كيف تستعيد ثقتك بالآخرين بعد صدمات سابقة؟

7 دقيقة
الخيانة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: الخيانة هي انتهاك الثقة من قِبل شخص تعتمد عليه في تلبية احتياجاتك العاطفية أو دعمك أو حمايتك، ولها تأثيرات سلبية كبيرة في الصحة النفسية. ومن المفهوم أن يعاني الإنسان الذي تعرض إلى خيانات سابقة صعوبة في الوثوق في الآخرين مرة أخرى؛ لكن النصائح التالية ستساعد على ذلك. أولاً، التصالح مع ما حدث؛ لأن إنكار الخيانة أو تجاهلها سيسهم في إعادة إحياء الذكريات في أوقات غير مناسبة. ثانياً، تقبُّل المشاعر الصعبة، سواء كانت الغضب أو الاذلال أو الحزن، مع تسميتها والتعبير عنها، قد يساعدك أيضاً على أن تفكر في الأنماط التي تعاود الانخراط فيها؛ مثل الارتباط بأشخاص متشابهين أو تكرار سلوكيات معينه قد تنبئ بالتعرض إلى الخيانة مع تجاهل العلامات التحذيرية المبكرة. أضف إلى ذلك أهمية إعادة بناء الثقة بالنفس من خلال رعاية الذات وفرض الحدود الصحية مع الآخرين والتخلي عن عقلية الضحية، وبالطبع دون أن ننسى طلب المساعدة من الأصدقاء والمقربين الموثوقين أو طلب المساعدة من المختص النفسي في حال عدم القدرة على إدارة هذه الحالة.

الخيانة أكثر من مجرد خيانة زوجية بالمعنى المتعارف عليه؛ بل هي انتهاك للثقة من قِبل أيّ شخص تعتمد عليه من أجل حمايتك أو تلبية احتياجاتك العاطفية أو دعمك، سواء كان أحد أفراد عائلتك أو صديقك أو شريك حياتك. وخيانة الثقة قد تعني الخيانة المالية أو الاعتداء الجسدي أو العاطفي أو اللفظي أو الجنسي أو الإهمال أو التلاعب أو الإفصاح عن الأسرار أو غيرها من السلوكيات التي تنطوي على عدم الأمانة.

والآن، من المعروف أن الخيانة على اختلاف أنواعها قد تسبب ضائقة عاطفية شديدة أو صدمة نفسية مستمرة تجعلك تشك في إمكانية حدوث خيانات مستقبلية؛ ما يؤثر سلباً في احترامك لذاتك ورفاهيتك العاطفية وقدرتك على تكوين العلاقات. لذا فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما السبيل إلى الثقة في الآخرين إذا تعرضت إلى الخيانة مرة أو عدة مرات سابقاً؟ إليك بعض النصائح التي ستساعدك على ذلك.

اقرأ أيضاً: كيف أستعيد ثقة زوجي بعد الخيانة؟

7 نصائح تساعد على الثقة بالآخرين بعد صدمات سابقة

تؤدي خيانة الثقة في كثير من الأحيان إلى تدني احترام الذات والشعور بالغضب والإحساس بالذنب و صعوبة التحكم في العواطف، بالإضافة إلى فقدان الثقة بالآخرين والشك والحذر الزائد، فضلاً عن أنها تسهم في الإصابة في الاكتئاب والقلق وبعض الحالات النفسية الأخرى.

جدير بالذكر مثلما يوضح أستاذ الطب النفسي في جامعة الأزهر، محمد المهدي، إن المشاعر، بعد التعرض إلى الخيانة، تحتاج إلى وقت طويل لتهدأ، وقد يستغرق التعافي شهوراً وربما سنوات. لكن وعلى الرغم من أن عملية التعافي وإعادة الثقة بالآخرين تختلف باختلاف الأفراد وتجاربهم؛ فإن النصائح العملية التالية ستساعد على ذلك.

