متلازمة الطفل الأوسط: حقيقة أم وهم؟

متلازمة الطفل الأوسط
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: إذا كان لديك شقيق يتوسط ترتيب أفراد العائلة، فقد تتساءل عما إذا كان مصاباً بمتلازمة الطفل الأوسط، ومدى تأثير هذه المتلازمة في علاقتك به.

في كل مرة تخطئ فيها أختي الوسطى وتتعرض للتوبيخ من أمي، تبدأ موشحاً من المقارنات مع بقية إخوتها، وصعوبة التحديات التي تواجهها بصفتها الطفلة الوسطى في العائلة التي تتعرض للتهميش على حد قولها. في الواقع، أورثت مختلف الثقافات الشعبية مفهوم الأخ الأوسط المنسي، أو الأقل خصوصية من الطفل الأول والأخير.

وفقاً لاختصاصية الزواج والأسرة، جين هامرسلاو (Jane Hammerslough)؛ يُحدِث ترتيب الميلاد فرقاً، فأولئك الذين يقعون في الوسط معرضون للإصابة بحالة تُعرف باسم “متلازمة الطفل الأوسط”. لكن هل هذه ظاهرة حقيقية؟ وما الآثار المترتبة عليها؟

ما متلازمة الطفل الأوسط؟

“متلازمة الطفل الأوسط” مصطلح أحدثه الطبيب النفسي النمساوي ألفريد أدلر (Alfred Adler) عام 1964 في كتابه “مشكلات العصاب” (Problems of neurosis). وقد اقترح فيه أن ترتيب ميلاد أطفال الأسرة يؤدي دوراً في تحديد السمات الشخصية الخاصة بكل طفل، على الرغم من تربيتهم معاً بطريقة واحدة.

ووفقاً لنظرية ترتيب الولادة لأدلر؛ يتمتع الأطفال بسمات محددة وفقاً لترتيب ولادتهم:

  • الطفل الأكبر: هو صاحب القوة والمسؤولية بسبب التوقعات العالية التي غالباً ما يضعها الوالدان.
  • الطفل الأصغر: يُعامل مثل طفل مدلل ولا يمكنه أبداً أن يتفوق على أشقائه الآخرين.
  • الطفل الأوسط: الطفل الأوسط معتدل المزاج؛ لكنه يواجه صعوبة في التأقلم لأنه محصور بين الأشقاء الأصغر والأكبر سناً.

وقد أشارت الدراسة المنشورة في دورية تطور الطفل (Child development)، إلى أن الطفل البكر يتلقى رعاية أبوية واهتماماً أكبر، وربما ما يكون السبب في ذلك أنه يُعد التجربة الأولى للأبوين في التربية، فيوليانه تركيزاً أكثر ممَّن يليه من أطفال.

في المقابل، أشار الباحث فرانك سولاوي (Frank Sulloway) في كتابه “التحديات المفاهيمية في علم النفس التطوري”ؤ(Conceptual Challenges in Evolutionary Psychology: Innovative Research Strategies)، إلى أن الأطفال حديثي الولادة يستفيدون أكثر من رعاية الأهل، ويميلون إلى لقب “الطفل المدلل”.

نتيجة لذلك؛ قد يشعر الطفل العالق في الوسط بالإهمال من قبل الآخرين؛ ما يدفعه إلى أن يكون إما متمرداً أو يحاول إرضاء من حوله لنيل الاهتمام. ومع ذلك، لا تُعد المتلازمة تشخيصاً رسمياً؛ بل هي مثلما أشارت جمعية علم النفس الأميركية (APA): “حالة افتراضية يُزعم أنها مشتركة بين الأطفال الوُسط جميعهم، استناداً إلى افتراض أن الطفل الأوسط في الأسرة يطور سمات شخصية مختلفة عن المولود الأول والأطفال المولودين بعده”.

وقد أوضحت الجمعية أن لترتيب الطفل في العائلة تأثيراً طفيفاً في الشخصية والذكاء؛ ولكن له تأثيرات نفسية واضحة وقوية.

