كيف بإمكاننا تجاوز مخاوفنا؟

تجاوز مخاوفنا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نستطيع تجاوز مخاوفنا التي تكون مضحكة أحياناً ومقيِّدة لنا غالباً. ستتناول المقالة إضاءةً نفسيةً على هذا الشعور المعقد، بالتعاون مع “كريستوف أندريه” الخبير في العلاج السلوكي المعرفي لدينا.
افصل فرخ البطة عن البقية منذ ولادته وربّه في مختبر. بعد أيام قليلة ألقِ بظلال صقر فوق رأسه، ستجد أنه استلقى ولامس جسمه ومنقاره الأرض في إشارة منه إلى أنه خائف. لكن ألقِ عليه بظل طائر مهاجر وستجد أنه ليس لديه ما يخشاه وأنه لم يستلقِ.

تماماً كالطيور المائية الصغيرة، فلكل فصيلة مخاوفها، وهذا يرتبط بمسألة بقائها على قيد الحياة. لذا فإن البشر ميّالون جينياً إلى الخوف من الظلام والفراغ والبرد والماء والبرق والحيوانات المفترسة والعيون المحدقة والأماكن المغلقة وغيرها. لكن عندما يصاب المرء بذعر شديد من الخنافس أو عندما يُرهب من نظرات الآخرين لدرجة عجزه عن مغادرة منزله، يحق له حينها أن يفترض أن “مقياس المتاعب” الخاص به معطل.

كان التحليل النفسي مصدر التفسير السائد لهذا الرعب المبالغ به لفترة طويلة؛ إذ رأى “فرويد” في حالات “الرهاب” (الفوبيا) أو التخوف المزمن علامةً على الفشل في كبت الدوافع الجنسية أو العدوانية غير المقبولة. أما حالياً فيفضل علماء السلوك التفسير “البيولوجي النفسي الاجتماعي للرهاب”.

لا تخفِ خوفك

من المنظور الوراثي؛ يبدو بالفعل أن عتبة التقبل الفيزيولوجي والعاطفي للخوف تختلف من فرد إلى آخر. من هذا المنظور سيكون لدى الخائفين في الواقع حساسية من الخوف، فإذا ذعروا من فكرة الطيران، فإنهم يخشون أن يشعروا بمظاهر الذعر أكثر من أي شيء آخر، مقتنعين بأنهم سيتغلبون عليها بذلك، ثم ستعزز التجارب المؤسفة أو التربية التي تهوّل مخاطر العالم وتستخف بقدرتهم على مواجهتها هشاشة بنيتهم الأساسية.

إنه ليس خوفاً لا يمكن التغلب عليه، وحتى لو كان مسببه لا يمكن إزالته (مثل الثعابين أو نظرات الآخرين أو الموت) فلا يزال يتعين علينا حل المشكلة.

للأسف فإن العدو الرئيسي للتخوف الشديد والرهاب هو الشعور بالخزي. فبالإضافة إلى تكريس المرء طاقة هائلة لتجنب المواقف التي تثير التخوف؛ تجده يزيد تعقيد حياته بشدة عند محاولته إخفاء خوفه عمّن حوله. فتصبح حياته سلسلة من الفرص الضائعة (مثلاً رحلة عمل يرفضها خوفاً من الطيران، أو موعد رفيع المستوى يرفضه خوفاً من أن يظهر بمظهر غبي)، وقد يلجأ الكثيرون إلى تناول الأدوية النفسية (أدوية المؤثرات العقلية). لكن من ناحية أخرى؛ يتحمل المرء بعض المسؤولية عن خوفه المرضي كما يتحملها عن إصابته بمرض السكري.

تحدَّث بصراحة

يساعدك التحدث عن مخاوفك في التخفيف من تهويلها. السبب الأول لذلك أنه يرجح أن نجد أننا لسنا وحيدين كما كنا نظن، ويكمن السبب الآخر في مسألة التحرر من حديث النفس الذي نخرج فيه بأفكار تكون كل منها مرعبة أكثر من الأخرى (“ماذا لو لم أستيقظ؟ ماذا لو تركت الباب مفتوحاً؟ ماذا لو سقطت السماء فوقي؟”)، وغالباً ما نجيب عليها بإجابات محبطة (“لن أخرج أبداً من هذه الحالة، سيكون الأمر أسوأ”).

