يعتمد الكثير من مرضى الاكتئاب في خطتهم العلاجية على مضادات الاكتئاب الدوائية باختلاف أنواعها. وبحسب الطبيب "دانيال بلوك" (Daniel Block)، فرغم فعاليتها فإنها تترافق مع ظهور بعض الآثار الجانبية المزعجة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها بحيث قد لا تناسب جميع المرضى.
وهنا تظهر أهمية الطرق غير الدوائية لمواجهة الاكتئاب التي سنستعرض لك أهمها؛ لكن علينا التنويه عن أهمية التحدث مع طبيبك حول جدوى الخطط غير الدوائية إذا كنت تعاني من الاكتئاب. أما إذا كنت قد بدأت العلاج الدوائي بالفعل فلا توقفه بشكل مفاجئ بهدف بدء الاعتماد على الطرق غير الدوائية.
حَسِّن نومك
لعلك تلحظ أنه عندما تنام جيداً تستيقظ غالباً في حالة مزاجية أفضل، وتكون أكثر قدرة على اتخاذ القرارات الصائبة؛ لكن في حالة مريض الاكتئاب فإنه عادة ما يواجه صعوبة في الحصول على قسط كافٍ من النوم.
ذلك ما أكدته مقالة بحثية كتبها الباحثان "ريبو جيندال" (Ripu D Jindal) و"مايكل ثاس" (Michael E Thase) من قسم الطب النفسي بكلية الطب التابعة لجامعة بيتسبرغ بالولايات المتحدة الأميركية (University of Pittsburgh School of Medicine)؛ إذ وضحا فيها أن اضطرابات النوم تظهر عند جميع مرضى الاكتئاب تقريباً، ومن هنا تنبع أهمية محاولة الالتزام بنمط نوم صحي قدر الإمكان.
وهو ما يرشدنا إليه الطبيب "ماثيو ووكر" (Matthew Walker) أستاذ علم الأعصاب وعلم النفس في جامعة كاليفورنيا الأميركية (University of California)، فيؤكد أن أفضل خطوة يمكن لمريض الاكتئاب فعلها لتحسين نومه هي أن يذهب للسرير في موعد ثابت يومياً، ويستيقظ صباحاً في موعد لا يتغير حتى في عطلات نهاية الأسبوع، بالإضافة إلى ترك تسعين دقيقة قبل النوم للاسترخاء.
يدرك الطبيب "ووكر" أنه أحياناً قد لا يتمكن المريض من النوم، ولمواجهة ذلك ينصحه بالنهوض بشرط مرور عشرين دقيقة على محاولته النوم، وفعل شيء يساعده على الاسترخاء حتى يشعر بالنعاس مرة أخرى ليعود إلى السرير، وذلك لأن الاستلقاء على السرير في وضع الاستيقاظ يمكن أن ينشأ عنه ربط العقل بين السرير وحالة اليقظة.
اقرأ أيضا:
مارس الرياضة
لا يمكننا أن نتحدث عن الطرق غير الدوائية لمحاربة الاكتئاب دون التعرض إلى تأثير التمارين الرياضية التي تعد فعالة حتى مع مرضى الاكتئاب الشديد، وفقاً لدراسة علمية أُجريت عام 2021 بالاشتراك بين جامعتيّ "لوبيك" (University of Lübeck) و"بيليفيد" (Bielefeld University) الألمانيتين، وتوصلت إلى أن النشاط البدني يحسن الأعراض السريرية للمصابين باضطراب الاكتئاب الشديد.
تشرح عالمتا الأعصاب الطبيبة "جوليا باسو" (Julia C. Basso) والطبيبة "ويندي سوزوكي" (Wendy Suzuki) ما يحدث عند ممارسة التمارين الرياضية؛ حيث تطلق مواد كيميائية في الدماغ مثل الدوبامين والسيروتونين تجعل الإنسان يشعر بالسعادة والبهجة، ولا يقف تأثيرها عند المدى القصير؛ إنما يمتد إلى تكوين خلايا دماغية جديدة على المدى البعيد فيجعل العقل أكثر مقاومة للاكتئاب.
لا تعني ممارسة الرياضة أن تبذل جهداً خارقاً، فيكفيك أن تبدأ بأبسط الأنشطة؛ مثل المشي المنتظم الذي تعدّه الطبيبة "سوزوكي" استراتيجية ممتازة لعلاج الاكتئاب دون أدوية، وتلفت الانتباه إلى أنه من الطبيعي ظهور بعض الآثار الجانبية في البداية مثل احمرار الجلد وسرعة ضربات القلب، لذا لا داعي للقلق؛ استمر في نشاطك مع زيادته تدريجياً.
راقب غذاءك
يرتبط نوع الغذاء الذي تتناوله بشكل وثيق بحالتك المزاجية، فبحسب دراسة أجرتها جامعة أمستردام الهولندية (University of Amsterdam) عام 2017 فالأشخاص الذين يتناولون الكثير من اللحوم الحمراء والسكريات ومنتجات الألبان عالية الدسم والأطعمة المقلية، يعانون من أعراض اكتئاب أكثر من غيرهم، وهو ما يشير أيضاً إلى أن الوجبات السريعة التي تقدَّم في المطاعم تعد اختياراً سيئاً لمرضى الاكتئاب.
بينما على الجانب الآخر أثبتت دراسة نشرتها المجلة الأوروبية للتغذية (European Journal of Nutrition) عام 2021 أن تناول كميات كبيرة من الخضار والفاكهة يمكن أن يقلل خطر الإصابة بالاكتئاب.
