ملخص: يمكن وصف ما يمر به الجسم بعد فترة من الضغط والإجهاد؛ كما في مشاريع العمل أو الدراسة، بانتقال سيارة من سرعة 120 كيلومتراً في الساعة إلى نقطة توقف تام. إنه ليس جيداً لسيارتك، وكذلك ليس جيداً لجسمك. فما الذي يسبب الإصابة بالمرض أو التعب بعد فترة العمل المتواصل وخلال وقت قصير من بدء العطلة؟ إليك التفاصيل.
من المفترض أن تكون العطلات ومواسم الأعياد وقتاً للفرح والاحتفال مع الأصدقاء، لكن بالنسبة لكثير من الأشخاص، يمكن أن تكون أيضاً وقتاً للمرض وتراجع الصحة. لماذا نمرض في الأعياد؟ هل بسبب برودة الطقس أم التجمعات المزدحمة؟ أم كثرة المأكولات والمشروبات؟ مع أن العوامل السابقة قد تؤدي دوراً، يوجد سبب آخر غالباً ما نتجاهله، هو تأثير "الخذلان".
ما تأثير الخذلان؟ وكيف يمكن أن يؤثر في جهاز المناعة لدينا، ومزاجنا، وصحتنا؟ وما الذي يمكنك فعله لمنع ذلك من إفساد عطلتك؟ نقدم لك في هذا المقال الإجابات الوافية.
تأثير الخذلان: عندما يفاجئك المرض بعد الإجهاد
بعد أشهر من العمل المتواصل لتنسيق حفل زفافها وترتيبه، أصيبت أختي في الأسبوع الأول من شهر العسل بإنفلونزا عكّرت عليها صفو فرحتها. في الواقع، أعتقد أننا جميعنا نعرف ذلك الشخص الذي يصاب بالمرض عندما يكون أخيراً في إجازة، وربما أنت واحد منهم، إنها ظاهرة نفسية وجسدية تُعرف بتأثير الخذلان (Let-Down Effect)، وصفها عالم النفس والأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا الأميركية (University of California)، مارك شون (Marc Schoen) في كتابه "عندما يكون الاسترخاء خطراً على صحتك" (When Relaxation Is Hazardous to Your Health).
أوضّح شون أنها حالة يصاب فيها الأشخاص بمرض ما أو نوبات من حالة مزمنة، مثل الإنفلونزا، وآلام أسفل الظهر والمعدة، والصداع، والتعب، ليس خلال فترة التوتر بل بعد أن تتبدد؛ أي عندما ينتقل الجسم إلى وضعية الاسترخاء والراحة بعد فترة من الضغوط وجدول العمل المزدحم؛ مثل مشاريع العمل المضغوطة بالوقت أو الامتحانات المدرسية أو الأزمات العائلية، أو حتى في عطلة نهاية الأسبوع، وربما بعد التحولات الكبيرة في الحياة مثل الانتقال إلى منزل جديد أو تغيير الوظيفة أو التقاعد، أو حفلات الزفاف.
اقرأ أيضاً: المرضى النفسيون أكثر عرضة إلى الإصابة بالأمراض الجسدية بمقدار الضعفين: دراسة حديثة تكشف الأسباب
كيف يحدث تأثير الخذلان؟
يحدث تأثير الخذلان بعد فترة من التوتر بتأثير عدد من المواد الكيميائية، بما في ذلك:
- هرمونات التوتر: ينظر الجسم إلى الضغط والإجهاد على أنهما خطران مهددان للصحة لذا يُفرز هرمونات الجلوكورتيكويدات (Glucocorticoids) مثل الكورتيزول، والكاتيكولامينات (مثل النورإبينفرين والأدرينالين) التي تؤدي مجموعة من المهام في الجسم لحمايته من الخطر، مثل تخفيف الإحساس بالألم، ما يعوقك عن الإحساس به مؤقتاً ريثما يزول تأثيرها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهرمونات التوتر أن تُعيد تنشيط الفيروسات الكامنة. بمعنى آخر؛ يصبح الفيروس المكبوت في جسمك قادراً على النشاط والانتشار إلى خلايا أخرى في الجسم، وإصابتك بالالتهابات؛ أي المرض. مثل:
- فيروس إبشتاين- بار الذي يمكن أن يسبب التعب والحمى والتهاب الحلق وتورّم الغدد.
