لماذا يكون الأفضل أحياناً ألا ننتظر اعتذارات من آذونا؟ وكيف نتأقلم مع ذلك؟

4 دقيقة
اعتذار من آذونا
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يتعرض بعض الأشخاص إلى الأذى والإساءة من الأشخاص المقربين أو من معارفهم، وقد ينتظرون اعتذاراً عن ذلك الأذى ويظنون أنه مهم للغاية من أجل تعافيهم؛ لكن هل تفيد اعتذارات من آذونا في تعافينا؟ الإجابة يتناولها هذا المقال.

هل تعرضت إلى الأذى النفسي من قبل؟ كيف شعرت حينها؟ الحقيقة أنك حين تتعرض إلى الظلم أو الأذى تنتظر اعتذراً من الطرف الآخر الذي سبب لك الشعور بالأذى، وأحياناً تطول مدة الانتظار فتصل إلى أسابيع أو شهور أو حتى سنوات طويلة. أو يحدث ما هو أسوأ من ذلك؛ لا يعتذر الآخر أبداً، وفي هذه الحالة قد تحس بالحزن الشديد أو الصدمة أو الألم وأحياناً ينتابك الشعور بالغضب لأنك بالفعل تستحق الاعتذار؛ لكن السؤال المهم: هل تفيدنا اعتذارات من آذونا في تعافينا؟ وهل الأمر يستحق الانتظار؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

هل علينا انتظار الاعتذارات من الأشخاص الذين آذونا؟

يؤكد المختص النفسي جيف ليفي (Jeff Levy) إننا عندما نتعرض إلى الأذى ونتوق إلى الاعتذار، من الممكن أن ننفق قدراً كبيراً من طاقاتنا في الانتظار والأمل، وفي أثناء هذا الانتظار يصبح الألم النفسي جزءاً من هوياتنا الشخصية، وقد نشعر أننا لن نتجاوز ما حدث حتى يعتذر الأشخاص الذين ألحقوا بنا الأذى، ويصبح الأمر أكثر تعقيداً إذا كان الشخص الذي ننتظر اعتذاره يعيش على بعد أميال أو لم يعد على قيد الحياة، ووقتها قد نحس أن فرصة الاعتراف بألمنا قد ضاعت، وإذا ضاعت الفرصة، فقد نتساءل عما إذا كان الألم النفسي سيرافقنا فيما تبقى من حيواتنا.

وثمة مشكلة أخرى تخص انتظار الاعتذار؛ ففي بعض الأحيان، قد نرغب في الحصول على اعتذار لكننا لا نود التواصل مع الأشخاص الذين سببوا لنا الأذى؛ لأن عملية التواصل ستكون مؤلمة للغاية، وقد تذكرنا بالإساءات التي تعرضنا إليها، وقتها سنشعر بأننا محاصرون في دائرة مغلقة بين انتظار الاعتذار وعدم الرغبة نهائياً في التواصل مع الشخص الذي سبب لنا الألم.

ويحكي ليفي عن شخص زاره في العيادة كان قد تعرض إلى أذى شديد من والدته في أثناء نشأته، وحتى نجا من تلك التجربة الأليمة، قرر الرحيل عن بيت أمه وأبيه لأنه رأى أن صمت والده يؤكد شراكته في الإساءة التي تعرض إليها، وعندما توفي والده، تواصلت معه والدته، وهنا طلب منها الاعتذار عن الإساءة التي تعرض إليها؛ لكنها قللت من شعوره بسوء المعاملة التي تعرض إليها.

ولأن هذا الشخص كان مصمماً على الاعتذار؛ طلب من والدته أن تذهب معه إلى إحدى جلساته النفسية، وهناك استمعت إلى ابنها جيداً، واعتذرت بالفعل؛ لكنه لم يكتفِ بالاعتذار، فقد كان يريد من والدته أن تشعر بحجم الألم الذي سببته، وهنا يشرح ليفي إن انتظار الاعتذار أحياناً لا يعد فكرة جيدة أبداً في طريق التعافي؛ لأنك إذا انتظرته ولم يحدث، ستشعر بخيبة أمل، وحتى إذا حدث ستدرك في النهاية أنك علقت تعافيك على شرط صعب، خاصة إذا لم يكن الاعتذار صادقاً، أو إذا شعرت أن الشخص المسيء لا يدرك حجم الألم الذي سببه لك.

اقرأ أيضاً: هل يجب أن تسامح من آذاك؟

لماذا قد لا يعتذر بعض الأشخاص عما سببوه من أذى؟

تشرح المعالجة النفسية هارييت ليرنر (Harriet Lerner) في كتابها "لماذا لا تعتذر: معالجة أثر الخيانات الكبرى ومداواة الجراح اليومية" (Why Won’t You Apologize? Healing Big Betrayals and Everyday Hurts)، إننا قد نتوقع اعتذراً عندما نتعرض إلى الأذى أو الخيانة ولكننا قد لا نحصل عليه أحياناً.

