هل تخون النساء كما يخون الرجال؟

خيانة المرأة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لم يعد خوض مغامرات غرامية وتحمّل تبعاتها خارج عشّ الزوجية امتيازاً للذكور، وإذا كانت النساء قد اكتسبن “الحق” في الخيانة الزوجية، فإننا لا نزال نعتقد أن خيانة المرأة أكثر “خطورةً” من خيانة الرجل. فكيف تعيش النساء هذه المسألة؟

داخل شقة من غرفتين في منطقة “لوماري” الباريسية، يبدو جهاز كمبيوتر مفتوحاً على المكتب، وكأسان من الشراب على الطاولة، وقد فُرش سجاد على الأرض، بينما تحجب النوافذ ستائرُ سميكة، والدفء يملأ المكان الذي يشبه عشّاً حميمياً لطائر غريب. شخص نحيف وأشقر يشرح مبتسماً وبهدوء أن المغامرات الغرامية جزء من حياته “أنا غير مخلص، هذا من طبيعتي. والشخص الذي أعيش معه يعرف ذلك، وأنا أعلم أن ذلك مؤلم له؛ لكن انحرافاتي لا علاقة لها بحبي له. علاقتي الزوجية ضرورية لتوازني… بقدر مغامراتي. عندما أذهب للبحث خارج البيت، فإنني أفعل ذلك لنفسي. هذا يطمئنني على جاذبيتي وحريتي. أحياناً أغيب عن البيت لعدة أيام؛ لكنني أعود دائماً. إن قيامي بجولة في الخارج يسمح لي برؤية مدى روعة ما أعيشه في الداخل”.

إنها كلمات سمعناها آلاف المرات من زير نساء، ولازمة أزلية ردّدها دون جوان، ومقولات مكرّرة من كازانوفا؛ لكنها تختلف وهي صادرة من فم امرأة. فالطّائر الغريب الذي كان يتحدث هو في الحقيقة عصفورة، لا هي عاشقة يائسة تبحث عن المِثال، ولا خائنة متألمة سجينةُ وضعِها كامرأة. لا هذا ولا ذاك، إنها امرأة من نساء اليوم. إنها مايينا لُشُغْبونييه، باريسية في الرابعة والثلاثين من العمر، امرأة مستقلة، تتحمّل مسؤولية رغباتها وتبحث عن متعتها. تقول مايينا وهي تتحدث عن أول خطيئة لها: “أنا حرة حرّرتها الخيانة الزوجية”. قبل عشر سنوات، سمحت لها هذه الخطيئة الأولى بترك زوجها، وهي تصف ذلك قائلة: “لقد كانت ولادة جديدة، لقد كانت اكتشافاً”، إلى درجة أن ذلك دفعها إلى تأليف كتابها “في مديح الخيانة الزوجية” (Éloge de l’adultère) ليمثّل حجراً إضافياً في صرح الخيانة الزوجية النسائية الذي دشنته فرانسواز سيمبير بكتابها “حبّ عدة رجال” (Aimer plusieurs hommes)، أو كاثرين مييه بمؤَلَّفها “الحياة الجنسية لكاثرين مييه” (La Vie sexuelle de Catherine M).

متقلّبات، مستمتعات، شرِهات

ترتب كل واحدة من هؤلاء النساء الثلاث، العشاق في سجلها الخاص قبل الكتابة عنهم دون خجل أو قسوة. أحياناً عاشقات وأحياناً دون ذلك. إنهن متقلّبات، مستمتعات، شرِهات، يحصلن على متعتهن حيث يجدنها، دون شعور بالذنب، ثم يعدن إلى قواعدهن؛ حيث ينتظرهن أزواجهن. باختصار؛ إنهن يخنّ مثل الرجال، أو بالأحرى؛ يخنّ بطرق يُجمع غالبية الناس على أنها ذكورية.

هل هي صور نمطية عفا عليها الزمن؟ لن نشك في ذلك إذا تأملنا الإحصائيات. مايينا وفرانسواز وكاثرين يمثّلن غيضاً من فيض؛ يمثلن الفئة الأكثر إمعاناً في الخيانة؛ لكن قاعدة هذه الفئة من النساء آخذة في النمو، فوفقاً لآخر تحقيق شامل عن النشاط الجنسي في فرنسا (أشرفت عليه ناتالي باجوس وميشيل بوزون)، يعترف 34% من الرجال بخوضهم مغامرةً واحدة على الأقل، مقارنةً بـ 24% من النساء؛ وهو رقم يواصل الارتفاع! ولا تزال الفجوة كبيرةً لكنها تضيق. وتعتبر ناتالي باجوس؛ التي شاركت في الإشراف على هذا التحقيق، أن: “أحد التغييرات الرئيسية في العقود الأخيرة كان بلا منازع هو التشابه بين الحياة الجنسية للرجال والنساء، ويمكن ملاحظة ذلك في السّن الذي تتم فيه أول عملية جنسية، وكذلك في عدد الشركاء الجنسيين أو تنوع الممارسات”.

