مثلما يوحي الاسم، فإن المؤثّرين يؤثّرون في جزء كبير من حيواتنا، سواء في قراراتنا الشرائية أو آرائنا أو حتى في الطريقة التي نرى بها أنفسنا ونقدّر ذواتنا. ولا يمكن القول إن تأثيرهم في صحتنا النفسية سلبي دائماً؛ إذ ثمة الكثير منهم ممن يشاركون المحتوى التحفيزي الذي يلهم الناس على تحسين أنفسهم وحيواتهم؛ لكن لا يمكننا أن ننكر أيضاً التأثير السلبي لبعضهم الآخر؛ إذ يمكن لمتابعتهم أن تفاقم مشكلات الصحة النفسية، وقد تحوّل الحياة في بعض الأحيان إلى جحيم بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فكيف يحدث ذلك؟ وما السبيل لمنع التأثيرات السلبية للمؤثرين؟ إليك التفاصيل.
محتويات المقال
اقرأ أيضاً: لمَ عليك ألا تبالغ في مشاركة حياتك العاطفية على وسائل التواصل الاجتماعي؟
4 أسباب تفسِّر التأثيرات السلبية للمؤثرين في الصحة النفسية
قد تسبب مقارنة النفس بالمؤثرين الشعور بالإحباط وتدني احترام الذات والقلق والاكتئاب في بعض الأحيان، وقد يُعزى ذلك إلى عدة أسباب، مثل:
1. فرض توقعات غير واقعية وفخ المقارنة الاجتماعية
من المعلوم أن المؤثرين يروجوّن في كثير من الأحيان لمعايير جمال غير واقعية، من أشكال أجسامهم وصفاء بشرتهم وشكل عضلاتهم وغير ذلك، ومن السهل الوقوع في فخ المقارنة عند التعرض المستمر لهذا المحتوى، وقد تؤدي هذه المقارنة الاجتماعية إلى إثارة الشعور بعدم الرضا عن النفس ومعاناة تدني احترام الذات والقلق والاكتئاب واضطرابات الأكل.
بالإضافة إلى ذلك، يعرض العديد منهم نسخة مثالية من حيواتهم، فتراهم يركّزون على عرض الجوانب الإيجابية منها، من جوائز وممتلكات وبذخ وما إلى ذلك، ما قد يثير في المتابعين شعوراً بالفشل وعدم الكفاءة أو عدم الرضا ما لم ترقَ حيواتهم إلى المستوى المطلوب الذي يتابعونه.
وهذه التوقعات غير الواقعية ليست حكراً على الأشخاص بأنفسهم فقط، بل على العلاقات الرومانسية والزوجية أيضاً، فحينما يفتح الشخص إنستغرام أو تيك توك أو فيسبوك أو غيرها، ليرى تلك الهدايا الباهظة التي يقدمها المؤثرون لشركائهم، أو رحلاتهم الشيّقة، أو مغامراتهم الممتعة، أو تلك الطريقة اللطيفة الرومانسية التي يتحدثون بها مع بعضهم بعضاً، فقد يشعر أن علاقته الزوجية أو العاطفية غير كافية أو مفتقرة للكثير من الأمور، خصوصاً عند المقارنة المستمرة وتجاهُل الإيجابيات، ما يؤدي إلى الشعور بعدم الرضا عن العلاقة والاستياء وزيادة الصراعات.
