اضطراب النوم الانتيابي: ألا تكون يقظاً رغم استيقاظك!

5 دقيقة
اضطراب النوم الانتيابي

قد نتندر كثيراً ونقول إن استيقاظنا من النوم لا يعني أننا يقظون، وإن ميعاد ترك الفراش لبدء اليوم لا يعني بالضرورة أن عقلنا قد استيقظ بالفعل وأصبحنا على أهبة الاستعداد لممارسة أنشطة اليوم والمهام المطلوبة في العمل.
وعلى الرغم من أن هذا التندر قد يبدو فكاهياً؛ فإن تكراره واستمرار الشعور بحالة عدم اليقظة قد لا يشير فقط إلى عدم الحصول على نوم جيد بل والمعاناة من بعض اضطرابات النوم.

واضطرابات النوم هي حالات تعوق نوم الفرد أو تمنعه من الحصول على نوم مريح؛ ما ينتج منه الشعور بالنعاس خلال فترة النهار، وأعراض أخرى مثل انخفاض القدرة على ممارسة الأنشطة النهارية، والتقلبات المزاجية، وعدم القدرة على التركيز، إلخ. وعلى الرغم من تعدد أنواع اضطرابات النوم؛ إلا أن عدم الحصول على نوم جيد خلال الليل يظهر كأحد أهم أعراضها.

ما هو النوم الانتيابي أو داء التغفيق؟

النوم الانتيابي -المعروف أيضاً بداء التغفيق- هو أحد اضطرابات النوم المزمنة، ويتميز بالنعاس الشديد خلال فترة النهار ونوبات نوم مفاجئة متكررة.

غالباً ما يواجه الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب صعوبة في البقاء مستيقظين لفترات طويلة من الوقت، بغض النظر عن الظروف والبيئة المحيطة، لذلك يمكن أن يمثّل خطورة كبيرة في النظام اليومي للفرد في حالات مثل قيادة السيارة. وعادةً ما يبدأ اضطراب النوم الانتيابي عند الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 10-30 عاماً.

أعراض النوم الانتيابي

تشمل أعراض اضطراب النوم الانتيابي ما يلي:

  • النعاس المفرط خلال فترة النهار: ينام الأشخاص المصابون بداء التغفيق من دون سابق إنذار، في أي مكان وفي أي وقت. على سبيل المثال؛ قد يكون الفرد يعمل أو يتحدث إلى صديق وفجأة يغفو وينام لبضع دقائق حتى نصف ساعة. يشعر الفرد بالانتعاش بعد الاستيقاظ من هذه الغفوة لكنه يشعر بالنعاس مرة أخرى بعد قليل.
  • انخفاض اليقظة والقدرة على التركيز على مدار اليوم: عادةً ما يكون النعاس المفرط في أثناء النهار أول الأعراض التي تظهر في حالة النوم الانتيابي، وغالباً ما يكون الأكثر إزعاجاً؛ ما يجعل من الصعب على الفرد التركيز والعمل بنشاط.
  • الفقدان المفاجئ لتوتر العضلات (الجَمدة): يمكن أن يسبب النوم الانتيابي عدداً من التغييرات الجسدية، بداية من الكلام غير الواضح إلى الضعف الكامل لمعظم عضلات الجسم، وقد يستمر ذلك الوهن حتى بضع دقائق. قد تصعب السيطرة على ضعف العضلات الناتج من المشاعر الشديدة التي عادة ما تكون إيجابية مثل الضحك أو الإثارة؛ لكنها يمكن أيضاً أن تكون سلبية مثل الخوف أو الغضب. على سبيل المثال؛ عندما يضحك الفرد فقد تتدلى رأسه بشكل لا يمكن السيطرة عليه أو قد تنقبض ركبتاه فجأة.

يعاني بعض الأشخاص المصابين باضطراب النوم الانتيابي من نوبة واحدة أو اثنتين فقط من الجمدة كل عام، بينما يعاني البعض الآخر من عدة نوبات يومياً؛ لكن ليس بالضرورة أن يعاني منها كل شخص مصاب بالنوم الانتيابي.

