لا يريد أحد منا أن يشعر بمرارة الخسارة والندم، فهما أمران نحاول أن نتجنب الوقوع في شركهما بالتفكير الجيد في قراراتنا اليومية. وعلى الجانب الآخر، نسعى إلى الفوز والنجاح لما لهما من تأثير إيجابي في صحتنا النفسية ودورهما في تعزيز شعورنا بالتفوق والرضا عن الذات. إلا أن اتخاذ القرارات لا يتوقف فقط على دراستنا الجيدة للأمر وموازنة أي الخيارات يعمل لصالحنا وأيها يمكن أن يؤدي إلى خسارة حالية أو مستقبلية. فهناك عامل مهم؛ بل وقد يكون الأكثر أهمية في هذا الأمر، ألا وهو عامل "الزمن" الذي يستخدمه المعلنون لصالحهم لزيادة مبيعاتهم خلال الجمعة البيضاء أو الجمعة السوداء (Black Friday).
تسوق الآن ولا تضيع الفرصة!
كثيراً ما يستخدم المعلنون عبارات مثل "ساعة الحظ" أو "فلاش سيل" أو "عرض لأول 5 مشتركين" لترويج منتجاتهم، متبوعة بعبارات مثل "لا تضيع الفرصة" أو "عرض لفترة محدودة"؛ ما يعني أن تقديم عرض أو خصم جيد على المنتج ليس وحده المحفزَ الأساسي للشراء وإنما هذه الفرصة الحالية التي تنتهي قريباً وعليك اللحاق بها دون التفكير كثيراً.
لتعزيز هذه الطريقة في تسويق المنتجات؛ يستخدم المسوقون استراتيجية الدفع التسويقية (Push Marketing Strategy) والتي يحاولون فيها عرض منتجاتهم عن طريق الإعلانات الضخمة أو الدعايا المثيرة للانتباه لترسيخ المنتج في عقول العملاء.
يتمثل أحد الأهداف الرئيسية لهذا النوع من التسويق في تقليل الوقت المنقضي بين رؤية العميل لمنتج ما واتخاذ قرار شرائه لأقل وقت ممكن، ويكون الاهتمام منصباً على بيع فوري أكثر من تعزيز ولاء العميل للعلامة التجارية على المدى البعيد.
عروض الجمعة البيضاء بين الشعور بالفخر وتجنب الندم
في هذا السياق، تشير المحاضِرة الأولى في التسويق بجامعة شيفيلد هالام الإنجليزية (Sheffield Hallam University)، شاليني فوهرا (Shalini Vohra) إلى اثنين من المشاعر الرئيسية التي يستهدفها المسوقون في وقت الجمعة البيضاء؛ وهما الندم والفخر.
فالخوف من الندم في المستقبل يؤثر في اتخاذنا للقرار. وعلى الرغم من أن الشعور بالندم قد يبدو لاحقاً لاتخاذ القرار؛ إلا أنه قد يسبق الفعل أيضاً ويمكن توقعه في بعض الأحيان كما ورد في كتاب "صنع القرار: تحليل نفسي للصراع والاختيار والالتزام" (Decision Making: A Psychological Analysis of Conflict, Choice, and Commitment)؛ وبالتالي فنحن مدفوعون بالرغبة في محاولة تجنب هذا الشعور المؤلم.
وتضيف فوهرا إن الندم هو عاطفة معقدة يمكن أن تظهر في شكل أفعال إجبارية، وهو يشمل الندم عندما نفعل شيئاً وكذلك الإغفال عن فعل شيء ما نأسف عليه لاحقاً. كما أن الندم على الأشياء التي لم نقم بها يفوق الندم على ما قمنا به بالفعل واختبرنا نتائجه، ويستمر لفترة أطول بحسب دراسة منشورة بدورية سايكولوجيكال ريفيو (Psychological Review). وعلى الجانب الآخر، يعزز اقتناص الفرص والعروض "الحصرية"، على حد تعبير المسوقين، شعورنا بالفخر والسعادة.
3 تفسيرات نفسية توضح سبب شعبية الجمعة البيضاء
يتضافر عدد من مجالات علم النفس في تفسير إقبال المشترين على عروض الجمعة البيضاء دوناً عن العروض التي تكون على مدار العام؛ كما يلي:
1. علم نفس المستهلك: الخوف من أن يفوتنا شيء ما (FOMO)
يؤدي الخوف من أن يفوتنا شيء ما والمعروف أيضاً بـ "الندم الاستباقي"، دوراً مهماً في اتخاذنا للقرارات. فعلى المدى القصير، نميل إلى الندم على القرارات التي أدت إلى نتائج سيئة. وعلى المدى الطويل، غالباً نأسف على الأشياء التي لم نفعلها.
كما أن العديد من صفقات الجمعة البيضاء يتم تسويقها على أنها "عروض لفترة محدودة"؛ ما يجعلها أكثر إغراءً ويؤجج هذا الخوف ويدفع المستهلكين لشراء السلعة في وقت العرض محدود المدة لأنه يبدو وكأنه أقل مخاطرة من محاولة العثور على صفقة أفضل في مكان أو وقت آخر.
