ما بعد الخيانة: اختبارٌ مجهول النتائج!

ما بعد الخيانة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اكتشاف أن شريكك كان على علاقة غرامية أمر مؤلم للغاية؛ كما أن نتائج الأزمة التي تلي الخيانة الزوجية غير مؤكدة للزوجين، لا سيما عندما تفقد الثقة بالآخر ويقودك حدسك إلى تتبّع جرم الخيانة في حال ارتُكب مرة أخرى.

لا يُعتبر الإخلاص مشكلة في العلاقة الزوجية اليوم. وعلى الرغم من تعرُّض الكثير من الأزواج للخيانة الزوجية فهي ليست تجربة بسيطة على الإطلاق لأنها تسبب اضطراباً دائماً وتقوّض الثقة التي تعد أساس العلاقة الزوجية.

في هذا السياق تقول مريم: “في الأيام الأولى التي أعقبت اعتراف زوجي بعلاقته بزميلته في المكتب، شعرت بالغضب والألم والإذلال. اعتقدت أن الحل الوحيد هو الانفصال؛ لكن لاحقاً، وبفضل محادثة مع صديقتي، فهمت أن اعترافه لي بذلك طريقة تبيّن اكتراثه لمشاعري. بعد أن تحدثنا وبكينا لأسابيع، لم يكن سعيداً برؤية حزني يقتلني شيئاً فشيئاً، وأدركنا في خِضمّ هذا الفيض من المشاعر قوة الحب الذي ربطنا. وعلى الرغم من كل شيء لا نعرف حتى الآن ما إذا كنا سنتمكن من البقاء معاً، لا سيما وأنني أصبحت غير واثقة فيه للغاية وهذا ما دمّر حياتنا”.

الوعي

تمثّل الأزمة التي يواجهها الزوجان إثر الخيانة الزوجية اختباراً لا نعرف نتائجه؛ حيث يمكن أن تنتهي بانفصال صعب أو تفتح آفاقاً جديدة. وبحسب المعالج النفسي سالومون نازيلسكي: “ينفصل بعض الأزواج عن بعضهم بعضاً بعد استمرارهم معاً لسنوات بسبب علاقة طائشة دامت لليلة واحدة، بينما يتمكن آخرون من التغلب على أزمة اكتشاف الخيانة”.

في الواقع تدل هذه المواقف على وجود مشاكل يجهلها الشريكان في علاقتهما. وتُعتبر هذه المشاكل فرصة لتعميق مشروع الزواج بين الشريكين، فلا يمكن أن يقوم ارتباطهما على العلاقة الحميمية فحسب. يجب أن يكون بطلا العلاقة الزوجية ناضجَين بما يكفي لاستجواب نفسيهما.

يفيد التعرض للخيانة الزوجية بوجود طرف ثالث تسلل بين الشريكين. إنه شخص غير مرئي لكنه يرغب في أحدهما. وفي هذا الصدد يقول أحمد: “أكثر ما أدهشني عندما علمت أن زوجتي كانت على علاقة غرامية مع أحدهم هو تغير نظرتي إليها. حتى ذلك الحين لم تكن لدي فكرة عما تفعله زوجتي من ورائي وهذا ما كان يجعلها تعيش مطمئنة معي”. 

بعد ذلك بدأت أفكر في ما لفت نظر الشخص الآخر إليها، وتساءلت عما إذا كان تأثّر بنفس الأشياء البسيطة التي علقتني بها كثيراً، أو اكتشفَ جوانب أخرى جعلتها تهرب مني. لقد عانيت بشدة ولكن منذ تلك اللحظة أصبحت كنت أكثر انتباهاً لأنني أحب زوجتي وأريد الاحتفاظ بها”.