- الهربس البسيط (الحلأ) تسبب العدوى به الحمى وآلام الجسم وتورم الغدد الليمفاوية، وتظهر الأعراض في هيئة قروحات البرد أو حول الفم في الحلأ الفموي، أو قروحات حول الأعضاء التناسلية أو الشرج في الحلأ التناسلي.
كلا الفيروسين لا تظهر أعراض الإصابة بهما إلا بعد بضعة أيام؛ أي بعد زوال التوتر، على سبيل المثال، خلال عطلة نهاية الأسبوع، أو في إجازة، أو بعد فترة الامتحانات.
- البروستاجلاندين: هي مجموعة من المواد الشبيهة بالهرمونات، يُفرزها الجسم استجابة للضغط النفسي، لكن ما يتبقى منها بعد زوال التوتر يؤدي إلى الالتهاب، وقد يسبب الصداع النصفي والتهاب المفاصل والألم العضلي الليفي وغيرها من الأمراض المزمنة.
- ضعف الجهاز المناعي: إضافة إلى ما سبق، يوضح عالم النفس مارك شون أنه بعد فترة من التوتر، تُقمع استجابة الجهاز المناعي. وهذا رد فعل على تخفيف التوتر وهو جزء من محاولة الجسم للعودة إلى حالة التوازن. ومع ذلك، فإن هذا القمع يمكن أن يجعل الجسم أكثر عرضة للإصابة بالمرض.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يكون الألم الجسديّ ردّ فعلٍ على المعاناة النفسية؟
ماذا تفعل لتتجنب "تأثير الخذلان"؟
لتجنب تأثير الخذلان فإن أنسب طريقة هي منع الضغط من السيطرة عليك في المقام الأول، والتخلص التدريجي من التوتر، ما يساعد على بقاء الجهاز المناعي بحالة استعداد وتأهب. يقول شون: "تماماً كما هي الحال مع فترة التهدئة بعد ممارسة التمارين الرياضية، فأنت تحتاج إلى تخفيف توتر جسمك". لذا ينصح بما يلي:
- النشاط البدني على فترات قصيرة مثل الجري القصير أو المشي السريع مدة 20 دقيقة، أو نزول السلم وصعوده.
- الأنشطة الذهنية: يمكن أن يؤدي الانخراط في الأنشطة العقلية، مثل حل الكلمات المتقاطعة أو إجراء عمليات حسابية سريعة، أو لعب ألعاب الكمبيوتر، أو لعب الشطرنج، إلى زيادة نشاط الجهاز المناعي.
- تمارين التنفس: يمكن أن تساعد تمارين التنفس الواعي، وخاصة إبطاء عملية التنفس والتنفس من خلال البطن، على منح العقل والجسم فترة راحة من يوم مرهق، وتخفيف الضغط بصورة منتظمة. وقد ثبت أن هذه الممارسة تقلل من معدل ضربات القلب وضغط الدم، وتبطئ موجات الدماغ.
يشير عالم النفس دون بوز (Dawn Buse) إلى أنه يمكن للشخص الذي يعاني مستويات عالية من التوتر في العمل أن يركز على أنفاسه لنحو 30 ثانية بين الاجتماعات والمواعيد لمحاولة تجنب تراكم التوتر الذي قد يحدث على مدار اليوم، وإلغاء التفعيل المتواصل لاستجابة الكر والفر.
بالإضافة إلى ما سبق، أفاد الطبيب النفسي المغربي محمد سعيد الكرعاني، إلى أن نمط العيش الذي يتضمن نوعية الغذاء والنوم والنشاط البدني، يتحكم بشدة الإصابة بالتوتر. ويوصي بما يلي:
- تناول نمط غذائي متوازن مثل نظام البحر المتوسط الغذائي، وتجنب الإفراط في الدهون والكربوهيدرات.
- الحصول على قسط كافٍ من النوم والابتعاد عن استخدام الهواتف المحمولة خلال فترة ما قبل النوم للحصول على نوم عميق، لأن السهر يسبب توتراً إضافياً للجسم المبرمج وفقاً لنظام (عمل - راحة).
اقرأ أيضاً: ما أعراض التوتر المزمن؟ وكيف يمكن علاجه؟