تخيّل! فقط تخيّل أن تجد وظيفة أحلامك؛ تلك التي تناسب مهاراتك تماماً وتبرع في إنجاز مهامها المطلوبة، وتحصلَ على أجرٍ ليس خيالياً ولكنّه جيّد ويوافق ما تقدّمه من خدمات لشركتك. والأفضل من ذلك كلّه أنها وظيفة تستطيع من خلالها أن تساعد فئة من الناس أو تُحدث تغييراً إيجابياً يحتاجه العالم. لن تحتاج إلى التخيّل إذا كانت وظيفة بهذه المعايير ستجلب السعادة. مفهوم الإيكيغاي الياباني سيحقّق هذا الحلم إن اتبعت العادات وتبنيت فلسفة الحياة التي يوصي بها.
إن كانت هذه أول مرّة تسمع بهذا المفهوم، فيمكنك التعرّف إلى تفاصيله أكثر من خلال مقالنا بعنوان: "كيف تساعدك تمارين الإيكيغاي اليابانية على تحديد رسالتك في الحياة؟".
من المعروف عن الإيكيغاي دوره الكبير في جلب السعادة إلى حياتك وإعطاء معنىً لها، ورسالة تعيش لتحقيقها وتلهمك للنهوض من فراشك كل يوم. لكن دراسة حديثة أثبتت أنه يمكن أيضاً أن يتنبأ بظهور القلق والاكتئاب لدى الأشخاص. تعرّف إلى التفاصيل في المقال.
ماذا يعني مفهوم الإيكيغاي الياباني؟
يعتبر المقدم الإذاعي والمتحدث الكندي تيم تاماشيرو (Tim Tamashiro) الإيكيغاي بمثابة خريطة كنز لمساعدتك على استكشاف الجانب الرائع من ذاتك ومحيطك، وستتلقى الشكر والثناء على ذلك حسب رأيه.
يفتخر تيم بجذور مفهوم الإيكيغاي الياباني القادم من مسقط رأسه أوكيناوا الشهيرة في اليابان؛ تلك الجزيرة المعروفة عالمياً بسكّانها الذي يعمرّون لما بعد الـ 100 سنة؛ إذ إنها واحدة من "المناطق الزرقاء" الـخمس في العالم التي تتميز بالعمر الطويل لسكانها.
وتنقسم عبارة إيكيغاي إلى كلمتين باليابانية؛ "إيكي" ويُقصد بها "الحياة"، و"غاي" وتعني "الاستحقاق". وهي تشير بذلك إلى قيمة الحياة وسبب الوجود؛ أي الدافع الذي يعيش الشخص من أجله. يرى تيم بأن هذا المفهوم عبارة عن أفعال وسلوكيات ينبغي نهجها أكثر من فلسفة يمكن التحدّث عنها فقط، ويمكن تقسيمه إلى 4 اتجاهات رئيسية:
- عمل ما تحب.
- عمل ما تتقن.
- عمل ما تجزى عليه.
- عمل ما يحتاجه العالم.
لحسن الحظ وجد تيم تاماشيرو الإيكيغاي خاصته بعد أن قدم استقالته من عمل ناجح كمقدم في إذاعة سي بي سي (CBC) الكندية، ليركّز على أعماله الخاصة ومشاريعه الصغيرة كالسفر والبودكاست ومساعدة الناس والتي حققت له رسالة حياته؛ وهي أن يبتهج ويحقق الابتهاج لكل من يلتقي بهم.
إيكيغاي عالٍ؛ اكتئاب أقلّ مهما كان سنك وجنسك ووضعك الاجتماعي
شارك 92 شخصاً بالغاً ويتمتع بصحة جيدة في استطلاع عبر الإنترنت؛ حيث طُلب منهم تحديد العمر والجنس والوضع الوظيفي. بعد ذلك أكمل المشاركون تحليلات أخرى من بينها تحليل الإيكيغاي-9؛ وهو عبارة عن أداة قياس نفسية تم تطويرها والتحقق من صحتها من قِبل باحثين يابانيين، وتُستخدم لقياس تسعة عناصر لسبب وجود الفرد من خلال مشاعره ومواقفه تجاه حياته.
تم استخدام بيانات هذه التحليلات في دراسة بحثية نُشرت نتائجها حديثاً، أشرفت عليها الباحثة جولييت ويلكس (Juliet Wilkes) و3 باحثين آخرين من مركز إنتربرايز (Enterprise) في جامعة ديربي في بريطانيا.
أفضت النتائج إلى ارتباط الإيكيغاي بشكل سلبي بالاكتئاب والقلق؛ أي أن انخفاض حس الإيكيغاي لدى الأفراد يسهم في ارتفاع احتمالات الإصابة باضطرابات الصحة النفسية، بينما يؤدي حس الإيكيغاي العالي إلى ارتفاع مستويات الرفاهية الذاتية. أما عوامل العمر والجنس والوضع الوظيفي أو الدراسي فلم تؤثر بشكل مباشر في التنبؤ بالرفاهية أو الاكتئاب أو القلق لدى المشاركين.
فوائد الإيكيغاي ترتبط بالصحة الجسدية والنفسية
لطالما أكد الخبراء ونتائج الأبحاث التأثير الإيجابي لامتلاك هدف في الحياة. أو بعبارة أخرى؛ ترتبط معرفتك بالإيكيغاي خاصتك بتحسين الرفاه والصحة النفسي وتعزيزهما. ولكن لم يكن معروفاً إذا كان لهذا المفهوم تأثير جيّد في الصحة الجسدية للأشخاص الذين يطبقون مبادئه في حياتهم.
إلا أن دراسة حديثة نُشرت في مجلة لانسيت للصحة الإقليمية (The Lancet Regional Health) في مطلع سنة 2020، وأشرف عليها 11 باحثاً وباحثة من جامعات مختلفة في كل من بريطانيا وأميركا وكندا واليابان، أثبتت أن وجود حس الإيكيغاي العالي لدى الأشخاص يخفّض من خطر الإصابة بإعاقة وظيفية بنسبة 31% وخطر الإصابة بالخرف بنسبة 36%.
كما أوضحت الدراسة أن أعراض الاكتئاب والإحساس العام باليأس تكون أقل عند الأشخاص ذوي حس الإيكيغاي العالي، وهم يميلون إلى الانخراط في مشاركة هواياتهم ومهاراتهم وخبراتهم مع الآخرين.
قد نجد أن مفهوم الإيكيغاي متواجد أيضاً في ثقافات أخرى مختلفة عن الثقافة اليابانية، فهو يرتبط بميول الإنساني الفطري للعيش حياة ذات معنى، وخدمة هدف أو رسالة مهما كانت بسيطة. وقد أسهم الباحثون المهتمون بإثبات منافع الإيكيغاي غير المتوقعة، ذات الارتباط المباشر بالصحة الجسمانية والنفسية، وربما ينبغي علينا نحن أيضاً محاولة تطبيق مبادئ هذا المفهوم في حياتنا.