اقرأ أيضاً: لماذا يغار أطفالي من بعضهم البعض؟

 هل لترتيب الميلاد تأثير حقاً؟

تضاربت نتائج الدراسات حول تأثير ترتيب الولادة في السمات الشخصية، ووجود بعض المشكلات النفسية والذكاء وغيرها؛ ومنها:

  • وجدت دراسة نُشرت في “مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي” (PSPB)، بالاعتماد على بيانات جُمعت في الفترة ما بين 1994 و2008، أن الطفل المتوسط يكون أكثر عرضة للانحراف مقارنة بإخوته الأكبر والأصغر.
  • أوضحت دراسة أخرى أُجريت على 320 طالباً في الهندسة، ونُشرت في المجلة الهندية للطب النفسي (Indian Journal of Psychological Medicine)، أنهم كانوا أقل توجهاً نحو الأسرة مقارنة بإخوتهم الأكبر سناً.
  • توصَّل الباحثون في دراسة منشورة في دورية الطب النفسي للأطفال والمراهقين الأوروبيين (European Child & Adolescent Psychiatry) إلى أن الميول الانتحارية ومخاطر الصحة العقلية مثل الاكتئاب، تزداد بارتفاع ترتيب الميلاد؛ أي أن الأشقاء الأكبر سناً كانوا أكثر عرضة من الطفل الأوسط والأصغر.

اقرأ أيضاً: هل يمكن لترتيبك بين أشقائك أن يؤثر في مسيرتك الحياتية؟

خصائص الطفل الأوسط

أشار المعالج النفسي الدكتور أحمد الحريري في لقائه مع جريدة الرياض، إلى أنه من غير الضروري أن يسبب الموقع البيولوجي للطفل الأوسط في تكوين طفل حاقد أو متمرد؛ كما أنه لا يهيئ غالباً طفلاً نابغاً. ومع ذلك، فإن بعض الممارسات السلوكية التي يتبعها الأهل مع أطفالهم وفقاً لترتيبهم، تخلق سمات محددة للطفل الأوسط.

وبصفة عامة، قد يتشابه الأطفال الخاضعون لحالة متلازمة الطفل الأوسط ببعض السمات وفقاً للدراسة المنشورة في “مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي” (PSPB)؛ ومنها:

  • المهارة الاجتماعية: يميل الأطفال الوُسط إلى الاعتقاد بأن أسرهم لا يولونهم التركيز والاهتمام الكافي؛ لذا يتوجهون نحو الأقران والاستقلال عن تأثير الأسرة.
  • المرونة: يتمكن الطفل الأوسط من تطوير قدرته على التكيف والمرونة للتعامل مع أشقائه الأكبر والأصغر سناً.
  • إثبات النفس: غالباً ما يشعر الطفل الأوسط أنه يعيش في ظل أخويه، وأن دوره في الأسرة ثانوي؛ لذا يسعى باجتهاد إلى التميز وإثبات تفوقه من خلال تبنّي عادات أو اهتمامات أو سلوكات فريدة. ومع ذلك، فإن هذه السمة لا تنطبق على كل طفل وسط في العائلة؛ إذ قد يحب البعض أن يلعب دور الداعم بينما يسعى آخرون إلى الاندماج أو لا يقلقون بشأن مكانتهم.
  • المرح: بينما يطبق الوالدان المبتدئان قواعد صارمة على الولد البكر، فقد يكونون أقل حدة والتزاماً مع الطفل الثاني؛ لذا عادة ما يكون الطفل الأوسط أقل التزاماً بقواعد الوالدين وقيمهما، وأكثر مرحاً من أشقائه الأكبر.
  • التنافس: يشعر الطفل الأوسط أنه في منافسة قوية مع إخوته في مجالات مختلفة مثل الأداء الأكاديمي وألعاب القوى؛ لأنه في المرتبة الثانية مدى الحياة.
  • تدني احترام الذات: قد يشعر بعض من يعلق في المرتبة الوسطى في المنزل بخطر تدني احترام الذات بسبب اعتقاده بإهمال الأهل، وشعوره بأنه ليس جيداً بما فيه الكفاية.

