أصبح مصطلح "الاكتئاب الباسم"؛ الذي يشير إلى حقيقة أن يبدو الشخص سعيداً بينما يعاني في داخله من أعراض الاكتئاب، منتشراً بصورة متزايدة؛ إذ كثرت المقالات التي تتحدث عنه، كما تزايدت عمليات البحث عن هذا الموضوع بواسطة محرك البحث جوجل منذ عام 2019 تزايداً كبيراً، والسؤال هنا هل "الاكتئاب الباسم" هو حقاً حالة طبية؟
على الرغم من عدم وجود تعبير "الاكتئاب الباسم" في قاموس المصطلحات الفنية التي يستخدمها علماء النفس، فإنه يتوافق بالتأكيد مع حالات موجودة في الواقع، فمن الممكن أن يصاب الفرد بالاكتئاب ويتمكن من إخفاء أعراضه، ولعل أقرب تسمية علمية لهذه الحالة هي "الاكتئاب غير النمطي".
في الواقع؛ هناك نسبة كبيرة من المصابين بهذا الاكتئاب -الذين فقدوا المتعة بممارسة الأنشطة المحببة لديهم- تمكنوا من إخفاء معاناتهم بالابتسام، وغالباً ما يكون هؤلاء الأشخاص أكثر عرضةً للانتحار.
قد يصعب جداً تحديد الأشخاص المصابين بالاكتئاب الباسم؛ إذ لا يبدو أن لديهم أي أسباب منطقية للحزن، فقد يكون لديهم وظيفة، وربما شريك حياة وأطفال، كما أنهم يبتسمون عندما تحييهم ويتحدثون بلطف، فهم يرتدون قناعاً في مواجهة العالم الخارجي يُظهر أنهم يعيشون حياةً طبيعيةً ونشطةً على الدوام؛ بينما يشعرون في داخلهم باليأس والاكتئاب، وتراودهم أفكار بإنهاء حياتهم في بعض الأحيان.
ومن المفارقات أن القوة التي يظهرونها للاستمرار في حياتهم اليومية يمكن أن تجعلهم عرضةً للانتحار بصورة خاصة، وتتناقض حالة "الاكتئاب الباسم" في هذه الناحية مع أنماط الاكتئاب الأخرى؛ التي قد يكون لدى المصابين بها ميول انتحارية أيضاً؛ لكنهم يفتقرون إلى الطاقة اللازمة للإقدام على الانتحار.
وعلى الرغم من "قناع السعادة" الذي يرتدونه في مواجهة العالم الخارجي، فإن الأشخاص الذين يعانون من "الاكتئاب الباسم" يتأثرون أحياناً تأثراً حقيقياً وفعلياً بالأمور الإيجابية التي تحدث لهم؛ إذ تؤدي إلى رفع معنوياتهم.
لذا، فإن تلقي رسالة نصية من شخص يعني لهم، أو مدحهم في العمل يمكن أن يساعدهم على الشعور بالتحسّن لفترة وجيزة، قبل أن يعودوا إلى اكتئابهم مرة أخرى.
تشمل الأعراض الأخرى للاكتئاب الباسم؛ الإفراط في تناول الطعام، والحساسية المفرطة للنقد أو الرفض، والشعور بالاكتئاب بشكل أكبر خلال المساء، إضافةً إلى الشعور بالحاجة إلى النوم لفترة أطول من المعتاد؛ أما في أنماط الاكتئاب الأخرى، فقد يكون مزاج المريض أسوأ في الصباح، وتبدو حاجته إلى النوم أقل من المعتاد.
ويبدو أن حالة الاكتئاب الباسم أكثر شيوعاً لدى الأشخاص الذين يعانون من المزاج المتقلب، وقد يرتبط ذلك بكونهم أكثر عرضةً لتوقع الفشل، ومواجهة صعوبات في التغلب على المواقف المحرجة أو المهينة، والميل إلى اجترار الأفكار حول المواقف السلبية التي تعرضوا لها، أو التركيز عليها بشدة.