اقرأ أيضا:

اكتشاف الخيانة

هل نتصرف بنفس الطريقة عند اكتشاف الخيانة مصادفةً واعتراف الشريك بها؟ تقول سوزان: “ما لم أقبله أبداً هو سماع صوت امرأة أخرى عن طريق الصدفة عندما كنت بصدد الاتصال برفيقي في صباح أحد الأيام لإخباره أن قطاري قد تأخر، وكانت تصرخ في الهاتف قائلةً: “هل في حياتك امرأة أخرى غيري؟”. في الحقيقة لم أتعافَ بعد من هذه الصدمة، ولا أستطيع أن أتخيل كيف تصدقون تصريحات الرجل عن الحب مرة أخرى على الرغم من خيانته!”.

لكن يوضح الطبيب والمعالج النفسي جاك-أنطوان مالاريفيتش أنه: “من الصعب اكتشاف الخيانة صدفةً”. ويضيف: “هكذا نستنتج أن الآخر لن يتحمل وقع صدمة الخيانة، لا سيما وأنه كان من الممكن أن يبقى مخدوعاً لفترة طويلة جداً. بينما عندما يعترف الشريك بالخيانة فهو يعبّر عن عدم قدرته على الاستمرار بهذه الخديعة ورغبته في الحديث عنها”.

وإذا تمكن البعض من “استيعاب” الاعتراف والموافقة على الخوض في النقاش، فإن البعض الآخر غير قادر. تقول لميس: “عندما اعترف لي رفيقي بأنه كان يخونني لعدة أسابيع لم أتردد في خيانته أيضاً، وفي النهاية شعرت أنني بخير. اكتشفت أنه لم يكن مخطئاً تماماً عندما أوضح لي أن ممارسة الجنس مع شخص آخر لا تُفسد علاقتنا”. 

“قمت بخيانة زوجي عندما كنت في مهمة عمل لكنني كنت أتوق للعثور عليه حتى نتحدث. بعد مناقشة عاصفة استمرت لأكثر من ثلاث ساعات، انتهى كل شيء بممارسة العلاقة الحميمة كما لو أننا لم نفعل ذلك منذ فترة طويلة!”. 

بالنسبة إلى جاك-أنطوان مالاريفيتش هناك نوعان من الأزواج: “النوع الأول هو الأزواج الذين يعتبرون أن كل فعل دليل على الحب أو عدمه، وبالنسبة لهؤلاء فإن الخيانة الزوجية قد تكون مدمِّرة لأنها سلاح يحول الآخر إلى ضحية. أما النوع الثاني فهو الأزواج الذين يحتاجون إلى إعادة ضبط المسافة الصحيحة بينهم بانتظام. يمكن أن يتحول هذا الموقف لصالحهم لأنه يسمح لهم بالتحقق من مدى قوة ارتباطهم”.

اقرأ أيضا:

استسلم ولكن لا تفترق

مؤخراً؛ تزايدت حالات الطلاق حتى بات نقصان فرد ما من العائلة أمراً عادياً. ومع ذلك يتساءل الكثيرون عن أسباب مرور هذه السنوات القاسية، وسرعان ما يدركون أن حياتهم كانت درامية إلى أقصى الحدود، ولا سيما النساء اللواتي يطلبن الانفصال عن الشريك مع العلم أن الخضوع لبعض الإغراءات لا يعني بالضرورة تدمير العلاقة الزوجية. تقول المحللة النفسية إيزابيل كوروليتسكي: “وأخيراً؛ تخرج النساء بعد الطلاق من حلم الحب المطلق”.

ما أجده مثيراً للاهتمام عند أولئك الذين يسمحون لأنفسهم بالمغامرات؛ أنهم يتعلمون كيف يمنحون الفرصة لغيرهم ويستعيدونها ومن ثم ينتقلون إلى مكان آخر كما يشاؤون، بالتوازي مع المحافظة على استقلالية العلاقة مع الشريك والأطفال والعمل والعشيق والأصدقاء. وتظل النساء حتى ذلك الوقت ممزقات بين الأدوار المختلفة التي يرغبن في تأديتها. كون هؤلاء الأشخاص غير مخلصين يتيح لهم بناء التماسك بين هذه الأجزاء المختلفة من أنفسهم. إلا أن هذه الاعتبارات لا تصمد أمام مشاعرنا لأنها خارج حدودنا ولا يمكننا السيطرة عليها.