  • شلل النوم: غالباً يعاني الأشخاص المصابون بالنوم الانتيابي من عجز مؤقت عن الحركة أو الكلام خلال نومهم أو عند الاستيقاظ، وتكون هذه النوبات قصيرة عادةً، فقد تستمر لبضع ثوانٍ أو دقائق ولكنها قد تكون مخيفة.
  • التغييرات في فترة نوم حركة العين السريعة (REM): غالباً ما تحدث الأحلام في فترة نوم حركة العين السريعة، وفي حالة الأفراد المصابين باضطراب النوم الانتيابي؛ يمكن أن يحدث نوم حركة العين السريعة في أي وقت من اليوم. بالإضافة إلى ذلك، فغالباً ينتقل هؤلاء الأشخاص إلى نوم حركة العين السريعة في غضون 15 دقيقة من النوم.
  • الهلوسة: تُسمّى هذه الهلوسة هلوسة النوم إذا حدثت في أثناء النوم، وهلوسة التنويم المغناطيسي إذا حدثت في حالة الاستيقاظ. على سبيل المثال؛ قد يشعر الفرد كما لو أن هناك شخصاً غريباً في غرفة نومه. وقد تكون تلك الهلوسة مخيفة للفرد لأنه قد لا يكون نائماً تماماً عند اختبار ذلك، فيشعر أنها حقيقة.

أسباب اضطراب النوم الانتيابي

لا يزال السبب الدقيق للنوم الانتيابي غير معروف؛ إلا أن الأشخاص المصابين به لديهم مستويات منخفضة من الهيبوكريتين (Hypocretin) وهو أحد النواقل العصبية المهمة في الدماغ التي تساعد على تنظيم اليقظة ونوم حركة العين السريعة.

من المحتمَل أيضاً أن يكون للجينات دور في تطور هذا الاضطراب؛ لكن ذلك الأمر ليس شائعاً وتصل نسبته إلى ما يقرب من 1% فقط.

علاج اضطراب النوم الانتيابي

تشير دراسة من المركز الجامعي لاضطرابات النوم في المملكة العربية السعودية إلى أن اضطراب النوم الانتيابي حالة مزمنة غير قابلة للشفاء تماماً؛ لكن يمكن تخفيف حدة أعراضه باتباع نظام صحي في الطعام والنوم، بالإضافة إلى الأدوية لتبقى الأعراض مستقرة نسبياً بمرور الوقت وضمان سلامة المرضى وتحسين جودة حياتهم.

بالنسبة لأي مريض؛ يمكن تصميم العلاج بما يتناسب مع عمره وصحته العامة وأعراضه، بالإضافة إلى تفضيلاته الفردية. لذلك تجب مشاورة الأمر مع الطبيب لتعزيز القدرة على تحسين العلاج لأي شخص.

1. العلاج السلوكي

من المهم في هذا الاضطراب اتباع نمط حياة صحي يهدف إلى مكافحة الشعور بالنعاس الشديد خلال فترة النهار، ومنع الإصابات العرَضية، بالإضافة إلى تعزيز الصحة البدنية والعقلية والعاطفية كما يلي:

القيلولة المُجدوَلة: يمكن أن تساعد القيلولة المُجدوَلة الأشخاص على التغلب على النعاس في أثناء النهار، والاستيقاظ بعد فترة قصيرة منتعشين؛ حيث يمكن لهذا النوع من القيلولة زيادة يقظتهم في فترات رئيسية من اليوم ومنعهم من النوم بشكل لا إرادي، خاصةً في المواقف التي تتطلب اليقظة الشديدة مثل قيادة السيارة.