ومن الناحية المنطقية، فإن هذا الميل نحو التشابه بين الرجال والنساء في الجنس، يؤثر أيضاً على قضية الخيانة الزوجية، فغالبية النساء يعملن مثل الرجال، وهنّ مستقلات مالياً، ويعرفن كيف يدبّرن أمور حياتهن عندما تؤدي مغامرة الخيانة للانفصال عن شريك حياتهن. وقبل كل هذا، فالنساء لديهن حياة اجتماعية، وأصبحت الإغراءات بالنسبة لهن عديدةً مثل الرجال. وفي هذا الإطار؛ تحذر أخصائية العلاج الجنسي لورا بيلتران أنه: “في ظل هذه الظروف؛ لا أحد يبقى في مأمن من ارتكاب زلة، ومن المحتمَل أن نكون متساوين في هذا المجال من أعداد حالات الخيانة. وفي المقابل فإن الطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى هذه الانحرافات، والقيمة التي تُعطى لها، مختلفة تماماً تجاه النساء”.

ويظل الوفاء سلوكاً مثالياً بالنسبة لمُعظمنا رجالاً ونساءً، فكلنا نعتبر مغامرة الخيانة الزوجية استثناءً أو حادثاً. وتؤكد الأطروحة التي قدّمتها عالمة الاجتماع شارلوت لوفان ذلك: “يعتقد الرجال والنساء دائماً أن خيانة النساء أكثر خطورةً، لأن النساء سيكُنّ بالضرورة مولعات بعشّاقهنّ” هل هذا مجرد حكم مسبق؟ إنه ليس كذلك فقط.

اقرأ أيضا:

هل هنّ عاشقات بالضرورة؟

لقرون طويلة لم تكن فيها حبوب المنع متوفرة؛ تجلّت خطورة خيانة الأنثى في احتمال وقوع الحمل. ولكن إذا كان واقع غرف النّوم يتغير والإحصائيات تتطور، فإن “تمثّلات المجتمع لا تزال ثابتةً على نحو غريب”، كما تلاحظ ذلك ناتالي باجوس: “إننا نُدخل دائماً النشاط الجنسي للنساء في إطار علاقة الزواج أو العلاقة العاطفية. والحال أننا عندما نسألهن عن عدد الشركاء الذين تعرّفن عليهن، فإنهن يتحدّثن فقط عن أولئك الذين كانوا مُهمّين في حياتهن، بينما يعلن الرجال عن جميع شريكاتهم. ويتم تشجيع الرجال على التصريح بذلك، لأنه وفقاً للمعتقدات الجماعية؛ يجب أن تكون الحياة الجنسية للذكور نشطةً ومتنوعةً، ولا نزال نعتقد أن الرجال لديهم احتياجات جسدية أكبر”.

وتجد هذه الأفكار الجاهزة جذورها في علم النفس الفردي والجماعي، فحسب المحلل النفسي خوان دافيد ناسيو؛ مؤلف كتاب “صورُ جسدي” (Mon corps et ses images)، فإن “الممارسة الجنسية للرجل تُرى وتُقاس وتُقارن. وابتداءً من الطفولة يطور الأولاد علاقةً مع النشاط الجنسي مبنية على الممارسة والمنافسة. إنهم مفترسون، وهم في حالة من الأداء المتواصل”، ولهذا السبب يتم تمثُّل الرجال بسهولة ضمن استراتيجية الغزو الجنسي، بينما للمرأة مسار مختلف تماماً. وتشير عالمة النفس ألكسندرا شوكرون؛ مؤلفة كتاب “خُنّي إذا كنت تحبني!؟” (?!Si tu m’aimes, trompe-moi) إلى أن “العلاقة الجنسية تؤثر أكثر في جسم المرأة مقارنة بالرجل، لذلك يجب عليهن أن يكن في حالة من الثقة عند حدوثها، ومن هنا تأتي أهمية الجانب العاطفي في حياتهن الجنسية. إنهن مدفوعات إلى ذلك من خلال تربيتهن التي تقدّر التعبير عن المشاعر والعاطفة”.