وهنا، يقول المتخصص في علم الاجتماع، حسين الخزاعي، إن الاستخدام السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي لمدة طويلة، وعدم متابعة قضايا الأسرة مع ما يحدث من تبديل للأولويات، أي بدلاً من تخصيص الأولوية للأبناء وتعليمهم تصبح الأولوية لمتابعة السوشيال ميديا، يؤدي إلى إرتفاع معدلات الطلاق في العديد من الدول العربية.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر محتوى تيك توك في علاقتك بجسمك؟ دراسة جديدة تجيب
2. الخوف من تفويت الفرصة
الخوف من تفويت الفرصة، أو ما يُعرف بالفومو (FOMO) هي ظاهرة نفسية يشعر فيها الأفراد بالقلق أو التوتر بسبب تفويتهم تجارب وأحداثاً مثيرة يعيشها الآخرون، وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن المنطقي أن يسهم المؤثرون في تضخيم هذه المشاعر؛ إذ غالباً ما يعرضون ذلك الجانب الشائق من حيواتهم؛ الذي يبيّن وكأنهم يستمتعون باستمرار، أو يحققون النجاح بسرعة، أو يعيشون أفضل التجارب ذات المغزى. وبالطبع، يُظهر المحتوى المنسق، الذي غالباً ما يُعرض على هيئة مقاطع فيديو قصيرة، أفضل اللحظات من حياة المؤثّر وليس صراعاته أو تحدياته اليومية.
من ثمّ وعندما يشاهد المتابعون هذا المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد يتولّد عندهم انطباعاً بأن حيواتهم أقل إثارة أو إشباعاً، وغالباً ما يؤدي هذا الاستياء إلى إثارة القلق وانخفاض احترام الذات وعدم الرضا عن الحياة.
وقد يلجؤون إلى متابعة المؤثرين بدرجة أكبر، ويتحققون باستمرار من تحديثاتهم في محاولة للبقاء على اطلاع والشعور بالاندماج مع ما يحدث. والمفارقة هي أنه كلما زاد استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي للبقاء على اطلاع، زادت احتمالية تعرضهم لخوف تفويت الفرصة، ما يخلق حلقة سلبية من القلق وعدم الرضا.
اقرأ أيضاً: لماذا يكشف المؤثرون أسرار حيواتهم الشخصية أمام ملايين المتابعين؟ العلم يجيب
3. الإدمان وإضاعة الوقت
سواء كنت تحبهم وتطمح لأن تكون مثلهم أو تكرههم أو تحسد ما نالوه، فإن التوقف عن متابعة المؤثرين قد يغدو أمراً صعباً. ومثلما هو الحال مع مواقع التواصل الاجتماعي معظمها؛ فقد تتحول متابعة المؤثرين على هذه المنصات إلى سلوك إدماني، وهذا لا يضيع الوقت فحسب؛ بل يقلل أيضاً التفاعلات الاجتماعية في الحياة الواقعية، ما يسهم في الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية، وما يترتب على ذلك من تفاقم لمشكلات الصحة النفسية.
اقرأ أيضاً: لماذا قد تتابع أشخاصاً تكرههم على منصات التواصل الاجتماعي؟
4. نشر الإيجابية السامة
قد يسهم المؤثرون في نشر ما يُسمى بـ "الإيجابية السامة"؛ وهي الاعتقاد بأن الناس يجب أن يحافظوا على عقلية إيجابية بغض النظر عن مدى خطورة الموقف أو صعوبته. بكلمات أخرى، يمكن أن يكون للإيجابية السامة المنتشرة بين المؤثرين تأثيرات نفسية ضارة في المتابعين، فهي تعزز فكرة أن الأفراد يجب أن يحافظوا على عقلية إيجابية بغض النظر عن صراعاتهم العاطفية، ما قد يؤدي إلى قمع المشاعر الحقيقية وإنكارها، وقمع المشاعر لا يفشِل حل المشكلات الأساسية فحسب؛ بل يؤدي الى الشعور بالذنب والعار والحزن والقلق.
كيف تتجنب التأثيرات السلبية لبعض المؤثرين؟
لتجنب التأثيرات السلبية التي قد يسببها المؤثرون، من المهم تطوير عادات صحية لاستهلاك المحتوى عبر الإنترنت. وفيما يلي بعض الاستراتيجيات التي قد تساعدك:
- كن انتقائياً بشأن مَن تتابع: تابع المؤثرين الذين يروّجون للإيجابية الواقعية والأصالة والقيم الصحية ويلهمونك للتعلم وتحقيق النمو الشخصي، وتوقف عن متابعة الحسابات التي تجعلك تشعر بالنقص أو القلق أو الضغط للامتثال لمعايير غير واقعية.
