“أنت تستطيع”: لماذا قد ترهقك هذه الجملة؟ وكيف تتجنب ضررها؟

11 دقيقة
ثقافة "أنت تستطيع"
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

أجلس الآن على مكتبي، أحدق في شاشة حاسوبي، وأنخرط بأداء مهام عملي، من الخارج يأتي صوت أطفالي الصغار وهم يطلبون تحضير طعام الغداء فوراً، أرفع عيني إلى أعلى، لأرى على الحائط أمامي ملصقاً كبيراً مكتوباً عليه "أنت تستطيع، لا تتوقف". الحقيقة أن مكتبي يعج بتلك العبارات التحفيزية، أضعها في كل مكان حولي، حتى تمدني بالقوة والحافز لإنهاء مهامي اليومية، لكن أحياناً يتسرب لي إحساس خفي بأني لا أفعل ما يكفي، وأني لست قوية كما أظن، وفي بعض الأوقات أسأل نفسي، "هل من المسموح أن أشعر بالتعب؟ أم إنني بذلك أخذل نفسي؟

ومن هنا تحديداً تبدأ رحلتنا مع السؤال المهم؛ متى تتحول ثقافة "أنت تستطيع" إلى مصدر للإرهاق؟ وكيف تتعامل معها، خاصة حين تتحول من وقود للطموح، والتحرك، وإنجاز المهام، إلى عبء نفسي لا يحتمل؟ الإجابة سوف أكتشفها معكم أول مرة من خلال هذا المقال.

ما هو تأثير ثقافة "أنت تستطيع" في صحتك النفسية والجسدية؟

تعج مواقع التواصل الاجتماعي بالعبارات والفيديوهات التحفيزية التي تدفعك طوال الوقت نحو تحقيق النجاح وعدم الاستسلام ومواصلة الركض داخل مسارك الخاص في الحياة، والحقيقة أن هذه الثقافة تعلي قيمة العمل الجاد، والإنجاز المستمر مهما كان الثمن، حيث يجب على الأشخاص التضحية براحتهم الشخصية ورفاهيتهم وأحياناً بصحتهم النفسية والجسدية من أجل تحقيق الأهداف.

وغالباً ما تمجد وسائل التواصل الاجتماعي هذه الثقافة؛ حيث يشارك الأفراد صورهم وهم يحققون أحلامهم، وفي الكثير من الأوقات يشاركون جداول أعمالهم المرهقة، ونمط حياتهم المليء بالعمل، ما يضع على الآخرين ضغطاً نفسياً كبيراً؛ على سبيل المثال، تخيل أن صديقك يسهر في العمل من أجل إنجاز مشروع عاجل، أو يعمل في عطلة نهاية الأسبوع، فيما تتابع أنت مسلسلك المفضل، في هذه الحالة قد تحس بالذنب لأنك تأخذ فترات راحة ولا تنجز بما يكفي.

وعلى غرار الأفراد ومنصات التواصل الاجتماعي، هناك ثقافة عمل ترفع شعار "أنت تستطيع" للموظفين، وتثقل كاهلهم بالكثير من المهام والمسؤوليات، والحقيقة أن هذه الثقافة تمثل عبئاً نفسياً رهيباً حين تزيد على حدها الطبيعي.

وتؤكد المعالجة النفسية، ميغان رايس، أن العبارات التحفيزية التي ترسخ لثقافة "أنت تستطيع" يمكن أن تسبب تفاقم الشعور بخيبة الأمل عند بعض الأشخاص، كما أنها ترفع سقف التوقعات وتجعله غير مناسب للواقع، بالإضافة إلى ذلك، فإن تلك الثقافة تؤدي إلى: 

الإرهاق النفسي 

حين تترسخ لديك ثقافة "أنت تستطيع" سوف تجد نفسك مهووساً بفكرة الإنجاز، وتحقيق الكثير من الأهداف والمهام، ومع مرور الوقت، ستصاب بالإرهاق النفسي، بالإضافة إلى التعب الجسدي والعاطفي؛ ما يسبب لك الإحساس بالاستنزاف، وفقدان الحافز، وعدم القدرة على أداء حتى أبسط المهام.

