كيف تستثمر حاضرك ولا تنشغل بماضيك أو مستقبلك؟

6 دقائق
اللحظة الحاضرة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: كم مرة خرجت مع أصدقائك لقضاء بعض الوقت الممتع ولكنك كنت تفكر خلال ذلك الوقت في المهمات المطلوب تسليمها في العمل وتلك التي يجب تعديلها؟ كم مرة أفسدت متعة اللحظة الحاضرة بالتفكير في آلام الماضي؟ إذا كنت تفعل مثل هذه الأمور، تُمكنك قراءة المقال التالي حتى تعرف كيف تستثمر حاضرك ولا تنشغل بماضيك أو مستقبلك.

تخيل معي هذا السيناريو: أنت تجلس على أريكتك، تشاهد فيلم بطلك المفضل وأنت تتناول الفشار، وفي الوقت نفسه، تتصفح موقع إنستغرام وتفكر في مهمات العمل التي يجب القيام بها في اليوم التالي؛ تتذكر التعليق الذي قاله مديرك الأسبوع الماضي وتشعر ببعض الضيق، هل تدري ماذا سيحدث بعد ذلك؟ لاحقاً، حين تستلقي على السرير من أجل الخلود إلى النوم، سوف تدرك أنك لم تفهم الفيلم ولم تستمتع بالفشار، والأسوأ أنك لا تشعر بالاسترخاء أو تجدُّد النشاط لأنك كنت تنشغل بما حدث قبل ذلك وما سوف يحدث في المستقبل ونسيت التركيز على اللحظة الحاضرة. ولهذا؛ سوف نخبرك في هذا المقال كيف تستثمر حاضرك ولا تنشغل بماضيك أو مستقبلك.

ما هي اللحظة الحاضرة؟

أن نكون في اللحظة الحاضرة، فهذا معناه أننا ندرك ونعي ما يحدث في هذه اللحظة بالذات، دون أن نتشتت بتأملات الماضي أو المخاوف بشأن المستقبل؛ بل يتركز اهتمامنا كله على اللحظة الحالية فقط. ويؤكد المعالج النفسي ستيف توازون (Steph Tuazon) إن العيش في اللحظة الحالية يعني التباطؤ وتعلم كيفية الحضور الكامل في الوقت الحالي دون أن يتجول عقلك في الماضي أو يقفز إلى المستقبل؛ أنت فقط تركز على تصرفاتك الحالية، وأحاسيسك، وما يحيط بك.

لماذا قد نجد صعوبة في عيش اللحظة الحاضرة؟

تعتقد الطبيبة النفسية بيا كويمسون (Pia Quimson) إن مخاوفنا بشأن الماضي والمستقبل يمكن أن تعوق وجودنا في الوقت الحاضر، وعلى الرغم الفوائد التي تعود علينا من الاستثمار في الحاضر، فإن وجودنا في ذلك الحاضر ليس سهلاً؛ حيث يؤكد أستاذ الاقتصاد في جامعة ليستر (Leicester University)، إيال وينتر (Eyal Winter)، إن عيش اللحظة الحاضرة قد يكون صعباً للأسباب التالية: 

  • بقاء الإنسان يعتمد على التعلم والتخطيط: تمتلك الأنواع غير البشرية كافةً غرائزَ وردود أفعال تساعدها على البقاء؛ لكن بقاء الإنسان يعتمد كثيراً على التعلم والتخطيط حيث لا يمكنك التعلم دون العيش في الماضي، ولا يمكنك التخطيط دون التفكير في المستقبل. الندم على سبيل المثال هو آلية عقلية للتعلم من أخطاء الماضي وتجنب تكرارها، والمخاوف بشأن المستقبل هي التي تحفزنا على المضي قدماً، ودون تلك المخاوف، لن نتعلم أو نستثمر في مستقبلنا.
  • عقل الإنسان يدرك فكرة الوقت: السبب الآخر الذي يصعّب علينا أن نعيش في الحاضر هو أن عقولنا تنظر إلى الوقت على أنه عملية مستمرة وخطّيّة. وفي هذا السياق، يرى أستاذ طب الأسرة في جامعة كنتاكي (University of Kentucky)، راجيف كوراباتي (Rajeev Kurapati)، إن عقولنا تتنقل دائماً بين توقع المخاطر وزراعة الأمل، وهذه عملية طبيعية نستعد فيها للمستقبل بدروس الماضي.

ومع ذلك، في الكثير من الأحيان، قد تؤدي دورة التفكير المفرط في الماضي والمستقبل إلى الانفصال عن الحاضر. ومع مرور الوقت، قد يصبح هذا التفكير المفرط ساحقاً ويمنعنا من عيش اللحظة الحالية. ونظراً إلى أن عقولنا معتادة بالفعل على الاستفادة من الماضي والتخطيط للمستقبل؛ فإن تنمية عقلية تركز على الحاضر على نحو أكبر، تتطلب الكثير من الممارسة.

