بينما يمثّل الحزن والاكتئاب تجارب إنسانية طبيعية، قد نلاحظ مع ذلك أن استخدامهما بشكل خاطئ أصبح شائعاً لدرجة جعلت الناس يستهينون بجديّة مرضٍ كالاكتئاب، فبات تعاقب استعمالاتهما في لغة التواصل اليومية لا يفرّق بين هذا وذاك.
ولأنه يسهل بالفعل الخلط بينهما؛ أضحى من الضروري جدّاً أن نعرف الفرق بين الحزن والاكتئاب، وكيف نميز أهم الأعراض في كلتا الحالتين.
لماذا من المهم أن نعرف الفرق بين الحزن والاكتئاب؟
نقص الوعي والارتباك بخصوص أمراضٍ حقيقية قد يجعل الأشخاص الذين يحتاجون إلى علاج يتأخرون عن طلبه أو لا يطلبونه بتاتاً. ويمكن أن يجعل هذا الجهل الأشخاص الذين يمرّون بحالة مؤقتة قلقين للغاية بشأن حالتهم، ويذهبون لعيادات الاستشارة النفسية من أجل الشكوى، بيدَ أن المشكلة الأساسية لديهم لا تستدعي كل ذلك، وهذا لا يعني أيضاً أن المرور بأزمة نفسية معينة لا يستحق طلب المساعدة والدعم الممكنَين.
لهذه الأسباب وأخرى؛ يرى عالم النفس الإكلينيكي والكاتب غاي ونش (Guy Winch)، أن عدم القدرة على تمييز الفرق بين الحزن والاكتئاب له تأثيرات سلبية طويلة الأمد في الصحة النفسية والعقلية وصحة الجسم، وحتى طول العمر.
قابل ونش العديد من الأشخاص في سنوات عمله من الذين لا يعرفون الفرق، فأولئك الذين يعانون من الاكتئاب يعتقدون أنهم يمرون بحالة حزن شديدة فحسب، أو يُتوقع منهم الخروج من حالتهم بسرعة، أو يقال لهم إن: "كل شيء يحدث في رؤوسهم فقط". أما من يختبرون مشاعر الحزن فيتساءلون إذا ما كان الاكتئاب هو ما أصابهم، لذلك يعتقد ونش أن عدم التمييز بين الحالتين هو مشكلة كبيرة.
5 فروقات أساسية بين الحزن والاكتئاب
تشترك العديد من المواقف التي نواجهها في أمرٍ واحد وهو أنها تسبّب لنا الحزن، فهو عاطفة إنسانية طبيعية تتجلى في المزاج الكئيب والبكاء أحياناً، كما يمكن أن تستمر لعدة أيام أيضاً. ولكن يخبرنا خبراء الصحة النفسية من "ماين دوك" (MinDoc) إن هناك اختلافات جوهرية لا ينبغي الخلط بينها حين يتعلق الأمر بالفرق بين حالة الحزن والاكتئاب، ومعرفة ما يكمن وراء هذه الفروقات هو ما سيمكننا من معرفة كيفية التمييز بينهما، لذلك اقترحوا 5 اختلافات أساسية بين الاكتئاب والحزن:
1. الحزن عاطفة والاكتئاب مرض نفسي
يُعد الحزن عاطفة طبيعية ومفيدة لأنها تمكننا من القيام برد فعل مناسب للتعامل مع التجارب الصعبة كالانفصال على سبيل المثال، بينما يُعتبر الاكتئاب مرضاً نفسياً قد يستمر لأسبوعين أو أكثر، تشعر خلالها بالإرهاق وفقدان الحافز. كما يتميز هذا الأخير باستمرار الحزن كأحد الأعراض في أغلب الحالات، تصاحبها تغييرات في الأفكار والسلوكيات والتصورات العامة تجاه الحياة.
2. الحزن مُوجز والاكتئاب يستمر لفترة أطول
عادة ما يتناقص شعور الحزن مع الوقت من بدء ظهوره، ويمكن أن تشعر أنك بخير عموماً رغم حالتك الحزينة؛ إذ يمكنك الاستماع للموسيقى أو التواجد برفقة صديق أن يقلل من الشعور بالحزن تدريجياً، وهو ما لا يمكن تحققه إذا كنت تعاني من الاكتئاب، لأنه يبقى طاغياً على كامل يومك ويستمر لأسبوعين على الأقل؛ أي أنك تشعر أنها حالة ثابتة وغير متغيرة، أو بالأحرى يصعب الخروج منها.
