لماذا تحمرّ وجوهنا عند الخجل؟ وكيف نسيطر عليه؟

4 دقائق
الاحمرار
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

ملخص: احمرار الوجه استجابة فيزيولوجية شائعة جداً نتيجة التوتر العاطفي. وعلى الرغم من أن الناس معظمهم قد يجدون احمرار الوجه حدَثاً يزيد إحراجهم، فإن تلك الخدود الوردية قد تؤدي وظيفة اجتماعية مهمة. وبالطبع، ثمة بعض النصائح التي قد تساعد على تقليل الخجل والسيطرة عليه.

يصبغ الاحمرار وجوهنا عنوةً عند الشعور بالإحراج أو الإذلال أو التوتر، وعلى ما يبدو فإن هذا الاحمرار يتغذى على خوفنا منه، فكلما خفنا أو قلقنا من فكرة وجوده يزداد! حسناً، ربما بتّ تعلم أن احمرار الوجه استجابة شائعة جداً للتوتر العاطفي؛ إذ يلجأ الجسم عند مواجهة أي نوع من التهديد إلى تنشيط استجابة "الكر أو الفر" (Fight or Flight Response)، فيرسل الجهاز العصبي الودي إشارات تسبب العديد من التغييرات الجسدية؛ ومنها توسع الأوردة الدموية في الوجه الذي يزيد تدفق الدم إلى هذه المنطقة جاعلاً الخدين أكثر احمراراً ودفئاً. وعلى الرغم من أن الناس معظمَهم يشعرون أن احمرار الوجه يزيد إحراجهم، فثمة تفسير من وجهة نظر اجتماعية قد يجعل احمرار الوجه يصبّ في مصلحتك، وإليك كيف.

اقرأ أيضاً: لمَ يتسم البعض بالخجل الشديد؟

لماذا نحمّر خجلاً من وجهة نظر اجتماعية؟

يمكن القول إن معظمنا لا يحب فكرة التورد خجلاً، فهو حالة ترتبط بالظروف الاجتماعية غير السارّة والارتباك والحيرة بشأن كيفية التصرف، وتخلق انطباعاً بعدم الكفاءة وانعدام الاتزان ورباطة الجأش. بالإضافة إلى ذلك، تسهم طبيعة الاحمرار اللاإرادية وغير الخاضعة للسيطرة في الشعور بعدم القدرة على التأقلم مع الوضع. ومع ذلك، دعونا ننظر إلى النصف الممتلئ من الكأس.

يجادل علماء النفس الاجتماعي بأن الاحمرار خجلاً في بعض المواقف الاجتماعية قد يخدم وظائف قيّمة؛ إذ يفترض عالم النفس في جامعة إيست أنجليا في المملكة المتحدة، راي كروجر (Ray Crozier)، أن الاحمرار قد تطوَّر وسيلةً لفرض القواعد الاجتماعية التي يجب على البشر الالتزام بها حتى تعمل المجتمعات بطريقة ودية.

فمن خلال الاحمرار، نعطي إشارة للآخرين بأننا ندرك الخطأ الذي ارتكبناه بحقّ المجتمع، وأننا آسفون لذلك؛ كما أن الأشخاص الذين يرون احمرارنا بعد موقف محرج، يفهمون المشاعر غير السارّة التي نمر بها في تلك اللحظة. بكلمات أخرى، يعمل الاحمرار في بعض الأحيان بوصفه اعتذاراً جسدياً غير لفظي، أو يؤدي وظيفة علاجية؛ ما يساعد على تصحيح الأمور بعد بعض المآزق الاجتماعية.

اقرأ أيضاً: ما الأسباب العلمية والنفسية لاحمرار الوجه عند الغضب أو الخجل؟

إذاً يشير الاحمرار إلى التزام الشخص بقواعد المجتمع ومعاييره وإقراره بمخالفته لها واستعداده للالتزام بها؛ ما يؤدي إلى إنهاء أي رد فعل عدائي من الآخرين ومساعدة المجموعة على مواجهة أي صراع قد ينشأ بين أفرادها وتقوية روابطهم.

وبالفعل، وجدت دراسة منشورة في دورية العاطفة (Emotion) التي نفذتها مجموعة من علماء النفس بقيادة كورين ديك (Corine Dijk)، أن الأشخاص الذين يحمرون خجلاً عند انتهاك بعض القواعد الاجتماعية يُنظر إليهم بنظرة أقل سلبية مقارنة بالأشخاص الذين لا يحمرون خجلاً في الظروف نفسها. إذاً؛ يساعد الاحمرار خصوصاً بعد وقوع حادث اجتماعي محرج على تحديد فيما إذا كان الآخرون سيغفرون لك أو لا، فيمكن أن يعمل لصالحك لأنه إشارة صادقة إلى ندمك واعترافك بالخطأ الاجتماعي؛ ما يعزز ثقة الجماعة بك.

