ملخص: حين تقع في مأزق أو مشكلة في أثناء ممارسة حياتك اليومية، هل تلجأ إلى الحلول السريعة أم تحاول حل المشكلة من جذورها؟ الحقيقة أن عقلية البحث عن الحلول السريعة تؤثر تأثيراً سلبياً في صحتك النفسية؛ ولهذا عليك دوماً تفكيك تلك العقلية وحل المشكلة من جذورها، وإليك في هذا المقال كيفية فعل ذلك.
محتويات المقال
أقضي وقتاً طويلاً داخل مجموعات الفيسبوك المغلقة، خصوصاً تلك المخصصة للفتيات. هناك تسأل إحداهن عن مشكلة تخص علاقتها العاطفية، وفور أن تسأل، ودون أن يعرف باقي الأعضاء الأبعاد المختلفة للمشكلة، يطلبون منها فوراً إنهاء العلاقة. إذا كانت متزوجة فعليها أن تنفصل حالاً، وإذا كانت المشكلة تخص صديقتها عليها أن تقطع علاقتها بها فوراً!
ومع مرور الوقت، لم يعد الأمر مقتصراً على المجموعات المغلقة؛ بل أضحى هذا النمط في التعامل الذي يمكن أن نطلق عليك "الحلول السريعة" نمطاً شائعاً، فحتى المشكلات الخاصة بالعمل يُتعامَل معها بالأسلوب نفسه. إذا كان أحدهم يواجه مشكلة في عمله، عليه أن يغادره؛ وكأن الأفراد أصبحوا لا يريدون مواجهة أي مشكلات أو عقبات! ولكن الحياة لا تسير أبداً بهذه الطريقة، وأسطورة الحلول السريعة لن تجعلنا أفضل، فكيف نفكك هذه الأسطورة ونفهم عواقبها على الصحة النفسية؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
ما عقلية الحلول السريعة؟
يُشار إلى عقلية الحلول السريعة في سياق الصحة النفسية بأنها الحلول السهلة التي تخفف على الفور الأعراض المرتبطة باضطرابات الصحة النفسية، أو تحاول إيجاد حلول سطحية وسريعة للمشكلات التي تواجهنا. وبصفة عامة، يمكن اعتبار الحلول السريعة كوضع الضمادة الطبية على الجروح الغائرة؛ قد توقف الضمادة النزيف مؤقتاً لكنها لا تعالج الجروح بعمق. ومشكلة عقلية الحلول السريعة أنها تجعلك تشعر مؤقتاً بالأمان الزائف؛ حيث تتطلب بمرور الوقت الكثير من الجهد الإضافي وعادة ما تؤدي إلى تفاقم المشكلات.
والحقيقة أن محاولة إيجاد حلول سريعة وقطعية للعلاقات الإنسانية تُفقدها الكثير من معناها، فالعلاقات الإنسانية تُبنى بالأساس على بذل الجهد الواعي الذي يعد ضرورياً من أجل تنمية العلاقة. وفي عالم اليوم، تقدم لنا وسائل التواصل الاجتماعي فكرة توقّع الإشباع الفوري، والحل السريع والقطعي والنهائي للتحديات التي تواجهنا كلها. كل شيء متاح بنقرة واحدة، حتى إنهاء العلاقات أحياناً يحدث بضغطة زر البلوك؛ ولكن لا تسير الأمور على هذا المنوال، وبناء العلاقات المتماسكة والمستمرة لا يحدث أبداً من خلال اتخاذ الحلول السريعة والسهلة؛ ولكن من خلال التأني والصبر.
اقرأ أيضاً: دليلك للخروج السريع من الحالة النفسية السيئة
لماذا لا تنجح عقلية الحلول السريعة في التعامل مع المشكلات؟
يؤكد المؤلف جيسي سينجال (Jesse Singal) في كتابه "الحلول السريعة: لماذا لا يستطيع علم النفس البدائي علاج مشكلات مجتمعنا؟" (The Quick Fix––Why Fad Psychology Can’t Cure Our Social Ills)، إن الحلول السريعة تفشل لأنها تهمل الاهتمام بالأسباب الجذرية للمشكلات، ويمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى:
- توفير الراحة المؤقتة: فيما يخص الصحة النفسية، هناك مجموعة معقدة من العوامل التي تؤدي إلى الاضطرابات والمشكلات النفسية؛ بما فيها صدمات الطفولة وفقدان الأشخاص المقربين، والإجهاد والتوتر والتعرض إلى التنمر والشعور بالوحدة. وتفشل الحلول السريعة في حل هذه المشكلات لأنها توفر راحة مؤقتة أو حلولاً قصيرة المدى فقط؛ ما يؤجل التعامل مع الأسباب الرئيسة للمشكلات. الأمر يشبه قص الجزء العلوي من الحشائش عوضاً عن اقتلاعها من جذورها، فمع مرور الوقت سوف تنمو مرة أخرى. وغالباً ما تتطلب الحلول السريعة جهداً مكثفاً، وقد يكون الأمر مرهقاً للغاية. على سبيل المثال؛ لن تخفف الحبوب المنومة من شدة قلقك، ولن تساعدك على التعافي من التوتر المزمن. في أحسن الأحوال، ستوفر راحة مؤقتة من الأرق، وهناك خطر كبير يكمن في الاعتماد على هذه الأدوية من أجل مساعدتك على الاسترخاء والنوم.
