العلم يخبرك: تعدد المهام يضرك نفسياً، فكيف تتجنبه؟

4 دقائق
تعدد المهام
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: على الرغم من أنك قد تعتبر نفسك شخصاً بارعاً في أداء المهام المتعددة، فالحقيقة أن قلة قليلة من الأشخاص يمكنها القيام بذلك بفعالية؛ ما يجعل معظمنا في مواجهة مع العواقب السلبية لتعدد المهام. اكتشف الجانب المظلم لتعدد المهام وطرائق الحماية من أضراره من خلال هذا المقال.

يميل العديد من الناس إلى الافتخار بامتلاكهم القدرة على تعدد المهام بالتزامن؛ حيث بات هذا المفهوم عبارة عن مهارة قيّمة تساعد من يمتلكها على إنجاز المزيد في وقت أقل، وقد تجدها من بين أحد أهمّ المتطلّبات الوظيفية في إعلانات الوظائف الشاغرة في الشركات. ولكن هل سبق لك أن فكّرت في الثمن الخفي لهذا التوفيق المستمرّ ومحاولة الموازنة بين المهام؟

يُعتقد أن المرأة تتفوّق في القيام بمهام متعددة أكثر من الرجل؛ لكن بغض النظر عن الجنس، قد تؤدي محاولة التوفيق بين مهام متعددة في وقت واحد إلى نتائج عكسية لأننا لسنا مهيئين بطبيعتنا للقيام بمهام متعددة في آنٍ واحدٍ، فالانخراط في تأدية المهام المتزامنة له آثار مضرّة بالصحة النفسية ووظائف الدماغ. اكتشف التفاصيل من خلال هذا المقال، واطلع على سبل حماية دماغك وصحتك النفسية من أضرار المهام المتعددة.

ماذا يُقصد بتعدد المهام؟

يُنظر إلى تعدد المهام (Multitasking) على أنه الانخراط في أنشطة متعددة في وقتٍ واحد؛ مثل مشاهدة مقاطع الفيديو في أثناء الدردشة مع الأصدقاء، أو القيادة والتحدّث عبر الهاتف. غير أن تعدد المهام لا يشمل فقط أداء أنشطة متعددة في وقتٍ واحد؛ ولكن يتضمّن أيضاً التبديل بين المهام المختلفة بدلاً من إكمال مهمة واحدة قبل الانتقال إلى المهمة التالية. وكان عالم الأعصاب الإدراكي، بول بيرجيس (Paul Burgess)، هو من وضع هذا التعريف الأوسع.

ويصف هذا التعريف الأشمل بدقّة يوم العمل النموذجي لموظفي المكاتب الذين يقسّمون وقتهم بين المهام المهمة ذات الأولوية العالية والتوقفات أو الانقطاعات المستمرّة من المسؤوليات ذات الأولوية الأقل، والأقل استهلاكاً للوقت، التي تأتي عبر البريد الإلكتروني والرسائل النصية والرسائل الفورية والتفاعلات وجهاً لوجه؛ إذ تسمح لهم تلك التوقفات بإعادة توجيه تركيزهم إلى المهام المختلفة على مدار اليوم؛ ما يجعلهم يقومون بمهام متعددة. 

اقرأ أيضاً: تعاني من التوتر؟ هذه الوظائف هي الأنسب لك.

هذا ما يحدث فعلاً إذا كنت تعتقد أنك تجيد تعدد المهام

قد نعتقد جميعنا أننا بالفعل نجيد تأدية أكثر من مهمة في وقتٍ واحد؛ مثل الاستماع إلى الموسيقا وتأدية مهمة أخرى على الكومبيوتر. غير أن الحقيقة ستذهلك فعلاً إذا عرفت أن 2% من الناس فقط هم من يتمتّعون فعلاً بالقدرة على القيام بمهام متعددة بالتزامن وبالفعالية والجودة نفسَيهما؛ لأنهم يمتلكون موهبة خاصة مرتبطة بجيناتهم. أما بقيتنا؛ فنحن في الحقيقة نحاول القيام بذلك، فنؤدي مهمات فردية بتتابعٍ سريع، أو نبدّل المهام. 

فحين ننخرط في نشاطٍ معيّنٍ مثل القيادة، وفجأة نحاول القيام بنشاط آخر في الوقت نفسه مثل التحدّث عبر الهاتف أو الاستماع إلى الموسيقا، يتحوّل اهتمامنا حينها من جزءٍ واحد من الدماغ إلى جزءٍ آخر.

قد يتطلّب الأمر عُشر الثانية؛ ولكن الجهد الذي يتطلّبه عرض النطاق التردّدي الذي يحتاج إليه الدماغ للانتقال من مهمة إلى أخرى يُبطئه ويجعله أقل تركيزاً؛ لأن مستوى التفكير الذي كان يستهلكه الدماغ في القيادة سينخفض بنسبة 37%. وذلك لا يُعد تأديةً لمهام متعددة؛ بل تقليلاً للتركيز في المهمة الأولى لتأدية مهمة جديدة؛ ما يؤثر في كلٍّ من الأداء والنتيجة. 

ويؤكد ما سبق ذكره الاستشاري النفسي، أسامة النعيمي، الذي أوضح إن مفهوم تعدد المهام غير صحيح، وما نقصده به عادةً هو: تحريك الانتباه إلى جهةٍ أخرى، ومحاولة الموازنة بين مهمتين ذواتا أهمية كبرى في الوقت نفسه.