اقرأ أيضا:
علاج الاكتئاب الباسم
من الصعب أن نحدد بالضبط ما الذي يسبب الإصابة بالاكتئاب الباسم، فقد يرجع ذلك إلى عدة عوامل؛ من ضمنها مشكلات العمل، وتفكك العلاقات، أو الشعور بأن الحياة ليس لها معنىً أو غرض.
يُعتبر الاكتئاب حالةً شائعةً جداً؛ إذ يُصاب به نحو واحد من كل عشرة أشخاص، ويعاني 15% إلى 40% منهم من أحد أنواع "الاكتئاب غير النمطي"؛ بما في ذلك "الاكتئاب الباسم" الذي غالباً ما يبدأ لدى الفرد في وقت مبكر من حياته، ويمكن أن يستمر لفترة طويلة.
من الضروري أن يحصل الشخص المصاب بالاكتئاب الباسم على المساعدة؛ ولكن لسوء الحظ، فعادةً ما يتجاهل الأشخاص المصابون به أهمية ذلك، غالباً بسبب عدم شعورهم بوجود مشكلة لديهم، وخاصةً عندما يكونون قادرين على مواصلة مهامهم اليومية والروتينية بصورة طبيعية.
بالإضافة إلى ذلك؛ قد يشعر هؤلاء الأشخاص أيضاً بالذنب، وبعدم وجود سبب منطقي لشعورهم بالحزن؛ ما يجعلهم يتجنبون الحديث عن مشكلاتهم، وينتهي بهم الأمر إلى الخجل من مشاعرهم.
اقرأ أيضا:
الخروج من الحلقة المفرغة للاكتئاب
أولاً يجب أن يدرك الشخص أن الاكتئاب هو حالة موجودة بالفعل، وهي حالة خطيرة، وعندما يتوقف عن محاولة تبرير ما يعاني منه ويعي مدى خطورته؛ سيتمكن من بدء العمل على تحسين حالته.
بالنسبة للبعض؛ قد يكون إدراك ذلك كافياً للمضي نحو التعافي من الاكتئاب، لأنه سيقودهم إلى طلب المساعدة الطبية التي ستخلصهم قيوده.
كما ثبت أيضاً أن ممارسة التأمل والنشاط البدني قد تحمل فوائد كبيرة للصحة النفسية؛ إذ خلصت دراسة أجرتها جامعة روتجرز في الولايات المتحدة الأميركية إلى أن الأشخاص الذين مارسوا التأمل والتمارين البدنية مرتين في الأسبوع، شهدوا انخفاضاً في مستويات الاكتئاب لديهم بنسبة 40% تقريباً بعد 8 أسابيع فقط.
إضافةً إلى ذلك؛ يُعتبر العلاج المعرفي السلوكي الذي يتضمن تعلّم تغيير أنماط التفكير والسلوك، أحد الخيارات التي قد تساعد في علاج الاكتئاب.
اقرأ أيضا:
وجود معنىً للحياة يعزز الصحة النفسية
أخيراً؛ يُعتبر إيجاد معنىً للحياة أمراً في غاية الأهمية. يقول طبيب الأعصاب النمساوي فيكتور فرانكل أن حجر الزاوية للصحة النفسية الجيدة هو وجود هدف في الحياة، ووفقاً له؛ يجب ألا يطلب الفرد حياةً خاليةً من التوتر والمسؤولية والتحدي؛ إنما يجب أن يسعى إلى تحقيق هدف ما.
يتيح لنا العثور على هدف تحويل انتباهنا عن أنفسنا وتوجيهه إلى شيء آخر. لذا؛ ابحث عن هدف جدير بالاهتمام وحاول العمل على تحقيقه بثبات؛ خطوةً بخطوة كل يوم، فلهذا السعي تأثير إيجابي في حياة الإنسان.
يمكن أن يكون هذا الهدف أيضاً هو الاهتمام بشخص آخر. عندما نتوقف عن التفكير في أنفسنا، ونفكر في احتياجات الآخرين ورغباتهم؛ نشعر أن حياتنا مهمة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التطوع في نشاط ما، أو الاعتناء بأحد أفراد العائلة، أو حتى الحيوانات.
إن الشعور بأن حياتنا مهمة هو ما يمنحها الهدف والمعنى؛ الأمر الذي يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في رفاهتنا وصحتنا النفسية.
اقرأ أيضا: