قد تنم أنماط حديثنا مع الآخرين في اللقاءات الاجتماعية ومناقشات العمل عن صفات لدينا لم تكن واضحة ما دمنا نتعامل مع أشخاص مألوفين بالنسبة لنا. على سبيل المثال، في حين تنطلق في الحديث مع أصدقائك المقربين، قد تظل متحفظاً في الحديث، ساعياً للظهور بمثالية عند انضمام شخص جديد للمجموعة. ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل قد تحاول بشتى الوسائل منع التواصل البصري مع هذا الشخص والشعور بانزعاج من وجوده.
كذلك، قد تشعر بمزيد من الحرية في الحديث عبر الهاتف أو من خلال الرسائل النصية أو خلال الاجتماعات الافتراضية أكثر من الحديث وجهاً لوجه، حتى مع نفس الأشخاص. والأمر هنا لا يتعلق بالطرف الآخر بشكل كامل، بل بـ "الخجل".
ويمكن تعريف الخجل بأنه الميل للشعور بالحرج أو القلق أو التوتر خلال اللقاءات الاجتماعية، خاصة مع الأشخاص غير المألوفين. قد يعاني الأشخاص الخجولون بشدة من أعراض جسدية، مثل احمرار الوجه أو التعرق، وبعض المشاعر السلبية عن أنفسهم النابعة من مخاوف بشأن نظرة الآخرين إليهم؛ ما يدفعهم إلى الانسحاب من المواقف الاجتماعية - بحسب الجمعية الأميركية لعلم النفس.
على الرغم من أن شعور معظم الناس بالخجل أحياناً هو أمر طبيعي؛ فإن الخجل لدى هؤلاء الأشخاص يكون شديداً لدرجة منعهم من التفاعل مع الآخرين حتى عندما يريدون أو يحتاجون إلى ذلك؛ ما ينتج عنه مشاكل في العلاقات الشخصية والعملية.
ما أعراض الخجل السلوكية والجسدية؟
غالباً ما تظهر أعراض الخجل في مرحلة الطفولة ويستطيع البعض تجاوزها ويتبدد خجلهم بمرور الوقت، بينما يظل آخرون غير قادرين على ذلك.
وتشمل أعراض الخجل السلوكية في المواقف الاجتماعية ما يلي:
- الصمت وعدم التفاعل مع الآخرين.
- تجنب التواصل بالعين أو الحد منه.
- تجنب المواقف الاجتماعية غير المريحة.
- إظهار سلوكيات عصبية، مثل لمس الوجه أو لف الشعر.
- الشعور بعدم الانتماء للمكان أو الموقف.
- الشعور بعدم الأمان أو الانزعاج من النفس بسبب الشعور بالخجل.
- الرغبة في الظهور بشكل مثالي.
- التمرن كثيراً على طريقة التعامل مع الآخرين والكلام الذي يمكن أن يُطرح خلال المناقشات.
- التردد في تجربة أشياء جديدة.
كما تشمل أعراض الخجل الجسدية:
- احمرار الوجه.
- تسارع ضربات القلب.
- التعرق.
- الغثيان.
- الدوخة.
ما أسباب الخجل؟
يمكن للمواقف الجديدة وغير المألوفة أن تجعل الفرد غير مرتاح؛ مثل اليوم الأول في المدرسة أو مقابلة شخص جديد أو التحدث أمام مجموعة لأول مرة. يحدث ذلك نتيجة عدم التأكد من كيفية التصرف أو معرفة رد فعل الآخرين.
كما تؤدي الجينات دوراً في تطور الخجل، والسلوكيات التي تعلمها الفرد، بالإضافة إلى التجارب الحياتية التي مرّ بها كما يلي:
- علم الوراثة: تؤثر الجينات في سمات شخصية معينة، بما في ذلك الخجل. ويكون لدى نحو 20% من الناس ميل وراثي ليكونوا خجولين بشكل طبيعي، وهو ما تعززه أو تضعفه الخبرات الحياتية.
- تجارب الحياة: عندما يواجه الناس موقفاً قد يؤدي بهم إلى الشعور بالخجل، فإن الطريقة التي يتعاملون بها مع هذا الموقف يمكن أن تشكل ردود أفعالهم المستقبلية في مواقف مماثلة. على سبيل المثال، إذا دُفع هؤلاء الأشخاص إلى مواقف غير مستعدين لها، أو إذا تعرضوا للمضايقة أو التنمر، فقد يجعلهم ذلك أكثر خجلاً.