اقرأ أيضاً: لحظة بلحظة: ما العلاقة بين سعادتنا ووقتنا؟

ما أهمية الاستثمار في الوقت الحاضر؟

يقول عالم الفيزياء الألماني، ألبرت أينشتاين: "لا أفكر أبداً في المستقبل لأنه سيأتي قريباً في الأحوال كافةً"! وعلى الرغم من أن الاستثمار في الوقت الحاضر لا يُعد حلاً سحرياً لمواجهة مشكلاتك كلها، فإنه مهم للغاية للأسباب التالية:

  • تحسين المهارات الاجتماعية: حين تكون حاضراً في اللحظة الحالية، لن ينشغل عقلك بالتفكير في أخطاء الماضي أو سيناريوهات المستقبل؛ ستكون "هنا" فقط، وسيكون تركيزك موجهاً نحو الأشخاص الذين توجد معهم، ويمكن أن يساعدك هذا الحضور على الإنصات إليهم؛ ومن ثَمّ سيشعرون باهتمامك؛ الأمر الذي سوف يؤدي إلى تحسين علاقاتك ومهاراتك الاجتماعية.
  • تعزيز الإبداع: إذا كنت تمارس الكتابة أو الرسم، فأنت تعلم جيداً أن أفضل أعمالك الإبداعية يتدفق حين لا تفكر فيه كثيراً؛ أنت فقط تعيش اللحظة الحاضرة وتدخل في حالة أن الإبداع يتدفق إليك دون أي تدخل منك. والحقيقة أن الكتابة تشبه المحادثة، ففي أثناء الكتابة، يُفضَّل ألا تفكر في عقبات الماضي أو تحديات المستقبل؛ لأنك بهذه الطريقة تضع لنفسك عوائق ذهنية تمنعك من الإبداع.
  • تقدير العالم الذي تعيش فيه: قد يبدو هذا غريباً؛ ولكن حين تعيش في اللحظة الحاضرة، يصبح العالم العادي بديعاً؛ حيث يمكن للألوان أن تبدو أكثر إشراقاً، وللأشجار أن تنبض بالحيوية، وللأشياء التي تبدو في أغلب الأحيان شائعة وروتينية ومملة، أن تصبح رائعة. يبدو الأمر كما لو كنت تراقب عالمك بمزيد من الوضوح والفضول؛ مثل طفل يكتشف الأشياء ويشعر بالإثارة.
  • تخفيف حدة التوتر: حين تكون حاضراً في اللحظة الحالية، سوف تشعر بالتركيز والسكون في داخلك. ولهذا؛ حين تشعر بالتوتر خلال أحداث يومك العادي، يمكن أن يساعدك التركيز على التنفس العميق، لأنك من خلال الشهيق والزفير تتصل باللحظة الحالية بدلاً من سيناريوهات الماضي أو المستقبل التي تجعلك تشعر بالتوتر.
  • تقليل القلق والحد من التفكير الزائد: إذا كنت ممَّن يعانون الإفراط في التفكير الزائد على نحو مزمن، وكان عقلك يدور داخل حلقة مفرغة لا تنتهي ولا تصل إلى وجهة وحدة، فإن وجودك في اللحظة الحاضرة قد يحررك من هذا الأمر. أنا لا أقول إنك لن تنزلق مرة أخرى إلى الإفراط في التفكير؛ لكن وجودك في الحاضر لفترة من الوقت يمكن أن يساعدك ويسمح لك بالتوقف عن القلق.
  • الانفتاح على التجارب والأشخاص: إن وجودك في الحاضر يزيل التصنيفات الأولية التي تضعها على الأشخاص والأشياء، ويفسح لك المجال لرؤية الأشياء وتجربتها دون أفكارك المسبقة. إن هذا الانفتاح يزيل العديد من الحواجز الموجودة داخل عقلك، ويسهّل عليك الكثير من الأمور، وغالباً ما تحصل على أفضل النتائج.
  • الشعور بالمرح: في أثناء وجودك في الوقت الحاضر، قد تشعر ببعض المرح وذلك لأنك لست مثقلاً بالإفراط في التفكير. الأمور قد لا تصبح أسهل؛ لكنّ أشياء كثيرة تصبح أكثر متعة وذلك لأنك سوف تشعر بالخفة وتُنزل عن كاهلك عبء القلق بالتفكير في الماضي والمستقبل.

