو السلوك المعادي للمجتمع.

جذور عدم الثقة

يمكن أن يثق بعض الناس بدرجة عالية في الآخرين، ويمكنهم الإشارة بسهولة أكبر إلى أنهم يجدون أشخاصاً جديرين بالثقة؛ لكن الأمر قد لا يكون مماثلاً في حالات أخرى. بعض الأفراد، خاصة أولئك الذين تعرضوا للإيذاء أو الخيانة أو الخذلان في الماضي، يمكن أن تكون عملية بناء الثقة لديهم مع الآخرين عملية بطيئة وصعبة للغاية، وبالنسبة لآخرين؛ قد يبدو الأمر مستحيلاً.

تشمل العلامات المشتركة لدى الأشخاص الذين يعانون من قلة أو انعدام الثقة بالآخرين:

  1. قلة عدد الصداقات وتعدد العلاقات غير المستقرة.
  2. الشك أو القلق بشأن الأصدقاء والعائلة.
  3. الاعتقاد بأن الآخرين مخادعون أو خبيثون دون وجود دليل.

كذلك؛ قد تنشأ جذور عدم الثقة نتيجةً للقلق المفرط، أو خلال مرحلة الطفولة المبكرة، أو عند التعرّض لصدمات نفسية.

1. القلق

يؤدي القلق إلى صعوبة تحديد الأشخاص محل الثقة؛ في حين قد يؤدي القلق إلى انعدام الثقة المفرط في الآخرين، فقد يصعب على الأشخاص القلقون التعرف إلى الأشخاص غير الجديرين بالثقة أيضاً، وقد يستمروا في التعاون مع هؤلاء الأشخاص حتى عند إظهار سلوكيات تبرز أنهم غير جديرين بالثقة - وفقاً لدراسة من جامعة براون الأميركية.

2. التعرّض للخذلان في مرحلة الطفولة

تؤدي الثقة دوراً رئيسياً في نمو الأطفال وتطورهم في المراحل المختلفة. ترتبط المستويات الأعلى من الثقة في الأطفال ارتباًطاً وثيقاً بأنماط التعلُّق الآمن؛ الأطفال الصغار الذين يثقون في بيئتهم هم مَن يستجيب والدوهم أو مقدمو الرعاية لديهم لمتطلباتهم، فيستطيعون تشكيل ارتباط آمن بهم، وتطوير تلك الثقة في عمر مبكّر.

بينما تساهم بعض التجارب في أثناء الطفولة في ضعف أو انعدام ثقة الأطفال بالآخرين، وخلق حالة من عدم الأمان، ويستمر ذلك مع الفرد في مراحل عمره اللاحقة. يحدث ذلك -على سبيل المثال- عندما تكون ردود الأهل غير متسقة مع كلامهم، أو يفشلون في الوفاء بوعودهم.

كذلك؛ يمكن أن تؤدي نوبات الغضب لدى أحد الوالدين أو كليهما إلى تحطيم ثقة الطفل، بالإضافة لتعرّض الطفل للوم أو الغضب كرد فعل من الوالدين حين يشعر بالاستياء أو عندما يكون حزيناً.

تترك هذه الأحداث المؤلمة في الطفولة ندوباً غير مرئية، ولها تأثير عميق يستمر طوال الحياة. في محاولة لحماية النفس؛ يقوم بعض هؤلاء الأطفال ببناء نظام دفاع ضد الألم والارتباك وخيبة الأمل، بعدم الثقة بأي شخص مرة أخرى، بينما يصبح الآخرون يقظين جداً وقلقين في علاقاتهم.

اقرأ أيضا: سوء معاملة الأطفال يؤثر على صحتهم النفسية

3. الرفض الاجتماعي

قد يؤدي الرفض الاجتماعي لدى المراهقين إلى تقليص قدرتهم على الثقة. يتعرض بعض المراهقين للتنمر أو يعامَلون كمنبوذين من قبل أقرانهم. يمكن أن يؤثر ذلك على العلاقات اللاحقة، فالتعرض للخيانة أو التقليل من شأن الآخرين يؤثر على احترام الذات؛ وبالتالي يؤثّر سلباً على الثقة بالآخرين.

