يرتبط التسوق والحالة المزاجية ارتباطاً وثيقاً. انظر إلى مشترياتك خلال فترة كنت فيها سعيداً وتنعم براحة نفسية، وما اشتريته عندما كنت قلقاً أو محبطاً أو تشعر بضغط شديد في العمل أو حياتك الاجتماعية، هل تجد فرقاً بين حجم المشتريات وأهميتها بالنسبة إليك في كلتا الحالتين؟
لا شك في أن موسم التخفيضات هو فرصة عظيمة لاقتناء ما نريده بسعر جيد؛ إلا أن البائعين خلال تخفيضات الجمعة البيضاء، المعروفة أيضاً بالجمعة السوداء (Black Friday)، لا يربحون ممن هم في حاجة حقيقية إلى ما يشترونه؛ بل المزيد والمزيد ممن هم ليسوا بحاجة إلى المشتريات إلا أن حالتهم المزاجية السيئة وشعورهم بالقلق وسمات شخصياتهم المنفتحة على التجارب الجديدة تدفعهم إلى سلوكيات شراء اندفاعية وغير صحية.
كيف تحفز تخفيضات الجمعة البيضاء التسوق الاندفاعي والقهري؟
يؤثر السلوك الاندفاعي سلباً في مناح مختلفة من حياتنا. والاندفاع هو الميل إلى التصرف من دون تفكير؛ مثل الركض عبر الشارع دون النظر حولك أو التقاط كوب شاي دون التفكير إذا كان ساخناً أو لا.
وقد يظهر ذلك السلوك الاندفاعي في التسوق بشراء أشياء لم تخطط لها ولا تريدها حقاً، وهو السلوك الذي يظهر في نوعين من التسوق؛ التسوق الاندفاعي (Impulsive Shopping) والتسوق القهري (Compulsive Shopping).
ووفقاً للاختصاصية النفسية إليزابيث هارتني (Elizabeth Hartney)؛ يشترك كلا النوعين في السلوكيات التي يمكن أن تؤدي إلى الشعور اللحظي بتحسُّن الحالة المزاجية ومشاعر الندم والصعوبات المالية لاحقاً إلا أن هناك عدداً من أوجه اختلاف.
1. سلوك التسوق الاندفاعي
يتضمن التسوق الاندفاعي شراء سلع لم يكن الشخص يخطط لشرائها، ويحدث ذلك غالباً بشكل غير متوقَّع وفي خضمّ اللحظة عند مصادفة منتجات عليها عرض مفاجئ "لا يمكن تفويته" أو منتجات مغرية للشراء.
وتتمثل علامات التسوق الاندفاعي في:
- إنفاق أموال أكثر من المخطط له.
- الشعور بالإشباع الفوري بعد عمليات الشراء غير المخطط لها.
- تكرار تبديل المشتريات أو إرجاعها نتيجة الشعور بالندم بعد شرائها.
2. التسوق القهري أو هوس التسوق
على عكس التسوق الاندفاعي، فإن التسوق القهري هو أكثر من مجرد إنفاق غير مخطط له؛ حيث ينطوي على حاجة قهرية لشراء سلع كثير منها ليس ضرورياً. ويحاول الأشخاص الذين ينخرطون في التسوق القهري تحسين مزاجهم وصورتهم الذاتية وتخفيف الضيق العاطفي بالإضافة إلى التعامل مع التوتر من خلال عملية الشراء؛ ما يؤدي إلى مشاعر قوية بالذنب والندم لاحقاً.
وتشمل علامات التسوق القهري:
- إنفاق أكثر مما يستطيع الفرد تحمُّله وتدهور وضعه المالي.
- إخفاء المشتريات أو الفواتير عن الآخرين.
- فقدان السيطرة على الذات خلال فترات التسوق.
- التسوق لمحاولة القضاء على الشعور بالذنب الذي نجم عن نزوة التسوق السابقة.
لماذا قد نفقد القدرة على التحكم في النفس خلال التسوق؟
يشير عالم السلوك غليب تسيبورسكي (Gleb Tsipursky) في مقاله حول صعوبة التحكم في أنفسنا ومقاومة تخفيضات الجمعة البيضاء، إلى ثلاث نقاط تدفعنا إلى مزيد من التسوق وقليل من ضبط النفس؛ وهي:
- انحياز ضبط النفس (Restraint Bias): وهو انحياز معرفي يشير إلى مبالغتنا في تقدير المدى الذي يمكننا به كبح جماح دوافعنا؛ أي أننا نمتلك قدراً أقل من ضبط النفس وقوة إرادة أضعف مما نعتقد.
- السعي إلى تجنب الشعور بالخسارة أو فقدان الفرصة بالتسوق أكثر بكثير مما نريد خلال فترة التخفيضات.
- تأثير العربة (Bandwagon Effect): وهو انحياز سلوكي يظهر عندما يكون الدافع الأساسي للقيام بشيء ما هو قيام أشخاص آخرون به بغض النظر عن وجود حاجة حقيقية إليه، فعندما نرى أشخاصاً في الجمعة البيضاء ملتفين حول سلعة ما فإننا سنميل للانضمام إليهم دون التفكير كثيراً.
اقرأ ايضاً: الجمعة البيضاء: تخفيضات تُسيل اللعاب قد تؤدي بالنفسية للعذاب
الأشخاص القلقون أكثر عرضة للإنفاق خلال الجمعة البيضاء
يشير أستاذ التسويق والباحث في مجال رفاهية المستهلك، أوتبال دولاكيا (Utpal Dholakia) في مقاله إلى أن القلق هو أحد أكثر العوامل النفسية تأثيراً في سلوك الشراء الاندفاعي؛ حيث يزيد القلق من:
يدفع القلق وفقدان القدرة على التحكم في مجريات الأمور الأفراد إلى مزيد من التسوق لاكتساب بعض السيطرة على حياتهم؛ حيث يمكن أن يساعد التسوق في هذه الحالة على الشعور ببعض التحسن وتخفيف مشاعر الحزن وفقاً لدراسة من مدرسة روس للأعمال بجامعة ميشيغان.