ووفقاً لما ذكرته ليرنر؛ كلما كانت الإساءة أسوأ، زادت صعوبة الحصول على اعتذار من الشخص الذي ألحق بك الأذى؛ إما بسبب إنكاره لما حدث وإما لأنه لا يود أن يواجه نفسه بحجم الضرر الذي ألحقه بك.

على الجانب الآخر، هناك أسباب أخرى قد تجعلك غير قادر على الحصول على الاعتذار الذي تستحقه، فربما لا يكون الشخص الآخر على علم بالألم الذي تشعر به، أو يرى الموقف بطريقة مختلفة تماماً عن الطريقة التي تراها أنت. وقد لا يعتذر الأشخاص الذين آذونا لأنهم لا يفهمون أهمية الاعتذار؛ إذ لم يعتذر لهم أحد من قبل، أو لأنهم يشعر بعدم الارتياح عند التعامل مع إحساس الذنب المحيط بسلوكياتهم.

وفي حال عدم اعتذار الطرف المؤذي، قد يشعر الشخص الذي تعرض إلى الأذى بالإحباط؛ لكن الحقيقة أنه يجب عليه السعي نحو التحرر من سطوة من آذاه، وألا يعلق رحلة تعافيه على بضع كلمات قد تخرج بطريقة فارغة وخالية من المعنى.

اقرأ أيضاً: ما الذي يجعل كلمة "آسف" أغلى من الأموال والهدايا؟ وكيف تزيد مصداقيتها؟

ماذا تفعل إن لم يعتذر لك من آذاك؟

يؤكد مختص الصحة النفسية، عماد رشاد عثمان، إننا قد نتمسك بالألم لأنه الدليل الوحيد على تعرضنا إلى الإساءة والأذى، فإذا تركنا هذا الألم يمضي، سوف ينجو الآخرين بفعلتهم، ولن نجد أي دليل على الأذى الذي تعرضنا إليه.

وفي هذا السياق، ترى المعالجة النفسية نيدرا جلوفر تواب (Nedra Glover Tawwab) إن هناك حقيقة صعبة علينا تقبلها، وهي أن بعض الأشخاص لن يعتذروا حتى لو كنا نستحق الاعتذار. وتضيف تواب إن هناك بعض الأمور ستظل خارجة عن إرادتنا وسيطرتنا؛ فنحن لا يمكن أن نجعل شخص آخر يعتذر دون أن يرغب في ذلك، وفي هذه الحالة علينا المضي قدماً في حيواتنا عبر اتباع النصائح التالية:

  1. اجعل تعافيك أولوية: يتطلب الأمر قدراً كبيراً من الطاقة العاطفية والجسدية لحماية نفسك من شخص ألحق بك الأذى، فقد تحتاج إلى إنشاء حدود ثابتة، والحفاظ عليها في علاقتك به، وتعزيز نظام الدعم الخاص بك، والبحث عن علاج نفسي، ومحاولة النهوض مجدداً؛ لكن النتيجة تستحق الجهد؛ لذا اجعل تعافيك من هذه التجربة المؤلمة أولوية حتى تنجح في استعادة سلامك النفسي.
  2. تقبل الأشياء التي لا تستطيع تغييرها: عندما نتعرض إلى الأذى من شخص آخر، فإن أنفسنا تحتاج إلى اعتذار حتى يهدأ الألم الذي بدخلها؛ لكن أحياناً قد لا نتمكن من الحصول على ذلك الاعتذار الذي نعتقد أننا بحاجة إليه، وفي هذه الحالة علينا تعلم الاسترخاء بمفردنا، دون مساعدة الآخر، وتقبل فكرة أن هناك بعض الأشياء لن نستطيع تغييرها.
  3. لا تجعل تعافيك معلق على الآخرين: لا تمنح الأشخاص المسيئين صلاحية أن يسيطروا عليك ولا تجعلهم أصحاب القرار؛ لأن عملية انتظار الاعتذار تعني أنك تعتمد عليهم لتتعافى، وهذا يمنحهم المزيد من القوة، وبناءً على ذلك، ذكّر نفسك أنك ستتمكن من التعافي دون الحاجة إلى تلقي الاعتذار. وكما ذكرنا من قبل، لا يمكنك التحكم في ظروف الحياة؛ لكن يمكنك التحكم في رد فعلك تجاه ما يحدث لك؛ ولهذا احرص على بذل الجهد في رحلة التعافي وابتعد عن الذين ألحقوا بك الأذى.
  4. تخلّ عن غضبك: حتى تتمكن من تجاوز ما حدث معك من أذى يجب أن تتخلى عن شعورك بالغضب والمرارة؛ لأن التمسك بهما سيؤذيك على المدى البعيد، وحاول إيجاد طرائق لتفريغ هذه المشاعر السلبية. على سبيل المثال؛ تُمكنك كتابة اليوميات أو ممارسة اليقظة الذهنية أو التحدث إلى صديق موثوق، وتذكر أن عملية التعافي قد تستغرق بعض الوقت؛ لهذا كن صبوراً مع نفسك.