3. الحزن رد فعل محدد والاكتئاب حالة عامة غير طبيعية
الحزن هو رد فعل على ظرف خارجي أو داخلي يتعلق بتجربة غير سارّة، بينما قد يحدث الاكتئاب من دون سببٍ معروف، حتى لو ظهرت أعراضه بمصاحبة تلك التجربة، فهذا يعني وجود أسباب نفسية غير التجربة بحد ذاتها أسهمت في حدوثه. ويكون الفرق بين الحزن والاكتئاب محيّراً لأنهما يشتركان في نفس الأعراض مثل اضطرابات النوم وفقدان الشهية.
ولكن ماذا بشأن الحداد حين نفقد قريباً أو شخصاً عزيزاً؟ يخبرنا خبراء ماين دوك إن الحزن في هذه الحالة يأتي على شكل موجات متقلبة من يوم لآخر بعكس الاكتئاب الذي يميل المصابون به إلى العزلة والانطواء على أنفسهم، غارقين في الشعور بالذنب وتراجع الثقة بالنفس، كما لا يتقبلون الدعم أو المساعدة بسهولة.
قد يهمك: أحدث الدراسات عن الاكتئاب في السعودية.
4. الحزن يغيّر مزاجك بشكل مؤقت أما الاكتئاب فيغير حياتك
تتغير الحالة المزاجية على نحو كبير إذا كنت حزيناً؛ ولكنها لا تؤثر في سيرورة ممارسة مهامك بشكل طبيعي. أما بالنسبة للاكتئاب، فالحياة اليومية العادية تصبح لا تُطاق، لأنك ستواجه تغييرات ملحوظة تهم جوانب مختلفة من حياتك كالمشاكل في النوم والشهية والرغبة الجنسية، إضافة إلى التعب و عدم الاهتمام بكل نشاط اعتدت أن يمنحك البهجة والنشاط سابقاً.
5. الحزن أمر شخصي أما الاكتئاب فيجب تشخيصه
اختبار شعور الحزن هو تجربة شخصية ومستقلة، فلا أحد يمكن أن يقنعك بغير ما تشعر به، بينما يتطلب الاكتئاب تشخيصاً رسمياً من قبل الطبيب النفسي طبقاً لمعايير وأعراض أساسية، والمدة الزمنية التي اختبرته فيها، لذلك تجنب استخدام لفظ "مكتئب" أو التلفظ بأنك تعاني من الاكتئاب إلا بعد الحصول على تشخيص طبي.
اقرأ أيضاً:
أعراض الاكتئاب تختلف حسب السن
ما يجب معرفته هو أن أعراض الاكتئاب قد تختلف من فئة عمرية لأخرى، فكبار السن مثلاً قد يرغبون بعزل أنفسهم في المنزل أو غرفهم بمنأى عن الناس، وقد تعتريهم نوبات غضب تُصعّب التعامل السلس معهم، وتؤدي مشاكلهم المتعلقة بالنوم والذاكرة وصعوبة الحركة -بسبب التعب- إلى الخلط بين الاكتئاب وأعراض الشيخوخة لديهم.
أما المراهقون فقد يظهر الاكتئاب لديهم بارتفاع مستوى حساسيتهم تجاه كل شيء، و يمتنعون عن الذهاب إلى المدرسة ويميلون للنوم لساعات أطول، وقد تتطور حالتهم إلى تعاطي المخدرات والقيام بسلوكيات ضرر ذاتية أخرى مثل الإيذاء النفسي.
وبما أن الاكتئاب يطال حتى الفئات العمرية الأصغر، فالأطفال الذين تنخفض درجاتهم في الفصول الدراسية ويعانون من عدم القدرة على الانفصال عن آبائهم أو أمهاتهم قد يكونون مصابين بالاكتئاب.
رغم سهولة الخلط فيما يخص الفرق بين الحزن والاكتئاب، يجب التروي بعض الشيء قبل تحديد الاكتئاب كحالة شخصية، فذلك قد يعني أنك قمت بتشخيص طبي خاطئ، حتى لو كنت بالفعل مصاباً بالاكتئاب، لأن المختص النفسي وحده يمكنه القيام بذلك. ويأتي فهم مميزات وأعراض كلتا الحالتين؛ أي الحزن والاكتئاب، في مقدمة زيادة ثقافة الصحة النفسية وتصحيح المفاهيم الشائعة.