اتباع نظام نوم صحي: غالباً يعاني الأشخاص المصابون باضطراب النوم الانتيابي من قلة النوم في أثناء الليل؛ كما يمكن أن يؤدي الاستيقاظ المتعدد إلى انخفاض جودة ساعات النوم -بغض النظر عن عددها- ما ينتج منه تفاقم النعاس خلال فترة النهار. لذلك يشمل تحسين روتين النوم للأشخاص المصابين باضطراب النوم الانتيابي ما يلي:

  • الحفاظ على أوقات نوم واستيقاظ ثابتة.
  • تجنُّب المشروبات الكحولية والمهدئات لأنها تتداخل مع دورات النوم وتؤثر سلباً في جودته.
  • تجنُّب الكافيين في وقت متأخر من اليوم.
  • إنشاء غرفة نوم صديقة للنوم، تكون مظلمة وهادئة ودرجة حرارتها مناسبة، بالإضافة إلى استخدام فراش مريح.
  • الحد من استخدام الأجهزة الإلكترونية في الليل لأنها تصدر ضوءاً أزرق قد يتداخل مع ساعة الجسم البيولوجية.

اقرأ ايضاً: كيف تنام بعمق وتستيقظ نشيطاً؟

اتباع حمية صحية: يُعد اتباع نظام غذائي صحي أمراً مهماً للجميع ولكنه يكون شديد الأهمية بالنسبة للأشخاص المصابين بداء التغفيق؛ حيث يزداد لديهم خطر الإصابة بالسمنة. كما يؤدي انتظام توقيت الوجبات دوراً مهماً؛ حيث قد يتداخل تناول الطعام في وقت متأخر من الليل مع عملية الهضم الطبيعية ما يزيد من اضطرابات النوم بحسب دراسة منشورة في الدورية الدولية لأبحاث البيئة والصحة العامة (Int J Environ Res Public Health)، وإذا كانت وجبات العشاء متأخرة أو ثقيلة، فقد تتسبب في عسر الهضم؛ ما قد يؤدي إلى تدهور جودة النوم.

التمرين اليومي: تُعتبر ممارسة التمارين الرياضية بانتظام أمراً مهماً للحفاظ على وزن صحي، وتساعد على مكافحة مشكلات القلب والأوعية الدموية مثل ارتفاع ضغط الدم؛ وهو أمر شائع لدى الأشخاص المصابين بداء التغفيق. كذلك يساعد النشاط البدني على تحسين الصحة العقلية والنوم بشكل عام.

اقرأ أيضاً: كيف ترتبط جودة النوم بمواقف حياتنا اليومية؟

2. الأدوية

يتناول معظم مرضى اضطراب النوم الانتيابي دواءً أو أكثر من الأدوية الموصوفة والمصممة لتخفيف حدة أعراضهم تحت إشراف الطبيب. وتشمل علاجات النعاس التي تساعد على اليقظة والحفاظ على التركيز ما يلي:

  • مودافينيل (Modafinil): غالباً ما يكون أول دواء يوصف لعلاج اضطراب النوم الانتيابي.
  • الميثيلفينيديت (Methylphenidate): هو أكثر الأدوية التي توصف بشكل متكرر من بين العديد من الأدوية الموصوفة لهذه الحالة لتعزيز اليقظة؛ ولكن غالباً ما تكون له آثار جانبية مثل فقدان الشهية والتهيج وصعوبة النوم ليلاً.
  • بيتوليزانت (Pitolisant): يساعد على تعزيز اليقظة من خلال تأثيره في الهستامين، ومن أكثر آثاره الجانبية شيوعاً الأرق والغثيان والصداع.
  • سولريامفيتول (Solriamfetol): يعمل على تحسين اليقظة من خلال التأثير في الدوبامين والنورأدرينالين، وتشمل آثاره الجانبية الأكثر شيوعاً الصداع وفقدان الشهية والغثيان والأرق.

في النهاية؛ لا يتوقف علاج اضطراب النوم الانتيابي على الدواء، فللمريض دور مهم أيضاً يتمثل في اتباع نمط صحي للطعام والنوم وعدم الاكتفاء بالعلاج الدوائي.

المحتوى محمي