وأخيراً؛ لأن من تمكّنوا من التغلب على رهبة المسرح أو رهابهم أو تخوفهم، لن يتوانوا في إفادتنا من استراتيجياتهم، أو تزويدنا بمعلومات الاتصال بمعالجهم.

فكر بأسوأ سيناريو

يعتقد الخائفون أنهم يعرفون بالضبط مسبب خوفهم؛ لكن في الواقع ليس لديهم سوى فكرة مبهمة عما يمكن أن يحدث فعلاً إذا واجهوا ما يخيفهم.

ونظراً لأن التمثيل الذهني البسيط للشيء أو الموقف المسبب للرهاب كافٍ بأن يشعرهم بالقشعريرة؛ يدافعون عن أنفسهم من خلال صرف تفكيرهم فوراً إلى البحث عن حلول (مثل تجنب المرور بشارع معين أو الاتصال لإلغاء الطلب، وما إلى ذلك). ومع ذلك فطالما بقي الأمر غامضاً، يبدو الخطر أمراً لا يمكن تجاوزه.

إن الهدف من العمل المعرفي في العلاج (أي تحليل المعتقدات التي أوجدت الخوف) ليس التفاهم مع الشخص الذي يعاني من الخوف (مثل قول الحيوان الصغير لن يأكل شخصاً كبيراً) بقدر مساعدته بكشف ما يخاف منه فعلاً.

لذا دعونا نسلح أنفسنا بورقة وقلم، ونتخيل أسوأ سيناريو كارثي: “إذا سقطت الخنفساء على ذراعي، فما الذي يمكن أن يحدث لي فعلاً؟”، “إذا أغمي علي، ماذا سيحدث؟”.

بعد ذلك سنحاول في كل مرحلة أن نسأل أنفسنا عدة أسئلة: “ما هو احتمال حدوث هذا؟ هل حدوثه شديد الخطورة؟ ماذا ستكون ردة فعل الآخرين لو كانوا في موقفي؟ هل سيخرجون من الموقف سالمين؟ ما الذي يجعلني أظن أنني معرضة للخطر أكثر منهم؟ ما الأمر الذي يمكنني أن أفعله وسيكون مفيداً أكثر من الفرار؟”.

سنحاول في نهاية المنهج التخلص من الاعتقاد المتأصل الذي يبنى عليه خوفنا (“لا أستطيع التعامل مع الأمر بمفردي، أنا لست شخصاً مستحباً، الحياة هشة”). وفي النهاية؛ هذه المعتقدات التي تكون غالباً في اللاوعي وليست بالضرورة صحيحةً، هي التي يجب أن نحاربها.

عرّض نفسك للعوامل المثيرة للخوف رويداً رويداً

كلما زودنا الخائف بمعلومات (مثلاً تطفو الجثث في الماء، تخاف العناكب من البشر، يعقم الماء المغلي الأكواب) زادت فرص تدمير الأسس غير المنطقية لمخاوفه.

لكن الحوار وحده لا يكفي لأن رد الفعل الفيزيولوجي على الرهاب يعشش في منطقتيّ (الحصين واللوزة) من الدماغ؛ وهما ليستا منطقتيّ ذكاء منطقي. هذه هي المنطقة القديمة التي يجب نقل المخاوف منها من أجل التخلص منها. فبدلاً عن الهروب منها يجب أن نتقبل أن نشعر بها حتى تتلاشى، لذا عرّض نفسك للعوامل التي تثير هذه المخاوف.

لا يحبَّذ الانخراط في هذا التمرين وحدنا خاصةً أننا قد نعرض أنفسنا لخطر حقيقي إذا لم نتحكم في ردود أفعالنا. لذلك من الأفضل أن يشرف على هذه العملية ممارس مختص في العلاج السلوكي. ينفَّذ التعرض للشيء أو الموقف المثير للهلع بالطريقة التالية: نبدأ بوضع قائمة بالأشياء التي نخشاها بترتيب تصاعدي من الأمر الأكثر رعباً الذي لا يمكننا فعله مطلقاً (الحقيقة البسيطة المتمثلة في تخيل حصان ثم رؤيته في صورة ثم شم رائحته ثم الاقتراب منه ثم لمسه ثم الصعود على ظهره).