كما أوضحت نتائج دراسة أخرى من جامعة مينيسوتا الأميركية إن المستهلكين الذين لديهم مستويات عالية من التوتر والقلق والغضب والضيق والشعور بالذنب تكون لديهم نزعة قوية للشراء الاندفاعي؛ حيث يصبح التسوق وسيلة روتينية للتخفيف من القلق والاضطراب العاطفي.
2. تفضيل للخيارات الآمنة
بما أن فقدان السيطرة على مجريات الحياة هو أحد أهم مصادر القلق؛ قد يسعى الأفراد إلى التسوق كطريقة للتعامل مع الخيارات الآمنة والموثوقة لتقليل المخاطر وعدم اليقين الذي تصطبغ به حياتهم.
على سبيل المثال؛ أعرَب المشاركون الذين يمرون بقلق وضغط شديدَين في إحدى الدراسات المنشورة بدورية أبحاث المستهلك (Journal of Consumer Research) عن تفضيل أكثر سيارة بها ميزات الأمان مثل النظام المضاد للانزلاق، مقارنة بالسيارات الفاخرة.
3. الرغبة في التفاخر بامتلاك منتجات العلامات التجارية الفاخرة
يؤثر القلق الناتج عن عدم اليقين حول المستقبل والخوف من المجهول ومحدودية وقت الإنسان في الحياة في عملية الشراء؛ حيث يعزز القيم والقرارات المادية ويدفع الكثير من الناس للاستهلاك كإحدى الطرق الأساسية لخلق المعنى في حياتهم وتجربة السعادة حتى ولو كانت لفترة قصيرة بحسب دراسة منشورة في دورية "الجديد في أبحاث المستهلك" (Advances in Consumer Research).
كما تمد الأسعار الباهظة للعلامات التجارية الفاخرة الأفراد بما يسميه خبراء التسويق بالقيمة المضافة للرفاهية؛ والتي تُعرَّف على أنها تأثيرات الحالة الاجتماعية المرتبطة بالعلامة التجارية مثل تصور الجاذبية أو الحماية الاجتماعية أو النظر إلى الشخص على أنه خبير، فيتخطى الأمر فكرة ما يفعله المنتج إلى المعنى الذي يتم إنشاؤه عن طريق شرائه واستخدامه.
سمات الشخصية المرتبطة بزيادة الإنفاق
إذاً، للقلق دور كبير في التسوق الاندفاعي إلا أنه حالة من الممكن أن يتجاوزها الفرد ليستعيد من بعدها شعوره بالسيطرة على حياته والقدرة على التفكير الجيد في قراراته. لكن ماذا عن سمات الشخصية التي تلازم الفرد طيلة حياته والتي يصعب تغييرها؟
تؤدي سمات الشخصية دوراً مهماً في تفسير السلوك الشرائي الاندفاعي والقهري؛ حيث أظهرت دراسة منشورة بدورية البيع بالتجزئة وخدمات المستهلك (Journal of Retailing and Consumer Services) تأثير سمات الشخصية الرئيسية وتشمل: العصابية، والانفتاح في التعامل مع الآخرين، ومحاولة تجربة أشياء جديدة، و الضمير، والتوافق على تجارب التسوق.
حلل الباحثون في هذه الدراسة عينة من 363 بالغاً وبيانات مستمَدة من السوق الأميركية، ووجدوا رابطاً قوياً بين العصابية وهي النزعة لتجربة المشاعر السلبية مثل الغضب وعدم الاستقرار العاطفي، والانفتاح في التعامل مع الآخرين، وتجربة أشياء جديدة، والشراء القهري.
بينما كان الرابط بين سمة الضمير التي تعكس ميل الفرد إلى أن يكون مسؤولاً وملتزماً بالمعايير والقواعد، والتوافق حيث يكون الفرد متعاوناً وودوداً، ضعيفاً مع الشراء القهري.
كيف يمكننا إدارة الإنفاق خلال تخفيضات الجمعة البيضاء؟
في البداية، تستند طريقة التفكير الأساسية التي يجب تطويرها والاحتفاظ بها على الوعي والتخطيط الجيد. ويمكن البدء بمراجعة إنفاق الأشهر الثلاثة الماضية، ومقارنة مقدار ما تم التخطيط له ومقدار الإنفاق الفعلي.
يلي ذلك وضع ميزانية محددة ومعرفة ما تنفقه على احتياجاتك الأساسية؛ يساعد ذلك على معرفة أين تذهب أموالك وأماكن الإنفاق التي عليك تقليصها.
كذلك ستحتاج إلى التعامل مباشرة مع إغراء العروض والتخفيضات؛ يساعدك على ذلك إلغاء الاشتراك من قوائم البريد الإلكتروني والرسائل النصية للمتاجر التي تنهال عليك بالعروض ومحاولة بث القلق بداخلك بشأن احتمالية فقدان فرصة عظيمة.
وأخيراً؛ من المهم أيضاً ألا تحاول حرمان نفسك من أي إنفاق تماماً. لذلك خصص بعض أموال التبذير في ميزانيتك التي تسمح بالإنفاق التلقائي في بعض الأحيان؛ يتيح لك ذلك شراء منتجات بين الحين والآخر دون الشعور بالذنب أو القلق بشأن الإنفاق الزائد.