4. كرب ما بعد الصدمة (PTSD)

إن التعرُّض لصدمة شديدة أو خطر شديد، يمكن أن يؤدي بالناس إلى اختبار صعوبة كبيرة في بناء الثقة في علاقاتهم؛ قد يختبر الناس الصدمة ويعيدون تجربتها في أذهانهم. يمكن للأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، أن يبذلوا جهوداً كبيرةً لخلق شعور بالأمان، وقد يعزلون أنفسهم عن الآخرين، أو يصبحون معتمدين عليهم بشكل مفرط.

5. جنون العظمة والفصام

قد يعاني الأشخاص المصابون بالفصام وجنون العظمة؛ والذي يصاحبه اعتقاد لا أساس له ولكنه قوي، بأن الآخرين يحاولون إيذاءه بمشكلات، في تكوين علاقات قائمة على الثقة. قد يسبب الفصام أيضاً الأوهام والهلوسة؛ والتي عادة ما تكون أصواتاً متخيَّلة قد تكون انتقادية أو خبيثة، وتهدم الشعور بالثقة في العلاقات مع الآخرين.

اقرأ أيضاً: لماذا يجد بعض الناس صعوبة في الثقة بالآخرين؟

4 نصائح للتغلّب على صعوبة وعدم الثقة بالآخرين

للتغلّب على ذلك الشعور المُرهِق نفسياً من عدم الثقة بالآخرين أو الشعور بصعوبة في ذلك؛ هناك 4 طرق فعّالة:

1. الصدق والنزاهة: احرص على أن تكون أكثر صدقاً وشفافية في تعاملاتك الشخصية. يتطلب هذا معرفة نفسك أولاً، ومواجهة بعض الأمور التي ساعدت في خلق الشعور بعدم الثقة بالآخرين في الأساس. ستمكنك هذه المعرفة المتزايدة بالذات من تطوير ثقة أكبر في نفسك وبأفكارك ومشاعرك وقيمك تدريجياً، وتكوين علاقات أفضل مع الآخرين.

2. الاندفاع: حاول أن تكون أقل اندفاعاً في التواصل مع الآخرين، وكن منفتحاً لسماع تعليقاتهم. ابحث عن جوهر الحقيقة في أي ملاحظات أو انتقادات تتلقاها منهم، فقد تكتشف أنك مفرط في الحساسية تجاه النقد حول مواضيع معينة؛ لكنك منفتح على مناقشة مواضيع أخرى. حينها يمكنك تحديد أي الموضوعات محظورة، ويجب عدم طرحها، وأيها يجب أو يمكن التحدّث عنها.

3. التفهّم: إن تقبُّل وتقدير الاختلافات بينك وبين شريكك أو الطرف الآخر في العلاقة بدلاً من السماح لهذه الاختلافات بوضع حواجز بينكم يعزز الثقة.

إن العلاقات الصحيّة تنطوي على تقدير واحترام تفرّد الشخص الآخر؛ هذا يعني أن ترى الطرف الآخر كفرد منفصل بآرائه ووجهات نظره.

4. التواصل المباشر: كن أكثر وعياً بأي تناقضات بين أقوالك وأفعالك. يمكّن هذا النوع من الوعي الذاتي الشركاء من تطوير ثقة متزايدة بين بعضهم البعض. لتعزيز هذه الثقة المتبادلة؛ يحتاج الشركاء أيضاً إلى تعلّم كيفية توصيل رغباتهم بشكل مباشر.

اقرأ أيضاً: التواصل بشكل أفضل مع الآخرين

شعور يمكن تجاوزه

عدم الثقة هو رد فعل للشعور بالخيانة أو التخلي، وانتشار تلك المشاعر يمكن أن يؤثر سلباً على حياة الفرد، ويؤدي إلى المزيد من القلق أو الغضب أو الشك الذاتي.

في حين أن الوقوف على الأسباب الحقيقة التي ولّدت الشعور بعدم الثقة بالآخرين وعلاجها أمر مهم؛ إلا أن التحرُّك للأمام وتجاوز تلك المرحلة وعدم الاستسلام للأفكار السلبية ولعب دور الضحية هو أمر شديد الأهمية، ذلك لأن التعافي قد يحدث على مدى فترة زمنية طويلة يستطيع فيها الفرد إعادة التواصل مع الذات والمضيّ قدماً.

المحتوى محمي