1. تصالَح مع ما حدث

تبدأ عملية الشفاء بالاعتراف بالواقعة والتصالح معها؛ لأنك مهما حاولت الإنكار أو تجنب معالجة القضية، فإن هذه الذكريات ستعاود الظهور مرات عديدة في لحظات الحياة اليومية، سواء كنت تعمل أو تعتني بأطفالك أو كنت بمفردك مع أفكارك. بكلمات أخرى: سيوقعك تجنُّب الاعتراف بالمشكلة في حلقة مفرغة من النقد الذاتي والاضطراب العاطفي.

لكن من خلال تقبّل ما حدث والاعتراف به، فأنت تسمح لنفسك بمواجهته وفهم أسبابه. وهذا لا يعني أنك تتحمل المسؤولية عن تصرفات شخص آخر، أو أشخاص آخرين؛ وإنما الشروع باستكشاف العوامل الأساسية التي ربما أسهمت فيما حدث، سواء كان الافتقار إلى التواصل أو مشكلات الثقة أو الاحتياجات غير المُلباة أو الانفصال العاطفي أو غير ذلك؛ ما يخلق مساحة لمعالجة الألم والبدء في الشفاء.

اقرأ أيضاً: ما بعد الخيانة: اختبارٌ مجهول النتائج!

2. اعترف بمشاعرك

من الطبيعي أن تشعر بعد الخيانة أو الغدر أو الإهمال بمشاعر قوية مثل الإذلال أو الخجل أو الغضب أو الحزن. وبالطبع، هذه المشاعر غير مريحة؛ لذا من غير المستغرب أن يحاول العديد من الأشخاص تجنبها عن طريق إنكارها أو منع ظهورها. لكن وعلى الرغم من أن إخفاء هذه المشاعر قد يوفّر راحة مؤقتة، فقد يصعّب التحكم فيها ومعالجتها؛ ما قد يؤدي إلى ضائقة عاطفية طويلة الأمد.

لذلك؛ إحدى الخطوات الأساسية في التعامل مع هذه المشاعر هي الاعتراف بها وتسميتها والسماح لها أن تعتريك دون أن انتقاد أو أحكام. يساعدك هذا الوعي على التحكم في كيفية استجابتك للضيق، فبدلاً من أن تُثقلك المشاعر، ستتعلم استراتيجيات أكثر صحة للتعامل معها؛ وهو ما سيعزز مرونتك العاطفية.

أما وفي حال تعرضت إلى صدمات سابقة ولجأت في كل مرّة إلى تجنب المشاعر الصعبة في محاولة للتأقلم وحماية نفسك من الألم، فعليك أن تعلم أن قمع المشاعر أو كبتها لا يحل الأزمة؛ بل غالباً ما يؤدي إلى الإصابة بالقلق أو الاكتئاب أو الخدر العاطفي أو صعوبات العلاقات؛ إذ تطفو المشاعر غير المحلولة على السطح بطرائق غير متوقعة.

لذا عليك الاعتراف بآلية التجنب العاطفي التي تمارسها، والاعتراف أيضاً بالمشاعر الصعبة وقبولها والتعبير عنها، من خلال تدوين اليوميات أو الرسم أو التلوين أو الفضفضة مع صديق موثوق. قد يكون هذا الأمر مرهقاً في البداية؛ لكن النهج التدريجي هو الحل. يمكنك أن تلجأ إلى العلاج النفسي المتخصص؛ إذ سيوفّر لك مساحة آمنة وداعمة لاستكشاف الصدمات الماضية وتعلُّم التعبير عن مشاعرك بطرائق صحية. ستجد كل ما تحتاج إلى معرفته عن آلية التجنب العاطفي في هذا المقال.

3. فكِّر لماذا يحدث هذا دائماً معك

لا يعني هذا أن الخيانة ذنبك، لا أبداً؛ لكنها قد تكون نتيجة أنماط متكررة في اختياراتك. لتوضيح ذلك: فكّر إن كنت تكرِّر سلوكيات محددة في علاقاتك التي تعرضت فيها إلى الخيانة أو الغدر أو العنف، أو تختار أشخاصاً متشابهين في السلوك إلى حد كبير. هل تثق ثقة عمياء بسرعة كبيرة؟ هل ثمة علامات تحذيرية تتجاهلها باستمرار؟

حسناً، لا تقسُ على نفسك، فالعديد من الناس يلجؤون إلى تكرار السلوكيات المضرة واختيار الأشخاص المسيئين المتشابهين لا لشيء إلا لأنها علاقات تبدو مألوفة. فالناس ينجذبون إلى الروتين والتجارب المألوفة التي قد تجعلنا نتغاضى عن العلامات التحذيرية أو نعيد ارتكاب الأخطاء نفسها. هذا السلوك متجذر في كل من علمَي النفس والأعصاب.