فوفقاً للباحث "سيمون باغاتيني" (Simone Bagatini) من معهد أبحاث التغذية في جامعة "إيديث كوان" الإسترالية (Institute for Nutrition Research at Edith Cowan University in Australia) الذي شارك في الدراسة، فإن الأشخاص الذين تناولوا كميات أكبر من الفاكهة والخضروات كانوا أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 20%.
وبحسب اختصاصية التغذية "أنيا روزين" (Anya Rosen) فإن هذه النتيجة لم تكن مفاجئة؛ إذ من المعروف أن الخضروات والفواكه غنية بالفيتامينات ومضادات الأكسدة التي تعزز وظائف النواقل العصبية في الدماغ، ومن ثم تحسن الحالة المزاجية.
لذلك تنصح "روزين" مرضى الاكتئاب باتباع نظام غذائي غني بالخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة، بالإضافة إلى الأطعمة البروتينية مثل البيض والدجاج واللحوم والمأكولات البحرية ومنتجات الألبان.
صمم روتينك اليومي
"إذا كنت مكتئباً فأنت بحاجة إلى وضع روتين تلتزم به"، يؤكد ذلك أستاذ الطب النفسي "إيان كوك" (Ian Cook)، فمن وجهة نظره؛ يبعثر الاكتئاب حياة المريض ويجعل أيامه متداخلة بلا ملامح، لذا سيكون من الضروري إعادة ترتيب المشهد بوضع جدول يومي للمهام.
ويتفهم الدكتور "كوك" أن مريض الاكتئاب يشعر أحياناً بعدم قدرته على تحقيق أي شيء، لذا من المهم أن تكون الأهداف الموضوعة في جدول المهام اليومية صغيرة في البداية؛ مثل غسل الأطباق وتنظيف المنزل، وتدريجياً تتنوع المهام وتزداد صعوبة عند الشعور بالتحسن.
أوقف سيل الأفكار السلبية
يعلم مرضى الاكتئاب التأثير البالغ الذي يمكن للأفكار السلبية أن تحدثه في أدمغتهم، فهي توصلهم إلى حالة مهلكة من اجترار الأفكار بلا جدوى أو حلول. ووفقاً للطبيبة النفسية "كارين يونغ" (Karen Young) فإن هذا الاجترار يحدث تغييرات في الدماغ، وذلك لأنه عندما تلازم الأفكار السلبية المريض تتصاعد دائرة الإجهاد في الدماغ، فيهاجم الكورتيزول الخلايا العصبية في الحصين الواقع داخل الفص الصدغي في الدماغ؛ وهو ما يظهر أثره بعد ذلك في صغر هذا الجزء من الدماغ عند مرضى الاكتئاب.
وتلفت الدكتورة "يونغ" الانتباه إلى أنه غالباً ما يحدث اجترار الأفكار السلبية عندما يكون الشخص وحيداً، لذا فالحل هو التواجد مع الآخرين أو القيام بأنشطة تقلل فرصة ظهور هذه النوعية من الأفكار، مع العلم أن ذلك الحل لن يكون سهلاً على مريض الاكتئاب، فهو غالباً ما يفضل الانعزال عن الآخرين؛ لكن يمكن التعامل معه باعتباره دواء يجب تناوله للتحسن.
اقرأ أيضا:
خصص وقتاً للتأمل
ستساعدك ممارسة التأمل على التعامل بشكل أفضل مع اللحظات العصيبة في حياتك اليومية. كانت تلك نتيجة دراسة علمية أجراها الأستاذ المساعد في قسم علم النفس بجامعة تورنتو ميسيسوغا الكندية (Department of Psychology at the University of Toronto Mississauga, Canada) "نورمان فارب" (Norman Farb) عام 2010.
فقد توصل "فارب" بالتعاون مع الفريق البحثي إلى أن الأشخاص الذين يمارسون التأمل بانتظام يتفاعلون مع الحزن بشكل مختلف يصل إلى الأماكن التي تنشط في أدمغتهم أثناء تلك اللحظات الحزينة، فهم يستخدمون الجزء المسؤول عن اللحظة الحالية لذا لا يقعون في فخ الأفكار المقلقة؛ وإنما يتجهون إلى تحليل أسباب مشاعرهم وكيفية التعامل مع الموقف بشكل إيجابي.
وتوجد عدة أساليب للتأمل بحسب الطبيب "تيموثي ليج" (Timothy Legg)؛ مثل: تمارين العد المترافقة مع التنفس، ومراقبة المشاعر التي تترافق مع الشهيق والزفير، إلى جانب التركيز على الشعور بأجزاء الجسم المختلفة. وليس ضرورياً أن تبدأ بمدة طويلة للتأمل، فخمس دقائق في البداية كافية، ومن ثم قم بزيادتها تدريجياً، فالأهم هو الالتزام اليومي.
أخيراً؛ من المهم إدراك أن الاكتئاب مرض حقيقي يصيب الشخص، مثله مثل السكري أو ارتفاع ضغط الدم، لذلك يحتاج إلى علاج ووقت لتمام الشفاء. ولا توجد خطة علاجية اتفق الأطباء على أنها تناسب جميع الأشخاص؛ إنما من المجدي اكتشاف الطرق المختلفة ومنها الطرق غير الدوائية التي ذكرناها في المقال.