كيف يضرّ تعدد المهام بوظائف الدماغ والصحة النفسية؟

يعتقد أغلب الناس أن بإمكانهم مضاعفة إنتاجيتهم عندما ينجزون مهام متعددة في آن واحد؛ لكن تعدد المهام ليس ظاهرة حقيقية عند أغلبهم، فقد يشعرون وكأنهم يقوم بمهام متعددة في وقت واحد، وفي الواقع، هم يتنقلون بين المهام فقط؛ ما يجعل كل واحدة منها أقل كفاءة، وقد يضرّ ذلك بالصحة النفسية. وهذه 5 تأثيرات سلبية تنتج من محاولة القيام بمهام عديدة في آن واحد:

  • يعرّض وظيفة الدماغ التنفيذية إلى الخطر: يتطلب تعدد المهام إعادة التكيّف من قبل الدماغ على نحو متواصل؛ أي الانتقال إلى مجموعة جديدة من الأولويات للمهمة الجديدة وتذكّر القواعد الخاصة بها، مع وضع قواعد المهمة السابقة جانباً؛ ما قد يتسبّب عندما يحدث على نحو متكرر على مدى فترات قصيرة، في استنزاف القدرة التنفيذية للدماغ المسؤولة عن اتخاذ قرارات لا واعية حول كيفية التعامل مع المواقف والمهام المختلفة؛ ومن ثم تقليل الإنتاجية بنسبة كبيرة.
  • يسبّب الإجهاد المزمن: يمكن أن يؤدي الإحباط الناتج من انخفاض الإنتاجية إلى الإجهاد المستمر. ولا يؤثّر الإجهاد المزمن في الصحة النفسية فحسب؛ بل يمكن أن يؤدي كذلك إلى مشكلات صحية مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب. 
  • يسهم في الإصابة بالاكتئاب: يرتبط تعدد المهام عبر الوسائط؛ كما عندما ينخرط الأشخاص في أنشطة مثل تصفّح وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهدة الفيديوهات، بانخفاض ملحوظ في الحالة المزاجية، ويمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب والقلق.
  • يؤثّر سلباً في الذاكرة: يميل الأفراد الذين ينخرطون في مزاولة مهام متعدد عبر الوسائط (Multimedia multitasking) إلى الأداء الضعيف في الاختبارات المصمّمة لتقييم الذاكرة العاملة (Working memory)؛ وهي إحدى وظائف الدماغ التنفيذية، والقدرة على الحفاظ على الانتباه، وبخاصة بالنسبة إلى المهام التي تتطلّب مجهوداً معرفياً منخفضاً. وقد يُفسّر ذلك بالتحوّلات المتكرّرة والقصيرة الانتباه في أثناء القيام بأكثر من مهمة في آن واحد؛ ما يُضعف القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات في الذاكرة العاملة لفترات طويلة تدريجياً.
  • يُضعف تحفيزك: يستنزف الشعور المستمر بعدم القدرة على اللحاق بالركب، والشعور بعدم الجدوى، الحماسة للعمل. ولا يقتصر التأثير المثبط على المهام الإنتاجية النموذجية؛ بل يمتدّ إلى أنشطة مثل الاستخدام المفرط للوسائط على نحو متزامن؛ الذي قد يتسبّب في انخفاض كثافة المادة الرمادية (Grey matter) في مناطق الدماغ المرتبطة بالعاطفة والتحفيز. 

كيف تكسر نمط تعدد المهام، وتحمي دماغك وصحتك النفسية؟

يمكن أن يرفع تعدد المهام من المشاعر السلبية، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى شعور عام بالقلق؛ بل وقد يسهم في الإجهاد المزمن. فالدماغ يحاول إدارة العديد من المهام في آن واحد، في حين أنه يفضل بطبيعة الحال التركيز على مهمة واحدة في وقتها. لذلك؛ نقترح هذه الخطوات الثلاث لكسر نمط تعوّدك على محاولة القيام بمهام عديدة في الوقت نفسه:

  • حوّل تركيزك: درّب ذهنك على توجيه التركيز نحو المهمة التالية فقط عند الانتهاء من المهمة الأولى. فعلى سبيل المثال؛ إذا كنت ترسل رسائل نصية وأنت جالسٌ على الأريكة، أنهِ ذلك وأبعد هاتفك عن الأنظار، ثم انتقل إلى مقعد آخر، ربما المكتب أو الطاولة، وابدأ الرد على رسائل البريد الإلكتروني على جهاز الحاسوب. 
  • دع ذهنك يسترخي: امنح ذهنك فترة استراحةٍ بعد إنهاء مهمة أو مهمتين. يمكنك المشي بالخارج لبضع دقائق والاستمتاع بالطبيعة من حولك أو حتى مشاهدة المارّة في سكون وارتياح.
  • مارس تمارين اليقظة الذهنية: تفيد ممارسة اليقظة الذهنية الصحة البدنية والنفسية بصفة عامة؛ لأنها تسمح للذهن بعيش اللحظة الحالية بوعي وعدم الانشغال بالقلق بشأن ما حدث بالأمس أو العام الماضي أو التخطيط لقائمة المشتريات أو مهام الغد، ويمكنك الاطلاع على هذا المقال لمعرفة كيفية ممارسة اليقظة الذهنية.

اقرأ أيضاً: "الساعة المخيفة": طريقة جديدة لإنجاز مهامك المؤجلة وتعزيز إنتاجيتك