ما هي موهبة الاكتشاف بالصدفة وكيف تنميها لتثري حياتك؟

4 دقائق
الاكتشاف بالصدفة

هل الصدفة مجرد أمر يُحتمَل حدوثه؟ وباعتبار أنها قد تترك تأثيراً إيجابياً بشكل أو بآخر في حياتنا، فهل يمكننا انتهاز حدوث "صدفة سارّة" معنا؟ سنتحدث في هذا المقال عن مزايا الاكتشاف بالصدفة ونقدم لك توضيحاً ونصائح إذا أردت أن تنضم إلى أتباع هذه الفلسفة.

عندما كان يُسأل الجنرال "دوغلاس ماكارثر" عن مختلَف انتصاراته العسكرية كان يجيب دائماً: "الحظ هو القدرة على اغتنام الفرص الجيدة". بما أننا نستبعد احتمال أن يكون هذا الضابط الصارم من أتباع مذهب "زِن" أو روحانية الفلسفة الطاويّة التي يعود فيها الأمر للمرء في استحضار الفرص التي يوفرها لنا الكون، فإن موقفه يشير إلى قدرته على تمييز الفرصة السانحة و"انتهازها".

ما هو الاكتشاف بالصدفة أو الصدفة السارّة؟

يعد انتهاز الصدف السارّة مبدأَ الاكتشاف بالصدفة أو السرنديبية (serendipity). توضح المحاضِرة في علوم التواصل والمعلومات "سيلفي كاتيلا" في كتابها "قصة الاكتشاف بالصدفة ومبدؤه" (Sérendipité, du conte au concept) أن هذا المصطلح استخدمه أول مرة الكاتب الإنجليزي "هوراس والبول" عام 1754 في رسالة منه؛ إذ تقول: "استخدم "هوراس" هذا المصطلح ليدل على فن الاكتشاف الذي يستفيد منه شخصياً. يوضح وجهة نظره من خلال الحكاية الفارسية القديمة "أمراء سيرينديب الثلاثة" وهم ثلاثة أشقاء تمكنوا من وصف جَمل ولم يسبق لهم أن رَأوه في حياتهم من خلال مَلَكة الاستدلال عندهم. إذاً السرينديبية هي موهبة الاكتشاف بالصدفة لأشياء لم يكن المرء يبحث عنها بفضل حالته الذهنية الجيدة. "يكتنف التعريف الأساسي الذي ذكرناه بعض الغموض الذي لا يزال موجوداً إلى اليوم عندما نتحدث عن السرينديبية التي يعرّفها البعض بأنها " موهبة الاكتشاف" ويعرفها البعض الآخر بأنها "فرصة العثور بالصدفة على ما لا يبحث عنه المرء" أو"فن الاكتشاف دون التقصّي". قد يربك مبدأ الاكتشافات الموفقة معظم أتباع منهج التفكير الديكارتي (المستند إلى العقل) إلا أن هذا المفهوم لا يعد غريباً أبداً لأن العديد من الاكتشافات العلمية حدثت "صدفةً " مثل البنسلين وفرن "المايكرويف" وأشرطة الفيلكرو اللاصقة. لكن بماذا يفيدنا اتباع منهج الاكتشاف بالصدفة في حياتنا اليومية؟

منافع اتباع منهج الاكتشاف بالصدفة في حياتنا

يعود مبدأ الاكتشاف بالصدفة علينا بفوائد جمة سواءً في حياتنا العاطفية أو المهنية وينفعنا في التغلب على الصعوبات أو في خلق الفرص. يشرح ذلك المعالج النفسي ومؤلف كتاب "قوة الصدف" (The Power of Coincidences) "دافيد ريشو" بقوله: "برأيي تحمل كل علاقة عاطفية بين طياتها مبدأ الاكتشاف بالصدفة أو ما أسميه التزامن. لدينا ميل فطري لاختيار الأشخاص الذين يعلموننا ما نجهله عن الحياة والحب وعن أنفسنا، وحتى عندما لا تتكلل علاقاتنا معهم بنهاية سعيدة يكشفون لنا تفاصيل فينا لم نكن لنتصوّرها ولم نكن لنبحث عنها".

يرى المعالج النفسي أن القدرة على تقدير ما يحدث لنا بالصدفة ليست فقط قوةً دافعةً هائلةً في الحياة بل هي أيضاً منبع مرونة لا ينضب؛ إذ يقول: "لا تجمعنا الصدفة بأشخاص مميزين فحسب بل تتيح لنا كل يوم الخوض في تجارب يمكن أن تخلق لنا فرصةً جديدةً أو توقظ فينا شيئاً آخر: كقراءة كتاب يغير حياتنا أو ارتكاب خطأ يعود علينا بفائدة لم نكن لنتوقعها أو خسارة تفتح لنا إمكانيات جديدة. ولحسن حظنا تخبئ لنا الحياة نقاط انطلاق جديدة أو فرصاً محتملةً على طول دربها".

لكن انتبه أن تنمية موهبة الاكتشاف بالصدفة لا تعني العيش بتفاؤل هانئ؛ إذ يلفت "دافيد" نظرنا إلى أننا لن نستطيع استخلاص الناحية الإيجابية من فشلنا إلا إذا سعينا لذلك، فيقول: "لا ينبغي لنا أن نبالغ في فكرة التزامن مخاطرين بإسقاط معناها في مواضع تخلو مما يشبع كبرياءنا ويشعرنا بالتميز. لكن لتغتنم فوائدها يجب أن تتقبل تقلبات الصدف وتبذل قصارى جهدك لتحلل وتفهم الاحتمالات التي قد تتيحها لنا".