ومع ذلك، إن التقييم الإيجابي للأشخاص الذين يحمرون خجلاً في بعض المواقف الاجتماعية ليس قاعدة دائمة؛ إذ بينت دراسة أُخرى منشورة في دورية بوصلة علم النفس الاجتماعي والشخصي (Social and Personality Psychology Compass) عام 2013، أنه وفي حال كانت الظروف الاجتماعية غامضة أو دوافع الناس غير واضحة، فغالباً ما يُنظر إلى الاحمرار على أنه علامة على الذنب وعدم الجدارة بالثقة؛ أي من الواضح أن السياق الاجتماعي يؤثر في تفسير المراقبين للاحمرار.

اقرأ أيضاً: 3 طرق تساعدك على الخروج من المواقف المحرجة

نصائح لتقليل احمرار الوجه

جدير بالذِّكر إن الأشخاص المصابين باضطراب القلق الاجتماعي يميلون إلى الاحمرار خجلاً في كثير من الأحيان، وبمعدل أعلى بكثير من الأشخاص غير المصابين بهذا الاضطراب. ووفقاً لأستاذ الطب النفسي، الدكتور هاشم رامي؛ فإن الشخص المصاب بهذا الاضطراب يشعر بقلق شديد عند وجوده مع الآخرين، وقد يعاني تسارعَ ضربات القلب والتعرق والتلعثم، ويُعد احمرار الوجه من أهم ما يميز هذا الاضطراب.

وعلى الرغم من أن احمرار الوجه الناتج من الخجل قد يلعب دوراً إيجابياً في بعض اللقاءات الاجتماعية، فإنه تجربة قد تسبب الكرب عند الكثير من الناس. لذلك؛ إليك بعض النصائح التي يمكنك اتباعها لتخفيف هذه الحالة:

  • تنفَّس: حاول أن تتنفس على نحو بطيء وعميق؛ ما يساعد الجسم على الاسترخاء بما يكفي لإبطاء احمرار الوجه أو إيقافه. وبما أن احمرار الوجه غالباً ما يحدث عند الشعور بالتوتر؛ فتقليل مقدار التوتر قد يقلل الاحمرار.
  • ابتسم: على ما يبدو فإن الابتسام عند الشعور بالتوتر والإحراج يساعد على خداع الجسم للاعتقاد بأنه أقل توتراً، فقد وجدت إحدى الدراسات أن للحفاظ على تعابير وجه إيجابية حتى ولو كانت مصطنعة خلال هذه الظروف فوائد فيزيولوجية ونفسية.

اقرأ أيضاً: هل أنا حساس بشكل مفرط؟

  • فكِّر في شيء مضحك: حاول أن تشتت انتباهك عن فكرة احمرار وجهك بأن تفكر في موقف مضحك أو نكتة؛ ما قد يجعلك تبتسم ويزيد شعورك بالراحة مؤدياً بدوره الى تقليل الاحمرار.
  • اعترِف باحمرار الوجه: قد يساعدك الاعتراف بأنك عرضة للاحمرار على الشعور بالاستعداد الكافي للتعامل مع المشكلة، وإذا تمكنت من التصالح مع فكرة الاحمرار خجلاً فقد تقلل الاحمرار.
  • أغمِض عينيك قليلاً: تظاهر أن الأشخاص الموجودين حولك غير موجودين، فذلك قد يُشعرك براحة أكبر ويساعد على تلاشي الاحمرار أو يمنع ظهوره.
  • تجنَّب التواصل البصري لبعض الوقت: إذا شعرت أن شخصاً ما سيحكم عليك أو يقيّمك نتيجة احمرار وجهك، فتجنَّب النظر في عينَيه لبعض الوقت؛ وهو ما قد يجعلك تشعر بالاسترخاء، ويمنع الاحمرار أو يسهم في زواله.
  • اشرب الكثير من الماء: قد يساعد شرب الكثير من الماء على التقليل من احمرار الوجه، خصوصاً شرب الماء البارد قبل الحدَث المرهق أو المسبب للتوتر. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجوّ الدافئ يحفز الاحمرار أكثر من الجو البارد؛ لذلك انتقل إلى مكان أكثر برودة أو قلل طبقات الملابس التي ترتديها عند احمرار وجهك.

بالإضافة إلى النصائح الآنفة الذِّكر، يمكنك أن تلجأ إلى حلول أخرى إذا كان احمرار الوجه يؤثر تأثيراً بالِغاً في حياتك الاجتماعية؛ مثل العلاج السلوكي المعرفي، أو الجراحة التي تتضمن قطع الأعصاب التي تسهم في تمدد الأوعية الدموية الموجودة في الوجه، أو تبحث عن أسباب كامنة أخرى قد تسبب احمرار الوجه؛ مثل الحساسية أو اضطرابات الغدد الصماء أو المتلازمة السرطاوية أو الإكزيما أو سن انقطاع الدورة الشهرية.