ملخص: بالنسبة إلى البعض، قد يكون الاعتراف بالخطأ أكثر إزعاجاً من ارتكاب الخطأ. إنهم يفضلون إنكاره، أو حتى لوم الآخرين عليه. فما السبب الذي يدفعه إلى هذا السلوك؟ وكيف يتخلص منه؟ الإجابة في مقالنا.
محتويات المقال
بالنسبة إلى البعض، قد تكون فكرة كونه مخطئاً مثل حبة دواء يستحيل ابتلاعها، حتى عندما تواجهه بالأدلة الدامغة؛ بل يفضل حفظ ماء وجهه بالإنكار وتحويل المسؤولية إلى الآخرين وإلقاء اللوم عليهم، بدلاً من الاعتراف بالخطأ.
هل تعرف أشخاصاً يلومون الآخرين دائماً على أخطاء اقترفوها؟ الأشخاص الذين لا يستطيعون أبداً الاعتراف بأخطائهم أمام غيرهم، أو الذين لا يمكنهم أبداً قول كلمة "آسف"، أو "لقد كان هذا خطئي". إن كنت تعرف أحدهم، فإليك الأسباب التي تدفعه إلى تجنب الاعتراف بخطئه، وكيف يتخلص من هذا السلوك.
لماذا لا يستطيع بعض الناس الاعتراف بأنهم مخطئون؟
وفقاً لبحث أجرته شركة التقييم النفسي للموظفين، سايك تيست (PsychTests)؛ يتجنب البعض الاعتراف بالخطأ ليس فقط لخوفه من العواقب؛ وإنما لأسباب مختلفة منها الشعور بما يلي:
- الرفض أو السخرية.
- الإهانة عندما يشير شخص ما إلى أخطائه.
- الإحباط بسبب انتقادات الآخرين.
- عدم الأمان؛ بسبب الخوف من فقدان احترام الآخرين إذا اعترفوا بأخطائهم.
- الخوف من كشف حقيقتهم "المعيبة" كما يعتقدون.
اقرأ أيضاً: لماذا لا تثق بنفسك؟ وكيف تتجاوز عقبة الشك الذاتي؟
بالإضافة إلى ما سبق، يمكن أن تضم أسباب تجنب الاعتراف بالخطأ:
التنافر المعرفي
تصف نظرية التنافر المعرفي الانزعاج أو حالة التوتر الذي يشعر به الفرد عندما يتعارض سلوكه مع معتقداته أو قيمه، فيمكن القول إنها تهديد للإحساس بالذات.
على سبيل المثال؛ قد يعتقد الفرد بأنه شخص لطيف ومحب لمساعدة الآخرين؛ لكنه خلال قيادته للسيارة قد يقطع الطريق على سائق آخر، فيشعر بالتنافر بين فعله غير اللطيف وما يريد أن تكون نظرة الناس إليه؛ لذا فإنه ينكر خطأه، وقد يصرّ أن السائق الآخر كان يجب أن يراه، أو أنه كان لديه حق المرور.
اقرأ أيضاً: ما هي حالة التنافر المعرفي؟
الغرور الهش: حماية الأنا
الأفراد الذين يتجنبون الاعتراف بأخطائهم باستمرار، غالباً ما يكون لديهم "غرور هش"؛ إذ يعاني المصابون بالغرور الهش حساسية لصورهم الذاتية، إلى درجة أن الاعتراف بأنهم كانوا مخطئين يبدو أمراً خطِراً؛ لأنه يسلّط الضوء على جوانب النقص لديهم. وبدلاً من مواجهة هذا الانزعاج، يلجؤون إلى تجنب الاعتراف بالخطأ كآلية دفاع لحماية "الأنا".
لدى مواجهة هؤلاء الأفراد بأدلة على أخطائهم، يلجؤون إلى تحريف الحقائق، حفاظاً على الوهم بأنهم لم يكونوا مخطئين أبداَ؛ لأنهم يعتقدون أنهم قادرون على حماية أنفسهم من العواقب التي قد تنشأ عن عيوبهم.
تدني احترام الذات: الخوف من ارتكاب الأخطاء
يميل بعض الناس إلى إنكار أخطائهم لأنها قد تهدد احترامهم لذواتهم. ولحماية أنفسهم، قد يقولون أشياء مثل "لم أكن أنا" أو "إنّ ما حدث ناتج عن الظروف المحيطة بي وليس خطئي". يحمي هذا الإنكار صورهم الذاتية من الفشل على حدّ اعتقادهم. لذا؛ وكرد فعل دفاعي، فإنهم يلقون اللوم على عوامل خارجية أو أشخاص آخرين، بدلاً من تحمل المسؤولية.
المرور بتجارب سيئة في الطفولة للاعتراف بالخطأ
وضّحت عالمة النفس الأميركية، مولي هاوز (Molly Howes)، في كتابها "اعتذار جيد" (A Good Apology)، إن بعض تجارب الطفولة السيئة مع الاعتذار، تجعل الاعتراف بالخطأ صعباً في مرحلة البلوغ؛ حيث يمكن استحضار هذه التجارب غير السارة في مرحلة البلوغ، فيتجنب البعض الاعتراف بالخطأ نتيجة التأثيرات التالية :
- الاعتذار من دون خطأ فعلي: في حال أجبر الوالدان الطفل على الاعتذار بصفة متكررة، حتى في المواقف التي شعر فيها أنه على حق، قد يجد صعوبة في الاعتراف بالخطأ عندما يكبر.