اقرأ أيضاً: ما الإنتاجية السامة؟ وكيف تتجنب الوقوع في فخها؟

تفاقم مشاعر القلق والتوتر 

أجلس على مكتبي صباحاً، أنظر إلى اللافتة المعلقة على الحائط والتي تذكرني بأني أستطيع فعلها، ومن ثم، أضع الكثير والكثير من المهام التي يجب إنجازها على مدار اليوم، والحقيقة أن المشاعر التي تغمرني على مدار اليوم ليست مشاعر الفخر أو الإنجاز، إنما القلق والتوتر بشأن الالتزام بمواعيد العمل النهائية، وضرورة البقاء في المقدمة، مع إنجاز المهام جميعها الموجودة على قائمتي الصباحية، ويمكن القول إن الشعور الدائم بالقلق يؤثر بالسلب في قدرتك على التركيز، واتخاذ القرارات، والاستمتاع بحياتك.

ارتفاع خطر الإصابة بالاكتئاب 

إن الشعور بأنك لا تحقق أقصى إمكاناتك قد يقلل ثقتك بنفسك، ومع مرور الوقت سوف تبدأ تشعر باليأس والحزن، وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي كنت تستمتع بها سابقاً، وهذا يعني ارتفاع خطر إصابتك بالاكتئاب. 

اضطرابات النوم 

التفكير المستمر في تحقيق الأهداف، أو السهر لإنجاز المهام قد يسبب اضطراباً في أنماط نومك، وعلى الجانب الآخر، تؤدي قلة النوم إلى مشاكل مثل صعوبة التركيز، وتدهور الذاكرة، وضعف جهاز المناعة، كما ربط الحرمان المزمن من النوم بمشاكل صحية خطيرة مثل أمراض القلب والسكري.

اقرأ أيضاً: جودة نومك تتراجع؟ إليك الأسباب المحتملة والحلول الممكنة

مشكلات الصحة الجسدية 

عادة ما أتنقل على مدار يومي بين العديد من المهام التي تخص العمل والمنزل بالإضافة إلى أعباء الأمومة، لا أتوقف حتى أتمكن من إنهاء المهام جميعها بسبب ثقافة "أنا أستطيع". من ينظر لي من الخارج يظن أنني تمكنت من النجاح وأني بالفعل أستطيع، لكن ثمة جانباً مظلماً لهذه الثقافة، يتجسد في بعض الأعراض الجسدية مثل الصداع، وآلام الرقبة والعضلات، وأحياناً مشاكل الجهاز الهضمي، ومع مرور الوقت، يمكن أن يسهم هذا الإجهاد في مشاكل صحية طويلة الأمد، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم وزيادة خطر الإصابة بالنوبات القلبية أو السكتات الدماغية.

7 علامات تخبرك أن ثقافة "أنت تستطيع" تضرك

قد تساعدك ثقافة "أنت تستطيع" على الإنجاز وتحقيق الأهداف في حال استخدمتها وفق الحدود المعقولة، كما أنها تعزز إفراز هرمون الدوبامين الذي يؤدي إلى شعورك بالسعادة، لكن عندما تزيد استعانتك بها على الحد الطبيعي ستجد نفسك ترتكب الكثير من الأخطاء بسبب تراجع التركيز، أو تستغرق وقتاً أطول لإنجاز المهام نتيجة التعب والإجهاد، وهذه العلامات تؤكد لك أن تبني هذه الثقافة بدأ يضرك:

  1. مقارنة إنجازاتك مع إنجازات الآخرين.
  2. وضع أهداف غير واقعية.
  3. إهمال الصحة النفسية والجسدية.
  4. السعي المستمر إلى الحصول على اعتراف الآخرين.
  5. ضبابية في الخطوط الفاصلة بين العمل والحياة الشخصية.
  6. مستويات عالية من القلق والتوتر.
  7. التركيز المفرط على الإنتاجية وتحقيق الأهداف.

كيف تستفيد من ثقافة "أنت تستطيع" وتتجنب ضررها؟

يؤدي الحافز دوراً مهماً في توجيهك نحو تحقيق الأهداف والإنجازات، ويمكن القول إن ثقافة "أنت تستطيع" لها جوانب إيجابية؛ إذ تحسن الأداء، وتدفعك إلى بذل الجهد والمثابرة، وتجعلك قادراً على التعامل مع تحديات الحياة، وتسهم إسهاماً محورياً في شعورك بالنجاح، لكن ثمة جانباً مظلماً لتلك الثقافة، فحين يزيد الأمر على المعدل الطبيعي، ويكون عقلك في حالة نشاط دائم لا يتوقف، ستصل إلى مرحلة تنهار فيها، لذا حتى تستفيد من تلك الثقافة وتتجنب ضررها، اتبع الخطوات التالية: 

ضع أهدافاً واقعية 

حين تبدأ بوضع أهداف جديدة، استند إلى قيمك الأساسية والأمور التي تهمك حقاً، بدلاً من مقارنة نفسك مع الآخرين، حيث يجب عليك التأكد من أن أهدافك تتماشى مع أولوياتك الحقيقية، وأنها واقعية بما يكفي لتكون قابلة للتحقيق، ويمكن القول إن الأهداف الواقعية والقابلة للتحقق والمتجذرة بعمق في القيم الشخصية ستوفر عليك الجهد وتعطيك دافعاً يدوم فترة أطول بكثير من السعي وراء العبارات التحفيزية الرنانة.