اقرأ أيضاً: رسالة من طبيب نفسي: الحب بين الأشقاء أقوى من الخلافات

العوامل المؤثرة في شخصية الطفل الأوسط

لا يتأثر الطفل الوسط في ترتيب ميلاده فقط؛ بل تتضافر مجموعة أخرى من العوامل أيضاً مثل:

  • أساليب الأبوة والأمومة: عندما يختلف أسلوب التربية بين الطفل البكر والطفل التالي؛ مثل أن يكون الأهل أقل صرامة وتوتراً، أو غائبين أو متعاطفين.
  •  البيئة: يميل الجو العائلي إلى أن يكون أقل استقراراً وأكثر توتراً بزيادة عدد الأولاد؛ ما يجعل الطفل الأوسط يشعر باندماج أقل في العائلة.
  • الخلفية الثقافية: قد يكون الطفل الأوسط أقل ثقافة من الأخ البكر؛ لأن العبء والاهتمام الملقى على الطفل الأكبر يصرف الانتباه عن الأشقاء الأصفر بمن فيهم الأخ الأوسط.
  • الجنس: إذا اشترك الطفل الأوسط بالجنس مع أحد أخويه الأكبر أو الأصغر فإنه يشعر دائماً بأنه ثاني أفضل طفل، بينما عندما يكون مختلفاً عنه بالجنس فإن شعوره بمتلازمة الطفل الأوسط يكون أقل بكثير.
  • التركيب الجيني: بغض النظر عن تأثير البيئة الخارجية المحيطة بالطفل الأوسط التي قد تفرض نفسها على شخصيته في المراحل المبكرة من العمر، فإنه بمجرد أن يكبر سيسمح لشخصيته وفقاً لتركيبه الجيني الأساسي أن تطغى.
  • البيولوجيا الفردية: قد يؤثر التركيب الجيني للطفل والتغيرات الهرمونية والتجارب التنموية؛ سواء في المدرسة أو علاقات الحب، في الشخصية أكثر من ترتيب الولادة.
  • الوضع الاجتماعي والاقتصادي: قد تزيد الأموال أو تقل مع ولادة الطفل الأوسط؛ وهو ما قد يؤثر في التجارب الفردية للطفل.

اقرأ أيضاً: 3 قواعد للاهتمام بالصحة النفسية للأطفال

كيفية التعامل مع سلوك متلازمة الطفل الأوسط

لمواجهة سلوك متلازمة الطفل الأوسط، يمكن اتباع بعض النصائح المقدَّمة من قبل الاختصاصيين النفسيين، كليف إيزاكسون وكريس راديش، في كتابهما المشترك “تأثير ترتيب الولادة” (The Birth Order Effect):

  • امنح الطفل الطمأنينة: من خلال توضيح سبب العقوبة، وأنه لا علاقة لها بإخوته، مع تأكيد اهتمامك به ومحبتك له.
  • لا تتركه يبتعد عنك: حاول، بصفتك أحد الوالدين، التقرب من الطفل الأوسط من خلال الثناء عليه دائماً وسؤاله عن يومه والاهتمام بتفاصيله الصغيرة.
  • احتفل بإنجازاته: حتى لو لم يعد الأمر مثيراً مثلما كان بالنسبة إلى الطفل الأول، فلا بدّ من الاعتراف بإنجازات الطفل الأوسط والاحتفال بها.
  • شجّع الاختلافات: من المفيد أن يكون لكل طفل مجاله الذي يتميز به عن إخوته بحيث يجد كل منهم مكاناً مختلفاً عن الآخر.
  • احتفظ بالذكريات: التقط صوراً لمختلَف المراحل العمرية لطفلك الأوسط؛ سواء على نحو فردي أو مع إخوته.

اقرأ أيضاً: 5 روابط تحمي الأسر من التفكك

إذاً؛ فعلى الرغم من شيوع ظاهرة متلازمة الطفل الأوسط، فإنها لا تصيب كل طفل وسط في العائلة. وعموماً، من المهم تقديم الدعم لأفراد الأسرة جميعهم ومساندتهم.

المحتوى محمي !!