تنمية موهبة الاكتشاف بالصدفة في الحياة اليومية

يتميز الأشخاص المحظوظون بحالة ذهنية معينة وهذه الفكرة يدعمها الصحفي "إريك تيري" في كتابه "كتاب الحظ الصغير" (Le petit livre de la chance) الذي ورد فيه: "تؤكد دراسة أُجريت في جامعة "هارتفوردشير" (University of Hertfordshire) في بريطانيا العظمى بوضوح أن المرء قادر على تمييز سمات "الأناس المحظوظين" المعروفة؛ هم الأشخاص المنفتحون على انتهاز الفرص ولقاء الناس في حياتهم اليومية ويتبعون حدسهم ولا يترددون في اتخاذ خطوة، وتعزز لهم صفاتهم تلك قدرتهم على اغتنام الفرص. ولا نغفل أنهم متفائلون أيضاً وهذا يدفعهم إلى مواصلة ما بدؤوه إلى أن يحققوه حتى لو كانت فرص نجاحهم ضئيلة، كما أنهم مرنون ويتعلمون من أخطائهم. لذا نجد أنه لا بد من تحلّينا بحالة ذهنية إيجابية لننمي موهبة الاكتشاف بالصدفة؛ لكننا نعلم أن قدرة أنماط الشخصيات على بذل أقصى طاقاتها وأداء عدة مهام في آن واحد تتباين، لذا سنقتبس من توجيهات المعالج "فانسان كويف" مؤلف كتاب "سحر محاسن الصدف والاكتشافات" (The magic of happy encounters and discoveries) بعض النصائح البسيطة التي ستهيئنا لانتهاز الصدف السارّة.

5 عوامل لتنمية موهبة الاكتشاف بالصدفة

حدد هدفك: حتى تبرز موهبة الاكتشاف بالصدفة لديك يفضل أن تحدد هدفاً أو رغبةً معينةً كأن تحدد الطريق الذي تريد أن تسلكه في الحياة أو تتزوج أو تجد وظيفةً جديدةً وغير ذلك، وهذا سيجعلك تصادف الناس أو المعلومات المرتبطة بهدفك؛ لكن عليك ألا تنغلق فلا تتقبل أن يطرأ أي تغيير على ما تخطط له. هيئ نفسك للمفاجآت. مثلاً من الجيد أن تضع المحاور الرئيسية للمشروع الذي تخطط له لتنعم بالرضا عندما تحققه لكن دون أن تسمح لها بأن تصيبك بالإحباط عندما لا تسير حسب الخطة.

تقبّل فكرة الابتكار: العقلية المنفتحة هي إحدى الوسائل الرئيسية لتنمية موهبة الاكتشاف بالصدفة، وحتى نوسع أفقنا يجب أن نتجاوز عقلية التأقلم ومعتقداتنا التي تقيدنا قدر ما نستطيع. فمثلاُ عندما تواجهنا مشكلة ما علينا أن نتمهّل ونفكر بطريقة مختلفة وننظر إلى المشكلة من زاوية أخرى لنوسع مجال احتمالات حلها. أحياناً يساعدنا إضفاء الطابع النسبي على الموقف على حلّ عقدته، ولا تنسَ أننا لا نتحكم إلا في جزء ضئيل من الأحداث التي نتعرض لها.

اتبع حدسك: بسبب مَيلنا إلى صم آذاننا عن حدسنا والإصغاء إلى صوت المنطق لدينا نفوّت معلومات مهمة أو رسائل عميقة. إن إعادة إحياء تواصلنا بحدسنا يعني أن نشعر بالسحر الذي يحيط بنا ونلحظ التفاصيل الاستثنائية في المواقف المألوفة. إن ممارسة التأمل خير عون لنا لنعيد انسجامنا مع ذاتنا ونتبع حدسنا في الترحيب بالصدف الموفقة.

لا تضعف أمام الصعوبات: يقول الله تعالى "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم" سورة البقرة، الآية (216). تكمن منفعة هائلة في أن نؤمن بأن كل عقبة أو تجربة مريرة أو موقف مزعج نواجهه سيؤول إلى صالحنا رغم معاناتنا منه حينها. وحتى لو مررنا بمواقف تستفزنا نكفّ عن التذمر وننظر إلى الموقف من عدة جوانب بنظرة إيجابية، وفي حال فشلنا في تحقيق هدفنا ننهض ونبحث عن فرص أخرى.

ثق بالصدفة: إن جهْلنا متى ستحدث الصدفة لا ينفي وجودها، فبإطلاقنا العنان لأنفسنا وتقبلنا لما قد يحدث معنا نعيش حاضرنا مدركين تماماً لتصرفاتنا ونتوقع حدوث المفاجآت (السارّة) معنا. دعنا من مقاومة هذه الفكرة أو منع أنفسنا عنها ولنسعَ إلى تحسين حياتنا بتقبلها لنحصد في النهاية نتيجةً سارّةً وغير متوقعة. ولتتيقن من تأثير الاكتشاف بالصدفة دوّن كل المصادفات السعيدة التي ذللت لك طريق الحياة وتأملها.