ستضم هذه القائمة التحديات التي يجب أن نواجهها بوجود من يرافقنا في البداية ثم بمفردنا. سيساعدنا المعالج على تحقيق هذه الأهداف تدريجياً من خلال مساندتنا في التعرض لفترة طويلة بما يكفي (لمدة ثلاثين إلى خمس وأربعين دقيقة) لرؤية الخوف يتدفق منا وإلينا مثل الموجة دون أن يقضي علينا.

لهذا من الضروري الامتناع عن اللجوء إلى دفاعاتنا المعتادة (مثل الفرار وغسيل اليدين القهري وأي سلوك قد تنسب إليه قيمة وقائية). بعد قضائنا وقتاً في الاعتياد وتعلم استراتيجيات جديدة سنلحظ تناقص خوفنا.

هل سيختفي الخوف تماماً من حياتنا اليومية في نهاية العلاج؟ لا، ولحسن الحظ سنعود ببساطة إلى مستوىً مقبول من التخوف أو الاشمئزاز، فقط ينبغي للعناكب أن تحذر.

مفردات الخوف

  • الخوف: هو رد فعل طبيعي عند مواجهة خطر حقيقي (مثل كلب عدواني أو مصعد يهوي.. إلخ). هو مفيد لنا؛ إذ يسمح لنا بحماية أنفسنا عن طريق دفعنا إلى تثبيت حركتنا أو الطيران أو القتال. يمكن التغلب عليه من خلال تفسير الخطر منطقياً أو عندما يقيَّد مصدر الخطر.
  • التخوف: هو تخوف المرء من خطر لم يحدث بعد، وقد لا يحدث (مثل المرض أو الفشل أو أن يصبح المرء مكروهاً.. إلخ). عندما يكون معتدلاً يتيح لك اتخاذ تدابير احتياطية لتجنب الوقوع في مأزق، أما إذا كان مفرطاً يوقع المرء في دوامة من المخاوف والتصرفات التي تهدف إلى تقليل جميع أشكال المخاطر.
  • رهبة المسرح: هي تخوف من التقييم تثيره نظرات للآخرين، فبعضنا يخشى أن يكون أخرقاً ويُحكَم عليه بطريقة سلبية. تصبح الرهبة مرضيّةً عندما تؤدي إلى ذعر حقيقي وخزي نفسيّ شديد وتجنب حاد للمواقف العادية (مثل دعوات العشاء أو الاجتماعات أو التسوق)، ليعاني المرء بعدها من الرهاب الاجتماعي.
  • الرهاب: هو خوف مفرط مما يراه الفرد خطراً (مثل كلب مرح أو مصعد يعمل بشكل سليم.. إلخ). عندما يكون الرهابيّ مذعوراً يفقد جميع إمكانياته، ولا يمكن لأي تفاهم معه أن يطمئنه، وتكون حريته مقيدة باستراتيجيات التجنب.

اقرأ أيضاً:

  • “المخاوف الصغيرة والرهابات الكبيرة” (Little Anxieties and Big Phobias) للمؤلف “كريستوف أندريه” والرسوم التوضيحية بقلم “موزو”، لمواجهة مخاوفك بروح الدعابة بفضل المنهج التربوي للطبيب النفسي وموهبة رسام الكاريكاتير (دار “لو سوي”، 2002).
  • “الخوف من كل شيء” (The Fear of Everything) من تأليف “إيفلين مولار”. هو عمل حديث للتعمق في فهم آليات الخوف والعلاجات السلوكية والمعرفية (دار “أوديل جاكوب”، 2003).
  • “كُفَّ عن القلق بشأن” (Stop worrying about ) لمؤلفه “روبرت لادوسور”، مزود باختبارات وتمارين، وهو دليلك لتساعد نفسك (أوديل جاكوب، 2003).

error: المحتوى محمي !!