احتفل بالإنجازات الصغيرة 

بدلاً من التركيز فقط على النتيجة، قدر واحتفل بكل خطوة من خطوات التقدم تدريجياً على طول الطريق، لا تغفل أهمية الرحلة نفسها بالتركيز فقط على الوجهة النهائية، حيث إن التوقف لتقدير الإنجازات الصغيرة يمكن أن يحفزك على الاستمرار في مواجهة التحديات التي تظهر في طريقك.

كن لطيفاً مع نفسك 

عامل نفسك بلطف وتعاطف، لا بنقد لاذع، وعندما ترتكب أخطاء أو تتعثر، قاوم الرغبة بالإفراط في نقد الذات؛ واعتبر هذه الأخطاء فرصاً للتعلم والنمو. وفي هذا السياق، يوضح المعالج النفسي، أسامة الجامع، أن نقد الذات يعزز إفراز المشاعر السلبية، ويشرح تمريناً علاجياً مهماً، حين تحس بأنك أخفقت أو ارتكبت خطأ، وهو أن تحضر ورقة وتكتب فيها الكلمات والأفكار السلبية التي تدور في ذهنك عن نفسك، النبرة التي تحدثت بها إلى نفسك، ثم ضع الورقة جانباً وأحضر ورقة أخرى، وتخيل فيها شخصاً عزيزاً عليك جاء إليك محبطاً، كيف ستتحدث إليه، اكتب كلمات المواساة والتشجيع التي ستقولها لصديقك، وكيف ستقولها، ثم قارن بين الورقتين، وفي المرة القادمة التي تخفق فيها تذكر أن نفسك أولى باللطف من الآخرين.

اقرأ أيضاً: لماذا سينتصر اللطف في النهاية؟ وكيف تصبح لطيفاً مع نفسك ومن حولك؟

خذ فترات راحة 

عندما تشعر بالإرهاق أو تحس بالتعب، لا تقاوم، خذ فترات راحة، ابتعد قليلاً عن المهام اليومية، واسترجع طاقتك من خلال أنشطة مريحة، أو هوايات ممتعة، أو ممارسات للعناية بالنفس، وصدقني بعد هذه الاستراحة المنعشة، يمكنك العودة وأنت تشعر بالطاقة والاستعداد لمهامك مرة أخرى.

اطلب الدعم من الآخرين 

بدلاً من التحرك في الحياة بمفردك، اطلب الدعم والتشجيع والمساعدة من أفراد أسرتك أو الأصدقاء، أو حتى من زملائك في العمل، وحاول قدر الإمكان، تكوين شبكة دعم توفر لك الحافز والإلهام عند مواجهة التحديات وتساعدك على تجاوز الصعاب من أجل تحقيق الأهداف.

تعلم أن تقول "لا" 

ضع حدوداً واضحة واحترم تلك الحدود لتجنب إرهاق نفسك، وتعلم أن تقول "لا" للأشياء التي لا تناسبك والمهام التي تعد عبئاً نفسياً على عاتقك، ويمكنك أن تمد الخط على استقامته، وتتعلم قول "لا" لكل العبارات والفيديوهات التحفيزية التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة إذا كانت لا تناسبك أو تناسب نمط حياتك الحالي. على سبيل المثال، إذا قابلت عبارة تخبرك بأن "لا تستسلم" فكر قليلاً، فأحياناً يكون الاستسلام حلاً جيداً، لذلك تعلم أن تقول لا.

مارس الامتنان 

نلجأ أحياناً إلى الانخراط في المهام والبحث عن الإنجاز وتحقيق الأهداف حتى نحس بالسعادة أو الرضا عن أنفسنا، لكن ثمة طرقاً أخرى يمكن أن تجعلك تحس بالرضا، ما رأيك لو جربت ممارسة الامتنان، اكتب يومياً 3 أشياء تشعر بالامتنان لها وحاول التركيز على ما هو إيجابي في حياتك.

المحتوى محمي