فمن ناحية نفسية، قد نسعى إلى تكرار المواقف الصعبة؛ أي نصادق أو نرتبط بالأشخاص الذين يُبدون العلامات التحذيرية نفسها التي تدل على أنهم سيقترفون ما نخشاه، على أمل الحصول على نتيجة مختلفة عما حدث في السابق. أما من ناحية عصبية، فإن السلوك يتحدد من خلال الرسائل العصبية التي تطلقها أدمغتنا، وهذه الرسائل العصبية تحب المسارات المألوفة أيضاً؛ ومن ثم ومجرد أن يصبح السلوك عادة، يصبح من الأسهل اتباع المسار نفسه.

إن كسر هذه الأنماط أمر صعب؛ لأن التغيير يجعلنا نشعر بعدم الارتياح. فعندما نحاول اتباع أساليب جديدة؛ مثل وضع الحدود أو التباطؤ في العلاقات، قد نشعر بالحرج أو أننا لسنا على السجية؛ ما قد يدفعنا إلى العودة إلى السلوكيات القديمة واتخاذ قرارات مماثلة دون إدراك المخاطر بصورة كاملة. ونتيجة لهذا؛ نظل عُرضة إلى أنواع الخيانة نفسها. بالمختصر المفيد: فهم هذه الأنماط وتغييرها بوعي أمر ضروري لكسر حلقة الخيانة المتكررة.

اقرأ أيضاً: هل يمكن اكتشاف الأشخاص الذين يميلون للخيانة الزوجية من خلال سماتهم الشخصية؟

4. افرض حدودك الصحية

يعد وضع الحدود أمراً ضرورياً للصحة النفسية، خصوصاً بعد التعرض إلى فعل صادم من الآخرين؛ لأن فرض الحدود يساعدك على إيضاح احتياجاتك وتوقعاتك، ويجنّبك تكرار الأخطاء الماضية، ويعزز التفاعلات الصحية من خلال ضمان فهم الآخرين لحدودك الشخصية واحترامها. تحدد الحدود؛ أي القواعد التي تضعها مع الآخرين ومع نفسك، والسلوكيات المقبولة وغير المقبولة والعواقب المترتبة على تجاوزها؛ ما يساعدك على حماية نفسك من الأذى في المستقبل مع الحفاظ على التواصل مع الآخرين وإعادة بناء الثقة.

5. ثِق بنفسك واهتم بها

قبل أن تتمكن من الثقة بالآخرين مرة أخرى، من الضروري أن تستعيد التوازن وتعيد بناء الثقة في نفسك؛ وهذا قد يحدث من خلال الاعتناء بنفسك؛ لأن العناية الجيدة بالذات تسهم في استعادة احترام النفس والثقة وتعزز القدرة على الصمود.

قد يشمل ذلك التأمل لتهدئة عقلك، أو ممارسة المشي أو اليوغا أو تمارين الصالة الرياضية لتعزيز الصحة البدنية والنفسية، أو الانغماس في البستنة لإيجاد السلام والرضا. دلل نفسك بمتع صغيرة مثل قطعة ملابس أو حقيبة جديدة، أو انغمس في الأنشطة التي تجعلك سعيداً مثل مشاهدة فيلمك المفضل. اسمح لنفسك بقيلولة أو فترة من النوم المريح فترةً أطول قليلاً من المعتاد. تؤكد هذه الأفعال من العناية الذاتية قيمتك، وتساعد على تخفيف الضيق، وتوفر أساساً للشفاء والنمو الشخصي.

تذكّر أن الخيانة قد تقوّض احترامك لذاتك وتجعلك تشك في نفسك والآخرين؛ لذا عليك أن تكون عطوفاً وصبوراً مع ذاتك، وقد يفيدك أن تعيد بناء الثقة باتخاذ قرارات صغيرة وتدريجية؛ مثل التدرب على الوثوق بشخص ما لأداء مهمة بسيطة، أو مشاركة معلومات بسيطة، ثم الانتقال إلى اتخاذ خيارات أكثر تعقيداً.