- الاعتماد على أساليب التكيف غير الصحية: يلجأ الكثير من الأشخاص الذين يعانون المشكلات إلى أساليب التكيف غير الصحية مثل التدخين وتناول الكحول، والحقيقة أن تلك الأساليب لا تفشل فقط في حل المشكلة الرئيسة؛ ولكنها يمكن أن تؤدي إلى الإدمان، ومشكلة الإدمان أنه يبدأ كحل مؤقت ثم يتحول في حد ذاته إلى كارثة كبرى؛ ما يؤدي في نهاية الأمر إلى تفاقم الوضع الأصلي.
- الشعور الدائم بالإرهاق والضغط العصبي: يعتمد الكثير من الأفراد على الكافيين والسكر أملاً في الحصول على الطاقة اللازمة للتعامل مع المشكلات والإحساس الدائم بالإرهاق والتوتر. وعلى الرغم من أن الكافيين والسكر يوفران دفقة من الطاقة، فإنها يؤديان في النهاية إلى الإصابة باضطرابات النوم ، وذلك يخلق حلقة مفرغة لا تنتهي من المشكلات والشعور الدائم بالإرهاق.
- تجنب المشكلة: ربما يكون الأثر الأكثر أهمية على الإطلاق هو أن هذه الحلول السريعة تعمل كمشتتات؛ ما يسمح لك بتجنب معالجة الأسباب الجذرية. وبدلاً من مواجهة المشكلات في العمل أو في حياتك الشخصية، فإنك فقط تخفي الأعراض؛ ما يعني أن المشكلات تستمر في التفاقم تحت السطح.
- الحد من عملية النمو الشخصي: الاعتماد المفرط على الحلول السريعة يعوق عملية النمو الشخصي التي تتطلب إجراء تغييرات في نمط الحياة، ومواجهة المشكلات بشجاعة من أجل العمل على حلها، وتطوير مهارات التأقلم ومعالجة صدمات الماضي.
اقرأ أيضاً: 6 حلول للتعامل مع الضغوط اليومية
كيف تفكك عقلية الحلول السريعة وتواجه مشكلاتك؟
يحذر المختص النفسي أسامة الجامع من الحلول السريعة التي لا تتطلب تفكيراً عميقاً ولكنها تحتاج فقط إلى شعور جيّاش. على سبيل المثال؛ قد ينصحك أحدهم بترك العمل حين تواجه إحدى المشكلات أو بقطع علاقتك مع صديقك المقرب في أثناء الشجار؛ لذلك إذا أردنا حل مشكلاتنا علينا تفكيك عقلية الحلول السريعة عبر الخطوات التالية:
- وجه جهدك لحل المشكلة الرئيسة: الخطوة الأولى من أجل تفكيك عقلية الحلول السريعة تكمن في الرغبة الحقيقية بالتغيير وحل المشكلة الرئيسة. قد تشعر بنقصان الحافز؛ ولكن بمجرد أن تكون لديك الرغبة في حل المشكلة، يمكنك البدء في اتخاذ خطوات أخرى في رحلتك الداخلية تجاه حل مشكلاتك.
- اطلب المساعدة: يعد الاعتماد على دعم الأحباء حلاً فعالاً؛ لكن في حالة المشكلات الكبرى، يفضل طلب المساعدة المتخصصة. وفي هذا السياق، يوضح أسامة الجامع إن طلب المساعدة من المتخصص النفسي يؤدي إلى حل المشكلة من جذورها، وذلك عوضاً عن الحلول السريعة التي تفاقم المشكلات.
- تقبل مشاعرك: تجعلنا المشكلات التي نمر بها نواجه مجموعة معقدة من المشاعر. عليك تقبل هذه المشاعر ومحاولة التعامل معها إما من خلال كتابة اليوميات وإما بممارسة النشاط البدني؛ المهم أن تبذل قصارى جهدك من أجل الاتصال مع ما تشعر به.
- افحص أنماط سلوكك: هل تنخرط في تناول الطعام غير الصحي عند التعرض إلى المشكلات؟ أو تشتبك مع أصدقائك وتقرر مقاطعتهم بعد أي شجار؟ أياً كانت السلوكيات التي تتبعها، افحصها جيداً من أجل محاولة تغييرها.