كذلك، تؤدي أنماط الشخصية دوراً مهماً في قرارنا لشراء شيء ما؛ حيث يميل الأشخاص المندفعون إلى انتزاع شيء ما بسرعة وبالتالي هم أكثر عرضة للندم على الشراء لاحقاً. بينما يندم الذين ينتظرون كثيراً ويتخذون وقتاً طويلاً في التفكير قبل اتخاذ القرارات على عدم الشراء وإضاعة الفرص.
2. علم النفس العصبي: الاندفاع نحو الشعور بالمكافأة
يوضح لنا علم النفس العصبي أن أحداثاً مثل الجمعة البيضاء لها تأثيرات مثيرة للاهتمام في كيمياء الدماغ. على سبيل المثال؛ عندما نلتقط آخر شاشة تلفاز كبيرة ترتفع مستويات الدوبامين كإشارة على المكافأة ما يجعلنا نشعر بالارتياح!
ومع ذلك، فإن الكثير من الدوبامين دون مواد كيميائية أخرى مثل السيروتونين لموازنته ليس جيداً بالنسبة إلينا؛ حيث يُنظر إلى الأنشطة التي تزيد من إفراز الدوبامين على أنها عوامل مسهمة في سلوك الإدمان.
3. علم النفس الاجتماعي: عقلية الحشود
يحتوي علم النفس الاجتماعي على عدد من النظريات التي تساعد على تفسير سبب تصرف المواطنين العاديين فجأة بشكل غير اجتماعي أو عدواني.
يعد الانخراط في الحشود (Deindividuation) من أكثر النظريات شهرة، وهو يشير إلى أنه عندما نكون جزءاً من مجموعة كبيرة، فمن غير المرجح أن نستطيع التحكم جيداً في سلوكنا ومخالفة المجموعة. وفي هذه الأوقات، قد نفعل أشياء لا يمكن تصورها أو القيام بها عادةً.
وفي الجمعة البيضاء، يكون الحشد كببيراً مقارنة بالموارد المتاحة؛ ما يمكن أن يعزز عقلية الحشود (Mob Mentality) التي تتميز في بعض الأحيان بسلوك عدواني؛ حيث يندفع الأشخاص للّحاق بالعروض بطريقة قد تكون عدوانية، على عكس طبيعتهم.
كيف تقاوم إغراء عروض الجمعة البيضاء؟
غالباً يتم التلاعب بنا وبسهولة من قِبل أصحاب المتاجر الذين يرغبون في تحقيق أعلى مكاسب خلال هذه الفترة. كي تتمكن من مقاومة سيل العروض خلال الجمعة البيضاء؛ إليك بعض الطرق لمساعدتك على الالتزام بميزانية للتسوق خلال هذه الفترة:
1. تعرف إلى محفزات إنفاقك
يمكن التحكم في إنفاقك من خلال تحديد الأسباب التي تجعلك تتسوق بهدف محدد، والأخرى التي تدفعك لشراء أشياء لا داعي لها؛ كما تقول خبيرة ادخار المستهلك أندريا وروتش (Andrea Woroch).
على سبيل المثال؛ لا يستطيع الكثير من الناس مقاومة الشراء لكن ليست كل العروض متساوية ويجب على المتسوقين أن يكونوا حذرين من أنواع العروض التي قد تحتوي على صيغة مختلفة في العرض لكنها متساوية في قيمة الخصم الحقيقية.
لذلك تأكد من أنك تشتري ما تحتاجه حقاً، ومن المدة التي تقضيها في كل متجر بغض النظر عن مدى روعة العروض وتجربة التسوق بشكل عام.
2. عدل قائمة للتسوق وراجعها مرتين
قبل أن تتوجه إلى المتجر للتسوق، خذ الوقت الكافي للقيام بواجبك. تُصدر المحال التجارية إعلاناتها مسبقاً؛ ما يمكنّك من مقارنة الأسعار والعروض الترويجية المعلن عنها. وبعد حساب السعر الترويجي مقارنة بالسعر الأصلي والخصم، ستعرف إذا كان العرض حقيقياً أو وهمياً.
3. ضع نفسك على نظام حمية نقدي
بطاقات الائتمان ليست للجميع! لذلك تقول وروتش: "إذا لم تتمكن من مقاومة عملية الشراء، فقد يكون من الأفضل لك التسوق بالنقود الورقية وبخاصة في يوم الجمعة البيضاء، لتتمكن من شراء ما حددته في ميزانيتك فقط".
اقرأ أيضاً: كيف تتغلب على هوس التسوق في موسم التخفيضات؟
وأخيراً؛ قد يكون التسوق متعة بالنسبة إلى البعض، فيمدهم بالسعادة لاقتناء أشياء يرغبون فيها حقاً. لكن قد يختلف الأمر وقت الجمعة البيضاء التي أكسبت التسوق في هذه الفترة ملمحاً غير صحي من الإنفاق دون رغبة حقيقية في اقتناء هذه الأغراض كلها أو الحاجة إليها؛ ما يستدعي التفكير جيداً قبل الانسياق وراء العروض المغرية، سواء كانت حقيقية أو غير حقيقية.