- التنشئة: يمكن أن يؤثر الآباء والأشخاص المحيطين على نشأة الطفل خجولاً أو لا، فإذا كان والدا الطفل الخجول مفرطي الحذر أو الحماية يمكن أن يتعلم الطفل الابتعاد عن المواقف التي قد تكون غير مريحة أو غير مألوفة.
ما الفرق بين الخجل والقلق الاجتماعي والانطوائية؟
على الرغم من استخدام مصطلحي الخجل والقلق الاجتماعي بالتبادل كثيراً، إلا أنهما مختلفين. في حين يشير الخجل إلى الشعور بعدم الارتياح في المواقف الاجتماعية؛ يمكن التغلب عليه بتحفيز النفس للأداء بشكل جيد وتخطي الأمر. بينما يؤثر اضطراب القلق الاجتماعي (Social Anxiety Disorder) أو (SAD) في جودة حياة الشخص وعدم القدرة على التعامل مع الكثير من المواقف أو تجنبها من الأساس.
على سبيل المثال، لا يشعر الأشخاص المصابون باضطراب القلق الاجتماعي بالتوتر قبل إلقاء محاضرة أو عرض تقديمي فقط؛ قد يقلقون بشأن الكلام لأسابيع أو أشهر قبل ذلك، وينتابهم الأرق، وتظهر عليهم أعراض شديدة من القلق في أثناء الموقف، مثل تسارع ضربات القلب أو ضيق التنفس أو التعرق أو الرجفة. وعادة لا تختفي هذه الأعراض مع استمرار الموقف؛ بل تزداد سوءاً.
غالباً ما يدرك الشخص المصاب باضطراب القلق الاجتماعي أن مخاوفه لا أساس لها من الصحة؛ لكنه لا يزال غير قادر على السيطرة عليها، كما تشير مؤلفة كتاب "العلاج تحت المجهر: ما يمكن توقعه من العلاج المعرفي السلوكي لاضطراب القلق الاجتماعي"، آرلين كونسيك (Arlin Cuncic) في مقالها.
كذلك، في حين يتم الخلط بين الخجل والانطوائية؛ إلا أنهما ليسا نفس الشيء، وفقاً لمؤلفة كتاب "الهدوء: قوة الانطوائيين في عالم لا يتوقف عن الكلام"، سوزان كاين (Susan Cain). فالخجل هو الخوف من الحكم السلبي، والانطواء هو تفضيل البيئات الهادئة ذات الحد الأدنى من التحفيز.
إلا أنهما يتداخلان أحياناً؛ حيث إن العديد من الخجولين منطوين والعكس صحيح. فقد يصبح الشخص الخجول أكثر انطوائية بمرور الوقت؛ نظراً لأن الحياة الاجتماعية تحتوي على محفزات كثيرة تكون غير ملائمة لهذا الشخص، ما يجعله يفضل اكتشاف ملذات العزلة وغيرها من البيئات الاجتماعية البسيطة. وقد يصبح الانطوائي خجولاً بعد تلقيه باستمرار رسالة مفادها أن هناك خطأ في شخصيته.
3 طرائق فعالة للتغلب على الخجل
الخجل ليس أمراً سيئاً في حد ذاته، إلا أنه قد يعيق استمتاع الفرد بالأنشطة المختلفة أو التفاعل في مواقف تعزز من احترامه لذاته وتفوقه في حياته الدراسية والمهنية.
كما يمكن أن يؤدي الخجل للدوران في حلقة مفرغة، تبدأ بالشعور بالخوف المفرط من التقييم السلبي في موقف ما، يليه محاولة لتجنب مثل هذه المواقف للشعور بالراحة. إلا أن ذلك يولد شعوراً بالخزي ولوم الذات بمرور الوقت؛ ما يمكن أن يتحول لاحقاً لغضب ولوم الآخرين للاعتقاد بأنهم غير داعمين، ما يعزز الرغبة في تجنب المزيد من تلك المواقف.