تذكّر أن منصات الوسائل الاجتماعية تستخدم خوارزميات معينة من أجل تحديد المحتوى الذي يظهر في موجز الأخبار الخاص بك، بحيث تحلل هذه الخوارزميات ما تتفاعل معه وتعلّق عليه وتشاهده، وذلك بغية اقتراح محتوى مشابهاً وإبقائك منخرطاً.
اقرأ أيضاً: 6 مؤشرات تدل على ضرورة اعتزالك السوشيال ميديا وكيف تفعل ذلك
- تحدَّ فخ المقارنة: أنت تعلم أن المحتوى الذي يشاركه المؤثرون غالباً ما يكون منقَّحاً ومحرَّراً ومفلتراً ولا يعكس حيواتهم اليومية، لذا تجنب مقارنة نفسك وحياتك الكاملة ببضع صور مثالية أو دقائق قليلة منشورة على الإنترنت، وذكّر نفسك بأن الجميع يواجهون تحديات، سواء شاركوها عبر الإنترنت أم لا.
- كن ناقداً لما تراه: تعرف إلى المنشورات الترويجية أو المضللة وتساءل عن صحة ما جرى تصويره، فمن الضروري أن تكون على دراية بالطبيعة التجارية للعديد من منشورات المؤثرين، لأن الكثير منهم يستخدمون حساباتهم لتحقيق الأرباح عبر المتابعات والإعلانات، لذا لا عجب من أن يكرّسوا الكثير من الجهد والوقت في إنتاج محتوى جذاب ومبهر.
- ضع حدوداً للوقت الذي تقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي: يمكن أن يؤدي قضاء وقت زائد على وسائل التواصل الاجتماعي إلى مقارنات سلبية وإرهاق ذهني وغيرها من الآثار السلبية؛ لذا ضع حدوداً لذلك. يمكنك أن تجد العديد من النصائح الفعالة لتقليل الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي في هذا المقال.
- خُذ استراحة من وسائل التواصل الاجتماعي: إن أخذ فترات راحة منتظمة من وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يساعد على إعادة ضبط عقليتك وتقليل المقارنات الاجتماعية وسلبياتها.
- ركِّز على العلاقات الحقيقية: عزز علاقاتك مع الأشخاص الإيجابيين الداعمين في بيئتك المباشرة؛ فقضاء الوقت مع هؤلاء لا يبعدك عن الشاشات فحسب؛ بل يقلل مشاعر العزلة أو عدم الكفاءة ويحسِّن صحتك النفسية بصورة عامة. وتذكر إن كنت تمتلك شخصاً في حياتك الواقعية يجعلك تشعر بالسوء تجاه نفسك، فمن الأفضل أيضاً وضع الحدود معه.
- تعاطف مع ذاتك: مارس اليقظة والامتنان والعناية الذاتية لتعزيز مرونتك العاطفية وحماية نفسك من التأثيرات السلبية للمقارنة الاجتماعية.
- شارك في الأنشطة التي تعزز احترامك لذاتك: يساعد بناء احترام الذات على تقليل المقارنات مع الآخرين والتأثّر بهم، لذا قلل الحديث السلبي مع الذات، وشارك في الأنشطة الممتعة التي تجعلك تشعر بالرضا عن نفسك، مثل الرياضة أو الموسيقا أو قضاء الوقت في الطبيعة أو التطوع أو غيرها من الهوايات الإيجابية التي تدعم الصحة النفسية.
- اطلب المساعدة من متخصص إذا لزم الأمر: إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر بصورة كبيرة في صحتك النفسية، ففكر في طلب المساعدة من متخصص في الصحة النفسية. يمكن أن يزوّدك العلاج باستراتيجيات عملية لتحسين احترام الذات وتقليل القلق والأفكار السلبية وتحديات الصحة النفسية، بالإضافة إلى تعزيز علاقة أكثر صحة مع وسائل التواصل الاجتماعي.
اقرأ أيضاً: عزز صحتك النفسية والجسدية بالرياضة بدل تصفح منصات التواصل الاجتماعي لساعات