هل كنت طفلاً وحيداً؟ أو تعرف طفلاً وحيداً في سياقك الاجتماعي؟ ماهو رأيك فيما يميز سلوك هذا الطفل؟ الحقيقة أنه ومع استمرار تقلص حجم العائلات حول العالم، يزداد عدد الأطفال الذين ينشؤون دون أشقاء، وهذا الأمر دفع بعض الباحثين إلى دراسة هذه الظاهرة ومعرفة أثرها في دماغ الطفل الوحيد وسلوكه. حيث كشفت دراسة بحثية حديثة أجرتها جامعة تيانجين الطبية في الصين (Tianjin Medical University) ونشرتها مجلة نيتشر (Nature) في 31 مارس/آذار 2025 أن نشأة الطفل الوحيد تؤثر في وظائف دماغه وسمات سلوكه في أثناء مرحلة البلوغ، فما طبيعة هذا الأثر؟ الإجابة عبر المقال.
محتويات المقال
ما الجديد الذي توصل إليه الباحثون المشاركون في الدراسة؟
شارك في الدراسة البحثية السابق ذكرها، 32 مركزاً بحثياً من أنحاء الصين كافة، وشملت ما يقرب من 2,400 شخص قُسّموا إلى مجموعتين: الذين نشؤوا وحيدين دون أشقاء، والذين لديهم إخوة. ومن أجل ضمان مقارنة عادلة، قارنت الدراسة بين المجموعتين وراعت بعناية الخلفيات المتشابهة، مثل العمر والتعليم والوضع الاجتماعي والاقتصادي.
ركزت الدراسة على تحليل بنية الدماغ ونشاطه، والصحة النفسية والأداء الإدراكي وسمات الشخصية لدى المجموعتين، وأظهرت فحوصات الدماغ أن الأشخاص الذين نشؤوا وحيدين لديهم روابط دماغية أقوى في المناطق المستخدمة للغة، بينما ظهرت روابط أضعف في المناطق المسؤولة عن التحكم بالحركة. كما أن حجم أدمغتهم أصغر ولكن لديهم مخيخ أكبر، وهو ما يساعدهم على التوازن والتنسيق. بالإضافة إلى ذلك، انخفض لديهم النشاط التلقائي في الجزأين الأمامي والجانبي من الدماغ.
وعلى عكس الصورة النمطية القائلة إن الأطفال الوحيدين أكثر عرضة للمشاكل السلوكية، كشفت الدراسة عن نتائج أكثر إيجابية؛ فقد حقق البالغون الذين ليس لديهم أشقاء نتائج أفضل في تقييمات الصحة النفسية، وأظهروا قدرات إدراكية أقوى وحققوا أفضل النتائج في المهام التي تقيس التفكير والذاكرة؛ وهذا يشير إلى أن نشأة الطفل الوحيد لا تؤدي إلى مشاكل، بل بالعكس يمكن أن توفر الكثير من المزايا.
وأكدت نتائج الدراسة أن العديد من الاختلافات الدماغية والسلوكية الملحوظة كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالبيئة التي نشأ فيها الطفل في حياته المبكرة، وكان لعوامل مثل دخل الأسرة وجودة رعاية الأم والدعم العاطفي دور رئيس، وخلص الباحثون إلى أنه، في حين أن النشأة من دون أشقاء يمكن أن تؤثر في النمو مباشرة، فالظروف البيئية لها أثر أقوى.
اقرأ أيضاً: الطفل الذي عانى الصدمات قد يكون أكثر إبداعاً!
ما هي متلازمة الطفل الوحيد (Only Child Syndrome)؟
علماء النفس في القرن التاسع عشر هم أول من طرح مصطلح "متلازمة الطفل الوحيد"، وعلى الرغم من أن مفهوم "متلازمة الطفل الوحيد" قد يوحي بأنه مفهوم طبي فإنه ليس كذلك. يرتكز مفهوم هذه المتلازمة على فكرة أن الأطفال الوحيدين مدللون لأنهم اعتادوا الحصول على كل ما يريدونه من والديهم، بما في ذلك الاهتمام الكامل، وأنهم سيصبحون أفراداً أنانيين لا يفكرون إلا في أنفسهم واحتياجاتهم. تشمل أهم خصائص الأطفال الوحيدين وفقاً لهذه المتلازمة:
- الشعور بالوحدة: يشعر الأطفال الوحيدون بالعزلة والوحدة بسبب عدم وجود أشقاء في البيت.
- التدليل: قد يميل الآباء وأفراد الأسرة الممتدة إلى الإفراط في تدليل الطفل الوحيد.
- الشعور القوي بالاستقلالية: في العائلات التي لديها عدة أطفال، تُعتبر الحياة في معظمها نشاطاً جماعياً؛ في بعض الأوقات قد يسود شعور بالرفقة بين الأشقاء، يلعبون معاً أو حتى يتشاجرون، أما الأطفال الوحيدون فيضطرون في معظم الحالات إلى خوض غمار الحياة بمفردهم، ما قد يعزز شعورهم بالاستقلالية.