يقول جمال: “كانت زوجتي مخلصة لأن العقد بيننا ليس قائماً على الإخلاص وإنما على الاعتراف بالحقيقة، وهذا ما فعلته. لسوء الحظ؛ لقد تحملت الأمر بشكل أقل مما كنت أتصور وأنا اليوم غير قادر على بذل المزيد من الجهود اللازمة لمواصلة الحياة سعيداً. أنا عصبي وعنيف أحياناً حتى لو أكدت لي أن علاقتها الغرامية لا تثير أي مشاكل بيننا”.

في الحقيقة يجب أن يتخلل حياة الزوجين بعض العقبات، ويتعلق الأمر في بعض الأحيان بالتوازن بين الرغبة والحب والعقل وغير المعقول. غالباً ما لا تقاس عواقب الخيانة الزوجية إلا بعد مرور الوقت؛ كما أن الانفتاح على المجهول هو المخاطرة بالنفس وللآخر.

طعن احترام الذات

يمكننا دائماً أن نقول لأنفسنا أن الغيرة شعور قبيح وأن الحب يعني منح الحرية للآخر، فمن المستحيل التفكير بمفردك وأنت في علاقة مشتركة. من ناحية أخرى. عندما ينفتح الجرح النرجسي المصاحب لخيانة الشريك؛ فإنه يكشف عن مدى تدني احترام الذات؛ ما يؤدي إلى التشكيك في قيمتها وقوتها، وكلما شعرنا أننا غير محبوبين زادت معاناتنا.

لكن قد يصل هذا الشعور إلى الواثقين من أنفسهم أيضاً، فيكفي أن تحدث “الخيانة” في سياق استثنائي؛ طرد أو خيبة أمل مهنية أو فجيعة، فيتأزم الوضع ويتساءل الشريك: ما الذي لديه أكثر مني؟ هل لأنه أصغر سناً وأكثر وسامة وثراءً وذكاءً؟ كيف يرضي شريكي أكثر مني؟

يتم طرح هذه الأسئلة في أي مرحلة عمرية ولكنها تزداد على مر السنين. لذلك عادةً ما يقول الخونة من هذا النوع: “توقف عن مقارنة نفسك به، فدخول طرف ثالث إلى العلاقة لا يمت إليك بِصلة إليك”. ويقول سبينوزا أيضاً: “تكمن السعادة في التخلي عن مقارنة الذات بالآخرين”. ما أسهل القول وأصعب الفعل خاصةً عندما تعتريك الحاجة لفهم ما حدث! في المقابل لا ينفصل جميع الأزواج بعد الخيانة لكن الجرح النرجسي للشريك لا يتعافى نهائياً. 

هل أعترف بالخيانة الزوجية؟

تشير عالمة النفس سارا-آن دي سانت أوبار إلى أن “الاعتراف” يفيد الكثير فيما يتعلق بالثقافة اليهودية المسيحية التي نأتي منها”. لكن عموماً يعتمد كل شيء على المفهوم الذي يكرسه المرء للتعبير عن حياته. 

إذا اعتبرنا أن علاقة الزوجين عبارة عن مكان يدور فيه حوار حميمي حيث يشارك كل منهما تطوره بمرور الوقت مع الآخر، فيجب على الشريكين الاعتراف نظراً لكون الخيانة الزوجية علامة على التغيير داخل الشخص وبالتالي يجب إبلاغ الآخر حتى يتمكن من الاستمرار في التطور أيضاً.

من ناحية أخرى؛ إذا اعتبرنا أن علاقة الزوجين رحلة ثنائية مشتركة لشخصين يحتفظ كل منهما بحديقته السرية، فلا يوجد سبب للاعتراف لأن الخيانة تتعلق بمرتكبِها فقط. 

اقرأ أيضاً:

المحتوى محمي !!