- الخوف من العقاب: إذا تعرّض الطفل إلى عقاب جسدي أو أي صورة أخرى من صور العقاب بعد اعترافه بخطئه طلباً للمغفرة، قد يتجنب الاعتراف بأخطائه في المستقبل.
- الخوف من الحكم: إذا تعرّض الطفل إلى اتقييم والأحكام المسبقة على شخصيته، بناء على إنجازاته وإخفاقاته، فإنه قد يخشى كشف عيوبه وأخطائه في مرحلة البلوغ، ويتستّر عليها.
- النمذجة: يعد الطفل انعكاساً لأبويه، فإذا لاحظ أن أحدهما أو كليهما نادراً ما يعترف بخطئه ويعبر عن ندمه، قد يجد صعوبة في كشف حقيقة أخطائه أيضاً عندما يبلغ.
اقرأ أيضاً: 5 علامات تدل على عدم التعافي من صدمات الطفولة
الخوف من العقاب والانتقام
يعتقد بعض الناس أن أي خطأ يعترفون به سيعود ليطاردهم بنتائجه. إنهم يخشون أن يؤدي الاعتراف بأخطائهم إلى عواقب سلبية؛ والسبب في ذلك هو أنهم لا يثقون بالآخرين بسهولة، ويخافون العقاب والانتقام.
اقرأ أيضاً: ما الذي قد يجعلك تخاف المواجهة؟ وكيف تصبح أكثر جرأة؟
كيف يمكن التخلص من سلوك تجنب الاعتراف بالأخطاء؟
عام 1980، أنشأ الفنان الأميركي، آلان بريدج (Allan Bridge)، "خط الاعتذار"؛ وهو خط ساخن يمكن لأي شخص الاتصال به دون الكشف عن هويته، والاعتذار عن سلوكه تجاه من حوله، وسرعان ما بلغت مدة المكالمات الهاتفية التي طلب فيها المتصلون المجهولون الصفح نحو 1000 ساعة. وقد أكد مشروع خط الاعتذار، أن الاعتراف بالخطأ والاعتذار يمكن أن يوفرا راحة نفسية كبيرة؛ لذا إذا كنت تريد أن تتخلص من سلوك تجنب الاعتراف بالخطأ، يمكنك اتباع ما يلي:
- تعرف إلى التنافر المعرفي: إذا كان شعورك بالارتباك أو الإحراج أو الشعور بالذنب بعد ارتكاب خطأ، يمنحك شعوراً بتهديد هويتك، فقد يكون من المفيد التوقف لاستكشاف الموقف من منظور محايد، والكشف بموضوعية عما إذا كنت مخطئاً بالفعل، وهل يؤثر فيما تؤمن به فعلاً وما تفعله.
- مارس الاستبطان: الاستبطان أسلوب نفسي يعتمد على التعمق في أفكار الفرد ومشاعره. ولتطبيقه، يمكنك البدء بسؤال نفسك عما كنت تحاول فعلهه، وما الخطأ الذي حدث، ومتى ولماذا حدث. استمر في التعمق بطرح الأسئلة حتى تتمكن من تحديد جذر المشكلة الأساسي؛ مثل:
- "لماذا أشعر بالخوف من الاعتراف بالخطأ؟".
- "هل أشعر بتدني الثقة في النفس؟".
- "هل أنا خائف من عواقب الاعتراف؟".
- "هل ستتغير نظرة الآخرين إليّ بعد الاعتراف بالخطأ؟".
اقرأ أيضاً: كيف يساعدنا الاعتراف بضعفنا على استعادة الثقة بأنفسنا؟
- طوّر شبكة الدعم الاجتماعي الخاصة بك: تساعد العلاقات الداعمة والمحبة؛ مثل الأصدقاء والعائلة، على التغلب على المخاوف من خلال منحك القبول والتواصل العاطفي العميق الذي تحتاج إليهما.
- تقبل النقد: عندما لا تكون على دراية بأخطائك أو تشعر برفض داخلي لها، حاول الاستماع إلى وجهات نظر الآخرين، وتقبل نقدهم. يساعدك هذا الأسلوب على التعامل بموضوعية، ومن منظور الشخص الآخر.
- جرب اللجوء إلى التعاطف الذاتي: وفقاً للطبيب النفسي، والأستاذ في جامعة الملك خالد السعودية، بندر آل جلالة؛ يعد التعاطف الذاتي (Self-compassion)، الذي يتضمن مسامحة نفسك بعد الاعتراف بالخطأ والتعلم منه، أول خطوة لفتح صفحة جديدة مع ذاتك.
- استشر المعالج النفسي عند الحاجة: بعض مستويات الاستبطان لا يمكن لأي فرد الوصول إليها، وتحتاج إلى طبيب أو معالج نفسي. لذا يمكن للمختص النفسي أن يساعدك على تحديد مخاوفك المتسببة في تجنبك الاعتذار، واختيار العلاج المناسب لسلوكك.