للخروج من هذه الحلقة المفرغة، تقدم الاختصاصية النفسية، جينيس فيلهاور (Jennice Vilhauer)، عدداً من النصائح لتقليل حدة الخجل وزيادة اللياقة الاجتماعية:
1. خطط كي تسير الأمور على ما يرام
يرتبط الخجل بالتحفظ والميل إلى المبالغة في تقدير الأمور السلبية والخوف الشديد من تقييم الآخرين السلبي، لذلك يفكّر الشخص ملياً في المواقف الاجتماعية على كيفية عدم القيام بشيء خاطئ، بدلاً عن القيام بشيء صحيح.
تتمثل إحدى طرائق تقليل القلق في قضاء المزيد من الوقت في التفكير فيما يمكن فعله لإنجاح الموقف. إذا كنت قلقاً بشأن إجراء محادثة قصيرة، فاسأل نفسك بعض الأسئلة التي من شأنها أن تساعدك على خلق بعض الموضوعات الشيقة: ما الذي يحدث في حياتي والذي أشعر بالراحة عند مشاركته مع الآخرين؟ ما هو القاسم المشترك بيني وبين الأشخاص الذين سأقابلهم؟
وتضيف فيلهاور أن تحديد استراتيجية خروج في بعض الأوقات التي تشعر فيها أنك محاصَراً قد يكون مفيداً، لكن يجب عدم استخدامها كثيراً، لأن التغلب على الخجل يأتي من مواجهة المخاوف، لا من تجنبها.
2. كن فضولياً بشأن الآخرين
يشير المبدأ الأول في كتاب الكاتب الأميركي، ديل كارنيجي (Dale Carnegie) "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس" (How to Win Friends and Influence People) إلى ركيزة أساسية في التعامل مع الآخرين، وهو أن تصبح مهتماً بهم. يستند كارنيجي في هذه النقطة إلى عمل عالم النفس، ألفريد أدلر (Alfred Adler)، الذي كتب، "إن الفرد الذي لا يهتم بزملائه يواجه أكبر الصعوبات في الحياة".
لذلك في أي محيط اجتماعي، حاول صرف تركيزك عن نفسك، وركّز على الشعور بالفضول تجاه الآخرين. مَن هم ولماذا هم هناك؟ ما هي اهتماماتهم وهواياتهم؟ يمنحك هذا شيئاً مختلفاً للتركيز عليه ويساعدك على خلق محادثات؛ فكل شخص لديه قصة ليرويها. كما أن الطريقة الأفضل لتكون الشخص الأكثر إثارة للاهتمام في الغرفة هي أن تجد الآخرين مثيرين للاهتمام.
3. خفف حدة حوارك الداخلي
غالباً ما ينتقد الأشخاص الخجولون أنفسهم بشدة، ويمكن أن يكون حوارهم الداخلي قاسياً جداً ويتضمن أشياء لن يقولوها أبداً للآخرين؛ ما يتسبب في الكثير من الضرر العاطفي. وعندما يحكم الفرد على نفسه بقسوة، يفترض أن الآخرين سيحكمون عليه بنفس الطريقة؛ ما يسلبه احترامه لذاته وراحة باله.
لذلك يجب إيجاد حليف -صوت آخر- ليكون بجانبك في هذه المواقف يفوق هذا الناقد الداخلي. لتطبيق ذلك، ابدأ بملاحظة الأشياء الجيدة عن نفسك وتعلم "الرد" على ناقدك الداخلي بنفسك.
على سبيل المثال، عندما يبدأ الناقد الداخلي في إخبارك أنه لن يحبك أحد على الإطلاق، ذكِّر نفسك أن أكثر ما يهم هو حبك لذاتك. ومن خلال تعلم التحدث إلى نفسك بطريقة ألطف، لن يكون للمواقف الاجتماعية نفس القدر من القوة لإيذائك لأنك لن تعاقب نفسك إذا لم تسر الأمور على ما يرام.
يعد كل موقف اجتماعي تقابله تمرين صغير على ممارسة المهارات الاجتماعية والانخراط شيئاً فشيئاً في الحياة الاجتماعية ليصبح الأمر أكثر سهولة وطبيعياً. كما أنه لا بأس من الشعور بالحرج أحياناً، فهو أمر طبيعي تماماً، لكن لا يجب أن يكون عائقاً لإحراز التقدم نحو أهدافك.