حرية مقلقة

خلاصة القول إن الرجال أكثر خيانةً من شريكاتهن لأن المتعة الجسدية هي دافعهم، وهذا أمر سيئ للغاية بالنسبة لأولئك الرجال الذين يرغبون أيضاً في أن يكونوا عاطفيين… إنها مسألة مرتبطة بالدوافع والهرمونات، وخصوصاً هرمون التستوستيرون. يوضّح سيلفان ميمون؛ مختص أمراض الذكورة وأمراض النساء، الذي شارك مع الكاتبة ريكا إيتيان في تأليف كتاب “الجنس والمشاعر” (Sexe et Sentiments)، أن هذا الهرمون “يتم إفرازه بكميات أكبر لدى الرجل، ويشجع على النشاط الجنسي. لذلك سيكون الرجل أكثر نشاطاً في حياته الجنسية، ورغبته أكثر إلحاحاً وتكراراً لأنها مكانية، فالعناصر المرئية هي التي تثيرها، بينما تحتاج النساء للمزيد من الوقت لخلق جو مناسب، وتشغيل خيالهن. ولا بد من التنبيه مع ذلك إلى أن للبيولوجيا دورها؛ لكنه أيضاً ليس دوراً كبيراً جدّاً”.

إننا مزوّدون باعتبارنا كائنات حيوانيةً بسيرورة نفسية، كما أننا مندمجون اجتماعياً. إن معتقداتنا وتخيّلاتنا ومحرّماتنا توجّهنا بالتأكيد أكثر بكثير من تدفقات الهرمونات. وكل ما يتعلق بموضوع الخيانة الزوجية يلقي بثقله على النساء. تقول لورا بلتران مازحةً: “النساء يمتلكن أصلاً سلطة منح الحياة، وإذا كانت لديهن بالإضافة إلى ذلك إمكانية الوصول إلى نشاط جنسي دون عوائق، فسيصبحن قويّات جدّاً، وسيكون ذلك مقلقاً”. وتستمر الاختلافات في تمثّلات النشاط الجنسي حتى وإن كانت تميل إلى الاندثار؛ إذ يمكن للنساء اليوم أن يخنّ مثل الرجال اجتماعياً وقانونياً وتقنياً، ولم يعد لديهن امتياز المشاعر كما لم يعد الرجال محكومين ببهيميتهم؛ وهذه هي النقطة الأساسية في الموضوع دون شك.

اقرأ أيضا:

أرقام عن غياب المساواة

كشف تحقيق عن النشاط الجنسي في فرنسا أُجري تحت إشراف ناتالي باجوس وميشيل بوزون عن بعض الفوارق؛ من أهمها:

  • أن 9% من النساء مقابل 34.4% من الرجال يعترفن بأنهن أقمن “علاقتين جنسيتين متزامنتين مع شخصين مختلفين”.
  • صرّحت 18.5% من النساء بخوض تجربة واحدة على الأقل مع شخص “غير مهم”، مقارنةً بـ 41.2% من الرجال.
  • للمرأة 4.4 شركاء في المتوسط ​​خلال حياتها، بينما للرجل 11.6 شريكات في المتوسط.

خيانة الأنثى: قرون من العار

“لا تزْنِ”. إحدى وصايا تعاليم الدين المسيحي موجهة للجميع. ولطالما عوقبت النساء بشدة منذ العصور القديمة في جميع أنحاء العالم لارتكابهن الخيانة الزوجية أكثر مما عوقب الرجال. وتذكّر عالمة الاجتماع جانين موسوز لافو؛ مؤلفة كتاب “الحياة الجنسية في فرنسا”، بأن ذلك كان يحدث “ببساطة لأسباب تتعلق بالنَّسَب؛ إذ لم يكن الرجال يرغبون في تربية اللقطاء”.

وقد كان قانون نابليون (الصادر في فرنسا سنة 1804)، ينص على عقوبة السجن بالنسبة لجرم خيانة المرأة أو للنساء الخائنات. كما لم يكن يحق للرجال إعالة عشيقاتهن في منزل الزوجية تحت طائلة الغرامة المالية. وفي عام 1975، نصّ إصلاح قانون الطلاق على المساواة في المعاملة بين الرجل والمرأة. وبالإضافة إلى ذلك؛ لم تعد الخيانة الزوجية تُعتبر جريمة جنائية، ولم يعد بالتالي من الممكن مقاضاة النساء. كما دخلنا أيضاً عصر حبوب منع الحمل وتقنين الإجهاض. وفي هذا الإطار تضيف عالمة الاجتماع: “تم الفصل بين الإنجاب والجنس، وأصبح للنساء الحق في تحقيق المتعة والمطالبة بها؛ لكنّنا لا نستطيع أن نمحو قروناً من التاريخ الجماعي خلال ثلاثين عاماً. على الرغم من أننا نسمح اليوم للمرأة بالخيانة؛ إلا أننا نطلب منها على الأقل أن تكون في حالة حبّ لتبرير انحرافاتها”.

اقرأ أيضا:

المحتوى محمي !!