من المهم أن تتذكر أن بناء الثقة بالنفس لا يعني أنك لن ترتكب الأخطاء أبداً؛ بل يعلمك أن تكون أكثر تعاطفاً مع نفسك عندما تحدث الأخطاء، حتى لو كانت أخطاء في الحكم على الناس، وستفهم أن هذه الأخطاء دروس قيّمة تتعلم منها الكثير.

اقرأ أيضاً: احذرا تجاهلها! أهم العلامات التحذيرية في علاقتك بشريك حياتك

6. تخلَّ عن عقلية الضحية

يحدث في بعض الأحيان، ونتيجة التعرض إلى عدة صدمات سابقة؛ أن يُدفع الشخص إلى تبني عقلية الضحية؛ وهي عقلية تُبنى على 3 معتقدات أساسية؛ أولها أن أموراً سيئة حدثت في الماضي وسوف تستمر بالحدوث، وثانيها أن الآخرين والآخرين فقط هم المسؤولون عن سوء حظ الضحية، وثالثها أنه لا جدوى من محاولة إجراء أي تغيير على العقلية أو الوضع لأنه لن ينجح، وسوف تبقى الحال على ما هي عليه إلى أبد الآبدين؛ فالجميع خونة وهذا الشخص هو الضحية الوحيدة!

وبالطبع، من المفهوم أن يشعر هذا الإنسان بالضيق والألم والضعف والخوف عند تعرضه إلى صدمات سابقة، خصوصاً على أيدي أناس وثِق بهم أينما وثوق؛ لكن الحقيقة أن أيّ موقف سيئ يحدث، فإن العديد من العوامل المتعددة قد تكون متورطة فيه.

الخلاصة: نعم، قد لا تكون قادراً على التحكم فيما حدث لك في الماضي؛ لكن من المحتمل أن تمتلك بعض القدرة على التحكم فيما سيحدث لك في المستقبل. للتوقف عن التفكير بعقلية الضحية، عليك أن تسامح نفسك والآخرين الذين آذوك، والمسامحة لا تعني القبول بسلوك الخيانة؛ وإنما الغفران فقط من أجل تخفيف العبء العاطفي.

سيساعدك أيضاً أن تقرأ كتب المساعدة الذاتية، وتنخرط في حب الذات، وأن ترى نفسك شخصاً يستحق الاهتمام واللطف والعطف، وتمارس عادة كتابة المذكرات للتخلص من المشاعر السلبية، وتبدأ قول "لا"، مثلما ذكرنا سابقاً في وضع الحدود، للجوانب التي لا تتوافق مع قيمك أو مع ما تريده في حياتك. ولا تنسَ أن تولي نفسك الأولوية، وتمارس الامتنان لما لديك بالفعل في حياتك، وختاماً أن تختار الأشخاص الذين تقضي وقتك معهم بعناية.

7. اطلب الدعم

عليك أن تختار الأشخاص الذين تقضي وقتك معهم بعناية، فليس الجميع سيئين أو خونة أو غدّارين؛ بل ثمة الكثير من الأحباء الذين يمكنك أن تعوّل عليهم؛ إذ يستطيعون تقديم الرفقة والنصيحة والمساعدة حتى عندما لا يعلمون بالضبط ما حدث معك. إذ من المفهوم أنك قد تستصعب الحديث عما جرى، خصوصاً في حال وجود أصدقاء مشتركين بينك وبين الشخص الذي خان ثقتك. لذا؛ قد ترغب في الاحتفاظ بالتفاصيل الدقيقة لأحبائك الأكثر موثوقية.

في بعض الأحيان، قد تصعب مواجهة الصدمة بمفردك، وهنا يأتي دور المختص في الصحة النفسية الذي سيساعدك على الاعتراف بالخيانة والعمل على تجاوزها قبل أن تسبب ضائقة مستمرة؛ كما سيساعدك على التخلص من الآثار الطويلة الأمد للصدمات السابقة.