اقرأ أيضاً: 3 تمارين لمعرفة قيمة الحاضر وعيشه

7 خطوات تساعدك على عيش حاضرك دون التفكير في ماضيك أو مستقبلك

وفقاً لما ذكره استشاري الطب النفسي، محمد المقهوي؛ فإن الانشغال بالمستقبل وعدم التركيز على اللحظة الحاضرة يُعد من مصادر القلق والتوتر لأننا نعتقد بأن ما هو قادم أفضل مما نعيشه الآن. وحتى نعيش الحاضر دون التفكير في الماضي أو المستقبل، يمكننا اتباع الخطوات التالية:

  • لاحظ محيطك: إحدى أهم الطرائق لتكون في اللحظة الحالية، هي ملاحظة ما يحيط بك: كم مرة قضيت وقتاً من يومك لتنظر حولك وترى ما يحدث؟ متى كانت آخر مرة جلست فيها وأغمضت عينيك وأخذت نفساً عميقاً ونظرت إلى كل شيء من حولك؟ اغتنم هذه الفرصة الآن: أغمِض عينيك لبضع دقائق ثم افتحهما بعد أن تأخذ نفساً عميقاً واستوعب مكانك حقاً بالطرائق التالية:
  1.  كيف تبدو الجدران؟
  2. كم عدد النوافذ الموجودة على يسارك ويمينك؟
  3. ما الألوان المحيطة بك؟
  4. كم عدد الأضواء التي يمكنك عدها من هنا؟

عندما تتوقف للنظر إلى محيطك وتستوعب كل شيء من حولك، فمن الأسهل أن تكون أكثر حضوراً في هذه اللحظة.

  • ركز على شيء واحد في وقت واحد: عندما تتعلم كيف تعيش اللحظة، فمن المفيد أن تركز انتباهك على شيء واحد في كل مرة. وعلى الرغم من أن القيام بمهمات متعددة والعمل على أكثر من شيء واحد في الوقت نفسه أكثر إنتاجية، فإن التوفيق المستمر بين المهمات المتعددة يصعّب العيش في الحاضر. ولهذا؛ إذا كنت تعمل على شيء ما، أعطِهِ انتباهك كله، وعندما تجد نفسك تفكر في أشياء أخرى أو تتفحص هاتفك لأنك لا تشعر بالرغبة في القيام بالمهمة التي بين يديك، توقف وأعد تركيزك مرة أخرى إلى ما هو أمامك.
  • كُن ممتناً لما لديك الآن: جزء من العيش في اللحظة الحالية هو قضاء الوقت في الشعور بالامتنان لما لديك الآن. ولهذا؛ حاول أن تكتب على الأقل 3 أشياء تشعر بالامتنان لها في حياتك، وراجِع تلك القائمة يومياً.
  • تنفَّس بعمق: عندما تبذل قصارى جهدك للتركيز ولكن هذا لا يحدث، يمكن أن تساعدك تمرينات التنفس على إعادتك إلى محيطك في الوقت الحالي. ولهذا؛ خذ نفساً عميقاً وركز على تنفسك، وليس على كل ما يشتت انتباهك. يمكن لبعض التطبيقات أن تساعدك على حساب أنفاسك العميقة حتى تشعر بالهدوء والتركيز.
  • جرب ممارسة تمارين اليقظة الذهنية: إن معرفة كيفية البقاء حاضراً ليست بالأمر السهل؛ لكن ممارسة تمرينات اليقظة الذهنية مثل اليوغا والتأمل، يمكن أن تساعدك على أن تكون أكثر انفتاحاً وقبولاً للأحداث الحالية، ناهيك بأنها تشجع المشاعر الإيجابية بدلاً من المشاعر السلبية.
  • حدد الوقت الذي تقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي: يمكن أن تكون منصات وسائل التواصل الاجتماعي رائعة للتواصل والبقاء على اطلاع دائم بالأخبار؛ ولكنها قد تكون أيضاً مشتتة للانتباه؛ حيث إن التحديق الدائم في حياة المشاهير عبر إنستغرام أو مشاهدة صورك في أثناء الإجازة الرائعة التي قضيتها قبل 5 سنوات قد يؤدي إلى أفكار حزينة.
  • تقبَّل فكرة أنك لا تملك الإجابات كلها: تتجول عقولنا بين الماضي والمستقبل إما لأن لدينا أسئلة تجعلنا نعيش في حالة من عدم اليقين وإما لأننا لا نستطيع التنبؤ بالمستقبل. إن الشعور بالاستياء من عدم قدرتنا على حل مشكلاتنا، أو معرفة الحقيقة، أو رؤية المستقبل، يمكن أن يستنزفنا؛ ولكن إليك الأخبار الجيدة: قد تشعر بمزيد من الحرية عندما تدرك أنه في بعض الأحيان، تكون الأمور خارجة عن سيطرتك.

في النهاية، مهما كان ما تفعله الآن، حاول التركيز عليه على نحو كامل، انتبه إلى جسدك وأحاسيسك وأفكارك. في البداية سيكون الأمر صعباً ومرهقاً لكن لا تقلق بشأن ذلك؛ بل اسمح لنفسك بالراحة إذا شعرت بالتعب وعاود الكرة في وقت لاحق، فليس المقصود من عيش الحاضر أن تكون مرهَقاً أو متعَباً؛ بل أن تتلاشى مخاوفك من المستقبل وتستمتع بالوقت الحالي.