- ضعف المهارات الاجتماعية: قد تتاح للأطفال الوحيدين فرص أقل للانخراط في تفاعلات اجتماعية يومية غير رسمية، بسبب غياب الأشقاء والتفاعل اليومي معهم.
- السعي الحثيث إلى الإنجاز: قد يشعر الطفل الوحيد بضغط نفسي شديد لتحقيق مستويات إنجاز عالية في الدراسة من أجل العمل في مهنة مستقبلية مناسبة، لأن آمال والديه معلقة عليه.
- الحساسية العالية للنقد: لا يتفاعل الأطفال الوحيدون مع الأطفال الآخرين باستمرار، وبالتالي لا يتعلمون كيفية التعامل مع ردود الفعل السلبية، مثل الشتائم أو المضايقات في مرحلة الطفولة، ولهذا يصبحون شديدي الحساسية تجاه النقد.
ويمكن القول إن هناك الكثير من الأبحاث الحالية تدحض بعض جوانب هذه المتلازمة على الرغم من أنها اكتسبت زخماً واسعاً خلال القرن التاسع عشر، إذ أكد طبيب الأعصاب الذي وضع أسس التحليل النفسي، سيغموند فرويد (Sigmund Freud) أن الأطفال الوحيدين معرضون لمشاكل الهوية الجنسية. ومن ناحية أخرى، صرّح عالم النفس الأميركي الرائد غرانفيل ستانلي هول (Granville Stanley Hall) بأن وحدة الطفل هي "مرض في حد ذاته"، ولكن هذه الأفكار تغيّرت الآن بدرجة كبيرة.
اقرأ أيضاً: متلازمة الطفل الأوسط: حقيقة أم وهم؟
كيف تُربي طفلك الوحيد تربية سليمة؟
قد يحتاج طفلك الوحيد إلى فرص أكثر لممارسة المهارات الاجتماعية مقارنةً بالطفل الذي ينشأ في أسرة مع الأشقاء، وإليك بعض الطرق لتشجيع طفلك ودعمه:
1. شجعه على التواصل مع الآخرين
يُكوّن بعض الأطفال الوحيدين صداقات خيالية أو روابط مع أشياء جامدة مثل الدمى، رغبة في التخلص من الوحدة. وفي الكثير من الأوقات، لا يهمّ مقدار الاهتمام الذي تُغدقه على الطفل الوحيد لأنه يحتاج فقط إلى شخص في مثل سنه ليتواصل معه، لهذا يجب تنظيم أنشطة اجتماعية متكررة للأطفال الوحيدين. على سبيل المثال، حدد مواعيد ثابتة من أجل اللعب في البيت، ومواعيد أخرى من أجل اللعب خارجاً مع الأصدقاء.
وفي هذا السياق، تؤكد المختصة النفسية واستشارية التربية، هاجر عبد العال، أن المشكلة الرئيسة للطفل الوحيد تكمن في وقت الفراغ الكبير بسبب غياب الأشقاء، وتقترح دمج الطفل في الأنشطة الجماعية لكي يقضي الوقت مع الأطفال الآخرين.
2. شارك معه بعض المسؤولية
تربية طفل وحيد يمكن أن تعزز علاقة وثيقة بين الوالدين والطفل، وعلى الرغم من ذلك يصبح بعض الأطفال الوحيدين معتمدين بدرجة مفرطة على والديهم في الدعم المعنوي والمساعدة في الواجبات المنزلية والترفيه، وقد يعزز الآباء هذا الاعتماد دون قصد. لهذا ساعد طفلك على أن يصبح أكثر استقلالية عبر تكليفه ببعض المسؤوليات مثل الأعمال المنزلية.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للوالدين التعامل مع الطفل ذي الاحتياجات العالية؟
3. ضع له حدوداً واضحة
غالباً ما يشعر الأطفال الوحيدون الذين يقضون وقتاً طويلاً مع البالغين بأنهم مثلهم، ما قد يدفعهم للاعتقاد أن لديهم المستوى نفسه من السلطة. وبينما يمنح العديد من الآباء أطفالهم الوحيدين فرصة للتعبير عن آراءهم في بعض شؤون الأسرة، فهناك العديد من القرارات التي يجب أن يتخذها الوالدان بمفردهما، ومن ثم عليك أن تضع حدوداً واضحة لطفلك وشرح له أن هناك قرارات تخص الكبار وحدهم.
4. تجنب كثرة تدليله
في تربية الطفل الوحيد، قد يكون من السهل التعود على تلبية احتياجاته كلها، وذلك على عكس البيت الذي يضم عدة أشقاء، إذ يوزع الوالدان عليهم اهتمامهما ويلبون احتياجاتهم بالتساوي. لهذا، احرص على وضع الحدود لطفلك الوحيد وتأخير إشباع رغباته، والالتزام بقواعد المنزل وغرس الانضباط من خلال التوجيهات.